أستاذ جامعي يبتكر محراباً إلكترونياً ويدافع عنه!
[COLOR=green]صحيفة طبرجل الإخبارية -[/COLOR] [COLOR=red]حوار : وهيب الوهيبي[/COLOR]
أنهى أستاذ في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية دراسة محكَّمة حول ضوابط توظيف تقنية المعلومات التطبيقية في خدمة الفقه، وكان من ضمن هذه الدراسة رؤية شرعية حول استخدام المحراب الإلكتروني داخل وخارج الصلاة.
واستعرض الدكتور هشام بن عبد الملك آل الشيخ في حوار مع (الجزيرة) الضوابط الشرعية للعمل ببرنامج المحراب الإلكتروني ومميزاته وفيما يلي نص الحوار:
[COLOR=blue]شاشة إلكترونية[/COLOR]
[COLOR=red]أود تقديم إضاءة تعريفية عن برنامج المحراب الإلكتروني؟ [/COLOR]
– البرنامج عبارة عن محراب مصنوع من الخشب الفاخر، يتوسطه شاشة إلكترونية مستطيلة، أبعادها كأبعاد صفحة الكتاب بعد تكبيرها، ويمكن عند تكبيرها استعراض القرآن الكريم كاملاً، والوقوف عند أي صفحة منه لتظهر مقروءة بشكل واضح ومريح من قبل المصلي، الذي يقف في المحراب على بعد حوالي مترين من الشاشة، التي هي قريبة نوعاً ما من موضع السجود.
وكلما انتهى المصلي من قراءة الصفحة التي أمامه، يضغط بإصبع السبابة اليمنى على سوار بلاستيكي في معصم يده اليسرى، وهذا السوار متصل بسلك كهربائي للجهاز، ويمكن أن يكون (لا سلكي) فتختفي الصفحة التي انتهى من قراءتها لتظهر الصفحة التي تليها مباشرةً.
والبرنامج قام باعداده وتأليفه شركة خاصة سعودية مقرها في جدة وهو من البرامج تكلفته باهظة، إضافة إلى كبر حجمه، والمؤمل أن تسعى الشركات المنتجة إلى إنتاج أجهزة أصغر منه حجماً وبتكاليف أقل.
[COLOR=blue]مميزات [/COLOR]
[COLOR=red]حسناً.. ما المميزات التي يتمتع بها البرنامج؟[/COLOR]
– لهذا البرنامج الكثير من الميزات، التي تساعد كبار السن على تلاوة القرآن الكريم دون عناء حمله حال القراءة، وكذا متابعة التلاوة بشكل متسلسل، إذ الجهاز مزود بذاكرة إلكترونية.
ومن الميزات أيضاً أن هذا البرنامج يساعد على الطمأنينة والخشوع، ويؤدي مع تكرار القراءة منه إلى استعراض آيات وسور القرآن الكريم كاملاً دون عناء.
كما أن الشركة المنتجة له كان غرضها الأساسي من إنتاجه، أن يحل محل حمل المصحف حال صلاة التهجد والتراويح في شهر رمضان المبارك، وأن يساعد الأئمة غير المتقنين لحفظ القرآن الكريم في عالمنا الإسلامي على التلاوة دون حمل المصحف، ويساعد المرأة غير المتقنة لحفظ القرآن الكريم في بيتها على الصلاة وتلاوة ما شاءت من سور القرآن الكريم.
ومن الميزات أيضاً أنه يمكن تجهيز الموضع الذي يريد الإمام قراءته من القرآن الكريم قبل البدء بالصلاة، ومن ثم يكبر الإمام والجهاز أمامه كالسترةِ للمصلي، وشاشته إلى أسفل، بحيث يكون نظر الإمام قريباً من موضع السجود.
ومن الميزات أيضاً قلة الحركة في الصلاة حال القراءة، إذ الإمام يقرأ القرآن الكريم من الشاشة المعروضة أمامه، ويضغط بسبابته اليمنى على الزر الموجود في المعصم الذي هو في اليد اليسرى، فتتلاشى الصفحة التي قرأها وتأتي الصفحة التي تليها، وهذا بلا شك أقل حركة بكثير ممن يحمل المصحف في يده، فلا يتحقق مع ذلك وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة.
كما أن حمله المصحف باليد، وفتحه، وتقليب الصفحات، ثم وضعه داخل الجيب بعد الانتهاء من القراءة، أو وضعه على حامل له بالقرب من الإمام، يعتبر شغلاً وحركةً كثيرة لا تقارن بالحركة التي تحصل للمستخدم لهذا البرنامج (المحراب الإلكتروني).
[COLOR=blue]ضوابط شرعية [/COLOR]
[COLOR=red]
لكن ما الضوابط الشرعية التي تراها لاستخدام البرنامج داخل وخارج الصلاة؟ [/COLOR]
– أرى والله أعلم جواز استخدام البرنامج لتلاوة القرآن الكريم خارج الصلاة، وذلك بعد التأكد من صحة برمجة إدخال نص القرآن الكريم، وعدم وجود الأخطاء فيه، ويمكن ذلك من خلال مطابقة النص المدخل كاملاً على المصحف المطبوع من الجهة الموثوقة، كمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. أو بالاعتماد عليه، إن كان مجازاً من جهة علمية موثوقة ومعروفة، كدار الإفتاء الرسمية، أو وزارة الشؤون الإسلامية، أو غير ذلك من الجهات العلمية الموثوقة. وكذا يمكن الاستفادة منه إذا كان البرنامج (المحراب الإلكتروني) يعرض النص القرآني الكريم على شكل صورة لصفحة المصحف كما هو البرنامج الموجود حالياً.
والذي يظهر لي – والله أعلم – جواز استخدامه خارج الصلاة، إذ لا فرق بين قراءة القرآن الكريم من المصحف مباشرةً أو عن طريق البرنامج، بل يستطيع من كان على غير طهارةٍ من الحدث الأصغر أن يقرأ منه، إذ المستخدم له لا يباشر مس المصحف بيده.
وأود أن اشير إلى أن قراءة القرآن الكريم من البرنامج في الصلاة، سواءً كانت فرضاً أو نفلاً، منعت منه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعللوا ذلك المنع بما يلي:
ان في استخدام هذا البرنامج حال الصلاة، دخول في هذه العبادة مع نية مسبقة بمزاولة عملية تشغيل الجهاز بمراحلها والانصراف عن حق الصلاة إلى العمل الكثير المغاير للخشوع وتفويت بعض السنن، كنظر المصلي إلى محل سجوده، وتفويت سكون الجوارح بالإضافة إلى زيادة تكلف لم يأذن بها الله ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – إلى جانب تغيير في هيئة الصلاة الشرعية وانشغال عدد من المصلين خلف الإمام بالنظر إلى هذا الجهاز أمامهم.
كما يؤدي إلى الصد عن حفظ كتاب الله، وتثبيط الهمم عن هذه المنقبة العظيمة وجعل الصلاة مجالاً لاختراعات أصحاب المطامع الدنيوية والأفكار المادية، ويفتح الباب للعبث بالركن الثاني من أركان الإسلام كما أن هذا البرنامج وسيلة لشغل وظيفة الإمام من غير من تتوافر فيهم الأهلية. وخوف الإمام المستمر من انقطاع التيار الكهربائي، وبالتالي توقف الجهاز عن العمل.
ثم ختمت فتوى اللجنة الدائمة بقول: (ولا يجوز أن يحتج لإجازة هذا المحراب بجواز القراءة من المصحف لما بينهما من الفروق الكثيرة. لهذا فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تفتي بالمنع شرعاً لهذا الجهاز، ومنع استعماله في الصلاة).
[COLOR=blue]لجنة الإفتاء[/COLOR]
[COLOR=red]هل ترى أن ما ذكرته اللجنة الدائمة للإفتاء ينطبق على البرنامج؟ [/COLOR]
– بعد النظر إلى هذا البرنامج، فإنه لا يكاد ينطبق عليه كل هذه التعاليل المذكورة في الفتوى؛ وذلك لأن المستخدم للبرنامج سيقوم بتشغيله، وإخراج الفهرس، ثم اختيار السورة، أو الموضع الذي يريد القراءة منه، وكل ذلك قبل البدء في الصلاة، فالنيَّة المسبقة لمزاولة عملية تشغيل البرنامج بمراحلها تحصل قبل الصلاة لا بعد الشروع فيها.
كما أن استخدام البرنامج الموجود لا يحتاج إلى حركة من المصلي، لأن الشاشة موضوعة في موضعٍ قريبٍ جداً من موضع السجود في الصلاة.
وتصفح المصحف يتم عن طريق ضغط الزر الموجود على المعصم الذي في اليد اليسرى للمصلي، والمصلي واضع يده اليمنى على اليسرى، وسبابة يده اليمنى هي التي تضغط على الزر الموجود على معصم اليد اليسرى، فبمجرد الضغط الخفيف على الزر تنقلب الصفحة على الشاشة، دون أن يصرف المصلي نظره عن موضع السجود، ودون أن يعمل أي حركة إضافية.
وبذلك تكون الحركة اللازمة لقراءة القرآن من البرنامج أقل بكثير من الحركة اللازمة للقراءة من المصحف، الأمر الذي أجازه الفقهاء؛ فإن الإمام لا بد أن يخرج المصحف من جيبه، ويقلب أوراقه باليد، وعند الانتهاء من القراءة يرجع المصحف مرة أخرى إلى جيبه، أو إلى منصة موضوعة بجانبه، وكل هذه الحركات منتفية في حالة القراءة من برنامج المحراب الإلكتروني.
وفي نظري ليس في استخدام هذا البرنامج تفويت لسنن، أو تفويت لسكون الجوارح، أو تغيير في هيئة الصلاة، بل يعين على التدبر والتأمل في القراءة. كما أن هذا البرنامج تمَّ تصميمه بحيث لا يستطيع أحد من المصلين خلف الإمام النظر إليه، إلا إذا وقف في مكان الإمام فقط. ويمكن أيضاً تزويد الجهاز بمولد صغير للطاقة، ففي حال تعطل التيار الكهربائي يعمل البرنامج لمدة من الزمن دون توقف. وليس هناك ما يمنع شرعاً من الاختراع أو التنافس في التقنية الحديثة خاصةً التي تخدم المسلمين وتؤدي إلى زيادةٍ في الإقبال على العبادة. أما ما يتعلق بأن المحراب الإلكتروني يؤدي إلى الصد عن حفظ كتاب الله، وتثبيط الهمم عن هذه المنقبة العظيمة، فالذي يظهر أنه معين على الحفظ والمراجعة لا أنه مثبط للهمم، كما أن القول إنه وسيلة لشغل وظيفة الإمام من غير من تتوافر فيهم الأهلية، فهذا شأن إداري المسؤول عنه وزارة الشؤون الإسلامية ولا يعقل أن نمنع ما فيه نفع لعموم المسلمين بمجرد الظن.
[COLOR=blue]الرأي الراجح [/COLOR]
[COLOR=red]في ختام دراستك لهذا الموضوع ما الرأي الذي تميل إليه؟ [/COLOR]
– الذي أراه – والله أعلم – هو جواز استخدام هذا البرنامج في صلاة النافلة وبخاصةٍ التراويح والتهجد في شهر رمضان المبارك، لما نقل المرُّوذي عن الإمام أحمد: (أنه كان يصلي وهو ينظر في الجزء إلى جانبه)، قال شمس الدين أبو الفرج بن قدامة صاحب الشرح الكبير: (فظاهره أن الصلاة لا تبطل).
ونقل أيضاً عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه يجوز القيام في الصلاة وهو ينظر في المصحف، قيل له: الفريضة؟ قال: لم أسمع فيها بشيء.
أما صلاة الفريضة فالذي أراه – والله أعلم – عدم الحاجة الى هذا البرنامج، إذ مطلوب من الإمام التخفيف وعدم الإطالة، ففي الحديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (أيكم أَمَّ الناس فليوجز). متفق عليه.
وقال شمس الدين أبو الفرج بن قدامة صاحب الشرح الكبير: (وأما فعله في الفرض – يعني القراءة من المصحف – ففيه روايتان، إحداهما يكره، اختاره القاضي؛ لأنه يشغل عن خشوع الصلاة، ولا يحتاج إليه، والثانية لا يكره، ذكره ابن حامد).