المصارف تتجاوز الأنظمة وتبيع منتجات من دون ترخيص
حذر متخصصون مما وصفوه بتجاوزات المصارف السعودية بتقديمها عروضاً لمنتجات من دون حصولها على موافقة رسمية، ما يتعارض مع صميم أعمالها، خصوصاً أنها تقدم هذه المنتجات من دون رخصة نظامية، في مخالفة واضحة وصريحة للأنظمة المعمول بها في المملكة، والمؤطرة من مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما).
ووفقا لصحيفة الحياة أكدو أن هذه المخالفات الصريحة تحدث فوضى عارمة في الأسواق وعشوائية تضلل المستهلكين، معتبرين أن المخالفات التي تمارسها المصارف التجارية عدة، ويأتي على رأسها مزاولتها لنظام تأجير السيارات مع الوعد بالتملك، مشيرين إلى أن تقديم المصارف لمنتجاتها يستند إلى بعض القرارات المتضاربة مع قرارات أخرى، وتداخل في الصلاحيات بين بعض الوزارات، على رغم أن الأنظمة واضحة بمنعها من مزاولة بعض النشاطات التجارية.
وقال المستشار القانوني عبدالله المحارب: «إن المصارف مارست البيع بالتقسيط خلال عقود من الزمن، إلا أنها رأت عدم كفاية الضمانات الائتمانية، ما حدا بها إلى اللجوء إلى عقود التأجير المنتهي بالتمليك، وبعد اختلاف رأي أهل العلم في عقود التأجير المنتهي بالتمليك، لما يحتوي هذا النوع من العقود من محظورات شرعية، توجهت المصارف إلى تأجير السيارات مع خيار التملك، الذي وإن أجازته الشريعة، فإنه يستلزم لمن يزاول هذا العمل الحصول على تراخيص نظامية من الجهات ذات العلاقة، ومنها وزارة المواصلات».
وأضاف: «المصارف لم تتحصل على ترخيص لمزاولة نشاط التأجير، وأضحت بذلك مخالفة للمادة الثامنة من اللائحة المنظمة لممارسة نشاط تأجير السيارات الصادرة بقرار وزير النقل رقم 11 وتاريخ 12/2/1421هـ، والتي اشترطت الحصول على الترخيص لممارسة النشاط، والمصارف تستند في هذه المخالفة إلى قرار وزير المالية رقم 1/1566 بتاريخ 21/7/1420هـ الذي أعطى الحق لمؤسسة النقد لوضع تنظيم لنشاط التأجير التمويلي وعده من الأعمال المصرفية لأنه قائم على الائتمان».
وأوضح أن وزارة المالية غير مختصة بمنح صلاحيات لمؤسسة النقد، وذلك بحسب نظام مؤسسة النقد وتعديلاته، «وكان لزاماً على مؤسسة النقد أن تتبنى نظام مراقبة المصارف الذي يحظر على المصارف مزاولة التجارة بذاتها في تجارة الجملة أو التجزئة بمقتضى المادة العاشرة من نظام مراقبة المصارف»، مؤكداً أن عمل المصارف بهذه الحال هو عمل تجاري صرف في نشاط مُنعت من مزاولته نظاماً ولا يقبل معه تفسير وزارة المالية من أن نشاط التأجير المنتهي بالتمليك عمل مصرفي.
وأبان المحارب أن اللائحة التنفيذية لنظام البيع بالتقسيط اعتبرت كل تاجر طبيعي أو اعتباري محترفاً إذا باع ثلاث سلع فأكثر بالتقسيط خلال العام، واشترطت المادة الثانية عدم جواز مزاولة نشاط البيع بالتقسيط على وجه الاحتراف إلا بعد الحصول على الترخيص لذلك من وزارة التجارة والقيد بالسجل التجاري. وأضاف: «حظرت اللائحة الإعلان عن السلع التي تباع بالتقسيط إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك مشتملاً على بيان بالسلع المراد بيعها ونوعها وجنسها ومواصفاتها وموديلاتها، إضافة إلى أرقام صكوك الملكية وتراخيص البناء للعقار». وأكد المحارب أن المصارف بممارستها لتقسيط السيارات وبيعها أيضاً تخالف نظام المرور الذي لا يجيز لغير معارض السيارات ممارسة بيع السيارات إلا بعد الحصول على ترخيص من إدارة المرور بحسب نظام المرور الذي اشترط أيضاً الحصول على السجل التجاري.
وقال إن المصارف تحتاط لنفسها لضمان حقوقها في مجال التقسيط وقال: «المصارف تحتاط لنفسها بتوقيع العميل على أوراق تجارية كسند لأمر أو كمبيالات، إضافة إلى وجود نظام الرهن التجاري الذي عرف الرهن التجاري بأنه الرهن الذي يتقرر على مال منقول توثيقاً لدين».
وأضاف أن «نظام الرهن التجاري الراهن أعطى حق الامتياز للوفاء بالدين من المدين وعدم دخوله في قسمة الغرماء استيفاء لحقه، كما حدد نظام الرهن التجاري مسؤولية الدائن المرتهن عن هلاك الشيء المرهون أو تلفه في حال التفريط والتعدي وإيقاع العقوبات نظاماً على مخالفتها».
وزاد المحارب بقوله: «لا نعرف سبباً عن صمت الجهات الرقابية عن ممارسة عملها، على رغم وجود عقوبات رادعة في كل نظام على حدة لمراقبة كل تلك الأعمال، ومع ذلك فإننا نرى أنه يجوز لكل ذي صفة حق الطعن في العمليات التي تقوم بها المصارف وهي ليست مرخصة بها استناداً لما تم ذكره من مخالفات».
من جانبه، حمل الاقتصادي محمد العمران مؤسسة النقد المسؤولية كونها الجهة المسؤولة عن التنظيم والرقابة على القطاع المصرفي في المملكة وقال: «هي بالتأكيد تعلم عن مثل هذه التجاوزات التي قد تكون لها عواقب وخيمة على القطاع المصرفي، في حين تقع المسؤولية بعد ذلك على الإدارات الحكومية المختلفة في حال علمهم عن وجود هذه المخالفات، وفي حال عدم الوضوح يتوجب على الوزارات رفع الأمر لولاة الأمر ثم إلى مجلس الشورى لسن القوانين والتشريعات المنظمة لمثل هذه الاختلافات ولتوضيح مكامن الخلل بهدف إيجاد حلول جذرية لمثل هذه المشكلات».
وأكد العمران أن أعمال المصارف بوضعها الراهن في تقديم بعض المنتجات مخالفة للأنظمة المعمول بها في المملكة كمسألة التأجير المنتهي بالتمليك، مضيفاً: «لكنها ليست الأولى، وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة، فعلى سبيل المثال تقوم المصارف التجارية في المملكة حالياً وليست المصارف (الاستثمارية) بالاستثمار لحسابها الخاص ولحساب عملائها في العملات الأجنبية والمعادن النفيسة والمشتقات المالية والسلع الآجلة وغيرها من الأدوات الاستثمارية الخطرة من خلال أقسام الخزانة من دون ترخيص رسمي من هيئة السوق المالية على رغم أن هذه النشاطات هي نشاطات استثمارية بحتة وهنا نحن نتحدث عن استثمارات بمبالغ ضخمة تصل لبلايين الريالات».