المفتي: الإنكار باليد لأصحاب السلطات والتستر على المجرمين خيانة
أوضح سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن إنكار المنكر يجب أن يكون بالطرق الشرعية، بحسب المراحل التي نص عليها الحديث النبوي الشريف، لافتا إلى أن إنكار المنكر باليد يكون لأصحاب السلطات المخولة من قبل ولي الأمر كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال وفقا لعكاظ في إجابات لسماحته عن أسئلة: يجب أن يراعي المعتمر أوقات الزحام، فلا يقوم بما يؤدي إلى التضييق على الآخرين وإلحاق الأذى بهم أو بنفسه، فإذا كان الأمر كذلك، فإن عليه تأجيل العمرة الثانية إلى وقت آخر. ودعا آل الشيخ إلى التزام المأمومين، وخصوصا ممن يصلون خارج المساجد في صلاة الجمعة عدم التقدم على إمامهم، مطالبا المصلين بتحري الإمام والإمام بالتنبيه على المأمومين بذلك.
المحافظة على العقيدة
كيف يحافظ المسلم على عقيدته، فيجعلها خالية من الشوائب ويحميها مما يعكرها أو ينقصها؟
إن شأن العقيدة في الإسلام عظيم، فالعقيدة والإيمان هما الأصل اللذين تنبني عليهما جميع أحكام الإسلام، وبهما نجاة المسلم من الكفر والضلال والبدع، والنجاة من عذاب الله يوم القيامة إذا اقترن بها العمل الصالح الموافق لشرع الله وهدي نبيه ــ صلى الله عليه وسلم.
فبعدما يتلقى المسلم عقيدته صحيحة صافية من مصادرها من الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح، مع إخلاص الدين لله ــ عز وجل، فإن عليه أن يحافظ على عقيدته من كل ما يخدشها من الشركيات، والخرافات، والخزعبلات، والبدع.
ثم لا بد للمسلم من أن يكون على بينة وبصيرة في أمر العقيدة والتوحيد، وأن يعرف ما يخل بالتوحيد من الشرك الأكبر والأصغر، ولا يتحقق ذلك إلا بالتلقي عن العلماء المعروفين بسلامة المنهج وصحة العقيدة، وكذلك بقراءة كتبهم، ومن ذلك كتب شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب؛ كالأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وكتاب التوحيد، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالعقيدة الواسطية، وكتاب العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي.. وغيرها من الكتب الموثوقة الموافقة لمنهج السلف الصالح في هذا الباب.
إنكار المنكرات
ما ضوابط إنكار المنكرات، وماذا يجب على المسلم الفرد العادي تجاه ما يراه أحيانا من المنكرات؟
أولا: لا بد من معرفة المنكرات التي نهى عنها الإسلام، وصرحت بتحريمها نصوص الكتاب والسنة وسائر قواعد الشريعة الإسلامية.
ثانيا: يجب إنكار المنكر بالطرق الشرعية، بحسب المراحل التي نص عليها حديث النبي ــ صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فإنكار المنكر باليد يكون لأصحاب السلطات المخولة من قبل ولي الأمر كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما الإنكار باللسان فيكون لكل من قدر على ذلك، ولكنه مشروط بأن لا يعود بالضرر البالغ عليه، وأن لا يؤدي الإنكار إلى منكر أعظم منه.
وأن يكون الإنكار باللطف والرفق والحكمة، وبالأسلوب المناسب المؤثر، مع توخي الحلم والتؤدة، والصبر عليه، وتجنب الغلظة والشدة والفظاظة.
الزحام في الحرم
في هذه الأيام يكثر الزحام في الحرم المكي بسبب مشروع توسعة المطاف، ما الواجب فعله تجاه القادمين من الداخل للعمرة، وخصوصا من مكة وما جاورها.. هل هناك بأس في تكرار العمرة هذه الأيام، وجزاكم الله خيرا.
لا شك أن العمرة عمل صالح فيها أجر عظيم. ولكن ينبغي أن يراعي المعتمر أوقات الزحمة، فلا يقوم بما يؤدي إلى التضييق على الآخرين، وإلحاق الأذى بهم أو بنفسه، فإذا كان الأمر كذلك، فعليه أن يؤجل الإتيان بالعمرة الثانية إلى وقت آخر إذا كان في ذلك تضييق على الناس.
مصلو الجمعة
يتقدم بعض المصلين في صلاة الجمعة على إمامهم، وخصوصا أولئك الذين يصلون في الخارج، هل تجوز صلاتهم والحالة هذه، وما الواجب ــ حينئذ ــ على الإمام فعله في هذه الحالة مع المأمومين؟
الواجب أن يتأخر المأموم عن إمامه في صلاة الجماعة، وإن كان بعيدا عن الإمام يجب عليه أن يتحرى موقف الإمام فلا يتقدم عليه، وعلى الإمام أن ينبه المأمومين بعدم التقدم عليه.
هل يجوز للسائل أخذ الفتوى الأسهل والأنسب له، إذا كانت الفتاوى موجودة مسبقا ومسجلة ومكتوبة، ولم يباشر هو بنفسه سؤال أكثر من عالم ليأخذ الأسهل، هل يدخل هذا في المنع؟
الأصل في المسلم أنه يسأل عن حكم الله ورسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في كل ما يعرض له من مسائل وأحوال وحوادث، فهو يتحرى موافقة أدلة الشريعة، ولا يبحث عن الأيسر والأسهل.
فإذا أشكل على المسلم أمر، أو أراد أن يعرف حكم مسألة من المسائل، فعليه أن يسأل من يثق في علمه ودينه من العلماء المعروفين الموثوقين، وأن يأخذ بما يفتيه ذلك العالم.
ولا ينبغي له أن يختار الأسهل والأيسر من أقوال العلماء، وأن يتتبع رخصهم لمجرد أنها أنسب له؛ لأن ذلك من اتباع الهوى المنهي عنه في الشرع، فإن الشارع يريد أن يخرج الإنسان من داعية هواه إلى أن يكون عبدا لله تعالى، متبعا لرسوله ــ صلى الله عليه وسلم، معظما لشرعه وأحكامه.
أحكام السفر
يجهل البعض أحكام السفر.. هل لسماحتكم أن توضحوا لنا بعضا منها، وجزاكم الله خيرا.
إذا سافر المسلم مسافة 80 كيلو فأكثر، فله أن يقصر الصلاة الرباعية، وأن يجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير مادام على السفر، أو أقام ونوى إقامة أربعة أيام فأقل فهو في حكم المسافر.
كما يسن للمسافر كذلك أن يفطر في رمضان أثناء السفر ويقضي تلك الأيام في إقامته.
وكذلك يجوز له المسح على الخفين والجوربين ثلاثة أيام بلياليها، ويشترط لهما أن يلبسهما على طهارة، وأن يكون الخف نفسه طاهرا ساترا للقدم مع الكعبين.
الاختيار والإرادة
في قول الله تعالى: (والله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة).. هل هذا يدل على أن العبد لا خيار له فيما يفعل وهو مسير بالكلية، أم ماذا.. أفيدونا مأجورين.
إن الشارع أثبت للإنسان اختيارا وإرادة، ولكن هذه الإرادة تابعة لإرادة الله تعالى ومشيئته، قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)، فكل ما يفعله الإنسان إنما يفعله باختياره وإرادته، ولذلك فهو يجازى على فعله، إن كان خيرا أثيب عليه، وإن كان شرا عوقب عليه.
والله تعالى قد أوضح للناس طريق الخير والشر، والهدى والضلال، والإيمان والكفر، قال تعالى: (وهديناه النجدين)، وقال تعالى: (ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها).
وأما ما جاء في الآية فهو المشيئة القدرية الكونية، فكل شيء في هذا الكون من خلق الله، ويسير وفق إرادته ومشيئته الكونية، ووفق ما قضى الله وقدره في الأزل. ولكن ذلك لا ينفي عن الإنسان الاختيار والإرادة فيما يقوم به من أفعال وأقوال وتصرفات.
تربية الأبناء
ما الأمور المعينة على تربية الأبناء وحمايتهم من كل شر، وبخاصة في هذه الأوقات التي يجد فيها الشاب المسلم محاربة في جميع الأمور.
الأولاد من بين وبنات نعمة من الله تعالى على العباد، قال الله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)، فهي نعمة على العبد إن شكر الله وأدى الواجب، والأولاد فتنة ومحنة، قال الله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)، وقال تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، فالواجب على المسلم إن أنعم الله عليه بهذه النعمة بالبنين والبنات أن يشكر الله عليها، ويعلم أنها ابتلاء وامتحان، يقول الله (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور)، والواجب على العبد أن يشكر الله على النعمة ويؤدي واجبها بتربية الأولاد وتوجيههم لكل خير منذ صغرهم ويربيهم على فضائل الأعمال والأقوال الحسنة (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)، والواجب تربية الأولاد وتوجيههم للأخلاق والأعمال الصالحة، يقول الرسول ــ صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن).
والآداب الحسنة والأخلاق الكريمة إذا ربي عليها الأولاد منذ الصغر نشأوا على خير وعمل صالح، فإن هذا واجب الآباء والأمهات أن يأمروهم بالخير، ويحذروهم من الشر في صغرهم، ويربوهم على الفضائل والأعمال الصالحة، ويكون الآباء والأمهات قدوة للبنين والبنات يرون فيهم تمسكا بالقيم والفضائل والقيام بالواجب، ويرون من الأب المحافظة على الصلوات في المسجد وخروجه كل وقت لأداء الصلوات، صادقا في حديثه، صادقا في تعامله، بارا بأمه وأبيه، فيقتفون أثره ويقتدون به، يرون تعامله حسنا، موفيا للعهود، مؤديا للأمانة، واصلا لرحمه، مكرما لجاره، متعاملا مع زملائه بكل معاملة حسنة، فهو قدوة لهم في الخير، وهم مرآة يعكسون فضائله وأعماله، فأرجو من الآباء تقوى الله وتربية الأبناء والبنات على الخير، والأم كذلك، والآباء والأمهات أن يكونوا قدوة في ذلك، والمجتمع مطلوب منه التعاون في التربية والتوجيه، ورجال التعليم من معلمين ومعلمات، واجب الجميع التربية وإعداد النشء الإعداد السليم الصالح، من حيث المناهج وإعداد المعلمين والمعلمات، ويجب أن تتضافر جهود الجميع في تربية النشء وإبعاده عن منكرات الأقوال والأعمال، فإنهم أمانة في أعناق الأمة متى ما قاموا بها خير قيام أدوا الأمانة التي ائتمنوا عليها، كما أن على وسائل إعلامنا الإسلامية أن تساهم أيضا في التربية والتوجيه بما تبثه من برامج وأطروحات نافعة تعالج فيها القضايا والأخلاق وتحث الجميع على التوجه إلى الأخلاق والقيم.
حب الدين والوطن
كيف ننمي في شبابنا حب الإيمان والدين الإسلامي والوطن.
ننمي فيهم ذلك بأن نذكر فضائل الإسلام وأخلاقه ومحاسنه القيمة وما جاء به من فضائل وأعمال صالحة، ونقول لهم هذه أخلاق دينكم قارنوا بينها وبين ما لدى المجتمعات الأخرى البعيدة عن الإسلام لتعلموا فضل الإسلام ومكانته، وأن الإسلام دين الحق والفضائل وننمي فيهم الخير، ونأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، ونأخذ على أيديهم إن هم انحرفوا بالتوجيه والأدب الحسن، ونركز في نفوسهم حب وطن المسلمين، وأن وطن الإسلام يجب محبته وموالاة الوطن بأن نحب الخير له، فلا نسمح لمجرم ولا متسلل ولا مفسد ولا محارب لقيمنا وأخلاقنا أن يندس بين صفوفنا ليفسد أخلاقنا وينشر البلاء والفساد، فإن المسلم يجب عليه أن يحمي بلاد المسلمين بكل ما أوتي من إمكانيات، ولا يجوز التساهل مع المجرمين والمفسدين والمحاولين للتسلل بالرذائل، فإن هذا منكر عظيم، يقول ــ صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثا)، فإيواء المحدث نصره وتأييده والتستر عليه وإعانته والسكوت عنه والتعاون معه.. كل هذه أمور خطيرة، وأنصح إخواني المسلمين وأحذرهم من التعاون مع كل مفسد ومجرم ومخالف للأنظمة ومتسلل لا هوية له، يجب أن يكون موقفه صارما لا نرضى لوطننا أن يدنس، ولا أخلاقنا ولا قيمنا أن تهان، ولا سلوكياتنا من أن يطرأ عليها ما يفسدها، ولا نرضى للمجتمع المسلم ممن يريد تكدير أمنه وصفو استقراره ونعمته، فإننا في نعمة عظيمة وفضل كبير، هذا البلد ينعم بالأمن والاستقرار في ظل هذه القيادة المباركة.