أخبار الجوف

من فرجة التاريخ سلك العراق وتسنم الأمجاد.. كالجدي والفرقد ارتكزت المدارات في سماوات بغداد

يا أخ العرب حتام تجافيك, أتمترق منتصبًا بهذه العجالة وتنسلك سادر المشية! لا تنس أن لنا عنك وأنت لك عنا قرابة ثمانية وعشرين عامًا, فاستأن ولا تعجل وأطل المكث بيننا.. أم لعل مقامنا ومقالنا لم يروقك فقررت المضي في هذا الليل الأليل وبزعمك أنك ستُلقي عصاك غدًا في موئل غير ببعيد من بغداد؟! فقلت يا عرب العراق من فرجة مصرع التاريخ أطل رأس وصاح; أيها العراقيون أخمص أقدامكم تجذر المجد, وبعلاكم مسّ يافوخكم السماء. والله لكل الحيوات التي عشتم فيها أرتال ماجدة يا إخوة الماجدات, يا مناط الحروف, ورباط اللغة, ومرتكز المدار, تدور حولكم اللغة كالجدي والفرقد, والله لقد قضيت بينكم ثلاثة أسابيع أحفيتم في الإكرام على صاحبكم. قضيتها بعد أن افعوعمت طروسي من منظومكم، فطبتم وجاد ذراكم، غير أنكم تعلمون أني في رحلة بين رقيم ودهاق العرب، وإني لمستأذنكم الحين فدلوني على الطريق لبيت المقدس؟ فقال كبيرهم: امض في هذه الاتجاه، ولا يعتاص عليك الطريق، امض بين الفجاج والأطواد، وعقب عمون وراء ظهرك، ثم روِّ قِربَك من بحيرة طبريا ستصلها بعد الأصيل، أقم حولها ليلة، فإذا شرقت عليك شمس صبحها ومضيت ستصل أبواب بيت المقدس عند الغسق.. أبلغ الإخوة المقدسيين منا موفور السلام .. بعدها سننتظر منك أن تزودنا بأخبار رقيمهم ودهاقهم بعد أن أَشمْتُم وبيننا أعْرَقْتُم فسننتظر سبتكم الذي به تَتمقْدَسُون في ثقافية جزيرتكم ..

نشأة الصحافة العراقية

كان العراق قبل عام 1914م يخضع إلى حكم الدولة العثمانية، وفي عام1858م صدر قانون العقوبات العثماني، والذي تضمن بعض المواد الخاصة بالصحافة والنشر، وفي هذا القانون حددت السلطات العثمانية النشر بالحصول على موافقة مسبقة من الحكومة، وأعطت لنفسها الحق في تجريم النشر الذي يمس بأمن الدولة العثمانية وسيادتها ومعاقبة المخالفين بالغرامة ومصادرة مطبوعاتهم وغلق مطابعهم . الدكتور محمد حميد أشار إلى العام 1863م وهو العام الذي صدر به قانون المطبوعات العثماني الذي يعد أول قانون خاص بالصحافة والنشر يصدر في الدولة العثمانية، وفيه ألزمت الدولة الراغبين في النشر الحصول على ترخيص حكومي قبل نشر مطبوعاتهم من صحف وكتب وغيرها، ولم يكن هذا القانون خاصاً بالصحافة فقط بل شمل المطبوعات جميعها. وذهب بعض الباحثين في تاريخ الصحافة العراقية، إلى أن أول تعميمات صدرت لفرض الرقابة على الصحافة في الدولة العثمانية، كانت في عام 1867 م، في خلافة الصدر الأعظم (محمد نديم باشا)، الذي اصدر قرار بفحص الصحف الصادرة في الدولة العثمانية قبل نشرها .

الصحافة في العراق قصة كفاح

أما أستاذ الإعلام الدكتور عبدالرزاق الدليمي فذهب لأبعد من ذلك مؤكدًا أولوية العراق في صدور أول جريدة عربية وقال: على خلاف ما تذكره أغلب المراجع التوثيقية كانت جريدة «جورنال عراق» أول جريدة عراقية وعربية. صدرت في السنة الأولى من حكم الوالي داود باشا عام 1816. وقد جاءت بعد قرنين من صدور أول صحيفة أسبوعية عرفتها البشرية وهي «ريلاسيون» في ستراسبورج عام 1605. وبذلك فهي سبقت أول صحيفة مصرية «الوقائع المصرية» باثني عشر عاما حيث لم تصدر إلا عام 1828 عندما أمر بتأسيسها محمد علي باشا. وجورنال عراق (جريدة العراق)، هي أحد انجازات الوالي المملوكي داود باشا (1767-1831م)، الذي حكم بغداد للفترة (1816-1831 م) وكان له دور كبير في العديد من الانجازات التحديثية في تاريخ العراق الحديث. ولا يتفوق عليه بذلك إلا الوالي العثماني الآخر مدحت باشا، الذي كانت لديه انجازات أخرى كبيرة منها المطبعة التي صدرت عنها جريدة الزوراء في العراق في 15 6 – 1869م وكانت تطبع في مطبعة حجرية وتعلق نسخ منها على جدران دار الإمارة.

أما الصحافة العراقية قبل الحرب العالمية الأولى حيث كان العراق يخضع للسيطرة العثمانية زمناً طويلاً بين (1535-1917م) . فكانت جريدة الزوراء لسان حال الولاية وكان صدورها بأربع صفحات وباللغتين العربية والتركية وقد استمرت في الصدور مدة تقارب (48) عاماً. وبعد الزوراء صدرت في الموصل جريدة الموصل 1885م ومن ثم في البصرة صدرت جريدة البصرة 1889م في فترة حكم السلطان عبدالحميد الثاني ورأس تحريرها رفعتلو أفندي .

وأضاف: بعد الحرب العالمية الأولى حيث بدأت فترة الاحتلال البريطاني للعراق ولغاية 13/7/1958م، مرت الصحافة في العراق بعدة منعطفات. رغم ملاحظة وجود بدايات لحراك أدبي وفكري في مناطق مختلفة من العراق وعلى نطاق واسع بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك بمثابة مؤشر على تعطش الفئات المتعلمة والمثقفة من الشعب العراقي على العموم إلى الإقبال على الصحف، مع ملاحظة أن الصحف العراقية ظلت محدودة التأثير قياسا بنوع النهضة الفكرية التي اجتاحت الوطن العربي، إن صحافة العراق في هذه الفترة من تاريخ العراق لم تسجل أي تقدم على الساحة العربية، وقد ظلت خاضعة لأحكام قانون المطبوعات العثماني حتى سنة 1931م، واستغلته السلطات الحاكمة أسوأ استغلال، فتعطلت أكثر الصحف الوطنية المعارضة التي صدرت في ذلك الحين، ومن هذه الصحف جريدة البلاد، صوت العراق، الجهاد، وصدى الاستقلال، الأخبار، وكان يصدرها روفائيل بطي وجبرائيل ملكون وصديق الشعب والاستقلال التي كان يصدرها كلها عبد الغفور البدري، والفرات للشاعر محمد مهدي الجواهري. وقد صدرت هذه الصحف عام 1930م.

وتابع الدليمي: وبعد تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 صدرت عدة صحف حكومية ووطنية معارضة وحزبية ناطقة بلسان الأحزاب السياسية في ذلك الزمان ساهمت في الدفاع عن عروبة الموصل اتجاه الأطماع التركية والدعوة لتأمين الاستقلال التام للعراق والسعي لإدخاله عصبة الأمم المتحدة . وفي فترة الثلاثينيات من القرن الماضي كانت ظاهرة إصدار الصحف الجديدة من أهم الأسباب في تعطيل الحكومات المتعاقبة نتيجة قوة معارضتها للحكم آنذاك، فقد صدرت حوالي (80) جريدة ومجلة متنوعة سياسية وأدبية وهزلية .

وزاد: وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 توقفت الصحف الصادرة آنذاك عدا صحيفة البلاد والأخبار والزمان، بعدها صدر في العراق للفترة ما بين (1946م- 1954م) حوالي (179) جريدة و(67) مجلة أدبية وسياسية و (6) صحف هزلية انتقادية و(26) جريدة حزبية, وفي عام 1946م عندما أجيزت الأحزاب (الاستقلال، الأحرار، الوطني الديمقراطي، الشعب والاتحاد الوطني) فأصدرت تلك الأحزاب صحفًا ناطقة بلسانها في بغداد واستمرت هذه الصحف متأرجحة بين الصدور والتعطيل حسب أهواء الحكومات المتعاقبة وعلاقتها بالأحزاب. مشيرًا إلى أنه وبعد انتهاء العهد الملكي وقيام النظام الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958م أُطلقت حرية إصدار الصحف والمجلات، وعلى غرارها فقد أصدرت في بغداد وحدها خلال السنة الأولى 45 صحيفة يومية وأسبوعية و 20 صحيفة في مدن العراق الأخرى، وكانت الحكومة تتوقع من تلك الصحف أن تؤيد سياستها، حيث ظهرت أنواع من الصحف والمجلات مختلف ألوانها واتجاهاتها وأنماطها وخاصة في الفترة ما بين تموز 1958 شباط 1963 حيث ظهرت الصحافة السياسية والمهنية والأدبية والطلابية والدينية والهزلية والرياضية والرسمية. وهكذا نجد أن واقع الصحافة العراقية متأثرا بالعوامل والمشاحنات والصراعات السياسية والحزبية والاستعمارية كل ذلك أثر سلبا على مستوى تطورها من جميع النواحي الفنية والعملية. رغم أن تلك الفترة كان يعول عليها أن تكون فرصة التطور المهني لأنها جمعت أجيالا من الصحفيين تفاعلت خبراتهم وخرج جيلا من الصحفيين أسهم في محاولات جادة لكن لم يكتب لها الاستمرار.

سوق المربد عكاظ الإسلام

سوق المربد هو أشهر الأسواق في الإسلام وسمي عكاظ الإسلام، لما تمتع من سمات، إذ لم تستجد في الإسلام سوق لم تكن في الجاهلية، إلا ما كان من أمر المربد الذي ورث عكاظ، وقضى على ما كانت تتمتع به من ميزات، منذ عصر الراشدين. إلى ذلك أوضحت الدكتورة فاتنة محمد الشوبكي جامعة الحمدانية – أنه أخذ أمر المربد «عكاظ الإسلام» بالازدياد حين بدأ شأن عكاظ الجاهلية بالخمول، والمربد واقع على الجهة الغربية من البصرة إلى البادية، أول ما ينزلون إذا قصدوا البصرة، وآخر ما يتركون إذا رحلوا عنها؛ ليقضوا فيه متاعا لهم ومرافق يتبلغون بها في ظعنهم وإقامتهم. وحول التسمية قالت الشوبكي: معنى المِرْبَد «محبِس الإبل» ومربطها, والمربد أيضا «بيدر التمر», وفي عهد الأمويين صار سوقًا عامة كما اتخذت فيه المجالس وحلقات الشعر وتتعدد فيه الحلقات يتوسطها الشعراء والرجّاز ويؤمها الأشراف وسائر الناس يتناشدون ويتفاخرون ويتهاجون ويتشاورون.

لكل قبيلة نادِ في المربد

فسوق المربد معرض لكل قبيلة تعرض فيه شعرها ومفاخرها كما تعرض عروضها، وهو مجتمع العرب ومتحدثهم ومتنزه البصريين، يقصده منهم من عاف رخاوة المدن، وما زال يعلو شأنه وتستجيب له أسباب الكمال، حتى اشتد ولوع الناس به وارتيادهم له، فبنيت فيه الدور الجميلة، وتفاقم أمره في العصر العباسي حتى صار من ضرورات الحياة، إن لم يكن لحاجة فلترويح النفس وتمتيع البصر وحتى قال جعفر بن سليمان الهاشمي جملته المشهورة: «العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، وداري عين المربد».

وأضافت: ما زال المربد في مجده هذا حتى خرب وخربت البصرة وتقلص العمران بينهما، إلى أن صار بين المربد والبصرة ثلاثة أميال خراب على عهد ياقوت الحموي (626هـ) الذي ذكره في معجمه, فقال: «مربد البصرة من أشهر محالها وكان سوق الإبل فيه قديمًا ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء وهو الآن بائن عن البصرة بينهما نحو ثلاثة أميال وكان مابين ذلك كله عامرًا وهو الآن خراب فصار المربد كالبلدة المفردة في وسط البرية». وقاربت وقارنت «الشوبكي» بين سوق عكاظ والمربد فقالت: لئن كان لسوق عكاظ ذلك الأثر في اللغة العربية، ألفاظها وأساليبها، فكان المربد يعجُّ بأعلام اللغة والأدب والشعر والنحو، معهم محابرهم ودفاترهم يكتبون عن فصحاء الأعراب فيه، فلكل شاعر حلقة، ولكل متهاجيين مجلس، ولكل قبيلة نادٍ وشاعر يذود عنها، ويرد عدوان قريعه من القبيلة الثانية، فللعجاج ولرؤبة حلقة، ولأبي النجم العجلي حلقة، ولجرير والفرزدق وذي الرمة، لكل منهم حلقة، ولا شك في أن المربد في هذا فاق عكاظ مراحل واسعة، سواء بعدد الشعراء والرجَّاز أم بكثرة الروَّاد وطلاب الأدب.

مضيفة: أنه من أعظم منجزات المربد آنذاك أنه رفد اللغة بمادة كثيرة، عليها أسس النحاة قواعدهم وأصلحوها، ودليل ذلك عندما تطالع كتب التاريخ الكبرى، كتاريخ الطبري ونمعن النظر في فهرس أماكنه، نعجب من كثرة المواطن التي ورد ذكر المربد فيها مع أن الكتاب كتاب سياسة وأخبار ملوك لا كتاب عامة وأدب, فمن المربد وعلى هامشه غُذِّي الأدب بقصص وأساطير كما غذي التاريخ بالأخبار الواقعة، ونظرا لموقعه الاستراتيجي المهم فقد كان مكانا لتبادل الثقافات والشعر والبلاغة والمفاخرات الشعرية، إضافة إلى انه يجمع الحجاج والقوافل البرية للأقاليم الجديدة التي تم فتحها آنذاك، وكان يمد البصرة بالتجارة والثقافة في آن واحد واسهم بتعزيز مكانتها التاريخية لقرون عدة.

لافتة النظر إلى أنه وبعد أن اندثر مربد الشعر لقرون عدة، أعاده أدباء البصرة بالتعاون مع وزارة الثقافة سنة 1971م، وبعد خمسة مرابد توقف هذا المهرجان حتى سنة 1985م، التي أقيم فيها المربد السادس، في بغداد العاصمة، حتى عودته إلى رحاب البصرة مرة أخرى، إذ تتواصل اليوم فعاليات مهرجان المربد الشعري، في كل عام بوصفه واحدًا من التظاهرات الثقافية والأدبية الهامة، التي يشارك فيها عدد كبير من الشعراء والنقاد العراقيين والعرب على حدّ سواء، لإحياء صوت الشعر، الذي كان وما يزال وثيق الصلة بهوية الإنسان العربي، فضلا عن كونه السجل الحافل بمختلف زوايا عمقه التاريخي والوجداني على مدار القرون، على الرغم من سطوع شمس الرواية والفنون الإبداعية الأخرى، انسجامًا مع حركة التطور السريع الذي وسم عصرنا الحديث في جميع المجالات. فقد كان الشعر وسيبقى من أكثر الفنون الأدبية جدوى للارتقاء بحياتنا نحو الفكر الثقافي والإنساني المنشود.

كما شهد المربد حضورا مهما لقامات شعرية عربية كبيرة في دوراته السابقة، مثل نزار قباني وأدونيس ومحمود درويش، لكن بسبب الظروف السياسية الأخيرة التي عاشها العراق حدثت فجوة، أدت إلى انحسار المربد في إطار وطني ضيق، لكن أهميته بقيت تكمن في كونه مناخا ثقافيا يجمع أطياف المثقفين والشعراء والنقاد على مختلف معتقداتهم وطوائفهم حول بودقة واحدة هي بودقة الشعر، الذي كان وما زال يهدف إلى الإمساك بتلابيب المعنى الإنساني الشامل للوجود بعيدًا عن كل الشوائب التي التصقت به محاولة تهجينه وحصره في أفق المصطلحات والمفاهيم الشاذة.

واليوم، وفي ضمن سعي العراق الحثيث لعودة بوصلة العلاقات الثقافية والأدبية في اتجاهها الصحيح ، مع دول الجوار بخاصة والوطن العربي والعالم بعامة؛ استقطب المربد في دورته الثانية والثلاثين، التي حملت اسم الشاعر البصري الكبير «كاظم الحجاج» عددا من الشعراء العرب.

موسيقى وغناء المقام العراقي

وتحدث عن المقام العراقي الشهير الباحث الموسيقى وقارئ المقام الدكتور حسين الأعظمي وقال: إن الموسيقى والغناء بصورة عامة والمقامات العراقية أو الأغنية الفولكلورية التي يُطلق عليها أسم «بسته» ومعناها «الرابط» وهي «من الأغاني الخفيفة المرحة ملحقة بالمقام العراقي الذي يغنيه المغني» تعبر عن مشاعر المجتمع من خلال المغني بآنية وتلقائية خاصة تحوي كل ظروف البيئة وتعبر عنها. فقد كان لهيبتها وجلالها التأثير البالغ في نفوس وجماليات وذوق المجتمع حيث تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى على أساس أن الإنسان أبن بيئته.

وأضاف الأعظمي: الو تساءلنا ما هو المقام العراقي وما هو جوهره؟ لافتًا في الوقت نفسه أنه صاحب تعريف المقـام العراقي اجتهاد شخصي، تأثر بمؤثرات متنوعة، لذا رأى البعض أن (تعريف المقام العراقي) يعد موضوعاً معقداً وصعباً. بينما رأى البعض الآخر، إنه سهل يسير، لا داعي إلى الإيغال في فلسفة لا يحتملها هذا التراث العريق. (يسود الاعتقاد أن المقام العراقي عبارة عن مجموعة أجناس موسيقية وغنائية تتصل ببعضها البعض لتكوين قوانين وعناصر وأصول حُلَّتْ ألغازها. بيْد أن المقام العراقي إضافة إلى وجود هذه الأجناس هنا وهناك في غنائه. يعتبر نمطاً معيناً من ا لنظام الدقيق ذي الأصول الغنائية الرصينة، وهـو عمل حسي تمتزج مكوناتـه جميعاً للحصول على الوحدة المتكاملة في بنائه وقابل للتطوير)

وتابع: على كل حال ، يتكوَّن شكل المقام العراقي (الفورم علم الأشكال الموسيقية) بصورة عامة من خمسة عناصرَ أَساسية يعتمد عليها كلُّ مقام على حده في بنائه اللَّحني والموسيقي وهذه العناصر هي التحـــرير وهو البداية لغناء أَحد المقامات، ويأتي بكلمات خارجة عن النص الشعري المُغنّى مثل أَمان.. أَمان.. أَو ويلاه.. ويلاه.. إِلخ ، ويعتبر التحرير نموذجاً لحنياً متكاملاً لروحية وتعابير وثيمة المقام المُغنّى, ومن العناصر أيضًا القـِطَعْ والأَوْصال والجلـــسة والميـــانة و التَّســليم الذي يأتي نهاية المقام

المدرسة العراقية لفن الخط العربي

ثمة مقولة يتداولها مؤرخو فن الخط المعاصرون, تعود إلى آخر الخطاطين العثمانيين الكبار مكانة وإجادة وأستاذية في هذا الفن, وهو الخطاط المعروف حامد الآمدي, خلاصة هذه المقولة: «ولد فن الخط في بغداد على يد الخطاط ابن البواب 413 هـ ، وعاد إلى بغداد على يد الخطاط هاشم البغدادي 1393 هـ». الباحث الدكتور إدهام محمد حنش أكد أنه كان لفن الخط في العراق ولادتين, الأولى على يد الخطاط ابن البواب أول من لقب بالأستاذ في تاريخ هذا الفن، والذي تمكن بطريقة فنية رائدة من كتابة أكثر من خمسة عشر نوعاً من أنواع الخط مدونة في كتاب المؤرخ الخطاط محمد الطيبي. أما الولادة الأخرى لفن الخط فكانت على يد الخطاط هاشم البغدادي الذي وضع أول كراسة تعليمية حديثة لقواعد الخط العربي، صارت هذه الكراسة التي تحتوى على أنواع خطية عديدة دستور الخطاطين المعاصرين. مؤكدًا في الوقت نفسه على أهمية الوقوف عند لفنانه الكبير يوسف الموصلي.

وأشار إلى أن أبرز ما تمتاز به المدرسة العراقية في فن الخط العربي هو حيويتها المعرفية والإبداعية المتواصلة حتى اليوم عبر العدد الكبير جداً من الخطاطين المجيدين والمتفوقين والمتميزين على مستوى محيط هذا الفن المحلي وفضائه العالمي، أمثال الخطاطون العراقيون المعاصرون: الجبوري والدوري والزهاوي والبغدادي وآخرون. مشددًا على أن العراق أول بلد عربي وإسلامي ولا يزال البلد الوحيد الذي يؤصل لفن الخط معرفياً ويقنن له منهجياً ويوطنه أكاديمياً من التعليم الابتدائي حتى المراحل الأعلى من التعليم العالي وبخاصة دكتوراه الخط العربي, كما يجدر بالإشادة إن أول جمعية للخطاطين في الوطن العربي والعالم الإسلامي كانت عراقية، فجمعية الخطاطين العراقيين تأسست قبل أكثر من خمسين عاماً، ومقرها الرئيس في بغداد، يتبعها حوالي عشرين فرعاً، وينتمي إلى عضويتها آلاف الخطاطين.

الأدب يصنع السينما العراقية

كشف الأستاذ المساعد بجامعة الموصل الناقد الدكتور مازن موفق الخيرو أن الأدب أسهم في تنفيذ العديد من الأفلام السينمائية إذ تحولت عدة قصص وروايات إلى أفلام منها رواية «خمسة أصوات» لغائب طعمة التي أصبحت فيلم (المنعطف العام) وكذلك فيلم (سعيد أفندي). الأخير كان مفاجأة للجمهور العراقي والعربي لأنه كان أجرأ فيلم نقدي لواقع الحال العراقية في الخمسينات وحقق نجاحا كبيرًا أثناء عرضه. كذلك من الأفلام المهمة الأخرى في تاريخ السينما العراقية فيلم «بيوت في ذلك الزقاق». أما أشهر فيلم عراقي حاز على جوائز رفيعة فهو فيلم «الأسوار» لمحمد شكري جميل الحائز على ذهبية مهرجان دمشق الدولي العام 1979.

وعن نشاط وتاريخ المسرح العراقي أوضح «الخيرو»: لقد اعتمد المسرح العراقي في بداية نشأته على ما يقدم من نشاط فني في المدارس، حيث لم تكن هناك نشاطات لفرق مسرحية تذكر في الفترتين العثمانية والبريطانية من حكم العراق .

فقد كان سكان بغداد يرتادون المقاهي لمشاهدة (القصخون) فهو المعْلم الوحيد الذي كان موجوداً آنذاك, وكان يتواجد فيه بعض المطربين من قراء المقام أمثال رشيد القندرجي وغيرهم من القراء، وكان «مقهى سبع» في بغداد مخصص لعرض فصل من «القرقوز» حيث يقدم من قبل أشخاص ماهرين، وتذكر المصادر التاريخية أنه في عام 1924م تم تأسيس أول فرقة تمثيلية باسم «جمعية التمثيل العربي» الذي اشرف على تأسيسها محمد خالص. ومن المسرحيات التي تم عرضها على مسرح سينما الوطني سنة 1926مسرحية «هارون الرشيد» وآخر هذه المسرحيات مسرحية «عائدة الشهيرة» ثم توقف بعدها نشاط هذه الفرقة. وفي عام 1927, تألفت العديد من الفرق التمثيلية بجهود الشباب الذين توعوا لهذا المشروع الفني ومنها (المعهد العلمي، جمعية إحياء الفن، الفرقة العصرية، الفرقة الشرقية) وهناك مجموعة من الفنانين من مارس العمل المسرحي في المدارس أمثال (فرقة حبزبوز وزميله ناصر عوني) حيث كانت تعرض بعض المسرحيات الفكاهية الساخرة والهزليات الناقدة على مسارح المدارس.

وأضاف «الخيرو» يمكن تقسيم فترة النشاط المسرحي في بغداد إلى فترتين: الأولى قبل عام 1963م، وفي هذا العام ألغيت الفرق المسرحية. والثانية بعد عام 1964م، وفي هذا العام صدر القانون الجديد رقم 166 لسنة 1964م وعلى ضوئه أعيد تشكيل الفرق المسرحية في بغداد، وظل قسم منها حمل نفس التسمية السابقة . ومن أشهر الفرق في الفترة الأولى: الفرقة التمثيلية العربية التي تأسست عام 1927م, والفرقة الوطنية التي تأسست أيضًا في نفس العام, فعرضت مسرحيات «جزاء الشهامة، البرج الدموي، في سبيل التاج»، وبعد سفر الفنان حقي الشبلي إلى القاهرة انتقلت رئاسة الفرقة الوطنية إلى عزيز علي، فعرضت مسرحية «لولا المحامي» على مسرح سينما الوطني, بعدها اختفت هذه الفرقة لكثرة الخسائر التي مني بها عزيز علي ولم تظهر إلا في سنة 1936م, وقد استغل إجازتها صفاء الدين الحيالي فعرض مسرحية «خطايا الوالد» على مسرح «ملهى الأوبرا «وعدة مسرحيات في «قضاء خانقين». وهناك جمعية «إحياء الفن» وكذلك «الفرقة العصرية» وغيرها..

أما المرحلة الثانية فابتدأت بعد صدور قانون الفرق التمثيلية رقم 166 لسنة 1964م. وبعدها أُعيدت الحياة المسرحية إلى سابق عهدها حيث أصبحت في العراق العديد من الفرق المسرحية التي تمارس العمل المسرحي وفقا للقانون المذكور بعد حصولها على إذن التأسيس ومنها ( فرقة المسرح, وفرقة المسرح الحر, و فرقة 14 / تموز للتمثيل, وفرقة المسرح الشعبي, وفرقة مسرح بغداد, وفرقة مسرح اليوم ), وفرق عدة لا يتسع المجال لذكرها .. واختتم «الخيرو» إلى جانب ما مر علينا من فرق هناك عدة فرق مسرحية أخرى أجيزت وفق القانون إلا إنها لم تستمر بنشاطها لضعف الإمكانيات.

وفي عام 1968 م تم تشكيل الفرقة القومية للتمثيل بجهود الفنان الراحل حقي الشبلي والتي ضمت مجموعة كبيرة من فناني المسرح العراقي من مؤلفين ومخرجين وممثلين وفنيين، قدمت هذه الفرقة عروضها على المسرح القومي، ومسرح الرشيد، والمسرح الوطني، ومنتدى المسرح، كما شاركت في أغلب المهرجانات العربية وحصلت على الجوائز المتقدمة، بعدها تم تشكيل مجموعة من الفرق في محافظات العراق وأصبحت تابعة لدائرة السينما والمسرح.