الأخبار المحلية

د. زينب الأعوج: تلاوات عبدالباسط حاضرة في حياته، وكيف أغار من مئات النساء!!

في نهاية الجزء الأخير من حوار الروائي العربي واسيني الأعرج لا يسعني سوى إسباغ الشكر له ولزوجته د. زينب الأعوج التي لعبت دورًا في مراجعة أجزاء الحوار، وحث هذا الواسيني المتشعب المتشابك الأسفار والمهمات – وأنا أستعيد أويقات المتابعة لهذه المادة – التي أفردت لها الثقافية استثناء من عراب الثقافية ورمزها الشاهق مدير تحرير الشؤون الثقافية د. إبراهيم التركي، والذي أمن وسيظل مؤمنا بإعطاء المساحات للرموز الثقافية من سائر وطننا العربي.. خمسة أجزاء ليست كثيرة بحق هذا الأعرج الذي سرنا معه من مراتع صباه بحضرة جدته التي اعتبرته وريثاً لصوت الأجداد الأندلسيين ومدرسته التي منع فيها تعلم اللغة العربية، ثم سار بنا لخياره الفرانكفوني وأعطانا الدروس في حالات التعامل مع داعش ومع ما يحيط بوطننا العربي المثخن بالجراحات، ولم يشأ السكوت دون أن يعطينا الدواء لكل داء أصابنا أو كاد أن يصيبنا بمقتل ويحذرنا من قادم أفظع!
* يقال إن الأكاديمية عدوة للإبداع الأدبي لأنها تحده بضوابط ومعايير تحسر من مكنته التخصيبية، إلا أن الأعرج قد قوض هذه القاعدة وخلع أقفالها جامعاً بين الأكاديمية والتفرد الأدبي، كيف أمكنك أيها الاستثنائي النجاة من طوق الرتابة الأكاديمية وشطها الصقيع لسفوح المناخات الربيعية والإطراح بين كرومها المخضرة دون الاختمار بلذعة البرودة، إن هذا التمترس الفاخر مناعة هو كلمة السر التي منحتك أهلية بقاء المنابع الإبداعية ثجة وحية؟
_ هي أيضاً من ضمن رهان الخيارات، ماذا تريد أن تفعل بهاتين الخاصيتين، هل تريد أن تجعلهما خاصيتين متوازيتين أم أن واحدة تتغلب على الأخرى..إلخ. إذاً هي خيارات وفي كل خيار هناك أيضاً ما يُدفع، أنت عندما تختار شيئاً فأنت ستدفع ثمنه, إذا اخترت الرواية سيكون ذلك على حساب النقد, وإذا اخترت النقد سيكون ذلك على حساب الرواية أيضًا. أنا في وقت مبكر أدركت أن رهاناتي في الحقيقة هي رهانات إبداعية على الرغم من كوني أستاذاً جامعياً وبحثت كثيراً وكتبت كثيراً ولي طلبة أشرف عليهم, وأناقش رسائل جامعية لهم, وأحب طلبتي, وأعطي كل ما أملك, ومرتبط بالنظريات النقدية القديمة والحديثة، إذاً لا مشكلة لدي من حيث الجانب المعرفي بالنقد ولكن في لحظة من اللحظات أنت تختار شيئاً لأنك تعرف أن الطاقة والنفس الذي تملك لا يمكن أن يسير على الوتيرة نفسها على مستويين.
اخترت الحرية المقدسة
أنا اخترت الرواية لأنني أدركت بأن هاجسي هاجس إبداعي خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمسألة الحرية، لأنه بالنسبة لي حرية الشخص مقدسة وهذا التقديس أيضاً هناك ثمن على الإنسان أن يدفعه، أن يربي نفسه من خلاله. الحرية ليست فقط كلمة ولكن أيضاً اجتهاد ولهذا كانت خياراتي نحو الإبداع. طبعًا هذا دفع بي لاحقاً أن أخفف من العلاقة مع الجانب النقدي والأكاديمي وعندي مؤلفات كثيرة في الرواية وتاريخ الرواية والمدارس الأدبية والحداثة..إلخ, ولكن لا أستطيع أن أسير على الوتيرة نفسها, فاخترت أن وقف مثلًا البحث الأكاديمي وتركته يقتصر فقط على الفعل الجامعي في علاقتي مع طلبتي وفي علاقتي مع محاضراتي، أما في ميدان التأليف فلا, ميدان التأليف استفردت به الرواية بشكل نهائي لأني أؤمن أن الرواية هي مساحة للحرية بينما النقد الأدبي هو مساحة للانضباط ويخضع لسلسلة من الضوابط المسبقة، وهي طبيعية وهذا مجالها، لكني فضلت الجانب الإبداعي والجانب الروائي دون أن «أقطع»، أنا ما زلت إلى اليوم أستاذاً جامعياً، ما زلت أدرس في «جامعة السوربون الثالثة» و»جامعة الجزائر الثانية» لكن هذا لا يقلقني مطلقًا لأنه لا يأخذ من وقتي كثيراً ووقتي تقريباً تسعين في المائة منه مخصص للإبداع الروائي.
* «يبدو أننا لا نرتاح إلا عندما تسحبنا المقابر نحوها».. مقولة شهيرة لواسيني هل نعدها تعبيرًا عن أضعف وآخر أمانيك أم هي حالة من الانهزام التي تجترها روح غالبية المواطنين العرب. الأوضاع السياسية المعيشية، التأزم في الحالة الاجتماعية أمور تطبق بفكيها وتجثم على جسد المواطن العربي دون هوادة، تلكم اللكنة الصارخة انهزاميًا في مجتمعاتنا ما مبعثها؟ وكيف لنا بانتفاضة تجيل من غبار الماضي ورعونته؟
– كنا أُناساً لهم دور في الحضارة الإنسانية, القرون التي تلت بداية الإسلام أنجبت حضارة كبيرة, حضارة لها من المحلية الكثير، لكنها أيضاً من العلائق المستقاة من حضارات الأمم الكثيرة التي سبقتنا كالفرس والروم والهند والصين وغيرها.. استفادت منها الثقافة والحضارة العربية الإسلامية, لقد كنا مبدعين وخلاقين، منحنا البشرية الكثير من القيم التي ما تزال قائمة إلى اليوم ويعترف بها القاصي والداني إلا الحقود الذي يحمل حقدًا لهذه الحضارة وهذا الدين. هذه الأمور واضحة ولا تحتاج إلى إثبات في مجال العلوم وفي المجال الطبي والفلكي والعمراني وفي المجال الكتابي والشعري والإنساني. استطاعت الحضارة العربية الإسلامية أن تستوعب كل هذه الكيانات وتعطيها نموذجية, هذه النموذجية هي التي استمرت زمنًا طويلاً.
المشكلة في هزيمتنا الكبرى التي لا يذكرها الناس؟!
المشكلة هي أننا بعد هزيمتنا الكبرى التي لا يذكرها الناس كثيراً, هزيمة الفترة الأندلسية التي نشأت فيها العلوم ونشأت فيها العلاقات مع الدول الأخرى, ونشأت فيها الفلسفة بشكل عميق أعطت معنى لهذه الثقافة. للأسف منذ نهاية القرن الخامس عشر «الهزيمة العربية بشكل نهائي وسقوط الأندلس» وسقوط مدينة غرناطة أصبح العربي في حالة ضعف وفي حالة هشاشة، وزاد الطين بلة أنه بدأت الحقبة الاستعمارية التي دمرت هذا المجتمع, ثم تعمقت أكثر فقسمته إلى دويلات صغيرة, ما أدخلنا في حالة من التفتت وحالة من اليأس, منذ ستة قرون ونحن نتلقى الضربة وراء الضربة دون أن نستطيع أن نرفع رأسنا. ستة قرون من الطحن والتحطيم ومن الظلم سرقت فيها ثقافتنا وأحلامنا أيضًا, كل هذه الأمور بطبيعة الحال تخلق بنية ثقافية وتصورية, تخلق أيضاً بنية تأملية، هذه البنية التأملية يغلب عليها طابع اليأس. حتى في وقتنا الجديد الذي نعيشه، كلنا نأمل أن تتغير الأوضاع وتسقط «ديكتاتوريات» وننعم بمجتمعات عربية حقيقية وإنسانية يجد فيها الإنسان ضالته.
العالم العربي غني لكنه فقير لا يستطيع الدفاع عن نفسه!
نحن نحلم لأن العالم العربي عالم غني أيضًا, وأيضًا فقير من ناحية القدرة على الدفاع عن نفسه, ونسينا بأن الذين يملكون القرار وقدرة تحويل الانتصار إلى هزيمة والهزيمة إلى انتصار ليس نحن ولكن الآخر الذي يملك الدبابة والطائرة والثقافة القوية, هو الذي يوجهنا وبالتالي هزمت هذه الثورات العربية ولم تعط أي نتيجة ملموسة أو نتيجة إيجابية. إذاً لا ننتظر من هذا المواطن العربي أن يكون سعيدًا. ولهذا عندما نكتب، نحن نكتب ليس فقط عن هذا التاريخ ولكن نكتب أيضاً عن الهزيمة, وعندما كتبت 2084 «حكاية العربي الأخير» كان بذهني هذا التصور وما نحن مقدمون عليه, نحن نعيش أزمة, نعيش كسرًا, نعيش حالة من اليأس, ولكن ما هو قادم أفظع وأخطر لأننا سندخل في حالة الحروب العربية العربية والإسلامية الإسلامية, الحروب الداخلية والتفجيرات الداخلية أيضاً بين القبيلة والقبيلة, وبين القبيلة نفسها وبين الإثنية والإثنية الأخرى, وبين الطائفة والطائفة الأخرى. وداخل الطائفة نفسها, سندخل في عالم من التشظيات التي لا يمكن رتقها وترميمها وبالتالي يتفكك كل ما أنجز في المجتمع العربي, هذه المسألة الشديدة القسوة عندما نتأملها عن قرب. عندما كتبت رواية «العربي الأخير» كان في ذهني هذا الوضع, كثير من الأصدقاء قالوا: هل هذا هو وضعنا؟ من هنا لخمسين سنة حتى العام 2084م.
إذا تفطن العرب
قلت: نعم، ولكن هذا الوضع ليس قدرًا ثابتًا، هذا القدر يمكن تغييره إذا تفطن العرب بشكل جيد بأنهم أمام حالة من الكسر وحالة من الموت البطيء, وعليهم أن يغيروا من جديد الدفة أو العجلة وأن يوجهوا آلاتهم بالاتجاهات الصحيحة، وأن لا يبقوا داخل هذه الدائرة الخانقة والقاتلة التي وضعوا أنفسهم فيها, لكن أيضاً وضعوا فيها بسبب قوة طاغية أكبر من العرب أنفسهم.
* هل نستطيع نحن كقراء التمييز بين الرواية المغاربية والرواية الخليجية نظراً للتاريخ الممتد والمسافات المتباعدة المتقاربة والتراث الواحد الطويل المشترك أم ثمة سمات مخصوصة بكل رواية تحكمها معايير معينة؟
– هناك أولاً المشترك العام بين الأطراف الثلاثة – الرواية المغاربية والرواية الخليجية والرواية في منطقة الشام عمومًا – هناك الخاصيات العربية العامة التي نجدها في كل مكان، المرتبطة بالتقاليد والدين والممارسات الحياتية والسياسية، وهناك المشترك الثقافي والتاريخي, نحن جئنا جميعًا من خلال اللغة من خلال النسق الثقافي والحضاري المعين الذي نجده في كل الكتابات, ثم أيضاً المشترك السياسي من خلال الاستعمارات التي خضعت لها هذه المناطق الثلاث والتمزيقات أيضاً ودور الاستعمار في غرس -للأسف – سلسلة من القيم الاستعمارية وفرضها بالحديد والنار، كل هذه الأمور نجدها موجودة في المناطق الثلاثة – المناطق بالمعنى الواسع وليس المعنى الضيق – ولكن هناك خصوصية في كل مكان لأن داخل التاريخ فيه تفصيلات خاصة بالبلدان المغاربية خصوصاً تونس والمغرب والجزائر وبنسبة أقل قليلًا في موريتانيا. هذه الخصوصية أيضاً خصوصية بالمنطقة المغربية وهي خصوصية تقارب الثقافة الإفريقية لأننا نحن على تماس بالثقافة الإفريقية وتحولاتها المختلفة.
البنية المجتمعية والثقافية والدينية في الخليج
في المشرق العربي والخليج العربي، يعني في القسمين، هناك أيضاً خصوصية مرتبطة بالتاريخ العربي لهذه البلدان. هناك الخصوصية البشرية التي خضعت في تحولاتها إلى سلسلة من التغييرات التي مستها عميقًا، والبنية المجتمعية والبنية الثقافية والبنية الدينية أيضاً لها هذه الخصوصية. منطقة الشام أيضاً لها خصوصية خاصة متعلقة بالطبيعة أيضاً وبالبعد الثقافي الذي يتقاطع مع الغرب وتحديداً البعد الثقافي الفرنسي أو الإنجليزي الذي لعب دوراً مثلًا في الكتابات العراقية مع السياب ومع الكثير من الشعراء العراقيين الذين أسسوا للقصيدة الحديثة بتأثيرات مختلفة من الشعر الأجنبي وتحديدا ًالشعر الإنجليزي هذا أيضاً انعكس على الفعل الروائي, والشيء نفسه بالنسبة للبنان التي ارتبطت هي الأخرى من ناحية ثانية أيضاً بالنسق الثقافي ربما الفرنسي من ناحية غربية، إضافة إلى التاريخ المحلي «الفينيقي» وغيره الذي مرت عبره هذه المناطق. إذاً نحن أمام ثقافة عربية ممتدة على مستوى الأركان الثلاثة التي ذكرتها، ولكن في الوقت نفسه – خلينا نقول – إن الخصوصية أيضاً موجودة في كل بلد من هذه البلدان وبالتالي المنجز الثقافي الروائي تحديداً سيحمل هذه السلسلة من السمات المشتركة, وسمات الاختلاف. وسمات الاختلاف هذه طبعًا هي التي تعطي الخصوصية وتعطي التجديد.
* بعد هذه السيرورة الثقافية والأدبية التي حققها الأعرج أنّى يجد واسيني ذاته اليوم وماذا يرتأي فيما طرحه؟ حيث أصدرت ما يقارب العشرين رواية، السؤال ما الذي لم يحسره الأعرج بين دفتي يراعه، بعد هذا العمر الروائي الشاسع؟
– الحياة وديناميكية، الحياة تعطينا دائماً موضوعات جديدة بمعني أنه درجة الحساسية التي نشعر بها نحن ككتاب ومبدعين هي المحدد الأساسي. التحولات موجودة أمامنا لكن كيف ألمس أنا هذه التحولات ماذا تعني لي ماذا يعني هذا الانهيار المعمم بالنسبة للعالم العربي وماذا تعني لي هذه التهديدات تهديدات الكرة الأرضية بكاملها لأنني أنا أيضاً لست وحيداً على هذه الكرة الأرضية, لما أرى أن طبقة الأوزون تخترق أو أن النباتات يتم تهجينها وبالتالي هذا قد يعود بالمضرة على الجانب الغذائي سواء بالنسبة للحيوانات أو بالنسبة للإنسان. فهناك تغيير بالنسبة للمنظومة الطبيعية قد تنتج كائنات وبشراً من نوع آخر ربما بعد قرن أو قرنين، نحن لا نرى هذه المنظومات لكن حتماً النظم الغذائية التي نعيشها اليوم متأكد من أنها ستخلق أيضاً نظمأً بشرية وذهنيات وطريقة استيعابية أخرى وطبيعة مخ آخر.. إلخ , إذا كل هذه الديناميكية تسمح لنا بتحديد الموضوعات وبالاشتغال عليها.
النزعة الصوفية ارتكاز على الذات
ناهيك عن العودة إلى الذات – كما ذكرت قبل قليل – أو النزعة الصوفية الموجودة في بعض النصوص، هذه النزعة الصوفية هي ارتكاز إلى الذات، وهذه الذات أحياناًً تنكسر أو تخاف أو تتصالح مع نفسها أيضًا. هذا بدوره يساعد الرواية على التوغل عميقًا في النفس البشرية فإذاً – خلينا نقول – إن الموضوعات لا حدود لها وفي كثير من الأحيان أنا عندما أفكر وأقول إن عمر أو عمرين لا يكفي في المشاريع التي فقط هي في ذهني وأريد أن أحققها، إذن يلزمني على الأقل عمرين أو ثلاثة أعمار تساوي قدر العمر الذي عشته أو سأعيشه لكي أتم هذه المشاريع. فإذاً المشكلة ليست في غياب هذه المشاريع ولا في تجديدها، المشكلة طبعًا في طبيعة عمر الإنسان، هو محكوم بنظام حياتي كيميائي فيزيائي..إلخ, يجعل منه أنه يعيش حقبة معينة ثم ينسحب, لكن أحاول في هذه الحقبة الحياتية أن أعبر عن ما يشغلني في علاقتي بعصري – هذا كثير مهم – لا يمر الإنسان على هذا العصر وكأنه غير معني به. لا هذا عصري بقبحه بجماله بمنجزاته الرائعة وتجاربه وبحروبه وبتفجيراته وبقنابله النووية. إذاً كيف أتعامل أنا ككاتب مع هذا العصر المعقد؟ هذا هو السؤال وهذا هو الرهان الكبير بالنسبة للمبدع ولنصوصه الروائية. الكاتب ليس حلقة مفرغة وليس حلقة معزولة تدور في الفراغ, هو جزء من المنظومة الإنسانية جزء من هذا الناموس العام الذي تتحكم في السيرورة في الأرض وفي الإنسان أيضاً.