خطفوه وأنقذ حياته هاتف جوال
الساعة الحادية عشرة من نهار الأحد الماضي جاء يوما استثنائيا وقاسيا عند (محمد الكثيري) طالب المدرسة الابتدائية في العرضيات.. لم يتصور ان رحلته اليومية على قدميه من مبنى المدرسة الى دار اسرته ستظل ذكرى سوداء ويوما اسود في حياته وسيظل لفترات طويلة في محاولة نسيان فصولها المريرة وتفاصيلها الحزينة.
صحيح انها الواقعة الاولى من نوعها في تلك المنطقة الهادئة (آل كثير) التي يحيط بها الدفء والتواد وتواصل الناس، لكن الزميل سعيد بن ردفان الكثيري مراسل في العرضيات ووالد الطفل محمد لن يدع الامر يمر سهلا حتى يصل بقلمه وعدسته الى المتغيرات الطارئة التي احالت هدوء الحي وتواده الى جريمة كاملة الاركان كاد نجله يدفع ثمنها لولا يقظة الصغير واستبساله في الافراج عن نفسه.. ومما يسعد القلب ان الاجهزة الامنية لم تسمح بمرور ما حدث للطفل هكذا دون ملاحقة او رصد لتنجح في وقت قصير في ضبط الجناة.
اقتياد الى الملعب
يروى بعسوس عبدالله الكثيري جد الطفل ما حدث ليقول ان محمد كان عائدا من مدرسته الى البيت نحو الساعة الحادية عشرة قبل الظهر واثناء عبوره الطريق اليومي اعترضت سيارة هايلوكس موديل 86 طريق الصغير وترجل منها مجموعة من الاشخاص يرتدون قفازات في اياديهم وقد غطوا وجوههم بلثام مانع لتحديد ملامحهم وهوياتهم.. سارع الجناة باختطاف محمد واقتياده الى الملعب الرئيسي في منطقة آل كثير حيث اوقفوا سيارتهم واستقلوا اخرى من الطراز ذاته موديل 85 يبدو انها كانت معدة من قبل لنقل الضحية.. وهو اجراء قصد به الجناة الخاطفون التمويه على الاجهزة الامنية ومنع رصدهم.
تقييد بحبال البلاستيك
يواصل الكثيري سرد الحكاية المثيرة بعد ان التقط انفاسه ويقول ان الجناة قيدوا ووثقوا يدي المخطوف باربطة بلاستيكية حادة ثم ربطوا ساقيه بعلاقات حديدية تستخدم في تعليق الملابس وزادوا على ذلك بأن عصبوا عيني محمد وغطوا وجهه بكيس بلاستيك اسود ثم اقتادوه جميعا الى منطقة بعيدة عن النطاق السكاني ثم احتفظوا به في مسجد مهجور منذ نحو 15 عاما وتركوه على حاله لأكثر من 3 ساعات ظل خلالها الطفل المسكين يطلب العون والاغاثة والنجدة بلا طائل وظل محمد يتوسل للجناة الافراج عنه وتركه حال سبيله ولكن لا حياة لمن تنادي.
طبقا لرواية الجد فإن محمد ظل يسمع اصوات نقاش وحوار الجناة مع بعضهم وبعد فترة جاؤوا اليه وطلبوا منه الاتصال بوالده هاتفيا وإخباره فورا بأنه مختطف ولن يتم اخلاء سبيله وتحريره الا بعد سداد والده مبلغ 50 ألف ريال نظير الافراج عنه، وزادت حيرة الطفل خصوصا انه لم يكن يحمل هاتفا ولا سبيل امامه غير البحث عن حل يضمن سلامته وينقذه.
الجوال وحيرة الخاطفين
حار الخاطفون في الامر وظلوا يبحثون عن هاتف يمكن محمد من طلب الفدية من والده وعرض امر المساومة عليه، فخرج الجناة من الموقع بعدما احكموا اغلاق الابواب على الطفل مع تعليمات مشددة وتهديدات بإيذاء والده ان حاول طلب العون والنجدة بالصراخ او بأية طريقة.. كما هددوه بالايذاء والقتل ان حاول الهروب من مكان اختطافه فوافق على ذلك خوفا على حياة والده فبقى صامتا بلا حراك لا حول له ولا قوة في انتظار الفرج او انتظار ان يعطف عليه الخاطفون.
كان ذلك في الساعة الواحدة بالضبط -كما يقول جد الضحية- وفي حوالى الساعة الرابعة استطاع الطفل مقاومة الحبال البلاستيكية ونجح في تحرير قدميه ونجح في معالجة باب المسجد المهجور وأفلح في تسلق وارتقاء السور البالغ ارتفاعه نحو متر ونصف المتر وهو مكبل اليدين وسار على مسافة نصف كيلومتر الى اقرب طريق مأهول لعله يجد من يحرره من هذا الكابوس وتصادف ان عبر في المكان الخالي سائق شاحنة يمني الجنسية توقف لينقله الى منزل اسرته في الحي.
تحرك في كل مكان
لم يتردد ابو محمد في تقديم بلاغ عاجل الى مدير شرطة القنفذة العميد يوسف القناوي حيث شرح له تفاصيل ما تعرض له نجله فأصدر تعليمات فورية الى كافة الاجهزة المختصة بضرورة ملاحقة الخاطفين وضبطهم في اقرب وقت ومنع افلاتهم بجريمتهم النكراء. وفي الحال تحركت الدوريات الأمنية في العرضيات وشرطة سبت شمران وفرق من الأدلة الجنائية في المحافظة بقيادة النقيب عبيد فايز السبيعي الى كافة المواقع المحتملة بحثا عن الجناة الهاربين واستمرت عمليات البحث والتقصي على مدار 24 ساعة في ملاحقة الجناة مع عمل دقيق في الرصد والمتابعة والتحري وجمع الادلة من مسرح الحدث بمتابعة مستمرة من محافظ العرضيات عمران بن حسن الزهراني ورئيس مركز العرضية الجنوبية حمود بن عبيد العصيمي اللذين ظلا على تواصل ليل نهار مع الاجهزة الأمنية وحثها على سرعة ضبط الخاطفين وتقديمهم الى العدالة ومنعهم من الهروب.
سقوط مدوٍّ للجناة
لم تذهب متابعات الاجهزة الامنية سدى اذ نجح الفريق الامني المتكامل في تحديد هوية الجناة وملاحقتهم واسقاطهم واحدا تلو الآخر. وبمواجهتهم بالادلة والتفاصيل والوقائع اعترفوا بفعلتهم وتبين من التحقيقات الاولية ان السيارة التي استخدمها الجناة في اعتراض طريق محمد اثناء عودته الى منزل اسرته مسروقة واستخدمها الخاطفون بغرض التمويه وتشتيت عيون الاجهزة الامنية.
إلى ذلك اغلقت الاجهزة الامنية ملف التحقيق في الواقعة ورفعت كامل الاوراق الى الجهة المختصة لاستكمال الاجراءات العدلية.
الكثيري قال ان الفرحة غمرت اسرته، ولم تصدق حتى الان ما تعرض له الطفل، مشيرا في الوقت ذاته الى ظهور متغيرات في السلوك حيث تعرض طالب الى الموقف ذاته قبل نحو ثلاث سنوات الى جانب حوادث سرقات غريبة لم تشهدها المنطقة من قبل.
وأوضح الناطق الإعلامي بشرطة منطقة مكة المكرمة المقدم عاطي بن عطية القرشي أن مخفر شرطة سبت شمران التابع لشرطة القنفذة فور تلقيه بلاغا من أحد المواطنين في مساء يوم الأحد 15 جمادى الأولى 1435هـ، يفيد بتعرض ابنه البالغ من العمر 12 عاما للخطف بعد خروجه من المدرسة، تم التعميم للجهات الأمنية بسرعة ضبط المتهمين وانتقال المختصين للموقع وبعد التحقيقات والبحث عثر على الابن وتبين أن حالته الصحية جيدة ولم يتعرض لأي أذى، وتم ضبط الجناة في فترة قياسية واتضح أنهما شابان في العقد الثاني من العمر، وتشير المعلومات الأولية إلى أن أسباب ذلك خلافات بينهما وبين والد المجني عليه فيما تمت إحالة أطراف القضية لهيئة التحقيق والادعاء العام بحكم الاختصاص….