أخبار الجوف

مدير جامعة الجوف : “لله ما أخذ، ولله ما أعطى ولكل أجل كتاب”

“لله ما أخذ، ولله ما أعطى ولكل أجل كتاب”، بهذه العبارة بدأ مدير جامعة الجوف الدكتور إسماعيل البشري حديثه، إثر فقد خمسة من أبنائه في حادثة سير بالأحساء الأسبوع المنصرم. وعلى رغم ابتسامته، إلا أن عيونه ما زالت تحتفظ بالكثير من الحزن على فقدهم.

“الوطن” التقت بالبشري في منزل أخيه الأكبر رئيس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة عسير الشيخ محمد محمد البشري أمس، حيث قال: الحمد لله قابلنا المصائب بالصبر والاحتساب، والإنسان يعتريه الضعف، وتنتابه حالات من الحزن العميق، لكن عندما يجد حوله من يعزيه ويواسيه في مصابه، وحين تكون المواساة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فإنه يستجمع قواه ويقف أمام ما أصابه. وأضاف: كان هذا الاتصال بداية التخفيف من المصاب، تلاه اتصال ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، والتي لن أنساها ما حييت. وأكد أن اتصال القيادة ومواساة الشعب السعودي بكافة أطيافه خففا من المصاب.

التلاحم يقاس بالشدائد
وفي الرياض، اكتظ منزل البشري- كما قال- بأعداد غفيرة من المعزين من الأمراء والوزراء والمواطنين، وكان لتعزية حاكم الشارقة ونائبه ووزرائه، أبلغ الأثر في تخفيف المصاب.

ولفت إلى أن موكب وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله، اضطر للتوقف بعيداً عن مقر العزاء، وأن سموه مشى راجلا أكثر من كيلومتر، وأن تلاحم المواطن السعودي يقاس بالشدائد، وهو على يقين كما وقف مع المواطن إسماعيل البشري، فإنه وقف وسيقف مع وطنه، وأنه في قراءته للحدث فإنه يطمئن على مستقبل بلادنا، وأنه مهما اختلفنا، أو تباينت وجهات النظر، فإنه عند المحك تجد المواطنين يدا واحدة، فيما هو أكبر.

لحظات الحادث الأليم
لم يخف مدير جامعة الجوف، وهو المدير السابق لجامعة الشارقة حبه للإمارات، وأنه تعود على زيارتها بين الحين والآخر، ويحتفظ بالكثير من الصداقات والمعارف هناك سواء هو أو أفراد أسرته، وكانت جميع رحلاته جواً، إلا هذه الرحلة فقد أصر الأبناء على أن تكون براً، وبانتهاء الرحلة عاد الجميع في ثلاث سيارات بعد أن انضم إليهم زوج ابنته الكبرى، حيث وصلوا إلى ما بعد المنفذ الحدودي، وهناك تناولوا طعام الغداء، وحينما أدركتهم صلاة المغرب لم يجدوا ماءً للوضوء، فعزم الجميع على أداء الصلاة في “سلوى”، وفي الطريق المزدوج كانت هناك أعمال طرق، وتحويلة، وكان الدكتور إسماعيل في المقدمة، وبتجاوزها- والحديث للبشري- نظرت في المرآة لأراقب محمداً، لكنه غاب عني واتصلت به على جواله فلم يرد.. حيئنذ أدركت أن خطبا ما حدث، فعدت أدراجي، وتواكبت عودتي مع قدوم سيارات الدفاع المدني والهلال الأحمر، فسرت وراءها، ويا لهول المفاجأة، رأيت زوج ابنتي يتنقل بين حطام سيارة أبنائي، التي أتت المقطورة عليها بالكامل.

كان محمداً وهو طالب في المستوى الثاني بطب أسنان الرياض قائداً للمركبة، وكان إخوته معه، الموقف كان صعباً جداً، وما خفف منه وقوف المواطنين معنا ومساعدتنا، في الوصول إلى مستشفى “سلوى”، حيث كان هناك المحافظ وكبار المسؤولين، مضيفاً: كان “سلطان” الصغير يحتضر ويصارع الموت، وفي المستشفى لقي ربه، وانتهى ذلك إلى نقل الجثث لمستشفى الملك فهد بالأحساء.

وفي اليوم التالي، وبتوجيه كريم من أمير منطقة الجوف الأمير فهد بن بدر، حضرت طائرة خاصة وأقلتنا بأسرتنا من محافظة الأحساء إلى مدينة الرياض، حيث ووريت الجثث مثواها الأخير في مقبرة أم الحمام. وأشار البشري إلى أنه بقيت له 4 بنات، منهن الكبرى “متزوجة ولديها طفلان”، والأخرى تكمل الدراسات العليا، إضافة لعملها بمجلس الشورى، والثالثة حصلت على درجة البكالوريوس في تخصص اللغة الإنجليزية، والأخيرة طالبة منتظمة بكلية الطب.

روايات حزينة
من جهته، أوضح رئيس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة عسير الشيخ محمد البشري، أنه بلغه خبر الحادث من أحد أبنائه ليلاً، فانتقل فوراً الى مدينة الرياض للتخفيف من مصاب أخيه وأسرته، فيما أكد شقيق الدكتور إسماعيل الملحق الثقافي في “كندا” الدكتور علي البشري، أنه تلقى الخبر وهو في اجتماع عمل مع السفير السعودي نايف السديري عند الساعة 2 ظهراً، مما اضطره إلى العودة للعاصمة “أتاوا”، ثم السفر الى ألمانيا ومنها لمدينة الرياض بعد نحو 20 ساعة عبر الطيران الجوي.

وكان لشقيقه العميد إبراهيم البشري، موقف خاص مع الفاجعة، حيث أكد أن خبر الوفاة غير مسار رحلته الجوية، قائلاً: أثناء صعودي الطائرة متوجهاً إلى مدينة جدة للحاق بأسرتي، وردتني مكالمة هاتفية من ابنة الدكتور إسماعيل، وهي تجهش بالكباء وتردد “عمي، لقد مات إخوتي، أرجوك تعال إلى جوار أبي حالاً”، فما كان منه إلا العودة إلى صالة المطار والتوسل لرجال الخطوط السعودية للسماح له بالعودة لتغيير مسار رحلته إلى مدينة الرياض، ومن هناك سافر براً إلى مدينة الأحساء للوقوف بجوار أخيه.