مبتعث بوسطن” يروي “المعاناة”
روى الطالب السعودي عبدالرحمن الحربي الذي اعتقل بعد تفجيرات بوسطن بدقائق وأدى إلى موجة من التكهنات الإعلامية آنذاك عن تورط “الارهابيين العرب” في التفجيرات قبل الإفراج عنه، كل ما حصل معه في تلك الواقعة التي أصابته بـ”صدمة عميقة” في مقابلة طويلة أجرتها معه مجلة “ذا إسلاميك مونثلي” أو (الإسلامية الشهرية).
وقال إنه ظن الانفجار الأول ألعابا نارية، والانفجار الثاني الذي حدث بعد ثوان قذف به إلى وسط الطريق ليكتشف أنه مصاب بجراح في ساقه.
وأضاف عبدالرحمن: “رأيت أمامي شيئا ربما كان جزءا من جسم إنسان أو كلبا قتله الانفجار. لم أتمكن من تمييز أي شيء لأن الدخان كان يملأ المكان وشعرت بالخوف من أن يحدث انفجار ثالث فنهضت ومشيت مبتعدا وكان الناس يسألونني ما الذي حدث وقلت لهم لا أعرف ربما كان انفجارا أو شيئا من هذا القبيل. وقال لي شرطي اذهب إلى نهاية الشارع لأن هناك سيارات إسعاف، فيما رآني أحد المتسابقين فحاول مساعدتي للسير في اتجاه شرطي آخر قال لي إن أهدأ لأن كل شيء سيكون على ما يرام. واصطحبني بعض رجال الشرطة إلى المستشفى”.
شرطة خائفة
وقال عبدالرحمن إن ما نشرته أجهزة الإعلام عن أن أشخاصا اعتقلوه لم يكن صحيحا، إلا أن ثلاثة من الشرطة اصطحبوه في سيارة الإسعاف إلى المستشفى. وأضاف: “كانوا خائفين مني وكنت جريحا ولم يكن معي شيء. وسألتهم عما حدث فقالوا لا نعرف ما حدث وربما تستطيع أنت أن تقول لنا ما حدث. ولم يكن لدي فكرة عما حدث أو عما يعتقدون بشأني وكنت منشغلا بجراحي وأحاول أن أوقف النزيف من أنفي. وحين وصلت إلى المستشفى كان الجميع يحدقون في وجهي. الممرضات والأطباء ورجال الشرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي وآخرون لا أعرف من أين أتوا”.
فيسبوك و”تغريدة”
وقال عبدالرحمن إن المحققين طلبوا منه كلمة السر لدخول حسابه على “فيسبوك” وإنه أعطاهم ما طلبوه. وأشار إلى أنه كان هناك حوالي 20 محققا يحيطون بفراشه في المستشفى. وأضاف: “قلت لنفسي علي أن أعطيهم ما يريدون. وبقوا في الغرفة طول الليل والنهار التالي حتى في الأوقات التي نمت فيها. وقبل أن يغادروا في اليوم التالي سألوني ما إذا كان لدي محام فقلت كلا لأنني لم أستطع الحديث مع أي شخص بالخارج سواء أصدقائي أو عائلتي، وكان أبي قد أرسل لي تغريدة بعد أن عرف بالنبأ من نشرات الأخبار الأميركية”.
أكاذيب وفبركات
كما أشار إلى أن أصدقاءه طلبوا من مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يساعدهم على رؤيته للاطمئنان عليه، إلا أن ضباط المكتب رفضوا، وكنت أتابع نشرة الأخبار على التلفزيون في غرفتي وقرأت أن مواطنا سعوديا في الثانية والعشرين من عمره يتعرض للاستجواب. وسألت ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي: لماذا؟ إنني أفهم ما تفعلونه فأنتم تحمون بلادكم ولكن لماذا تقولون للإعلام إنني متهم؟ هل لديكم أي دليل؟ كنت أسمع من الأخبار أنني حاولت الهرب وأن أحد ضباط الشرطة قبض علي خلال ذلك لأنني كنت أتصرف بصورة مشبوهة. ولكنني لم أحاول الهرب. لقد كانت كلها أكاذيب ولا أعرف من أين أتوا بكل تلك الأكاذيب ولكنني كنت أشعر بالصدمة. وكنت أرى الممرضات ورجال الشرطة وهم يتابعون الأخبار وفهمت أن الشرطة كانت تفتش شقتي. لقد أعطيتهم إذنا بتفتيشها وكنت أتساءل عن السبب الذي جعلهم يقولون ما قالوا. إنني لا ألومهم حتى اللحظة الحالية ولكن ماذا كنت سأفعل حين أخرج من المستشفى؟ لقد كان وقتا مخيفا. وكنت أنظر اليهم ولكنهم لم يقولوا شيئا”.
الحمدلله وصلت أميركا
وقال عبدالرحمن إن الشرطة أخذت منه كل شيء أوراقه الشخصية وهويته وجوازه وبطاقات الائتمان المصرفية التي كانت معه. وأضاف: “لم أتمكن من تأدية امتحاناتي لأنني لم أكن أحمل ما يثبت شخصيتي. ولولا مساعدة سفارة بلادي لي لكنت بلا مأوى. لقد حجزت لي السفارة فندقا وساعدتني لأعيش. أذكر أنني حين وصلت الى الولايات المتحدة صورت علم بلادي وعلم الولايات المتحدة معا وكتبت باللغة العربية تحت الصورة “الحمد لله إنني وصلت إلى الولايات المتحدة بعد رحلة طويلة”. إلا أن أجهزة الإعلام ترجمت ما كتبته على أنه: الله قادم إلى الولايات المتحدة. بل إنهم لا يزالون يكتبون أنني أحاول الهرب وأنني اختفي من الناس. أكاذيب كثيرة لا يمكن تخيلها”.
كره الإرهابيين
وسئل عبدالرحمن عن رأيه في أن بعض أجهزة الإعلام لا تزال تقول إنه مشتبه به فقال “أعلم ذلك. هناك الكثير من ذلك. كنت أحاول أن أنسى كل هذه الأشياء. ولكنني لا أستطيع أن أنسى. لقد فقدت أي خصوصية. لقد جرحت مرتين. المرة الأولى في التفجيرات والثانية فيما قالته أجهزة الإعلام. ليس من السهل النسيان. ولو كتبت اسمي على الإنترنت لتبحث عني ستجد ما يشير إلى أنني من القاعدة وإنني إرهابي. إنه شيء مروع. إنهم يقولون إنهم حصلوا على معلوماتهم عني من مصادر ومن وثائق. وأريد أن أرى أيا منهم لاسأله أين هي تلك المصادر وأين هي تلك الوثائق؟ أروني شيئا. إنني اقرأ الكثير من المقالات التي تتحدث عني بشكل سيئ والتعليقات هي أشياء من نوع اخرجوا من بلادنا أيها الإرهابيون. والحقيقة أنه ليس من السهل أن نأتي للدراسة للولايات المتحدة إذ يتطلب ذلك درجات مرتفعة في المدارس الثانوية وفي امتحانات أخرى. لذا فإن طلابا كثيرين يريدون الدراسة هنا. والحقيقة أن الولايات المتحدة بلد رائع. ولكنني لا أعرف لماذا يعتقدون أن كل السعوديين إرهابيون. إننا في الحقيقة نكره الإرهابيين. إنهم لا يميزون بين رجل في العشرين من عمره وطفل في الثامنة من عمره. إنهم لا يهتمون بل يقتلون الجميع كما حدث في الماراثون حين قتل طفل في الثامنة من عمره. لماذا؟ إنه لم يفعل أي شيء؟ إنه فقط طفل. إنه أمر جنوني. لقد قتل الإرهابيون كثيرين في بلادي. لقد قتلوا أطفالا وأبرياء. إنهم ليسوا مسلمين”.
وأوضح عبدالرحمن أنه لا يعرف إذا كان سيستمر في دراسته وأضاف “جئت لأتم دراستي الجامعية. إن معي منحة دراسية كاملة من بلادي ولكنني لا أعرف إذا كنت سأصبح آمنا من الآخرين. لقد فقدت خصوصيتي وأنا خائف بالفعل ولذا فإنه ليس أمرا سهلا أن أنسى”.