الأخبار المحلية

بفضل حذق فلاسفتها وغيرة حكمائها تمترست الجزائر على حراسة كنوزها الثقافية

رغم الأماهيد والشرائك التي تروم هجفنة جزائرنا كان للتثوير والبسولية تكليل عزومها بأصلدية لا تقبل الطمان في الجزء الأول من «رحلة الثقافية» الموسمية (رقيم ودهاق أوطاننا العربية) معاينين التأزيز والتهزيع للنضلانيين وعهد الأزمة الوطنية التي جثمنت بأحلاسها وركابها منذ التسعينات تلكم الأزمة الفاجعية التي تمرمر بها الجزائريون وانعطفت على تخرطنات التسافيح الأدبية والثقافية نستاح في هذا الجزء من الرقيم والدهاق ونتثكبن لجس رهوص الزمنين الغالق والشارق شعرًا تريل دهقه الأول منذ زمن «الدولة الرستمية» ثم بعث إحياؤه وظل يتشيئ صوت هذا الشاعر بتموجات من التشكلات إلى أن تمرسى لقضاياه «الاشترواقعية». وفي تمنجم الرواية الموبوءة غورًا سنزج بمكائن التسبير والتنقيب عن الهوية والقضايا العاضلة والشائكية, ومنها نشحذ مركبة التطواف لتمرئينا طقسنة الاحتفالات المغرقة قُدمًا لندكر وننتبع من رحقوية المأثرة الاصطبارية والإخلاصية التي مسردت الجزائريين وحاكت أناسيجهم للشهق بثقافة الإبداع مزحلنة العزلة عن مكوك سيرورتها.
الشعر لازم المقاومة وصف الطوابير
كشف «للثقافية» أستاذ التعليم العالي ومدير مخبر تحليل الخطاب بجامعة تيزي وزو الدكتورة آمنة بلعلى: أن بداية القرن الثالث عشر والموصوف أبان حكم الدولة الرستمية يؤرخ لبداية الشعر العربي في الجزائر، ممثلًا بشاعرها البكر بكر بن حماد، الذي كان من رواد الشعر في المغرب الإسلامي، ثم تكرّست بعد ذلك أسماء شعرية ذاع صيتها وعدّت رموزاً من رموز الشعر العربي اقتدى بها فطاحل الشعراء في المشرق، كابن خميس التلمساني، وأبي مدين الغوث، وابنه العفيف التلمساني، والبوصري صاحب البردة، التي عارضها أحمد شوقي، وكشفت أيضًا أن أهم ميزة ارتبطت بهذا الشعر هي «المدائح النبوية» والتصوف، هذه النزعة التي استمرت تغذي الثقافة الشعرية الجزائرية طيلة الحكم العثماني الذي امتد إلى أكثر من ثلاثة قرون. ومع بداية الاحتلال الفرنسي ارتبط الشعر فيما سمّي بمرحلة الإحياء، ببطل المقاومة الأمير عبد القادر الجزائري الذي جمع بين المقاومة والشعر والتصوف.
وأضافت: إن الصحافة لعبت في بداية القرن العشرين دوراً في بلورة الاتجاه الرومنسي التجديدي، من خلال الشاعر الشاب رمضان حمود الذي لم يمنع توجّهه الرومنسي الذي اتخذه ذريعة لحث الشعب الجزائري على النضال، والذي أودى به نضاله إلى أن يسجن وهو دون العشرين، وقد كان لشعره دور كبير في شعرية أبي القاسم الشابي، الذي كانت آثار ديوان رمضان حمود بذور الحياة جلية في شعره. ووافته المنية وهو في ريعان الشباب، وهو يعد أول من كتب قصيدة حرة، في المغرب العربي.
المدرسة الإصلاحية في الشعر
وتابعت: ومع تأسيس جمعية العلماء المسلمين في ثلاثينيات القرن الماضي، نشأت المدرسة الإصلاحية في الشعر، وكان من روادها محمد العيد آل خليفة الذي لقب بأمير شعراء الجزائر، استمرت هذه الحركة الإصلاحية بأسماء فاعلة في المشهد الشعري، على الرغم من فرض الإقامة الجبرية على شاعر الإصلاح، آل خليفة. كما عملت هذه الحركة الإصلاحية على تجديد أدوات الشعر بتجديد أساليب المقاومة، فكتب أبو القاسم سعد الله أول قصيدة ناضجة في الشعر الحديث وكذلك محمد الصالح باوية.
النشيد الوطني كُتب بدمه في السجن والإلياذة
كما كانت ثورة التحرير الجزائرية سنة 1954 معيناً لا ينضب للحركة الشعرية الجزائرية، وعُدّ مفدي زكرياء شاعرها الأول، الذي ألف النشيد الوطني في السجن وكتبه بدمه، وكتب اللهب المقدس، وهو صاحب إلياذة الجزائر التي تتألف من 1001 بيت شعري.
هذا هو قدر الشعر الجزائري أن يقترن بالمقاومة والنضال، حتى باللغة الفرنسية التي أنجبت كتابًا كبارًا وشعراء كمحمد ديب ومالك حداد، وكاتب ياسين.
أما عن الشعر بعد الاستقلال أوضحت بلعلى: أنه اتجه توجّهاً إيديولوجياً ارتبط بالمرحلة الاشتراكية، وسمّي بالمدرسة الواقعية الاشتراكية، حيث نبغ شعراء آخرون في السبعينات كعبد العالي رزاقي، حمري بحري، أزراج عمر، وبرز الاتجاه النسوي في الشعر من خلال الشاعرات أحلام مستغانمي، زينب الأعوج، ربيع جلطي، نورة سعدي، إلى جانب شعراء آخرين ابتدعوا طرائق جديدة، وأسّسوا لاتجاهات جديدة كالشعر الإسلامي لدى مصطفى الغماري، ثم الشعر الحديث من خلال ثلة من شعراء الثمانينيات كعبد الله العشي وعاشور فني، الأخضر فلوس، وعثمان لوصيف وغيرهم.
هذه الرؤى المختلفة في كتابة الشعر امتدت مع الزمن لتنشئ أجيالاً تشغل اليوم الورى، وتملأ الدنيا في المحافل الدولية كأمير الشعراء، بشعر يرتلونه كالصلاة، تسابيحه من حنايا الجزائر. وعن الحركة الروائية الجزائرية واللغة المتشطرة المستظهرة في بويتاتها ورحلة البحث عن (الهوية الزمكانية) أكد الباحث والكاتب د. عبدالحق الطيب حقي: أنه بالرغم من أن (الحمار الذهبي) للوكيوس أبوليوس المكتوب في القرن الثاني للميلاد يعد أول نص روائي في تاريخ الإنسانية كان وليد البيئة الجزائرية، فإن الرواية المعاصرة في الجزائر لأسباب عديدة جاءت متأخرة عن نظيراتها في عدد من الدول العربية، وعلى الرغم من قصر تلك التجربة إلا أن الرواية الجزائرية تميزت بعدد من الأسئلة الجدلية والقضايا الشائكة، فيلحظ المتتبع للأدب الجزائري عامةً والأدب الروائي خاصة الازدواجية اللغوية، حيث يتوزع الأدب الجزائري بين أدب مكتوب باللغة العربية وآخر مكتوب باللغة الفرنسية، إضافة إلى قليل كُتب باللغة الأمازيغية.
مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن ثمة واقع فرض على أدباء الجزائر تلك الازدواجية، وقال: لا شك أن طول فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر تركت آثارها اللغوية في البنية المجتمعية، خاصة لدى الطبقة المتعلمة والتي تتلمذت في المدارس الفرنسية، غير أن التعامل مع اللغة كهُوية جعلنا أمام فريق أعتبر اللغة الفرنسية خاصة بعد دحر المستعمر الفرنسي «غنيمة حرب»، وبين فريق رأى أن تلك اللغة ما هي إلاَّ عنوان للاغتراب اللغوي، وهو ما دعا كاتب وروائي حاذق ك: (مالك حداد) لاعتزال الكتابة عقب الاستقلال وهو في قمة عطائه، مصرحًا: (اللغة الفرنسية منفاي، ولذا قررت أن أصمت)
الروايات الفرنسية
سبقت العربية
وأضاف: لا شك أن الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية سبقت نظيرتها المكتوبة بالعربية، وإذا تجاوزنا المحاولات السردية العديدة التي تشابكت مع الرواية سواء المكتوبة باللغة العربية أو الفرنسية، فإنه يمكن الجزم بأن الرواية بشكلها الفني قد ظهرت في الجزائر قبيل اندلاع ثورة التحرير بسنوات قليلة مكتوبةً باللغة الفرنسية، فظهرت أسماء عديدة وأعمال متنوعة، لعل أبرزها ثلاثية محمد ديب وروايات مالك حداد وكاتب ياسين، أما نسائيًا فكانت مع أعمال الكاتبة آسيا جبار، فيما تأخرت الرواية المكتوبة باللغة العربية للعام 1971 مع (ريح الجنوب) لعبد الحميد هدوقة.
وحول الفجوة بين الجيل الجديد والازدواجية اللغوية الناجمة أكد «حقي» أنه على الرغم من استقلال الجزائر العام 1962 لم تلغ هذه الازدواجية اللغوية، ولكنه بلا شك قد تعمق الشرخ لدى لفيف من الكتاب باللغة الفرنسية، وخلق فجوة بينهم وبين جيل جديد تعلم في المدرسة الجزائرية وباللغة العربية، ما فسح المجال أمام جيل جديد من الكتاب باللغة العربية، والذين وإن حاولوا الغوص في تجربة دولة الاستقلال الوليدة.
وأضاف: إن الرواية الجزائرية عامة والمكتوبة باللغة العربية خاصة قبل فترة الثمانينات من القرن الماضي قد بدت متصالحة مع السياق العام للدولة المستقلة، حتى مع وجود نبرة الاختلاف والمعارضة مع التوجهات السياسية والاقتصادية، نظرًا لخصوصية الراهن الجزائري غداة الاستقلال والتحديات التي كانت تواجه الشعب الجزائري، لكنها مع بداية الثمانينات وإن حاولت فنيًا التجديد والخروج عن النمط السائد ومواكبة الحركة الروائية العربية والعالمية، غير أنها عجزت عن استيعاب التحولات الكبيرة في المشهد الجزائري، حيث انشغل العديد منها في اجترار موضوعات الثورة وتمجيدها.
شلالات الدم خلقت
«رواية الأزمة»
وعن ظهور ما يسمى (برواية الأزمة) قال حقي: لقد أسهمت الأزمة الداخلية في التسعينات من القرن الماضي، وما نتج عنها من أحداث دموية في المشهد اليومي للجزائري، لظهور ما سُمي برواية «الأزمة»، وبرغم مأساوية تلك السنوات فقد دفعت تلك الأحداث روائي الجزائر إلى الالتحام بالواقع والتعبير عن هموم الناس وخوفهم من ظاهرة (الإرهاب).
طقوس الاحتفالات ثقافة غارقة في القدم
تشكل طقوس الاحتفال في الجزائر إرثًا ثقافيًا تتوارثه الأجيال وتكشف هذه الطقوس عن ثقافات وحضارات مرّت على شمال أفريقيا، ويعبّر بقاؤها اليوم عن أصالة الانتماء وتمسك الجزائريين بثقافة الأجداد الباحثة شفيعة أوقيشة أوضحت: أنه من مظاهر التمسك بالإرث الثقافي التمسك بالتقويم الفلاحي الأمازيغي الذي اعتمده الأمازيغ منذ القدم, كما يتجلى أحد مظاهر التمسك الثقافي القديم في مراسيم الاحتفال المقام في أول ينّاير، الموافق لـ12 «جانفي» والذي يحتفل فيه الجزائريون بذكرى انتصار «الملك ششناق» على فرعون مصر، تقام في هذا اليوم مراسم احتفالية عديدة تختلف باختلاف المنطقة يسمى في بعض الجهات رأس العام، يحضر فيه الكسكسي بالبقول الجافة والقديد، ويطهي البغرير، والشخشوخة.
وأضافت: كما يعد الاحتفال المتميز باستقبال الربيع في 12 مارس من أهم الطقوس الثقافية، وتخرج العائلات لتستقبل فصل الربيع، وينشد فيها أغنية: «يا ربيع الربعاني، كل عا م تلقاني أنا ومّي وإخواني في العطيل التحتاني». إن هذه الاحتفاليات الغارقة في القدم والتي تمتد إلى ثقافات ما قبل الديانات السماوية، تربط بأساطير الخصب والنماء، لا تزال تمارس جنباً إلى جنب مع طقوس دينية، على غرار عاشوراء، التي يتم فيها الاحتفاء بذكرى نجاة سيدنا موسى وقومه من بطش فرعون، وفيه يتم الصوم وتخرج فيه الزكاة ويتلى القرآن في الزوايا، كما تجمع التبرعات من الأغنياء لتنظيم ما يعرف بـ «تيمشرط» أو «الوزيعة» بذبح مجموعة من الثيران وتوزيعها على الفقراء, إضافة إلى احتفال المولد النبوي الشريف، وفيه توضع الحناء للأطفال. وتستقبل المساجد بإلقاء خطب حول سيرته، وتزيّن البيوت والشوارع بالشموع. كما تحتفي العائلات الجزائرية بالأطفال الذين يصومون لأوّل مرة، بإعداد طبق خاص بهم. أما الجمعيات الخيرية، فتنشّط حملات تبرعية من أجل توزيع «قفة رمضان» على العائلات المعوزة، وهي التي تنظم مائدة رمضان، وفي ليلة القدر المباركة يتم تنظيم ختان جماعي للأطفال المعوزين. هي طقوس احتفالية، قاوم بها الجزائريون الثقافة الاستعمارية وهي اليوم تقاوم ثقافة العولمة.
ثقافة الشباب المستعارة لتجاوز العزلة
شباب الجزائر الثروة الذي خاضوا المقاومة وثورة التحرير, اليوم يقودون انكساراتهم في ظل إكراهات عولمة تريد إخراجهم من تاريخهم الخاص لتزج بهم في تاريخ أخر أو في عتمة اللاتاريخ، وأوهام الافتراضية، وإغراءات الثقافة الاستهلاكية، التي تستهلك طاقاتهم، وتوزع اهتماماتهم بين الشرق والغرب. هكذا عبرت الباحثة «ليلة أجعود» وهي تتحسس الطريق أمام هؤلاء وقالت: في ظل هذه المتاهة خلق الشاب الجزائري لنفسه قيمًا خاصة به وفرضت عليه الانترنت، أساليب تفكير مختلفة تتفاعل مع الفضاء الإلكتروني، طابعها التمرد ونقد الثقافة التقليدية في مقابل الانخراط في ثقافة جديدة ارتبطت به، فرضتها وسائل الإعلام يقضي الشباب الجزائري الساعات الطوال برفقة حاسوبه، أو هاتفه الذكي ويقسم رغباته وطموحاته، وأهدافه بين الارتباط بمتابعة كرة القدم، والاستماع إلى الموسيقى الصاخبة كالراب والجاز، والروك، والتباهي أمام أصدقائه بماركات اللباس العالمية «أديداس» و»نايك»و»لاكوست» وبيده مشروبات غازية يروج لها مشاهير كرة القدم، ويستورد لباس «الهيب هوب»، ويخضع لقصات الشعر العالمية التي يعرف بها مشاهير العالم.
*الثقافة الوالدية المسيطرة
وفسرت «أجعود» هذه الأشكال من الممارسات باعتبارها انتقادات يوجهها الشباب للثقافة الوالدية المسيطرة، وتوطين النفس على قبول حالة العجز التي يعيشها تجاه ثقافة واردة جارفة، لم يسهم في إنتاجها. وعلى الرغم من ذلك فهو دائم الاحتجاجات التي يسجلها في خربشات على الجدران، أو تغريدات ناقمة على الإنترنت، لكن ما أن يذكر اسم الجزائر إلا وتتسلل منه وطنية جارفة، مرددة «وان تو ثري فيفا لالجيري» تلك التعويذة التي باستطاعتها أن تقلب الموازين رأساً على عقب.
الفتاة الجزائرية استحثت الخطاوي الثقافية للحاق بالموضة
وأشارت إلى أن الفتاة الجزائرية بدورها لا تستطيع الاستغناء عن وسائل التواصل وإتباع أحدث أنواع الموضة الأوروبية والتركية، فنجدها تتخذ بطلات المسلسلات والفنانات مرآتها المفضلة في الجمال، وتحب مساحيق التجميل التي تظهر فيها نجمتها المفضلة في الإشهارات، وتتردد إلى المحلات التجارية التي تستعرض ملابس الموضة الغربية. في ظل انتشار هذه الثقافة، وجد الشباب الجزائري، نفسه، يعيش في الجزائر، وعقله وراء البحر، ينساق وراء ثقافة مستعارة ليتجاوز بها العزلة وغياب إستراتيجية واضحة لتأمينه ثقافياً، وتلك هي الغفلة المضاعفة التي يعيشها وتسم ثقافته بميسمها.