الأمير بندر: الحياة الفطرية كانت فاسدة
[COLOR=green]صحيفة طبرجل الإخبارية – اختيار عبد الله الغريب[/COLOR]
[COLOR=red]أجرى الحوار : [/COLOR]عبدالعزيز العطر
نحو ثلاث ساعات أمضيناها مع الأمير بندر بن سعود آل سعود، أمين عام الهيئة الوطنية للحياة الفطرية، في حوار طويل شامل، لم يقتصر على الهيئة ونشاطاتها وحسب، بل شمل جوانب متنوعة كثر، يرى أن استمرارها من معوقات التطور، بما في ذلك الاهتمام بالحياة الفطرية.
الحوار الذي شارك فيه رئيس تحرير “الوطن” الأستاذ جمال خاشقجي، ونائب رئيس التحرير الأستاذ جاسر الجاسر، وكنت معهم فيه، كان على الضفة الأخرى الأمير بندر بن سعود، في حوار عدونا فيه عدو الغزلان البرية في البيداء.
الأمير الذي أمضى في أمريكا نحو 17 عاما، يرى أن صلاح الهيئة سيكون بمقدوره تحقيقه، بعد أن استطاع استئصال جذور “الفساد”، وأنه كصياد أقرب إلى فهم هذه الطبيعة، فإذا ما جمع الخيوط كلها، غدت الحياة الفطرية في أمان، أو على الأقل اقتربت من ذلك.
[COLOR=blue]حزم في الأداء[/COLOR]
الحزم في الأداء، صفة رئيسة تتلمسها بين طيات حديث الأمير بندر، متوعدا أنه سيمضي في الطريق دون وجل مقسماً، أنه “لو أن أبي أراد انتهاك الأمانة التي أحملها لمنعته، ولو وصل الأمر أن أشكوه لولي الأمر”، يقولها رغم القسوة التي قد يستشعرها البعض، لكنها شدة من يرى أن المستقبل لن يكون هنيئا للأجيال القادمة، ما لم يحافظ أناس هذا العصر على الحياة البيئية التي هي ليست ملكا لهم وحدهم.
[COLOR=blue]الحرب على الفساد[/COLOR]
في البدء، اعترف الأمير بندر بن سعود، أن جهازه كان يعتبر “مؤسسة فاسدة”، وأن أكبر إنجاز يفخر به، هو النجاح في القضاء على 85% من الفساد في الهيئة، ليعتبر بذلك أول مسؤول حكومي يعترف بفساد جهازه!.
وكشف الأمير بندر أن الفساد الذي كان يعج به جهازه، تمثل في أمور عدة منها، الترقيات غير العادلة بالهيئة، وانتدابات مزيفة لبعض الموظفين، تصل في بعض الأحيان لمدة 63 يوماً، دون أن يقوموا بزيارة ميدانية واحدة أو يغادروا أماكنهم، إضافة إلى بعثات ودورات وهمية.
وأوضح الأمير بندر أن الفساد لم يقتصر على ذلك، بل شمل المشتريات، والتعاقدات، والتي حرص على القضاء عليها بشكل أساسي.
وروى أنه كشف بجهد شخصي حالات تلاعب منها، أن الهيئة طلبت نحو 200 جهاز اتصالات، وسُجل في السندات على أن قيمة الجهاز الواحد هي17 ألف ريال، وبعد إرسال سائقه الخاص للتأكد من السعر الفعلي في السوق، اكتشف أن قيمة الجهاز لا تتجاوز الـ 8000 ريال!. وهو يقول بارتياح بعد كل هذه الجهود، إن “الهيئة نظيفة في الوقت الحالي من جميع الشوائب السابقة”.
وبين الأمير بندر أن من الطرق التي اتبعها لمحاربة الفساد، هي “التنويع والشفافية، لأن الاحتكار والكتمان بيئتان ينشط فيهما الفساد وينتعش”.
ففي مجال الترقيات، ضم المسؤول عن الترقيات بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، مع آخر في الهيئة، لترتيب الترقيات بالشكل الصحيح، ولم يتبق أي مدير يستحق الترقية لم يأخذ ترقيته المطلوبة، بينما كانوا قبل ثلاث سنوات يتباكون من أمر الترقيات وتأخرها عليهم. أما في الشؤون المالية، فكل مسؤولي الهيئة يطلعون على ميزانياتهم، ليضعوا خططهم بناء عليها.
[COLOR=blue]الأمراء انتهت مخالفاتهم[/COLOR]
في مجال الانتهاكات، يؤكد الأمير بندر بن سعود، أن المحميات تعرضت على مدى السنوات الماضية، لانتهاكات كثيرة لم تقتصر على فئة دون أخرى. وبسؤاله عن وجود انتهاكات من قبل الأمراء، كشف الأمير بندر “أن الهيئة رصدت انتهاك أربعة “أمراء” صغار السن، ثلاثة منهم كانوا يريدون دخول المحمية، وأخبرت أمير المنطقة الذي قام بإخراجهم، فيما تبع رجال الحماية الفطرية الآخر مساءً إلى مخيمه وطوقوه، وكلمته وأخبرني أنه لم يقتل ولا فريسة واحدة، وتفهم الموقف وخرج”، وأردف قائلاً “والله لو أن أبي يريد أن يتعرض للأمانة التي حملتها، فإنني لن أسمح له، ولو وصل الأمر لأن أشكوه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز”. وباستثناء هذه الحادثة يقول الأمير بندر “إن الأمراء يتعاونون في الخضوع لأنظمة المحميات وعدم مخالفة اللوائح”.
[COLOR=blue]انتهاكات العسكر[/COLOR]
كثرة انتهاكات العسكر للمحميات الطبيعية، أمر شكا منه الأمير بندر بن سعود، موضحا أن ما نسبته 80 إلى 90% من المخالفين في محمية “الحرة” في الشمال هم من “العساكر”، وتعرضت لأكثر عملية ضغط شهدتها المحميات من خلال إبادتها للحيوانات المتواجدة فيها. فقد كانت في السابق تحتوي على 1500 إلى 2500 ظبياً، بينما في الوقت الحالي لا يتجاوز عددها خمسة رؤوس من الظباء.
كما رصدت الهيئة مخالفات متنوعة لبعض المسؤولين المدنيين والعسكريين في بعض المراكز الصغيرة، ومن أبرز الحالات حادثة فقدان ثلاثة من رجال العسكر بالقرب من محمية “الحرة”، ولدى مباشرة رجال الحماية الفطرية بمساندة الدفاع المدني في البحث عنهم، عثر عليهم داخل المحمية يقومون برمي الحيوانات ويصطادون منها، وحين سألوهم “ما الذي أتى بكم إلى هنا؟ قال رجال العسكر، أتينا دعما لكم، ليرد عليهم رجال الحماية الفطرية، أنتم تحملون بندقية صيد. وعند تفتيش سياراتهم عثروا على ثلاثة أرانب مقتولة، إضافة إلى أنهم مارسوا الصيد وهم باللباس العسكري وبسيارة الدولة”.
[COLOR=blue]عقوبات المنتهكين[/COLOR]
في حادثة ضمن مسلسل الانتهاكات التي يقوم بها بعض المتنفذين، وجد رجال الحماية الفطرية قبل ثلاثة أشهر بإحدى المحميات، أحد الموظفين القياديين والمؤثرين في إحدى إمارات المناطق داخل المحمية، وقد قتل “حبارى”، حيث تم إرسال برقية لمحافظ المنطقة، كونه لم يتعدَ على المحمية التابعة لمركزه، وإنما جارتها، وتم الطلب بتقديم الشخص المذكور للمحاكمة، وأرسلت صورة من الخطاب لرئيسه في الإمارة الأخرى، الذي بدوره قام على الفور بفصله من منصبه.
وحول العقوبات، بين الأمير بندر بن سعود، أن أغلبية المعتدين في المحميات الأخرى هم من أصحاب السوابق كـ”تهريب المخدرات”، متسائلا، “كيف أطالبه بقتله للغزلان، وهو في الأساس يقتل الناس بالسموم!”، موضحاً أن الهيئة الوطنية للحياة الفطرية “رفعت لهيئة الخبراء مقترحاً برفع العقوبات إلى 50 ألف ريال، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء، مع المحاولة على أن تكون الغرامة على كل ضحية من الحيوانات، بالإضافة إلى مصادرة السيارة المخالفة”.
[COLOR=blue]رصاص المنتهكين[/COLOR]
الأمير بندر بن سعود، أبان لـ”الوطن”، أن رجال الجوالة لا يزالون يباشرون أداء أعمالهم دون أن يحملوا أسلحة، وأن وزيــــر الخارجيــــة عضو مجلس إدارة الهيئــة الأمير ســعود الفيصـــــل، رفــض تسليح رجال الحماية خوفاً من المواجهة المسلحة مع المعتدين، مضيفا “لقد أخبرته أن بلدانا عديدة زرتها لم أشاهد فيها رجال الحماية الفطرية دون أسلحة، فهم يحمون ثروة وطنية، واقتنع الأمير سعود بمقولتي”. حيث تم تاليا مخاطبة وزير الداخلية الأميــر نايـف بن عبدالعزيز بهذا الخصوص، مشيراً إلى أن لجاناً عملـت على ذلك منذ ثلاث سنوات، وتم رفعها للمقام السامي، تمهيداً للموافقة عليها.
وأبان الأمير بندر أن رجال الحماية الفطرية تعرضوا لإطلاق الرصاص من المعتدين عليهم عدة مرات، ففي محمية “الحرة” وحدها تتراوح مرات الاعتداء ما بين 100 إلى 150 حالة في السنة، من بين 250 مخالفــة، مضيفـــــاً أن “المشكلـة التي تعانـي منهـا الهيئة، تتمثل في عدم اتباع المواطنين للنظام. حيث إن المشكلة تكمن في النوع وليس الكم”.
[COLOR=blue]عدم الوعي والتشريعات[/COLOR]
الإشكالية برأي الأمير بندر بن سعود، لا تأتي من وزارة الداخلية، فيما يخص عمليات المساندة المفروضة في النظـام، وإنمـــا مـن محافظي المناطق ومراكز الشرطة غير المقتنعين بالمسألة، بالإضافة إلى أنهم “متخاذلون”، قائلا “حصلــت لرجال الحمايـة حادثـة مطاردة لمخالفـيــن، وانقلبــت مركبتهم وماتوا. وحين استدعينا في مركز الشرطة، قال قائد المركز، أنتم مجانين تقتلون رجّال عشان ضب!”.
وأوضح الأمير بندر أن “الهيئة تضع التشريعات لحماية الحيوانات العابرة خارج المحميات، ووزارة الداخلية هي من تطبق النظام، كون البراري في المملكة تتبع لصلاحيات الداخلية وليست الحياة الفطرية”، مضيفا “لو أن البراري تقع تحت صلاحيات الهيئة، ونحن بهذا الضعف، لقدمت استقالتي اليوم قبل الغد. فالمواطنون قضوا على الصيد والنباتات خارج المحميات، دون أن تستطيع أن توقفهم وزارة الداخلية، فكيف لنا أن نستطيع إيقافهم وهم محتمون بأسلحة ونحن العكس”.
[COLOR=blue]موازنات خجولة[/COLOR]
حتى الساعة، لا يتواجد أي مدير على المحميات، هذا ما كشفه الأمير بندر بن سعود، مضيفا أن جهازه طلب من وزارة المالية مديرين للمحميات منذ 20 عاما، ولم تأتِ الموافقة على ذلك، فيما عكفت الهيئة على تأهيل مديرين منذ عام ونصف العام، لبناء مؤسسة فاعلة.
وكشف الأمير بندر أن هناك أربع محميات أعلنت منذ 10 سنوات، ولم تعط وزارة المالية قيمة تشغيلها للهيئة إلا قبل سنتين. مشيراً إلى أن المنظومة السعودية للمحميات التي ستقر قريباً تتكون من 75 محمية، منها 40 محمية تابعة للهيئة، والبقية تابعة لجهات أخرى.
وأوضح أن الهيئة تسعى لإعادة هيكلتها، وسترسم للهيئة استراتيجيات بعد انتهاء الشركة الأمريكية من التطوير، مبيناً أن “الهيئة تريد أن تطبق وتنظم آليات دقيقة معترف بها عالمياً، في استغلال الموارد الطبيعية في المحميات، لكنها ليست قادرة بنسبة 100% لذلك فهي تحتاج إلى ميزانيات عالية”.
[COLOR=blue]محميات سياحية[/COLOR]
وحول نتائج دراسة مشروع النزل البيئية، التي أجرتها الهيئة بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، أكد الأمير بندر أنه “تمت دراسة المشروع وهناك ثلاث محميات ستقدم للبرنامج السياحي، وستعرض على مستثمرين لبناء نزل، وتنظيم الزيارات للزوار، لتكون المحميات جزءا من المنظومة السياحية في المنطقـة الواقعة فيها الاستثمارات”، مبينا أنها سوف تبدأ خلال هذا العام في محميات “عروق بني معارض”، ومحمية “محازة الصيد”، ومحمية “فرسان”.
وأبان الأمير بندر أن الهيئة بصدد الإعلان عن محميتين بحريتين خلال الفترة القادمة، إحداهما سوف تكون أعظم محمية بحرية في المملكة، بعد أن يتم الموافقة عليها من اللجنة المكونة من 11 جهة حكومية، حيث إن “الهيئة تريد الإعلان عن تلك المحمية منذ قرابة الـ 5 سنوات، إلا أن الجهات الـ 11 لم تتجاوب حتى هذه اللحظة، بسبب خوفهم من أن نضع أيدينا عليها ونرفض طلباتهم في المستقبل”، معتبرا أن “ذلك غير صحيح، ولن يحصل”.
[COLOR=blue]الحيوانات المفترسة[/COLOR]
وأكد الأمير بندر بن سعود، أن السكان القدامى لم يشتكوا من الحيوانات المفترسة، ولم يسمع قديماً بمقتل أحدهم منها خلال 3 سنوات، سوى حالة واحدة، مما يعني عدم تهديدها السكان، كما أنها لا تشكل خطرا على السكان إلا في حالات نادرة. مبينا أن قتلها أحدث تناميا في أعداد القردة بشكل مخيف في المنطقة الجنوبية، واستشهد قائلاً “إفريقيا لديها أسود تعيش بالقرب من السكان، كونهم في غابات، قليـل يقتلون فما بالكـم بالمملكـة”، نافــياً انقراض النمر العربي، وأن الدراسات تشير إلى أنه تتراوح أعدادها ما بين 140 و150 نمرا بين الأردن والإمارات.
[COLOR=blue]لقطات من الحوار[/COLOR]
عمل الأمير بندر قبل إسناد رئاسة الهيئة له كمستشار للهيئة دون راتب، وكان يؤدي عمله ومعالجة الإشكاليات التي تحدث في المحميات، بدون أي صفة رسمية.
اعترف بأنه لم يتمن رئاسة الهيئة بسبب أن الأمانة عظيمة، والناس لن ترحمه على التقصير.
استقبل الأمير بندر اتصالا هاتفيا أثناء الحوار من قسم المراقبة بالهيئة يفيد بسقوط سياج محمية “محازة الصيد” بسبب قوة الأمطار التي هطلت عليهم، وأمرهم بإصلاحها فوراً دون انتظار.
استمر الحوار لمدة 3 ساعات متواصلة، كان فيها الأمير بندر واضحا وشفافا في إجاباته، ولم يبدِ أي تحفظات على الأسئلة