رئيس «نزاهة» : الفساد يطال عقود التشغيل والصيانة وسنلاحق المرتكبين
وجود الفساد المالي والإداري وإنشاء هيئة وطنية مسؤولة عن مكافحته وحماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية، كلها لا تلغي حقيقة أن هناك إنجازات كبرى تم تنفيذها في شتى أرجاء الوطن، بل إن إنشاء الهيئة فيه تأكيد ودلالة على استمرار رغبة الإنجاز والحرص على حماية ثمراته من كل ما يشوه صورتها أو يسيء للمخلصين الذين يعملون لخير هذا الوطن وإسعاد أهله.
وفي ضوء هذه الروح، التي تعتز بالوطن وتفخر بما أنجز من مشاريع على أرضه، وبدافع المساهمة في مواجهة مظاهر الخلل جرى هذا الحوار مع معالي الأستاذ محمد عبدالله الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وجود الفساد أصبح موضع اتفاق والاعتماد على تحفيز الخيرية في الإنسان ـ رغم أهميته ـ لم يحل المشكلة، فما هي الإجراءات العملية التي ترون إعطاءها الأولوية في معالجة هذه المشكلة؟
في ضوء الاهتمام البالغ والعناية الفائقة من لدن خادم الحرمين الشريفين، صدرت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في عام 1428هـ، والتي تمثل خطة شاملة مرجعية واسعة لهذا الشأن، ولكي يتم انفاذ بنودها على أرض الواقع، واعتماد العمل بها من قبل كافة اجهزة الدولة، فقد تم انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لتكون راعية لتنفيذ الاستراتيجية، وقد حدد تنظيمها جميع اختصاصاتها التي تمارسها بهدف حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري في الجهات المشمولة باختصاصاتها، فهي تؤدي رسالتها وتضطلع بواجباتها في جميع الاتجاهات والاصعدة، وبكافة السبل، وباعتماد جميع ما يلزم من إجراءات، فالهيئة تعمل على نشر الوعي بمفهوم الفساد، وبيان أخطاره وآثاره، وبأهمية حماية النزاهة، وتعزيز الرقابة الذاتية، وثقافة عدم التسامح مع الفساد، وتشجع الهيئة مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الاعلام على التعاون والاسهام في هذا الشأن، وفي الوقت نفسه، فإن الهيئة تقوم بجمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد، وتصنيفها، وتحليلها، وبناء قواعد بيانات وانظمة معلومات خاصة بها، وكذلك اعداد بحوث وتقارير واحصائيات متعلقة بالفساد، بهدف تحديد حجم مشكلة الفساد وتصنيفها، وتحديد أنواعها، واسبابها وآثارها وأولويتها، ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعيا، والى جانب هذا كله، فإن الهيئة تباشر كافة ما تكتشفه من حالات الفساد في الجهات المشمولة باختصاصاتها، وما تتبلغ به ايضا من تلك الحالات، ومن ثم فإنه يمكن القول بأن الهيئة تمارس كافة مهماتها واختصاصاتها بانسجام وتوافق، دون إعطاء الأولوية لاجراء دون الآخر، ومن جانب آخر أود التنويه الى ان حل مشكلة الفساد، لا يلقى على عاتق الهيئة فقط، وانما تعنى به جميع اجهزة ومصالح الدولة، باختلاف اختصاصاتها، التنفيذية والضبطية والتحقيقية والرقابية، والتي يجب ان تتعاون فيما بينها وبين الهيئة من أجل تحقيق هذا الهدف، وكذلك يعنى بذلك المواطن من خلال مشاركته في هذا الشأن، وتعاونه في الإبلاغ عما يعلم عنه من ممارسات الفساد، وبالتالي فإن مكافحة الفساد هو واجب وطني.
استقلال الهيئة وعدم التدخل في اعمالها شيء مهم واساسي، لكن اقتصار مهمتها على الاشارة الى موضع الفساد اضعف تأثيرها على ملاحقة «شبكة الفساد»، فهل ترون ان الحل في توسيع الصلاحيات؟
مهمة الهيئة لا تقتصر فقط على الاشارة الى موضع الفساد، وكونها مختصة بمكافحة الفساد يعني انها مختصة بالجانب الوقائي، وكذلك الجانب الجزائي المتعلقين بالفساد، والمطلع على اختصاصات الهيئة واهدافها الواردة في المادة (الثالثة) من تنظيمها، يدرك ان صلاحياتها تشمل مكافحة الفساد المالي والاداري بشتى صوره ومظاهره واساليبه، وان لها في هذا السبيل الكشف عن مكامن الفساد، وملاحقة مرتكبيه، واحالة المخالفات والتجاوزات التي تكتشفها الى جهات التحقيق، والاطلاع على مجريات التحقيق، ومتابعة سير اجراءاته، كما لها ان تطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير الاحترازية او التحفظية اللازمة، وهذا القول يقود ولا شك الى ان هناك ارتباطا وصلة تكاملية بين الهيئة والجهات الرقابية والتحقيقية الاخرى، وتعاون جميع هذه الجهات فيما بينها يؤدي الى تحقيق كل ماهو مطلوب تجاه الفساد والمفسدين، الامر الذي لا يكون معه ثمة حاجة لتوسيع صلاحيات الهيئة بشكل منظور.
الفساد له اكثر من وجه، ومن وجوهه البارزة الاعتداء على المال العام من خلال عقود التشغيل والصيانة، كيف ترون محاصرة هذه الظاهرة؟
محاصرة هذا الوجه من اوجه الفساد، وكما هي الحال في معظم اوجه الفساد الاخرى، يكون من خلال تكثيف الدور الرقابي المكتبي والميداني من قبل الهيئة، طبقاً لما أوجبه تنظيمها في ذلك، فيما يتعلق بالتحري عن اوجه الفساد المالي والإداري في كافة العقود التي تبرمها الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، بما فيها عقود التشغيل والصيانة، واتخاذ الاجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين انه ينطوي على فساد او انه ابرم او يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الانظمة واللوائح النافذة، ومن جهة اخرى فإن هذا يتعاضد مع إعمال جميع الجهات الرقابية والإشرافية لاختصاصاتها ذات الصلة، وان تكثف من مهامها الرقابية على تلك العقود، وآليات تنفيذها، وان تتعاون في ذلك مع الهيئة، وصولا الى مساءلة كل من يثبت تقصيره او تهاونه في ادائه لمهامه التنفيذية او الاشرافية المتعلقة بالعقود، ومعاقبة من يثبت ارتكابه لأي من حالات الفساد، واتفق معك في ان هناك اعتداء على المال العام من خلال بعض العقود سواء كانت عقودا انشائية او عقود تشغيل وصيانة، لكن الهيئة تعرفت على اسباب ذلك، وهي مستمرة بملاحقة الفاسدين، وتقديمهم للعدالة.
المفسد ليس فرداً منعزلا، فلابد ان يعمل من خلال شبكة من امثاله، كيف ترون دور الرقابة الاهلية في هذا المجال؟.. وكيف يمكن تفعيلها لتكون ذراعا للأجهزة الرقابية الحكومية.
مشاركة القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، والافراد في المجتمع، في مجالي حماية النزاهة ومكافحة الفساد أمر واجب وهام، وقد روعي اتاحة المجال لكل هذه الفئات، لممارسة دورها الرقابي، والتعاون في ذلك مع كافة الاجهزة الرقابية، من خلال ما تقضي به كل من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتنظيم الهيئة، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، وبذلك فإن الهيئة تعمل مع الجهات المذكورة، وتحثها على ان تتعاون معها في مجالات حماية النزاهة، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، وتنمية الشعور بالمواطنة، وبأهمية حماية المال العام، والمرافق والممتلكات العامة، وكذلك تشجع الهيئة بموجب اختصاصاتها جميع المنتسبين الى القطاع الخاص على تبني خطط وبرامج لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومن ثم تتابع الهيئة تنفيذها وتقوم نتائجها….