المفتي: وسائل التواصل الاجتماعي ملئت بالكذب والأباطيل
حض سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الدعاة على الإخلاص لله في دعوتهم والصبر على أذى الناس والحذر من الحظوظ الدنيوية والتطلع إلى الظهور.
وقال، جوابا على سؤال وجه إليه عن ما يجب على الدعاة في دعوتهم وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم، إن الدعوة مقصد نبيل وغاية شريفة وخلق الأنبياء والمرسلين، وينبغي للداعية أن لا يكون همه الدنيا ومطامعها، وعليه أن يترفع عن هذه الدنايا، فمن جعل همه نيل حطامها لم يكن موفقا ولا مهتديا.
ووفقا لعكاظ أشار آل الشيخ إلى أن الدعوة تقتضي أن يكون هدف الداعية وغايته إصلاح البشر وهدايتهم إلى الطريق المستقيم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنه بهذه الطريقة أدعى لقبول دعوته.
وأكد أهمية أن يكون الداعية إلى الله عالما بحقيقة ما يدعو إليه؛ لأنه إن لم يكن كذلك، فقد يدعو إلى ضلال أو يأمر بشيء نهى عنه الشرع أو ينهى عن شيء أمر به الشرع، وإلا فإنه سيكون آثما غير مأجور.. فإلى التفاصيل:
في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة…) تحذير قوي للمسلم بعدم ظلم الآخرين.. هل يشمل هذا الشائعة؟
هذه الآية في سورة الحجرات، أدب من الله أدب به عباده المؤمنين في تلقي الأخبار ونشرها وإشاعتها، وأن الواجب علينا إذا جاءنا فاسق لا نثق به بخبر ألا نقبله على الفور، بل نتثبت ونقلبه يمنة ويسرة وننظر في قرائنه وننظر هل صدق أو كذب، ولا نتسرع في قبوله أو رده، بل نتأمل ونطيل التأمل في ذلك وننظر أهذا حق أو باطل، فتثبتوا لأجل ألا تصيبوا قوما بعدوان وجهالة؛ لأنكم إن فعلتم فعلا بناء على خبر لم تتثبتوا من صحته أو عدمه فندمتم على ما فعلتم، لعلكم أن تعاقبوا أو تسبوا وتظلموا من نقل عنه الخبر، والواقع أن الخبر لا أساس له من الصحة، وهذا أصل في التثبت من الأخبار، ولا سيما الشائعات التي يشيعها من يشيعها والأراجيف والتحدث في القدح في الناس والكلام فيهم وحمل الكلام على أسوأ محمل من دون روية وبصيرة، ولذا قال الله (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا)، وفي الحديث (بئس مطية القوم زعموا)، وفي الأثر (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)، فالتثبت وعدم الحكم على الخبر في الحال مطلوب من كل مسلم، فالبعض يأتي بخبر يدعي أنه غيرة لله ودفاع عن الدين وغيرة على محارم الله، وللأسف، أخباره قد تكون كاذبة وقد يكون مبالغا فيها وقد يكون له مقاصد سيئة، لكنه أظهرها في قالب الخير والصلاح ليخدع الناس بذلك، فعلينا التثبت في الأخبار وعدم التسرع وألا نحكم على الأشياء بمجرد سماع قول لا ندري عن قائله أهو كاذب أو صادق، وليس على الصادق عنوان واضح، فلنتثبت حتى لا نقع في جهالة وبلاء.
السب والشتم في مواقع التواصل
ما رأيكم في ما يحدث في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من سب وشتم؟
ما يحدث في مواقع التواصل كله افتراءات وأكاذيب وأباطيل، كما قال النبي ــ صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، فكثير من هؤلاء ربما لا يظهر اسمه على الحقيقة، ويضع لقبا مزورا ينشر فيه من السموم والكذب والأراجيف والأباطيل والتحليلات غير الواقعية ليخدع الناس بذلك، بل هذا حرام عليهم، ففي الحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يخذله، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، فوسائل الاتصال الاجتماعي ــ للأسف الشديد ــ ملئت بهذه الأكاذيب والأباطيل وانخدع بها من خدع واغتر من اغتر وصدقها من صدقها من غير استبانة للأمر وهذا خطير.
علاج الهموم والغموم
ما علاج الهموم والغموم؟
الهموم والغموم لها أسباب، فإما أن تكون مرضا في الإنسان، وإما لديون تحملها أو مشاكل أسرية يعيشها أو له مشاكل في العمل، على كل حال المسلم يقابل هذه الهموم بالصبر والاحتساب وبذل السبب الذي يخلصه من هذا، ومن ذلك دعاء الله أن يقول (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال)، ويقول (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماضٍ في حكمك عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، ويكثر من ذكر الله، والله يقول (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). تناس الهموم واستعن بالله على تفريجها وكن واثقا بالله اسأله المغفرة والتجاوز وذهاب الهم والحزن عنك.
فعل المحرمات
لقد ابتلي بعض الناس في هذا الزمان بفعل بعض المحرمات، وإذا قلت له ــ يا فلان ــ لم تفعل ذلك، قال كل الناس تفعل ذلك، وأن هذا من عادات جماعتنا وقد نشأنا عليه، ما توجيهكم لهؤلاء؟
هذا من الخطأ الواضح والجهل الكبير، يقول الله تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)، فهذا جواب أهل الكفر والضلال يسلون أنفسهم بأن ما هم عليه طريقة أسلافهم وآبائهم الضالين، فهم يغترون بهذا وهذا خطأ، ضلال الناس ليس عذرا لك، قال الله تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، وقوله تعالى: (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وقليل ما هم)، فلا تغتر بقبيلتك ولا أسرتك ولا أهل بلدك، الباطل باطل وإن عمله الأكثرون، والحق حق وإن أعرض عنه الأكثرون، فالانخداع بكثرة من يعمل المعاصي ليس حجة لك أمام الله، بل تعاقب على أخطائك وسيئاتك فانتبه لنفسك، يقول الله (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات)، فإياك أن تغتر بأعمال الناس السيئة، خلص نفسك من عذاب الله (كل نفس بما كسبت رهينة)، وسوف تحاسب عن نفسك ولا يحاسب عنك غيرك، انصح أهل بلدك بما تراه من المنكرات، وبين لهم خطرها وضررها، أما أن تقلدهم على باطلهم وضلالهم فذاك خطأ منك واتق الله ولا تتشبه بأعداء الله في اغترارهم بمبدأ أسلافهم.
حفظ العقل
جاء الإسلام بحفظ الضرورات الخمس، كيف يحمي الإنسان عقله؟
حماية العقل بأن تجنب العقل ما يضعف سيره ويكدر انتظامه وذاك بتعاطي المسكرات والمخدرات، فإن المسكرات تغطي العقل وتغيره وتفسد سير القلب وتجعله يسير على غير هدى، والمخدرات وأضرارها وجرائمها وآثارها السيئة على الفرد والجماعة في الحاضر والمستقبل أمور عظام ومصائب كبار، العقل يتأثر بالمخدرات فينحرف سيره ولا تستقيم أحواله، فلنتق الله في أنفسنا ولنحافظ على قلوبنا وعقولنا من التأثر بالمخدرات ونمنع مجتمعنا منها، فإنها بلاء عظيم، فإن الخمر يغطي العقل ويسلب منه قوته وفعاليته ويجعله ضعيف التصرف قليل الإدراك، ولنحافظ على عقولنا من هذه المصائب العظيمة المخدرات والمسكرات وما أكثر ضررها، المسكرات مفتاح كل شر وأم الخبائث، والمخدرات أضرارها أضعاف أضرار الخمر.. نسأل الله لنا وأبنائنا ومجتمعنا المسلم الخير والهدى وأن يصرف عنا هذه البلايا.
أثر التقنيات الحديثة
كيف نحمي أولادنا من تأثير الأجهزة الذكية من جوالات وإنترنت وقنوات فضائية، من التأثير السلبي عليهم؟
لا شك أن التقنية الحديثة وسائل إعلام واسعة الانتشار جامعة في طياتها أمورا عظيمة من خير أو شر، فيها لمريد العلم والاستفادة من الخير، وفي طياتها شرور وسموم وأضرار عظيمة، للأسف الشديد أن كثيرا من أبناء مجتمعنا سخروا الأجهزة فيما لا يفيد من اشتغال بالتغريدات الهابطة والتجريح وإشاعة للفاحشة وسب وشتم ونشر للأراجيف، وأعرضوا عن جوانبها الخيرة من علوم وفوائد سخرت الأجهزة في غير ما أريد لها في هدم الأخلاق وتغيير الأفكار ونشر الفواحش، فلنتعامل معها بحذر، ولنحذر أبناءنا ولننشر التوعية بينهم لعل الله أن ينفع بها ولنحذرهم من القنوات التي أخذت على عاتقها محاربة الإسلام والقيم والفضيلة.
توجيهات للدعاة
هل من كلمات توجيهية للدعاة؟
ينبغي على الدعاة أولا مراعاة أمر الله تعالى والإخلاص له في دعوتهم والصبر على أذى الناس والحذر من الحظوظ الدنيوية والتطلع إلى الظهور.
إن الدعوة مقصد نبيل وغاية شريفة وخلق الأنبياء والمرسلين، وينبغي للداعية أن لا يكون همه الدنيا ومطامعها، وعليه أن يترفع عن هذه الدنايا، فمن جعل همه نيل حطامها لم يكن موفقا ولا مهتديا، فالدعوة تقتضي أن يكون هدف الداعية وغايته إصلاح البشر وهدايتهم إلى الطريق المستقيم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنه بهذه الطريقة أدعى لقبول دعوته.
وعلى الداعية إلى الله أن يكون عالما بحقيقة ما يدعو إليه؛ لأنه إن لم يكن كذلك فقد يدعو إلى ضلال أو يأمر بشيء نهى عنه الشرع أو ينهى عن شيء أمر به الشرع، وإلا فإنه سيكون آثما غير مأجور.
وأدعو الدعاة إلى الصبر وعدم الاستعجال، وكذلك الصبر على المدعوين؛ لأن الداعية يدعو الناس بخلاف ما يهوون، الأمر الذي يجعلهم يخالفونه غالبا ويلاقي من الإهانة والإعراض، مستشهدا بما حدث للرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ عندما كان يدعو قريشا، فسبوه ووصفوه بالكذب والافتراء.
ويجب على الداعية أن يكون رفيقا في دعوته، ولا يكون عجلا أو ضجرا ولا طائشا، ولا بد أن يكون حليما في ما قد يناله من أذى فيتخلق بالصبر والحلم ويختار اللفظ المناسب فيخاطب كلا بما يليق بحسب عقولهم وعلمهم ويختار الزمان والمكان المناسبين، فإن هدفه الإصلاح. وعلى الدعاة الحذر من الانتصار للنفس، إذ لا بد للداعية أن يعلم أن عقيدة التوحيد والدعوة إلى الله وعبادة الله من أهم الأمور فيهتم بها، كما عليه أن يجعل من منهج النبي محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ طريقا وسبيلا.