الأسد يسهر في المطاعم وشعبه يقتل بقنابل المدافع
في الوقت الذي كان فيه العدو يقف على الأبواب كان الرئيس السوري بشار الأسد يتناول الطعام خارج المنزل،وسمع دوي الرصاص والانفجارات في وسط العاصمة عندما اشتبكت قواته في الضواحي يوم السبت الماضي مع متمردين استولوا على بلدات قرب العاصمة.
وأقام مسلحون ملثمون نقاط تفتيش على مشارف المدينة، لكن الرئيس السوري البالغ من العمر 46 عاما بدا رابط الجأش وظهر في هيئته الأنيقة المعتادة أمام أنصاره في مطعم بوسط المدينة حيث أمضى ليل عطلة نهاية الأسبوع.
وقال سياسي من لبنان المجاور اعتاد زيارة سوريا وقابل الأسد عدة مرات منذ بدء الانتفاضة السورية في مارس آذار الماضي إن الأسد “لم يغير من نمط حياته”.
وأضاف متحدثا بصورة شخصية لرويترز -حول تحركات الرئيس في 28 يناير كانون الثاني عندما دفع ظهور قوات ترفع أعلام الجيش السوري الحر على حافة العاصمة بعض المراقبين الذين أثارهم الموقف لتقدير الفترة المتبقية للأسد بأسابيع فحسب- “قضى المساء في مطعم بدمشق”.
وسرعان ما عادت ذكريات الزعيم الليبي معمر القذافي إلى الأذهان، لكن الأمر كان يتعلق بالمزيد في إظهاره للامبالاة عن الجنون أو اليأس، ورسم آخرون أيضا لرويترز صورة لرأس الدولة السورية قائلين إنه مطلع بشكل تام على الأحداث على الأرض -وليس مجرد دمية في يد المتشددين كما صوره البعض- وبأنه “مسترخ وهادىء” ومصمم على إنهاء هذا التحدي ويقدم بعض الإصلاحات بشروطه وحده.
وطردت قوات الأسد بسرعة المتمردين المسلحين تسليحا خفيفا من ضواحي دمشق ويتوقع كثيرون صراعا طويلا في دولة تقع في قلب منطقة الشرق الأوسط محاصرة في “توازن الضعف”.
وهناك مناطق في تمرد مفتوح ويعاني الاقتصاد بسبب العقوبات وانضم زعماء عرب إلى الغرب في المطالبة بتنحيه، لكن الأسد يحتفظ بقوة كبيرة: فلديه احتياطات عسكرية، وحلفاء بينهم إيران وروسيا وقبول على مضض من الملايين الذين يخشون من فوضى على الطريقة العراقية أو اللبنانية ويمكنه أن يعتمد على التأييد الشديد داخل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها والتي تخشى من تفجر حمام دم في حالة سقوطه.
ومنذ أن خرج الناس إلى الشوارع في مدينة درعا قبل عام تقريبا مستلهمين انتفاضات الربيع العربي في أماكن أخرى للمطالبة بالحرية وقوبلوا بوحشية هي سمة أربعة عقود من حكم الأسد ووالده أغلقت سوريا فعليا أمام الصحفيين الأجانب.
ومع ضغط جامعة الدول العربية من أجل الانفتاح أتاح المسؤولون السوريون للصحفيين الآن قدرة محدودة على الوصول، وأثناء التغطية في الأسبوع الماضي تحت المراقبة من دمشق ودرعا ومدينة حمص المتمردة،، وجدت رويترز رغم ذلك سوريين على استعداد للتهرب من المرافقين من الشرطة السرية أو تحديهم للتنديد بحكومة الأسد.
وهناك أجواء مفعمة بالخوف واليأس في وقت تعاني فيه المتاجر ويتحدث الناس عن حالات اختفاء سرية يلقى باللوم فيها على قوات غامضة مؤيدة ورافضة للوضع الراهن.
ووعد الأسد بإصلاحات في الدولة التي يحكمها حزب البعث الذي طوره والده على مدار 30 عاما، لكنه يصر على شروطه الخاصة ويرفض مطلب الجامعة العربية له في الشهر الماضي بتنحيه.
وقال اللبناني الذي يعرف الأسد ” لا لا لا أبدا هو لن يستقيل حتى ولو استمرت الحرب عشرين سنة” مضيفا “هو على تواصل دائم مع الأحداث على الأرض”.
ونقل دبلوماسي غربي عن زائر آخر للقصر الرئاسي قوله إن الأسد “مسترخ وهادىء” ومشغول بمطالعة جهاز آي باد الخاص به ويسأل عن احتمالات شن إسرائيل هجوما على إيران وواثق فيما يبدو من أن بإمكانه البقاء بعد منتقديه الأجانب مثلما فعل والده على مدار 30 عاما.
لكن على النقيض من والده حافظ الأسد الذي سحق انتفاضة إسلامية مسلحة في مدينة حماة في مثل هذا الأسبوع قبل 30 عاما مما أسفر عن مقتل عدة آلاف يواجه بشار خصوما ترسخت أقدامهم في أنحاء البلد وزادتهم الحملة العسكرية ضد الاحتجاجات صلابة.
وأبرزت الزيارة التي قام بها مجموعة من الصحفيين الأجانب إلى ضواحي دمشق الشرقية في الأسبوع الماضي مدى تآكل سلطة الأسد منذ بدء الاحتجاجات على الرغم من إطلاق النار على آلاف المتظاهرين والاعتقالات الجماعية والتعذيب والقتل في السجن والحرب المفتوحة على وحدات متمردة من الجيش.
وقبل عام لم يكن متصورا أن ينتقد السوريون زعيمهم في العلن، ولكن هنا على بعد مسيرة 15 دقيقة بالسيارة من وسط دمشق كان مسلحون ملثمون يقاتلون من أجل الإطاحة بالأسد يحرسون نقطة تفتيش على طريق ويوقفون السيارات.
وأعاد المشهد إلى الأذهان ذكريات بلد آخر وهو العراق خلال الصراع الطائفي الذي أعقب الغزو الأمريكي الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين أو لبنان خلال الحرب الأهلية المدمرة من عام 1975 حتى 1990.
وفي اليوم التالي لزيارة الصحفيين أرسل الأسد أكثر من 2000 جندي لاستعادة السيطرة من المتمردين، ودفع المقاتلون للتقهقر لكن تحديهم انتقل إلى آخرين.
وقالت هند وهي ربة منزل في أواخر الأربعينات لرويترز في برزة وهو حي على مشارف العاصمة “لا توجد قوة على الأرض من شأنها أن تجعلني اقبل به كرئيس”، ومثل معظم الناس الذين أجرت رويترز مقابلات معهم في سوريا لم ترغب الكشف عن هويتها خوفا من الانتقام، وقالت إنه “ليس رئيسي ولم يكن يوما، أنا فقط لم استطع أن أقول ذلك من قبل”.
ويحكم الأسد دولة تتم السيطرة عليها من خلال شبكة تضم ما لا يقل عن 13 كيانا أمنيا رسميا، وبإمكان معظم السوريين أن يحكوا قصصا مرعبة عن أجهزة المخابرات القوية التي اعتقلت عشرات الآلاف من الناس، وتبقى ذكريات معاناتهم المستمرة عبر سنوات القمع في دولة يبلغ عدد سكانها 23 مليونا أي ضعف عددهم قبل جيل واحد في أواخر الثمانينات وقال معارض سوري خلال محادثة سرية مع وكالة رويترز في دمشق “حتى عندما ينجلي غبار المعركة فإن سفك الدماء في الشوارع سيجعل من الصعب على الأسد أن يحكم كما كان يفعل من قبل”، وأضاف “أولئك الذين ضده الآن سيبقون دائما ضده”. وكان صحفي فرنسي قد قتل في اشتباكات في حمص قبل أسبوعين. وعلى الرغم من انتباه المرافقين الحكوميين تمكن شاب من الاقتراب من مراسلة رويترز أمامهم جميعا وهمس “تعال معي وأنا سوف اظهر لكم ما تقوم به القوى الأمنية في المدينة”، وأضاف “أنهم سيلاحقونني في وقت لاحق ولكني لا أبالي، حياتي لا تساوي شيئا بالمقارنة مع تضحيات الآخرين”، ويقابل التحدي في حمص شعور واسع بالتوجس في دمشق حيث لزم كثيرون منازلهم قدر الإمكان خوفا من قصص تروى عن مسلحين مجهولين يجوبون الشوارع وعن حوادث اختفاء غامضة. ويثق أنصار الأسد في أن رئيسهم سيسحق الانتفاضة التي يقولون إنها تدمر البلاد، ويتحدث هؤلاء عن أغلبية صامتة يمكن للأسد أن يعتمد عليها.