احترام الممرَّات المائية الطبيعية ضمن مخططات العمران يَقِي من الكوارث
[COLOR=green]صحيفةطبرجل الإخبارية-الرياض[/COLOR]
رغم أن المملكة بلد صحراوي، ونسبة معدل هطول الأمطار السنوية فيه تكاد لا تذكر مقارنة بمناطق كثيرة في العالم، إلى جانب أن معدل جريان السيول الناجمة عن تلك الأمطار يمكن أن يحصى، ولنا في التاريخ القديم والحديث لأرض الجزيرة العربية العشرات من الأسماء التي أطلقت على سيول بعينها لكونها قليلة، حتى إن بعض تلك الأعوام حملت اسم ذلك السيل، ورغم كل ذلك إلا أن مخاطر السيول في الآونة الأخيرة احتلت مكانا بارزا في حجم المشكلة التي تعانيها المدن الكبرى، التي تسببت في حوادث مفزعة مقارنة بما كانت تحدثه السيول في السابق. فهل للتغير المناخي أثر في ذلك، أم أن للبنى التحتية والتخطيط العمراني اليد الطولى في تعظيم المشكلة؟.. كل ذلك وأكثر نحاول الإجابة عنه من خلال رؤية لعدد من المختصين في هذا التقرير: يرى بعض المختصين أن أحداث جدة قد تزامنت مع أحداث مماثلة أخرى في المنطقة العربية. وهذه الأحداث تثير تساؤلات مهمة مثل: هل هناك علاقة ما تربط بين هطول الأمطار الغزيرة التي أدت إلى السيول الجارفة، وما يقال عن تعرض الكرة الأرضية حاليا لتغيرات مناخية؟ وهو ما يمكن أن يطرح ويثار في هذا الوقت من أن هناك تغيرا بيئيا في العالم، وأن المناطق تحتاج معه إلى إعادة رسم لمخطط إدارة المخاطر بصورة تجعل هذه المخاطر أقل أثرا في الأفراد الذين يقطنون تلك الأماكن، وإعادة الدراسات التي عملت في السابق حتى تتفق مع ما يمكن أن يكون صورة جديدة للمخاطر التي ترسمها الخريطة البيئية للمنطقة. هل نحتاج إلى مشاريع لتصريف السيول.. أم أن درهم وقاية خير من قنطار علاج؟ يرى المختصون أن مشاريع تصريف السيول، ولكيلا تحدث أي أضرار مادية لا بد أن تكون مبنية على دراسات طبوغرافية للأرض، وأن تكون مدمجة مع البنية التحتية للمشروع، حيث ننظر إلى المشكلة في بداياتها إذ يمكن لنا أن نصرف هذه السيول بشكلها الطبيعي ومعرفة مداخل ومخارج الأودية التي يمكن لها أن تستوعب هذه السيول، والنظر في تجارب محلية ودولية لإيجاد أفضل الحلول لإدارة هذه المخاطر. فمثلا في حي السفارات في الرياض قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بتطوير ذلك الحي، وتمت مراعاة كل الأودية التي في الموقع، وليس هذا فحسب بل إن تلك الأودية أصبحت إضافة بيئية رائعة للحي بوضع بعض المتنزهات التي تطل على تلك الأودية. وهو مثال رائع لتصريف تلك السيول من خلال التعامل الصحيح مع البيئة، واحترام تلك الأودية ومساراتها، وجعل المياه تنساب منها إذا جاءت السيول على المنطقة. وهو مثال يحتذى في مثل هذه البيئة التي تكون الأمطار فيها قليلة، لكن لا بد أن نحتاط لها باحترام مجاريها، وهو درهم وقاية أفضل من قنطار علاج. يعتقد المختصون أن أي مخطط عمراني لا بد أن يحترم الطبوغرافية التي يحويها المكان، وأن تكون هناك تشريعات تضبط ذلك المخطط، فقبل أن تتم الموافقة على الخدمات التي يحويها المخطط، لا بد من أن يكون قد احترم جميع الممرات المائية التي هي في الأساس الوضع الطبيعي لتلك الممرات، وفي حال المساس بأي منها لا بد أن يكون هناك تصميم جديد لهذا التحول، ولنا في الأحياء الآن وهي ترمي سيول بعضها على بعض ما تسبب في تجمع المياه في أماكن معينة، وأصبحت تمثل خطورة على الأفراد حال مرورهم في تلك المناطق خير مثال، ولذلك لا بد من دراسة واضحة لهذه السيول، حيث تنتهي إلى مكان معين، وتصب في نقاط محددة سلفا، وتكون الجهات المعنية لديها خطة واضحة لتصريف ذلك. وهنا ينبغي الإشارة إلى عدد من التساؤلات المهمة والتي منها، ما العمل في المشاريع القادمة والأحياء التي نفذت؟ من المسؤول عن المهام التنظيمية والتشريعية؟ من المسؤول عن تخطيط الأراضي السكنية والتجارية وغيرها؟ من المسؤول عن مراقبة تنفيذ تلك المخططات، ومدى تطابقها مع التنظيمات والتشريعات؟ وفي حال وقوع حوادث تسبب مخاطر تطرأ أسئلة أخرى علينا توفير الإجابة الملائمة لها من الآن وهي: من المسؤول عن الإبلاغ عن تلك الحوادث؟ من المسؤول عن مباشرة تلك الحوادث؟ ومن المسؤول عن تعويض تلك الأضرار؟
ويبدو أن هناك أسئلة قد لا توجد لها إجابات رسمية واضحة، إنما هي اجتهادات تبذل، وأن المساهمات الفردية التي تحدث من بعض المتطوعين لأعمال الإغاثة تصبح ذات أهمية في إنقاذ أرواح الكثير ممن تعرضوا لمخاطر غير متوقعة في بعض الأماكن التي تتعرض لسيول مفاجئة. وهنا تشير تحليلات المتابعين إلى أنه لا بد قبل البدء في فسوحات البناء أن تكون هناك مخططات معتمدة من البلديات حتى يشرع السكان في البناء، ولذلك تعد هذه المخططات المرحلة الأولية لعملية إدارة المخاطر، وكيف نتجنب ما يمنع أن يكون هناك مخطط متكامل. فالمنطقة العربية التي تضم الصحراء الغربية في مصر والجزيرة العربية وبادية الشام, التي تتسم بالجفاف, تعرضت منذ الألفية السابعة قبل الميلاد لدورات مناخية متباينة، كانت بعض هذه الدورات جليدية في مناخ رطب غزير المطر، والبعض الآخر في مناخ جاف شديد الحرارة مع ندرة في هطول الأمطار. والنتيجة كانت إعادة رسم تضاريس الخريطة الجيولوجية، وتحديد أحواض الأودية ومسارات مياه الأمطار، وهذه حقيقة يعرفها تماماً أي دارس لجيولوجية المنطقة. ومن ثم فإن التغير المناخي حتى إن كان مفاجئا، فإنه يظل ظاهرة طبيعية عبر التاريخ، ويعزى تغير المناخ إما إلى عمليات داخلية في باطن الأرض نتيجة الثورات البركانية المتفجرة، وإما إلى تأثيرات خارجية في الغلاف الجوي المحيط بسبب تأثير البقع الشمسية، ويتم في فترات متطاولة تدوم عموماً لعقود أو فترات أطول من ذلك طبقاً لمدى والتأثير وحجمه. وأثبتت الدراسات الحديثة أن مصطلح تغير المناخ أشمل من ذلك، حيث يمكن تحديده عن طريق اختبارات إحصائية، فعلى سبيل المثال، يمكن ترصده من معرفة التغيرات في خصائصه أو تقلبها، وتتبع أسبابه التي قد تكون طبيعية أو بشرية المنشأ، أي بسبب النشاط البشري الذي يغير مكونات الغلاف الجوي. ومن هنا يؤكد المختصون أن الدمج بين ظروف التغير المناخي العالمي والعمل على إدارة المخاطر من خلال وضع الخطط السلمية وخطط الطوارئ الملائمة هي الوسيلة المثلى لإدارة السيول في المملكة، وذلك من خلال مناقشة وتقييم الوضع الراهن مع الأخذ في الحسبان عند التحليل العوامل التالية: هل تدار قبل السيل أم بعده؟ أين التشريعات التي تحد من هذه المخاطر؟ إدارة كوارث هل هي قبل أم بعد الكارثة؟ نظم وقوانين تحد من الكوارث، تفعيل الدور التكاملي بين الدفاع المدني ومصلحة الأرصاد والبيئة والبلديات. أما التركيز والمطالبة بإنشاء شبكات تصريف سيول في مدن المملكة كما هو حاصل الآن دون الأخذ في الاعتبار مسار السيول الطبيعي عند تخطيط المدن، فهي مطالب غير مبررة وغير مقبولة، وأي مبالغ تخصص لهذا النوع من الاستثمار الأحادي ليست إلا خسائر وهدر للمال العام