“زواج القاصرات” محاولات تقنين في اليمن
[B][COLOR=green]صحيفة طبرجل الإخبارية-صنعاء[/COLOR][/B]
رغبة حكومية حازمة، ناقلة النقاش هي أيضاً إلى الشارع المحلي، وذلك بعد تقدمها بمشروع قانون للبرلمان، عرضه الدكتور غازي الأغبر وزير العدل، والذي يحظر بموجبه زواج القاصرين تحت سن 17 عاماً للفتيات، و 18 عاماً للفتيان ، يقابلها في الضفة الأخرى تهديدات بمظاهرة مليونية لمنع تحديد عمر محدد لـ”زواج القاصرات” أطلقها الداعية اليمني البارز عبد المجيد الزنداني.
القديم الجديد في القضية المثارة، هو أن “الفرقاء اليمنيين الشرعيين”، انضووا تحت لواءين، تسلح كل منهما بالأسانيد والفتاوى الشرعية المؤيدة لحجته ومبرراته، لنجد كلا الفريقين متسلحا بالعديد من الأدلة والبراهين على صحة دعواه.
تضارب الرؤى
وكان مشروع قانون يحدد السن الأدنى للزواج، بهدف الحد من التبعات السلبية لزواج القاصرات، أثار انقساما حادا في أوساط اليمنيين. ففي وقت يرفض فيه فريق المشروع بحجة تعارضه مع الشريعة الإسلامية، يجزم الفريق الآخر بأن الإسلام لا يشجع على هذا الزواج. وكان البرلمان اليمني قد أقر مبدئيا مشروع القانون الذي يحدد السن الأدنى لزواج النساء بـ 17 عاما ولزواج الرجال بـ 18 عاما. وكانت ظاهرة زواج الفتيات الصغيرات والقاصرات في اليمن قد طفت إلى سطح الأحداث مرة أخرى، عقب الإعلان عن وفاة الفتاة اليمنية إلهام المهدي، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، بسبب نزيف حاد ناجم عن تعرضها للعنف الجنسي، بعد أربعة أيام من زواجها.
[COLOR=red]ظاهرة مجتمعية[/COLOR]
وبحسب دراسة ميدانية حديثة، أعدها “مركز دراسات المرأة والتنمية” بجامعة “صنعاء” جاء فيها أن “ظاهرة زواج الفتيات القاصرات في اليمن، منتشرة أكثر من زواج الذكور، إذ تبلغ نسبة الإناث اللواتي تزوجن قبل سن الخامسة عشرة 52%، وتبلغ نسبة زواج الأطفال 65% من إجمالي حالات الزواج، أغلبها في المناطق الريفية، حيث يتم تزويج البنات قبل سن العاشرة، إما بسبب العادات والتقاليد، أو بسبب الوضع المادي المتردي للأسر الفقيرة، التي ترغب بالتخلص من أحد أفرادها بطريقة شرعية، علاوة على الرغبة في الاستفادة من المبالغ المالية التي يحصل عليها الأب، مقابل تزويج ابنته”. وبحسب مراقبين حقوقيين، فقد أضحى تزويج الصغيرات “ظاهرة مجتمعية ومشكلة تنموية وحقوقية، تستحق الوقوف عندها لمناقشتها وتقييمها، ومعالجة اختلالاتها”.
[COLOR=red]نظرة في القانون اليمني[/COLOR]
وأسفر البحث بين ملفات القانون اليمني، ما قبل الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي، حول تحديـد سـن الزواج، إذ إن القانون رقم (1) لسنة 1974 الصادر في عدن (اليمن الجنوبي سابقاً)، كان يحدد السن الأدنى للزواج بستة عشر عاما للفتيات، وثمانية عشر للفتيان. والقانون رقم (3) من مجلس قيادة الثورة (اليمن الشمالي)، لسنة 1978 بشأن الأسرة الصادر في صنعاء، وفي المادة (19) منـه، كان ينص على أنه “لا يصح تزويج الصغير دون بلوغه الخامسة عشرة، ولو قبل وليه ذلك”، وأضاف في المادة (20) أن “عقد ولي الصغيرة صحيح بشرط موافقتها عند الزفاف، ولا يجوز الخلوة بها، ولا زفافها، ولا الدخول بها، إلا إذا بلغت سناً لا يقل عن ست عشرة سنة هجرية، على أن تكون صالحة للوطء، ويعاقب من يخالف هذه المادة بالحبس لا يقل عن سنة، ولا يزيد عن ثلاث سنوات، بالإضافة إلى أرش ما يكاد يحصل من جناية، وما يترتب على ذلك من غرامة”. وبعد الوحدة اليمنية عام 1992، نصت المادة رقم (15) على أنه “لا يصح تزويج الصغير ذكراً كان أو أنثى دون بلوغه خمس عشرة سنة”. إلا أنه حصل تغيير في نص المادة في سنة 1999، يجيز زواج الصغيرة، ونص المادة المتغير هو “عقد ولي الصغيرة بها صحيح، ولا يُمكَنُ المعقود له من الدخول بها، ولا تزف إليه، إلا بعد أن تكون صالحة للوطء، ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة، ولا يصح العقد للصغير إلا بثبوت مصلحة”.
لذا يحاول حالياً- الحزب الحاكم في اليمن (المؤتمر الشعبي العام)، إصدار مشروع قانون يمنع “زواج القاصرات”، وذلك عبر أعضائه في مجلس النواب، حيث يتحكم بثلثي مقاعد المجلس، مما يسمح له دستورياً بتشريع وسن القانون، بالإضافة إلى إقامته ندوة علمية بداية شهر أبريل الجاري برعاية رسمية عليا من الدولة، ناقش فيها الأدلة الشرعية والطبية والاجتماعية، على جواز تقنين سن الزواج.
[COLOR=red]الاختلاف الداخلي[/COLOR]
الاختلاف بين الفرقاء في اليمن بلغ أشده، خاصة في داخل التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين)، حيث أن من يقود الحملة الشرعية المؤيدة لسن القانون، هو من قيادات تجمع الإصلاح، وهو القيادي الإسلامي شوقي القاضي، والذي يشغل أيضا منصب عضو لجنة الحقوق والحريات بمجلس النواب. ومن يقود في المقابل قوى الممانعة الشرعية، والمهدد بتسيير تظاهرة مليونية لوقف إصدار التشريع القانوني بمنع “تزويج القاصرات”، هو القيادي البارز والرجل القوي في التجمع اليمني للإصلاح، ورئيس جامعة “الإيمان” الشيخ عبد المجيد الزنداني.
وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ سريان القانون أوقف مرتين، بفعل الحملة المناهضة لسنه، إلا أن الصحفي اليمني نجيب اليافعي، قال في حديث مقتضب لـ”الوطن” إن “تشريع قانون لتحديد سن الزواج في طريقه، لاعتبارات تتعلق بتفرد الحزب الحاكم في المجلس، وهو الجهة التشريعية المخولة بإصدار القوانين”.
[COLOR=darkred]أدلة الممانعين والمؤيدين[/COLOR]
شوقي القاضي وفي ورقة قدمها بعنوان “الأدلة الشرعية والحقائق العلمية، والمبررات المنطقية، لمنع تزويج الصغيرات”، قال فيها “إن الممانعين من تحديد السن، يفتقرون إلى الدليل الصريح الصحيح، وكل ما لديهم هو مجرد أدلة ظنية لا تصلح أن يستدل بها على منع صدور قانون يحدد سناً آمناً للزواج”.
وتأسف القاضي على أن “المخالفين لم يلتزموا القيم الشرعية في المحاججة والبراهين والتبين، وإنما لجؤوا إلى كيل التهم لمخالفيهم، والافتراء عليهم، وممارسة الإرهاب الفكري والديني من على منابرهم، والتلبيس على طلابهم والعوام من الناس، متهربين من النقاش العلمي الموضوعي”.
وفي مطارحته العلمية، أشار القاضي إلى أن “القائلين بتزويج الصغيرات يتفقون معنا أن (تزويج الصغيرات) ليس واجبا ولا مندوبا شرعاً، وإنما في أبعد أحواله من المباحات التي تناقش في إطار مقاصد الشريعة، ومبدأ دفع المفاسد وجلب المصالح، وهو باب عظيم قضت به الشريعة، وظهر جلياً في الفقه الإسلامي، وتأصل باجتهادات الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وفي مقدمتهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي يعرف كل طالب علم اجتهاداته، بل وجرأته في تقييد المباحات، ومخالفة غيره فيما يراه مصلحة”، مضيفا في توضيح رؤيته “وعليه فلا يجوز لأحد أن يحظر علينا مناقشة (منع تزويج الصغيرات) بدعاوى وتهم لا تصح، خاصة إذا علمنا أن لنا سلفاً صالحاً، وخلفاً عالماً، يرى منع تزويج الصغيرات”.
وأشار الشيخ الزنداني بحسب ما تناقلته الصحافة اليمنية، إلى أن هناك ضغوطا تمارسها منظمات محلية، ومنها “اتحاد نساء اليمن”، الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام)، و”اللجنة الوطنية للمرأة”، معتبرا أن مثل هذا التعديل على سن زواج الفتيات هو تهديد لثقافة المجتمع اليمني، داعيا المواطنين إلى أن يقولوا “لا” لمثل هذا التغيير على قانون الزواج.
ويستدل الممانعون لعدم سن القانون، بالآية الكريمة (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). وكذلك الاستدلال بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، بالسيدة عائشة رضي الله عنها، وبإجماع علماء الأمة، بحسب ما يدعون.
العبيكان: قياس زواج الرسول بعائشة لا يستشهد به “لاستبعاد المفسدة”
يرى الفقيه والمستشار بالديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكان، أن هناك “مصلحة عامة” في قضية زواج القاصرات يجب أن تراعى، لافتا إلى أن بعض أولياء الأمور يلجؤون لتزويج فتياتهم من كبار السن، لتحقيق مصلحة شخصية لهم، دون مراعاة لمصلحة البنت. وفيما يتعلق باستشهاد البعض بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من السيدة عائشة وهي قاصر، فقد أكد الشيخ العبيكان في تصريحات صحفية سابقة، أن “هذه المسألة لا يقاس عليها، خاصة إذا عرفنا أن وليها كان أبا بكر، وزوجها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي إن المفسدة هنا كانت مستبعدة تماما ، بعكس العصر الراهن المليء بالمفاسد، لدرجة أننا نرى أن الوالد مدمن المخدرات، يزوج ابنته من أجل المال ومن أجل مصلحته الشخصية على حساب ابنته”. وهو ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين عندما استحسن منع الآباء من تزويج بناتهم الصغيرات، حتى يبلغن ويُستأذنَّ،فقال “المسألة عندي ـ أي تزويج الصغيرة ـ أن منعها أحسن ، ومن الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقا حتى تبلغ وتُستأذن، ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا”.
مسودة المادة القانونية التي أثارت جدلاً واسعاً في اليمن
مادة: [أ]
لا تزوج البنت ولا الولد قبل بلوغهما ستة عشر عاماً إلا لمصلحة ظاهرة معتبرة وبنظر القاضي وبالشروط التالية:
1- ألا يعقد بها إلا أبوها أو جدها وبموافقة أمها.
2- أن توافق الصغيرة على هذا الزواج.
3- أن تزوج لكفء.
4- ألا يكون فارق السن بين الصغيرة المراد تزويجها وبين من سيتزوجها أكبر من 5 سنين.
5- ألا تزوج بمن تتضرر بمعاشرته.
6- ألا يكون في تزويجها أيَّ ضرر صحي أو نفسي عليها.
7- ألا تزف إلى زوجها إلا بموافقتها وبعد بلوغها ستة عشر عاماً وبعد تيقن صلاحيتها للوطء والحمل.
8- أن يكون لها حق إمضاء العقد أو فسخه بعد بلوغها السن القانونية.
[ب] يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بالغرامة المالية التي لا تقل عن مليون ريال يمني كل من خالف الفقرة [أ] من هذه المادة ، مع ضمان حق تعويض الصغيرة في كل ما يصيبها من ضرر بسبب الزواج.
[COLOR=firebrick]تقنين المشكلة[/COLOR]
وزارة العدل السعودية منذ أبريل 2009، وهي تعكف على الإعداد لـ”تنظيم جديد يقنن زواج القاصرات”. حيث أشار الوزير الدكتور محمد العيسى إلى “أن التنظيم الجديد يأتي لحفظ الحقوق ودرء المفاسد، بما يقضي على المظاهر السلبية في تزويج القاصرات”. كما شرعت لجنتان في مجلس الشورى خلال العام الماضي، بدراسة اقتراح يقضي بمنع زواج القاصرات في المملكة، درسته لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان بالمجلس. وتقوم فكرة الدراسة على تعميم مأذوني الزواج بعدم إتمام عقود النكاح للفتيات القاصرات، اللاتي تقل أعمارهن عن 18 سنة، محذرين من التداعيات الاجتماعية الخطيرة لهذه الظاهرة، التي اعتبروا أنها أضحت”ظاهرة مقلقة” في المجتمع السعودي، إلا أن مثل هذه الدراسات الرسمية لم ترَ النور بعد في شكل قانون ساري المفعول. ويعود ذلك بحسب بعض المراقبين إلى رفض المؤسسة الدينية الرسمية “هيئة كبار العلماء” سن مثل هذا القانون، إضافة إلى سيطرة الأعراف والتقاليد القبلية السائدة في بعض المناطق في المملكة.
وفي وقت سابق كشف لـ “الوطن” عضو هيئة كبار العلماء، والمستشار بالديوان الملكي الدكتور عبد الله بن منيع، أنه قريباً ستصدر الجهات الرسمية المختصة “نظاما ينظم تزويج الفتيات، ويحفظ الفتاة من تعسفات ورغبات ولي أمرها وأطماعه الشخصية”، دون أن يبدي أي تفاصيل حول مشروع القرار الرسمي.
وقال ابن منيع إنه “حتى هذه اللحظة لم يرفع لهيئة كبار العلماء دراسة مشروع قرار يحدد سن الزواج، أو يحرّم تزويج الطفلة”، وربما يعود ذلك بحسب مراقبين لـ”سيطرة الأعراف والعادات القبلية السائدة في المجتمع، أكثر من كونه موقفاً فقهياً شرعياً”، مشيرين إلى أن “الشيخ ابن منيع، يجيز للطفلة التي زوّجها ولي أمرها ،سواء تحققت مصلحة من زواجها أم لم تتحقق، الحق في فسخ عقدها بعد بلوغها.