الأخبار المحلية

مخابز مكة «ناطحة» تنتج 50 مليون «رغيف» خلال 10 أيام!

ربما لا يعلم ملاك 24 مخبزاً كبيراً في منطقة مكة المكرمة، اجتمعوا قبل أيام قليلة من بدء موسم الحج، ويمثلون قطاعاً واسعاً من المخابز الآلية والتقليدية، أنهم في 10 أيام سنوياً، يبنون ناطحة سحاب من «الدقيق» تزيد ارتفاعاً عن برج الساعة الشهير في مكة، بنحو 300 ضعفاً، وسط إنتاج يقفز حاجز الـ 50 مليون رغيف توزع على ضيوف الرحمن في المشاعر المقدسة موسم الحج من كل عام.

ورغم أن أبراج البيت أو برج الساعة، كما يفضل السكان المحليون تسميته، يصنف بحسب معلومات منشورة في الموسوعة العالمية ويكيبيديا، بأنه «ثاني أعلى ناطحة سحاب في العالم سنة 2011 إذ يبلغ ارتفاعها 601 متراً، إلا أن هذا الرقم المرتفع بلغة الإنشاءات المعمارية، يبدو ضئيلاً، أمام ارتفاع أكثر من 50 مليون رغيف، يتم توزيعها في مغلف يحوى 3 أرغفة بمعدل ارتفاع يوازي (السنتي متر) الواحد لكل مغلف، ليبلغ الارتفاع التقريبي لهواة العمليات الحسابية، نحو180 ألف متر».

والأرقام الفلكية لحجم الاستهلاك اليومي من الدقيق في موسم الحج، تعكس بحسب المسؤولين عن القطاع، تحدياً سنوياً أمام توافر هذه السلعة الرئيسة للحجاج في وجباتهم اليومية، وهو أمر يتضح من لغة الخطاب الإعلامي السنوي، الذي يتحدث عن توفير مصانع الغلال للكميات المطلوبة، ووجود احتياطي من الدقيق يصل لنحو 600 ألف طن لمواجهة أي طلب متزايد.

ويعرف الناس ممن عاصروا بدايات إنشاء المخابز العامة في السعودية، كيف كان وزن الرغيف عملاً يومياً لمراقبي الجهات البلدية، فيما كان قانون حكومي سعودي قدر عقوبة مالية في لائحة الغرامات الجزائية بنحو 3 آلاف ريال (750) دولار أميركي لمن يثبت مخالفته وزن الرغيف، حسب ماهو منصوص عليه في لائحة النظام، وهي عقوبة يرى ناشطون في العمل المدني، أنه لابد من مراجعتها، وإعادة تقييم الغرامات، ورفع أعداد فرق المراقبة في الأسواق.

وفي الثقافة «المكية» فإن مهنة «الفرانة» لها شيوخها الذين أورثوا المهنة إلى أبنائهم جيلاً بعد جيل، حتى أن شيخ الفرانة الحالي، عادل عبدالله كعكي، الذي ورث «مشيخة الفرانة» عن والده عبدالله، الذي ورثها بدوره عن والده الشيخ أحمد كعكي، وبحسب مراجع تاريخية أن تسميتهم بـ «الكعكية» لأنه «جاء من كونهم يصنعون الخبز الكعك فقط، ليتوسعوا بعد ذلك في المهنة، وكان مقرهم القديم بعد سوق الصغير على الطريق الصاعد إلى أجياد من الجهة الجنوبية للحرم المكي»، فيما أصبحت الغرف التجارية في منطقة مكة المكرمة مكاناً جديداً لما يمكن تسميته «مشيخة مدنية» عبر عضوية عدد من أبناء العائلات الشهيرة في مكة، في لجنة «المخابز» التي تعنى بتطوير المهنة، وحمايتها، وحفظ حقوق المنتسبين لها، في منظومة العمل التجاري.

ويرصد متابعون لنشأة مهنة «الفرانة» كيف أنها بدأت بالتخصص والتصنيف، وكيف برعت عائلات مكية في صناعة «الحلو» وتخصصت فيه كعائلة الكعكي، فيما برعت عائلات أخرى في صناعة (الحامض والمالح) وهي ما يشتق عنها من الخبز الحب، والشامي والصامولي، الطويل والقصير، ومن أشهر من برعوا في هذا التخصص، الشيخ أبو علي رفاعي من مشايخ الصنعة قبل الكعكية، وعائلات كثيرة لا تزال تمارس المهنة حتى اليوم.

ورغم أن موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية، ليست في حسابات القائمين على خدمة ضيوف الرحمن، إلا أن أحد الأشخاص علق حول أرقام ناطحة «الدقيق» قائلاً بحس لايخلو من الظرافة التي تميز أهل مكة: بل هي أطول عيش صامولي في التاريخ.