الأخبار المحلية

العدل على حق .. نقص القضاة فرضيّة خاطئة

واصل الخبراء وأصحاب الشأن ورجالات السلك القضائي تسليط الضوء على الدواعي الرئيسة لتأخر البت في القضايا وتزاحم المراجعين على المحاكم بأشكالها المختلفة واتفق أغلب من استمعت إليهمعلى عدم وجود ما يطلق عليه نقص عدد القضاة وقدموا حزمة من الحلول والمعالجات التي تكمن رجال السلك القضائي لأداء مهامهم الأساسية بعيدا عن الضغوطات الإدارية.. واقترح خبير ومحامي التدقيق في تعيين القضاة الجدد، مشيرا إلى أن الزج بهم في أتون العمل القضائي من أول وهلة يؤثر على سير القضايا وسرعة البت فيها.

المحامي الدكتور ماجد قاروب تناول عددا من المفاهيم المغلوطة التي درج البعض على ترديدها دون بحث أو تعمق، وقال وفقا لعكاظ: عندما نتحدث عن القضاء وعدد القضاة يجب أن تكون لنا نظرة شمولية للأمر من كافة الجوانب.. لابد أن نتحدث عن القضاء في محاكم وزارة العدل العامة والجزائية وديوان المظالم ومحاكمه الإدارية ذات الاختصاص التجاري والإداري والجنائي واللجان القضائية التي يقارب عددها المائة في مختلف الأجهزة الحكومية. الملاحظ أن الشكوى من تأخر القضاء يظهر بصورة كبيرة في المحاكم العامة والجزائية وتكاد تنخفض ثم تنحسر. المشكلة في ديوان المظالم واللجان القضائية وتأخر القضايا في المحاكم العامة والجزائية يعود لعدد كبير من الدواعي وجملة الأسباب، أولها: أن ما يقارب الأربعين في المائة من أعمال المحاكم العامة هي من الإنهاءات لا من الأعمال القضائية والتي يحضر إليها مراجعون وشهود يحتلون حيزا كبيرا من حجم ووقت ومساحة العمل في المحاكم.

القضايا الكيدية والثقافة
يضيف الدكتور قاروب أن عدد القضاة مقارنة بعدد السكان يصل بنا إلى معادلتين، الأولى انخفاض عدد القضاة مقارنة بعدد السكان كمعدل عالمي. والنقطة العكسية هو ازدياد عدد القضايا على المعدل العالمي مقارنة بعدد السكان، ويعزز تلك الصورة السلبية عددا من الأمور أهمها انتشار القضايا الكيدية وضعف الثقافة الحقوقية والسماح لغير المختصين من المحامين بالترافع، ضعف الأجهزة الإدارية في المحاكم بداية بمكتب رئيس المحكمة والأجهزة المساندة والتي من أهمها تحضير الخصوم وصولا إلى الجهاز المساعد والمساند للقاضي من الناحية الإدارية والقضائية، ناهيك عن أسلوب العمل وكثرة وتردد المراجعين، الأمر الذي يشغل وقت القاضي الذي يمكن أن يتفرغ للعمل القضائي وهذه العوامل أثرت سلبا في مجمل الأوضاع. المطلوب تخصيص معاون أو ملازم قضائي يباشر الأعمال الإنهائية وتبادل المذكرات بين الخصوم وتحديد مواعيد الجلسات والتأكد من صحة التبليغات بالتواصل مع قسم محضري الخصوم.. كل ذلك يؤدي إلى أن يتفرغ القاضي وتنعكس معادلته الوقتية بأن الوقت المهدر منه في اليوم يعادل 90 في المائة أغلبه عمل إداري والرد على استفسارات المراجعين إلى أن يصبح 90 في المائة من وقته لنظر القضايا من الناحية الموضوعية بعد أن عالجها وباشرها إداريا وشكليا مكتب القاضي ومعاونوه.

10 آلاف وظيفة قضائية
المحامي قاروب أضاف أنه في المحاكم الجزائية تتراكم القضايا والمشاكل ويزداد عليها معضلة تداخل الأجهزة الأمنية والحقوقية في صميم الإجراءات الإدارية لأعمال المحاكم الجزائية بسبب طبيعة القضايا الجنائية فنجد تداخلا مباشرا مع هيئة التحقيق والادعاء العام والسجون والشرطة وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة بالشق الأمني، حيث تتركز المعضلة الأساسية في ضعف التنسيق الذي يؤدي إلى هدر الوقت والحقوق على الجميع. ولذلك فإن إصلاح الشأن القضائي والعمل في المحاكم يحتاج إلى نظرة ومعالجة شمولية لكل عناصر العمل القضائي والحقوقي.
وذكر قاروب بأنه بهذه المعالجة ستكون بعض الملاحظات العامة حول تأخر بعض القضاة وانشغالهم تكاد تكون أمور ثانوية خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الجهود الإصلاحية الكبيرة التي تقوم وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء خاصة في الإدارة العامة للتفتيش القضائي التي تقوم بمراقبة وتصحيح العمل في المحاكم إداريا وشكليا وموضوعيا. وما نتطلع إليه هو تمكين وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء من أداء رسالتهم ومهمتهم في تطوير مرفق القضاء ومن أهمها إيجاد الوظائف المطلوبة من حيث النوع والكم اللازم لدعم الأجهزة الإدارية في المحاكم التي تحتاج إلى مالا يقل عن 10 آلاف وظيفة جامعية إدارية وحقوقية لشغل الوظائف الإدارية في جميع أقسام وإدارات المحاكم المختلفة.
ويطالب قاروب بأن تكون مخصصات تلك الوظائف بالقدر الذي يسمح باستقطاب الكفاءات وللتدليل على عدم وضوح الرؤية لدى وزارة المالية هو الإعلان عن وظائف ترجمة من وإلى اللغة العربية إلى عدة لغات براتب 4 آلاف ريال.. وهذا يؤكد بأن وزارة المالية والخدمة المدنية بعيدة كل البعد عن معرفة واقع اقتصاديات سوق العمل وأن المبلغ المخصص لسكرتير في مكتب ترجمة وليس لمترجم محترف يعمل في السلك القضائي يعتمد على صحة الترجمة الحكم بالقصاص في بعض الأحيان.

الوزارة على حق
القاضي السابق في ديوان المظالم المحامي محمد بن سعود الجذلاني أوضح حقيقة تصريحات وزير العدل الدكتور محمد العيسى الذي أكد في أكثر من مناسبة عدم وجود النقص في السلك القضائي، وقال إن من يتأمل ما تضمنته التصريحات من تشخيص الأسباب الرئيسة لتأخر إنجاز القضايا، يجد أن ما أشار إليه من مشكلات وأسباب تعد تشخيصا دقيقا صادرا من رجل مارس القضاء ولامس ما يعانيه القاضي من مشكلات تعوق الإنجاز وتهدر الوقت الثمين للقاضي في أعمال لا صلة لها بالمهمة الأصلية للقاضي وهي الفصل في الخصومات بين الناس، وهذه حقيقة يؤمن بها كل القضاة وهي محل تذمر وشكوى منذ سنوات طويلة، سواء كان هناك نقص فعلي في أعداد القضاة أم لا، إلا أني أؤكد أنه في حال تبني ما ذكره وزير العدل من تشخيص لمشكلة تأخير القضايا، وتطبيق ما ورد في تصريحاته من خطوات علاجية.

شغل القضاة بمهام أخرى
القاضي الجذلاني يلخص الحلول في توفير الكوادر الإدارية والاستشارية الكافية لكل مكتب قضائي على أن تتولى كل الأعمال التي تشغل القاضي عن عمله الأصلي وتساعده على تحضير القضية ودراستها وبحثها، ومن ثم كتابة الأحكام ومراجعتها، ويحث الجذلاني بعدم إشغال القضاة بأي أعمال إنهائية وتفريغهم للنظر في الخصومات وإصدار الأحكام فقط مع تفعيل مكاتب الصلح في المحاكم، إيجاد آلية دقيقة للتحكيم ومراجعة أنظمته وإصلاحها وإيجاد نظام فاعل للتحكيم التجاري. ويضيف: بنظرة متأنية فاحصة لما تضمنته تصريحات وزير العدل نجد أنها تعتبر خريطة طريق للقضاء على مشكلة تأخير القضايا، ومع ذلك لابد من زيادة أعداد القضاة لأنه لا يمكن أن تكون تصريحات قيادات الجهات القضائية بمن فيهم وزير العدل السابق، مجرد مبالغة أو تصريحات مرتجلة لا تستند على أي دليل.

مفارقة نقص العدد
زاد الجذلاني بالقول «أعيد التأكيد على ما سبق أن أشرت إليه سابقا من أنه من المفارقات العجيبة الإقرار بوجود نقص هائل في أعداد القضاة، وتأخير غير مقبول في إنجاز القضايا، وكان آخر ذلك ما صرح به رئيس ديوان المظالم من عدم رضاه عن نسبة إنجاز القضايا في الديوان، ومع ذلك يوجد نسبة لا يستهان بها من القضاة يتم تفريغهم من العمل القضائي وتكليفهم بأعمال ذات طبيعة إدارية بحتة تؤثر سلبا على إنجاز القضايا، كما تؤثر أيضا على القاضي نفسه الذي ينقطع عن مزاولة العمل القضائي مع أن عمله القضائي هو الذي يكسبه الخبرة والتأهيل وليس الأعمال الإدارية».

جودة الأحكام القضائية
وأردف الجذلاني أنه من الجوانب التي يخشى أن يكون لها أثر سيئ على جودة الأحكام ومستوى إتقانها، كثرة التعيينات القضائية من القضاة الجدد الذين يتم الزج بهم مباشرة في ممارسة العمل القضائي والفصل في الخصومات دون إكسابهم التدريب العملي الكافي والتأهيل التطبيقي المناسب الذي يمكنهم من إصدار أحكام موافقة للحق والعدل وملتزمة بالأصول الإجرائية وبقواعد العدالة العامة، خاصة في ظل التوسع في افتتاح محاكم الاستئناف والحاجة إلى توفير القضاة لها، ويكون ذلك من القضاة العاملين في الميدان، فيأتي القضاة الجدد في ميدان شبه خال من الكفاءات التي يمكنهم الرجوع إليها في المشورة والسؤال عما أشكل عليهم، فتحدث أمور لا تحمد عاقبتها. ويتساءل ولا أدري حقيقة كيف يكون الحال بالقضاة الجدد الذين لا يجدون مثل تلك الخبرات للرجوع إليها ولا تتوافر لهم المصادر المعينة على إصدار الأحكام.
الجذلاني يرى أن المحاكم الإدارية تقوم على إعمال السوابق القضائية والتي تتشكل منها مبادئ القضاء الإداري وقواعده، فكيف يكون الشأن بقاض متخرج في كلية الشريعة أو حتى المعهد العالي للقضاء ولم يتكون لديه بعد المهارة أو الملكة القضائية في القضاء الإداري.. (لا ينبغي أن يُفهم كلامي على أنه دعوة لتقليل تعيين القضاة، وإنما هو تأكيد على أهمية أن يراعى في تعيينات القضاة ما يكفل المحافظة على جودة الأحكام وانضباطها والتزامها بالأطر الواجبة للحكم القضائي إجرائيا وفي الموضوع).
ويلفت إلى أهمية إعادة النظر من جديد في حصر مهمة القاضي في القضاء فحسب، والعهد بالإجراءات الإدارية لمكتب القضائي إلى موظفين يملكون أهلية تامة ويريحون القاضي من تلك التواقيع على استلام المعاملات وصدورها، بل في التوقيع على المواعيد التي ما زال بعض القضاة يحتفظ بها لنفسه، سوف تعيد دور القاضي المهم والمتمثل في النظر القضائي للخصومات فحسب.

المواعيد المطولة والنظام
وخلص الجذلاني إلى القول: إن كثيرا من أصحاب الخصومات والقضايا قد يستوعبون ويتقبلون منحهم وإعطاءهم موعدا بعد أربعة أو خمسة أشهر مع تأخره وثقله، إلا أن الذي لا يمكن هضمه أو قبوله أن يشاهد التخلف عن الموعد، وليس ثمة إجراء حازم أو حاسم متمثل في الإحضار بالقوة الجبرية وتفعيل الأحكام الغيابية وتطبيق المواد 55، 56 من نظام المرافعات الشرعية المتعلقة بغياب الخصوم أو أحدهم، أو أن القاضي يسارع إلى البحث عن تأجيل للجلسة لأدنى سبب مثل النظر في الوكالات التي ينبغي أن تكون من اختصاص أقسام الإحالات، بحيث لا يتم قبول الدعوى وحضور الأطراف إلا بوكالة مكتملة تتضمن كافة الحقوق المطلوبة مثل الإقرار والإنكار وسماع اليمين وطلبها وغير ذلك، كما أنه يتعين في نظري التأكيد على المحامين ألا يقبلوا وكالة ناقصة، بل يجب أن تتضمن الوكالات الحقوق اللازمة وذلك اختصارا للوقت وحفظا لمواعيد النظر في الجلسات القضائية.