الأخبار المحلية

العصبيات: مختصون يطالبون بسنِّ قوانين رادعة للمتشددين قبلياً

تظل هناك عديد من القضايا الاجتماعية «غير المعلنة» في المجتمع السعودي، لاسيما إذا ما تعلقت بمنظومة القبيلة، وتستمر تداعياتها في نهش لُحمة المجتمع في ظل الخفاء والاختباء وراء رد المثل بالمثل أو الانزواء وراء عدم فهم القنوات الرسمية المتاحة للرد لرد الحقوق، ومن هذه القضايا تبرز «النعرات القبلية والطائفية»، تلك القضية الشائكة بكل تداعياتها الصعبة والمتشعبة. المصادر وضعت القضية على طاولة مختصين وخبراء ومعنيين بالدفع بهذه الظاهرة إلى محيط الحلول ونقلها إلى مجال الحقوق الواجبة لكل مواطن، وذلك في ثنايا الأسطر التالية..
طرق خفية

يقول نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان والعرائض في مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن هيجان، «إن تأسيس السعودية جاء لحل وإنهاء النعرات القبلية والجهل والتفرقة والعصبية التي كانت موجودة بين القبائل، وجاء التوحيد للقضاء عليها، وتم القضاء عليها نهائياً لأن الدولة السعودية تأسست على منهج الشرع الإسلامي الذي لا يفرق بين قبلي وغير قبلي ولا أبيض وأسود».
وأضاف هيجان «ليس هنالك مجتمع خالٍ من العيوب، والدليل أنه لا يوجد أي إعلان للتوظيف يفرق بين أحد من المواطنين على أساس الأصل والفصل وغيرها، وهذه المسالة معدومة في الممارسات السياسية والاجتماعية والأخلاقية، ومرفوضة تماماً، وتظل موجودة في الخفاء وبطرق يلجأ إليها بعضهم وفق طريقتهم الخاصة، ولكنها لا تعطل أي مشروع سياسي أو إداري نهائياً، ولو كشف أحد عن هذه الممارسات ضده فعليه التقدم إلى السلطات القضائية أو المؤسسات النظامية ومؤسسات المجتمع المدني المسؤولة، وبالتأكيد فإنه سيجد حقه وردع من أساء إليه».
دور الإعلام

وأشار هيجان إلى أهمية دور الإعلام في بث الرسائل التوعوية التي تشجع على اللحمة، ولو نظرنا إلى دول مجاورة وقريبة منا فإننا نجد أن العصبية والتفرقة والطائفية قسمتها إلى دويلات داخلية بسبب إعلامها، وعلى الإعلام أيضاً أن يؤكد دوماً على محاربة مثل هذه الممارسات.
وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تحارب وتقف على أي قضية تدعو للإقصاء والتهميش والتفرقة على أساس القبيلة وغيرها، وإذا ثبت أن هنالك قنوات فضائية فعلى الجهات المختصة إغلاقها بموجب النظام وحجب المواقع التي تشجع على هذه الممارسات عبر الجهات المعنية.
محظور شرعي

وقال مدير عام الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في منطقة عسير الدكتور محمد القحطاني، «إن الإسلام جاء ليؤلف بين قلوب الناس وما يتم من إقصاء للآخرين وورود أخطاء في حقوقهم تتعلق بالعصبية القبلية والنعرات على أساس لون أو عرق أو قبيلة، فإن فيه نوعاً من التعالي والغرور ويرسم صورة سيئة من البغضاء والتنافر في المجتمع، وهذا بلاشك يخالف تعاليم الإسلام الدالة على التعامل مع الناس سواسية دون تفريق أو تباين بسبب نسب أو أصل وغير ذلك، وبالتالي فإن من يتورط في ذلك يقع في محظور شرعي لأنه يخالف ما أمر به الله ويعارض أخلاق المسلم الحسنة، وحول التقاضي شرعاً، قال القحطاني، إن باب الشرع مفتوح ويحق لكل من تأذى من هذا الباب رفع قضيته إلى المحاكم لتطبيق أحكام الشرع في هذا الجانب.
عصبية منتنة

وبيّن أستاذ الشريعة في جامعة أم القرى محمد السعيدي، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوجز موضوع العصبية القبلية والنعرات الطائفية في كلام موجز، حيث قال «دعوها فإنها منتنة»، وهي تماماً كالرائحة الكريهة التي تصدر من كل جهة وتأتي من أضيق المواقع، وهو وصف لما تؤثر به هذه الظاهرة في المجتمعات وتدعو إلى أمور سلبية، وعلى من يتورط فيها أن يتقي الله، ولابد من إشاعة الإيمان بين الناس والالتزام بكتاب الله وسنة نبيه، وقال تعالى «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله اتقاكم» لأن التقوى هو النسب الحقيقي، والحل يكمن في إزالة هذا النتن. وحول الفضائيات وما تبثه، قال السعيدي، إن الفضائيات ومواقع الإنترنت تنقل ما يحدث في المجتمع، وهي ناقلة، وعلى أصحابها أيضاً أن يتقوا الله.
قوانين رادعة

وطالب عميد كلية الأمير سلطان للسياحة والفندقة في جامعة الفيصل الدكتور علي بن عيسى الشعبي، بسن قوانين رادعة للمتورطين في العصبية القبلية، وأن تعلن وأن يتم تنفيذها، إضافة إلى التوعية بنشر ثقافة التوعية والابتعاد عن هذه المفاهيم، وقال الشعبي «إن العصبية تعارض الدين لأن شريعتنا تنافي هذه المفاهيم، وهذه الأخطاء التي حلت بالمجتمع وتعارض مفهوم الوطنية، فهو تدعو للشتات وتخالف الوحدة واللحمة وتخالف القانون كونها تعارض توجه الدولة المدنية بمؤسساتها، وما ينتج عن العصبيات من تعارض مع مفاهيم نظام الدولة الحديثة»، وأضاف الشعبي «إن العصبية تنطلق من مبدأ القبيلة لتصل إلى عدة دوائر أخرى في القرية وفي المحافظة وفي المنطقة الواحدة وما بين مناطق وأخرى»، وأضاف الشعبي أيضاً أن مفهوم القبيلة بمفهومها التقليدية أسهم في إخراج هذه العصبيات التي تؤرق المجتمع وتنشأ من خلالها سلبيات متعددة، ولكن يجب أن تؤطر أدوار القبيلة فيما هو أهم، ولعل ذلك يتمثل في إسهام القبيلة في حل المشكلات من خلال لجوء بعض المؤسسات الحكومية إليها، إضافة إلى وجودها كمرجع للشخص.
وأضاف الشعبي أن المشكلة أن هذه العصبية تعدت جانب القبيلة وبعض أفرادها لتصل إلى الجيل الناشئ الذي بدأ بعضه يتورط فيها، وهذه إشكالية عظيمة يجب أن يركز على التوعية لمنع استفحالها من الجيل الناشئ حتى لا تكبر معه.
معطلة للتنمية

وأكد محافظ بيشة محمد بن سعود المتحمي، أن العصبية القبلية لاتزال موجودة في المجتمعات الريفية، ولكن في مناطق الجنوب وبعد التطور ودخول المدنية، بدأت هذه العصبيات تقل، وقال المتحمي «إن هذه العصبيات مؤرقة وتسهم في تعطل التنمية بسبب تجاذبات القبيلة وتعصبها سواء للمكان أو لفكر معين أو لثوابت وآلية وهنالك بعض الرؤى والأطروحات والألفاظ لاتزال موجودة»، مضيفاً «أن اندماج الأشخاص من القبيلة أو من المجتمعات الريفية والبدوية في إطار المدينة يقلل من ذلك»، وزاد «أن الخوف من أن تطال هذه العصبيات القبلية لتصل للأجيال الناشئة فتؤثر فيهم فتعيق الشخص عن الاندماج مع الآخرين وتعطله نحو تنمية فكره وذاته، وعن حلول ناجعة للقضية، وأنه يجب أن تكون في مناهج التعليم ما ينبذ هذه العصبيات وتؤسس للاندماج والتواصل مع الآخرين دون تعالٍ أو إقصاء أو انتقاص، إضافة إلى أهمية أن تكون هنالك ندوات ومحاضرات في المناسبات الاجتماعية كالزواجات والولائم وغيرها، التي تكون القبيلة حاضرة فيها، ونبذ التعصب وإشاعة التعامل الراقي المبني على أسس حياة متحضرة تقوم على وحدة الجميع وفق منهج الشريعة الإسلامية الذي يؤسس لمفهوم التعامل بالخلق الإسلامي الحسن مع الجميع، مضيفاً «أن لشيوخ القبائل دوراً أساسأ في تأصيل المفاهيم الإسلامية الصحيحة القائمة على نبذ التعصب القبلي بكل مناحيه ومجالاته».
تخلف قبلي

وأوضح شيخ آل وليد ببني شهر فهد بن ظاهر بن دعبش، أن القبيلة في مجتمعنا السعودي مكون من مكونات النسيج الاجتماعي، ولكن هذا المكون يكون إيجابياً عندما يستشعر أفراد القبيلة معني القبيلة وفق تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة التي نبذت العصبية القبلية ونعتتها بـ»المنتنة»، فعندما تخرج القبيلة عن هذا التوجيه الديني السامي الذي يدعو إلى التواضع والحب والألفة والتسامح والتعاون مع بقية أبناء المجتمع لما فيه صلاح الجميع، وتنحدر إلى مظاهر التعصب العنصري المقيت، تكون بذلك خالفت تعاليم الدين واتجهت إلى آتون التخلف والجهل المقيت الذي لا يجر مفخرة لصاحبه فضلاً عن قبيلته.
تقدم علمي

وأضاف دعبش «نحن نعيش في عصر التقدم العلمي الذي لا مكان فيه لعنصرية قبيلة أو احتقار للغير، بل المكانة والصدارة هي لمن يمتلك العلم ويحترم ذاته ويحترم الآخرين في إطار من المحبة والتعاون والتعامل الحسن، وأن من منطلق المنصب القبلي الذي تعارف عليه المجتمع بشيخ القبيلة، يجب أن يكون من أولويات شيخ القبيلة نبذ التطرف والعنصرية والعصبية التي لا تعود بخير على القبيلة والمجتمع ككل، وزرع روح المحبة والألفة واحترام الغير، فالإسلام قد ألغى وأزال تلك النظرة الدونية للغير بناء على جنس أو لون أو غيرها، ويجب أن لا يكون ذلك شعاراً يُرفع فقط، بل يجب أن يكون واقعاً ملموساً في حياة الجميع، وسلوكاً نعيشه في حياتنا بدءاً من شيخ القبيلة وجميع أفراد المجتمع بكل قبائله، ولا ننسى جانباً مهماً وهو الإعلام بصوره وأشكاله كافة وما له من دور في نبذ التعصب القبلي أو زرعه بقصد أو بدون قصد، ونحن نلحظ بعض البرامج أو الأنشطة، وخصوصاً من القنوات الخاصة التي تغذي ذلك، فيجب التنبيه لذلك لتجنبه، فهذا الكيان الشامخ الذي نشهده اليوم في هذا البلد المعطاء إنما بُني على أسس من الوحدة والتعاون والمحبة واحترام الجميع، وأنه لا فرق بين أبناء الوطن الواحد، فيجب علينا جميعاً استشعار ذلك المبدأ والمحافظة عليه».