الاختلاف في الفتاوى لا يعني الفوضى
أرجع عضو هيئة كبار العلماء في المملكة الدكتور علي الحكمي كثرة ورود الأسئلة الفقهية في القضايا التجارية إلى جهل الناس، نافيا أن يكون سببه قصور الفقه في تفصيل المعاملات المالية.
وأوضح أن الاختلاف في الفتوى لا يعني الفوضى فالكتب الفقهية مختلفة في تفصيل الأحكام، مبينا أن المنشأ الحقيقي للفوضى في الفتاوى حينما يطلق الشخص الواحد عددا من الفتاوى المختلفة في نفس المسألة.
ولفت إلى أن تغيير العالم لرأيه في القضايا الاجتهادية لا يعني انقياده بآراء الآخرين، بل الآراء الاجتهادية تخضع للتغيير أحيانا، موضحا أن إرضاء الشرعي للناس على حساب الدين من أكبر الأخطاء، وخصوصا إن عمد إلى ذلك عبر فتاواه، محذرا من إطلاق التهم على الشرعيين والعلماء أو الادعاء أنهم يحرصون على إرضاء الناس على حساب الدين، ورأى ــ في الوقت ذاته ــ ضرورة تشديد العقوبات التعزيرية على من يهدد حياة الآخرين أمثال المفحطين.
وطالب عضو هيئة كبار العلماء الأئمة بالحفاظ على مهمتهم الموكلة إليهم وهي الإمامة، ومراعاة أحوال المصلين، والحرص على الإصلاح بينهم وتعليمهم.. وكان هذا الحوار مع الشيخ علي الحكمي:
تقدير القاضي
بداية، ما العقوبة المناسبة التي ترى تطبيقها على من يهدد حياة الآخرين كالمفحطين، وبخاصة أن أرواح البشر رهينة لدى بعض المتهورين؟ كما أن حجم العقوبة لا تردع أحيانا، وإلى أي مدى يمكن أن تصل العقوبة؟
العقوبات التعزيرية ترجع إلى تقدير القاضي، فيعزر بأنواع العقوبات وبما يراه مناسبا بحسب الحالة التي ترده والبيئة المحيطة، ولا بد من تشديد العقوبة التعزيرية إذا كان صاحبها متهاونا، وقد يودي بحياة الآخرين إلى الهلاك والموت.
واجبات الأئمة
يقتصر دور بعض الأئمة على الصلاة بالناس فقط، السؤال ما دور إمام المسجد الحقيقي تجاه أهل حيه؟، وما نصيحتكم تجاه الأمانة التي أوكلت إليهم وهي الإمامة، خصوصا أن بعضهم يتغيب بصورة ملفتة.
الواجب على من أوكلت له الإمامة بصفة دائمة أن يحافظ على إمامته بالمصلين، وأن يراعي أحوال جماعة المسجد فلا يشق عليهم بتأخيره للصلاة، ولا يفوت الجماعة عليهم بتقديمه للصلاة، وأن يعرف بأن عليه واجبات تجاه المصلين غير الإمامة، فيتعاهد المصلين بالموعظة المناسبة بين الحين والآخر ويعلم جاهلهم بأحكام الدين، وبخاصة صفة الصلاة، وأن يكون عونا لهم في حل مشكلاتهم، كما يعمل على الإصلاح بينهم؛ لأن المسجد نشأ لهذه الأمور، أما من قصر في المسؤولية المنوطة له فحسابه عند الله.
مقاصد كلية
هل الفقه وضح كافة الجوانب والمعاملات المالية والتجارية، فالأسئلة عن البنوك والمعاملات التجارية ونحوها ترد دائما ؟.
شريعتنا جاءت لكل الناس، وهي صالحة لكل زمان ومكان من خلال أصول أدلتها وقواعدها العامة ومقاصدها الكلية، وقد استوعبت جميع النوازل منذ عهد البعثة وتستمر على ذلك حتى قيام الساعة، وهي تلبي حاجات الناس أمام كافة المستجدات والنوازل حتى قيام الساعة، وفي كافة ومختلف شؤون الحياة بما فيها الأمور المالية والاقتصادية والتجارية وغيرها، أما كثرة السؤال عن القضايا المالية والتجارية فسببه جهل الناس بتلكم الأحكام لا لعدم ورودها في الفقه، والله ــ سبحانه وتعالى ــ وعد الأمة بأن يقيض لها من يحافظ على أحكامها وشريعتها.
ليست فوضى
تختلف الفتاوى، خصوصا مع حلول المناسبات الدينية، فتجد في المسألة الواحدة إجابات متنوعة.. هل هذا من مبدأ اليسر في الدين؟، أم هو الفوضى في الفتاوى؟
أي فتوى تصدر من العلماء المعتبرين لا توصف بالفوضى، وإن اختلفت، لأن الاختلاف أمر طبيعي وموجود في الكتب الفقهية، لكن منشأ الفوضى حينما تصدر إجابات مختلفة من ذات الشخص على نفس الفتوى.
وبماذا تنصحون العوام للابتعاد عن فوضى الفتاوى؟
على العامي أن يتلقى فتاواه من مصادرها الحقيقية، وألا يعتمد ــ بوجهة نظري ــ على الكتب الفقهية، كونه لا يعي المقصود منها أحيانا.
لا حرج
نعلم أن اقتران المسلم بالكتابية لا بأس به لورود حكم شرعي بذلك، لكن ألا يؤدي الاتساع في هذا الأمر إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين المسلمات؟
الحكم غير قابل للتغيير أو الأعراف، فالاقتران بالكتابيات مباح كما جاء في كتاب الله: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)، لكني أقول إن الاقتران بالمسلمة أفضل، فالكتابية ربما تضر بأبناء المسلم أحيانا، لكن الاقتران بالمسلمة يحقق مقاصد شرعية أولى، كقضاء حاجات المسلمين، وتبادلهم للمنافع، ولا شروط عند الاقتران بالكتابية سوى أن يحذر المسلم من أن تكون ملحدة، خرجت عن دينها الكتابي، والاقتران بالمسلمة هام، فقد جاء عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ حثه للصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ بالزواج من المسلمات، أما المسلم الذي يعيش بين أظهر أهل الكتاب وليس أمامه إلا هؤلاء الفتيات فلا حرج من اقترانه بإحداهن.
لا ينبغي الاتهام
معلوم، لا يمكن إرضاء الناس جميعا، لكن البعض يرى أن بعض الشرعيين أخطأوا بمحاولتهم إرضاء الآخرين.. ما رأيك بهذه المسألة؟
من أكبر الأخطاء محاولة إرضاء الآخرين على حساب الدين، فمن أراد بعلمه أن يقال عنه عالم ملأ الدنيا فقد وقع في خطر وأدخل نفسه في زمرة أول من تسعر النار بهم يوم القيامة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، لكني أقول لا ينبغي الاتهام، وإن تبين فعلا ركض بعض الشرعيين والعلماء إلى السمعة فنرجو لهم الهداية وأن يصلح الله نياتهم، ونصيحتي ألا يستمروا فيما وقعوا فيه من خطر، وألفت الانتباه إلى أنه لا يعني كل من غير في رأيه في القضايا الاجتهادية أن تطلق عليه أمثال هذه التهمة، فليس كل مغير باحث عن رضا الآخرين؛ لأن القضايا الاجتهادية أحيانا يكون فيها التغيير.
خطأ الدعاوى
لِم يركز الناس على بعض الموضوعات كالمهدي المنتظر؟.. فيقولون هو حي لكنه غائب، ويتركون القضايا الحياتية المعاصرة والمهمة؟
من يقول إن المهدي حي وغائب فقد أخطأ، وكل الدعاوى التي تشير إلى ذلك باطلة، لأن جمهور العلماء بينوا أن المهدي يخرج آخر الزمان وموعده مجهول، وجاء في الصحيحين أن المهدي يملأ الأرض عدلا بعد أن كانت جورا.
وما الذي ورد في بعض صفاته؟
ورد أن اسمه محمد بن عبدالله، وهو من نسب النبي ــ صلى الله عليه وسلم، وقد قال عنه ــ عليه السلام: (المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا أو ظلما، ويملك سبع سنين).
ومن صفاته تعلق أهل العلم والإيمان به، ومبايعة المؤمنين له بين الركن والمقام، وسيملأ الأرض عدلا بعد أن كانت جورا، كما سيظهر المسيح في أيام المهدي، ولا بد أن يعي الناس اليوم أن علامات المهدي لم يظهر منها أي شيء مما ذكره الرسول ــ صلى الله عليه وسلم، علما بأن الدعاوى التي تظهر بين الحين والآخر عن بعض الأشخاص بأنهم المهدي، يتضح كذبهم الواضح عند مقارنتهم بعلامات المهدي الحقيقية التي بينتها الأحاديث.