أخبار الجوف

فلسطين: مِن قدس مَن يملكون الوقت رغم النهايات الضيقة ويكتبون لأجلها ونعوشهم على أكتافهم

تغذ السير في الأراضي الفلسطينية، عيناك معلقتان على الطريق، في الوقت الذي لم تسبغ الشمس الكثير من الدفء وهي تظهر مطلع وجنتها المتحمرة من الجهة الشرقية من القدس القديمة التي تحتوي على أقدس الأماكن للديانات التوحيدية الثلاث (الإسلام، المسيحية، اليهودية) اليوم هو السبت الأخير من مارس، وغدًا مطلع أبريل. وأنت أيها الأعرابي متطلع في رحلتك لسماع أصوات شعراء وروائيين وقاصين وتلمح أثارًا كأنها مألوفة لديك من على قمة «جبل بيت المقدس» الذي يسمونه بالعبرية «جبل الهيكل» أو»جبل موريا». إنك أيها الأعرابي تقف على الجبل الذي بنى عليه أجدادك العرب «اليبوسيون» مدينة القدس أول مرة، اليوم يعرف باسم هضبة الحرم. يحتضن المسجد الأقصى الذي جاء ذكره في القرآن الكريم في فاتحة سورة الإسراء، كما يحتضن مسجد قبة الصخرة التي عرج منها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى السماء، بالإضافة إلى مساجد وزوايا، و»بيمارستانات» وقباب و»سبلان». فهل عرفت أين أنت الآن أيها الأعرابي؟

إنك في قدس من يملكون الوقت لإعادة التاريخ لمجده رغم النهايات الأليمة، وقدس من يملكون الكلام أمام الأنام رغم أن ألسنتهم طواها الظمأ وأيبسها على حلوقها وحناجرها، إنك في قدس من يكتبون التضحية لأجلها بالروح بالدم الأرجواني رغبة في البقاء وهم يحملون نعوشهم على أكتافهم المتعبة للصلاة المشتهاة. هل عرفت أين أنت أيها الأعرابي أم أذكرك أكثر أصف لك أكثر أقول لك أكثر ؟ لم أتكلم .. سكت الأعرابي.

من تاريخ الشعر في فلسطين والمنفى

حفظت ذاكرة الشعر العربية العديد من أسماء الشعراء في فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها كان لهم إسهامات في صوغ ذائقة الإبداع في فلسطين وخارجها كما برز بعد النكبة العديد من الأسماء الشعرية كان لقصائدهم أثر البارود في سطور الدفاتر الشاعر والناقد «محمد خضير» أعاد بالذاكرة للقرن التاسع عشر حيث أشار أن المصادر تناولت تاريخ فلسطين الشعري بالإشارة إلى بعض شعراء القرن التاسع عشر، منهم: يوسف النبهاني 1849-1932م، صاحب «النظم البديع في مولد الشفيع»، أيضاً سعيد الكرمي، وعلي الريماوي، الذي قيل عنه في بعض الترجمات بأنه شاعر مجيد حظي بشهرة واسعة قبيل الحرب العالمية الأولى، كما عُرف الشيخ محي الدين الملاح وهو أحد قضاة يافا في أوائل القرن الماضي.

أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد نشأت عوامل كثيرة أثرت المشهد الشعري في فلسطين، ظهرت الطباعة، وازدهرت الصحف، ومنها «صحيفة النفائس» التي أسس لها خليل بيدس، كما ساهم بروز المعاهد والكليات، مثل «الكلية العربية» في القدس، برفد المشهد الثقافي وإثرائه، فتم الاهتمام بالشعر والشعراء، أمثال محمد النشاشيبي وبولس شحادة وإسكندر البيتجالي صاحب «مشاهد للحياة»، كما برز أبو إقبال اليعقوبي بعد صدور مجموعتيه الشعريتين «حسنات اليراع» و»النظرات السبع»، وفي الحقبة ذاتها برز صاحب ديوان «الطليعة» الصادر في مصر، الشاعر إبراهيم درويش الدباغ.

وأضاف أن الحديث عن الشعر العربي الفلسطيني لا بد أن يجنح إلى شعراء المقاومة، لأن تاريخ فلسطين لم يخلُ يوماً مِن ظاهرة الاحتلال التي أفرزت أسماء شعراء شحذوا الهمم بقصائدهم وأشعارهم، فما أن انتهت الحروب العالمية حتى وقعت فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني، فسبق الشعر النثر في رسم التحريض والتعبئة على أدوات الغزاة، وقد تطرَّق إبراهيم عبد الستار في كتيبه «شعراء فلسطين العربية في ثوراتها القومية 1949م، إلى دور الشعر في إيقاظ الهمم.

وفي هذه الفترة بزغ نجم عبد الرحيم محمود، وعبدالكريم الكرمي الملقب بأبي سلمى، وإبراهيم طوقان وفدوى طوقان وآخرون.

وفي عام 1966م، نشر غسان كنفاني كتابه أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، الذي وسمه بـ أدب المقاومة ومن هنا انطلقت شهرة الشعراء: محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد..

كما أوضح «خضير» أن الخطابة طغت على شعر المقاومة خلال الخمسينات والستينات، ثم في مرحلة السبعينات بدأ يميل الشعر إلى الأمل والحياة، مبتعداً بمفرداته عن الحزن والمواجهة. وفي منتصف السبعينات انتقل محمود درويش بقصيدته «سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا» 1974م، إلى عهد جديد فيه ضرب من الانزياح، وظهور للصورة غير المعتادة. فغصت القصائد في هذه الفترة بكثير مِن مفردات الأرض، كالزعتر، والزيت، والعشب، والسنابل.. وغيرها الكثير.

وزاد: هناك جانب آخر لمرحلة الشعر العربي الفلسطيني وهو «شعر المنفى» الذي أفرد كثيراً من الأسماء مثل أحمد دحبور، ومحمد القيسي، وعز الدين مناصرة، وهشام عودة.. كما أن هناك مَن كتبوا الشعر بالإنجليزية أمثال فراز تركي ولينة الجيوسي ونتالي حنظل وحنان ميخائيل وشريف الموسى ونعومي شهاب.

غائبة من الجغرافيا حاضرة في التاريخ

أكد مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق الناقد ناهــض زقــوت أن النكبة الفلسطينية التي حلت عام 1948م، خلقت حالة فريدة في التاريخ الإنساني وهي حالة الارتحال القسري لشعب كان مستقرا في مكان، وقارا في بقعة جغرافية محددة على الخريطة باسم فلسطين. مشيرًا إلى أنه بعد النكبة غابت فلسطين من الجغرافيا، لكنها لم تغب من التاريخ. إذ تحول الشعب الفلسطيني من شعب مستقر إلى شعب لاجئ يحمل تاريخه في كل مكان استقر فيه. ولأن كل أشكال الحياة تغيرت بالنسبة إليه، فمن الطبيعي أن تتغير أماكن إبداعاته الأدبية والثقافية، حيث لم تعد فلسطين وحدها هي مكانه الجغرافي لنشر إبداعاته، بل أصبحت أماكن استقراره هي مركز النشر والإبداع، فأصبحت عمان، وبيروت، وبغداد، ودمشق، والقاهرة، وطرابلس، على مستوى المكان العربي، وعلى مستوى المكان الغربي فنجد لندن، وباريس، والولايات المتحدة، وأستراليا، والمجر، وأمريكا الجنوبية.

الرواية الفلسطينية .. إبداع متواصل

وعن رحلة الرواية الفلسطينية منذ البدايات وحتى الشتات قال»زقوت»: إن رحلة الرواية العربية الفلسطينية في الزمان رحلة طويلة، تزيد عن المائة وأربعين عاما. فالمتتبع للأدب العربي الفلسطيني منذ صدور البدايات الجنينية الأولى للرواية عام 1876م، وتبلورها بشكل جاد في عام 1920 بصدور رواية «الوارث» لخليل بيدس، وحتى آخر رواية صدرت في عام 2017م، أي ما يزيد عن تسعمائة رواية فلسطينية واكبت فيها الرواية مسيرة الشعب الفلسطيني في بلدان المنفى والشتات، ورصدت أحوال اللاجئين والمتغيرات التي واكبت حياتهم في المخيمات، بالإضافة إلى رصدها لمتغيرات الواقع الاجتماعي.

مضيفًا: أن الرواية الفلسطينية مرت بعدة مراحل تاريخية ارتبطت بالقضية الفلسطينية نفسها، وإن تداخلت فيها التيارات الأدبية من الكلاسيكية إلى الرومانسية وصولا إلى الواقعية، التي تعبر عن تطور الرواية فنيا. أولى هذه المراحل «رواية البدايات» التي انطلقت من 1920- 1948م، على الرغم من وجود إرهاصات جنينية للرواية قبل عام 1920، كتبها أدباء فلسطينيون أمثال ميخائيل جرجس، ومحمد التميمي، وبولس السمعاني، ويوحنا دكرت، إلا أن روايتهم لم ترق لمفهوم الرواية بمعناها الفني الحديث، إنما هي رؤى تعليمية وتهذيبية ودينية. لذلك تعد رواية خليل بيدس «الوارث» ورواية اسكندر الخوري البيتجالي «الحياة بعد الموت»، الصادرتين في القدس عام 1920م البدايات الأولى.

أما المرحلة الثانية فتسمى «رواية النكبة» والبكاء على الأطلال، من 1949- 1967م, وفيها تأخر ظهور الرواية بسبب عدم الاستقرار الذي لاقاه الفلسطيني في تشرده، والنماذج التي صدرت في هذه المرحلة عبرت عن أهوال النكبة وما حل بالفلسطينيين، وركزت على وصف الخيام ومخيمات اللجوء وتغير أحوال الفلسطينيين. وقد حملت هذه الروايات كثيرا من الانفعال والصراخ أكثر من الاهتمام بالناحية الفنية. وتعتبر رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» التي صدرت عام 1963م، هي البداية الأولى لرواية النكبة التي وازنت بين الفن والموضوعية في عرض ملامح النكبة وما حل بالفلسطينيين.

وفي المرحلة الثالثة ظهرت «رواية النكسة والنضال»، من 1968- 1987م، وتمثل رواية النكسة أو هزيمة حزيران عام 1967م، رواية الكفاح والمقاومة، وهنا تحول الفلسطيني إلى واقع جديد مغاير في الرؤية لواقع الفلسطيني اللاجئ أو المشرد كما نظرت إليه رواية النكبة. افتتح أيضًا غسان كنفاني مرحلة رواية النكسة والنضال، فكتب روايتي «أم سعد»، و»عائد إلى حيفا» عام 1969، تعددت في هذه المرحلة الروايات والأفكار والآراء والرؤى التي تدافع عن العديد من القضايا الجديدة مثل قضية الحرية والديمقراطية، وقضية المرأة، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وصورة اليهودي وعلاقته بالفلسطيني ونظرته إليه، وعنصرية الاحتلال وممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني. لذلك تعد هذه المرحلة هي المرحلة الحقيقية للتكوين الروائي الفلسطيني.

ثم جاءت المرحلة الرابعة وفيها سطعت «رواية الانتفاضة»، من 1987- 1994م، التي ركزت على ممارسات الاحتلال القمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، والتغيرات التي أحدثتها الانتفاضة في العلاقات الاجتماعية بين الناس. افتتح الروائي والقاص محمد أيوب هذه المرحلة بروايته «الكف تناطح المخرز» التي صدرت في غزة عام 1990م، والروائية سحر خليفة بروايتها «باب الساحة» التي صدرت في بيروت عام 1990م.

وأخيرًا جاءت المرحلة الخامسة «رواية واقع السلطة»، من 1995- حتى الآن: وهي الرواية التي تحدثت عن واقع السلطة الوطنية الفلسطينية، من حيث التصالح مع الواقع أو انتقاد الواقع، أو الهروب منه إلى مضامين مغايرة للواقع.

الرواية في فلسطين هي من تصنعنا

أنا ركب الجنائز

صوت الجدات على باب المنزل

ذكريات مفتاح العودة

تنخر بقلبي

مرآة مكسورة

على وقع الرصاص !

الروائية الفلسطينية ليندا الأعرج قالت: إن فلسطين التي أنجبت أمثال درويش وكنفاني لا يصعب عليها أن تنسج حروفاً من أنامل عشاقها، لذا فإننا كروائيين في وطن ضيق نعلو بصوتنا المزمجر الذي يأبى الهزيمة. فهذا الوطن يتسع بنا، ولأن الرواية أحداث متكاملة وخلق أحداث تستطيع أن تربط بداية بنهاية حب في حرب، فهي تصنعنا ولسنا نحن من نصنعها. تصنع منا شهداء على قيد الحياة، ننتظر الحرية فنحن نحارب منها ولأجلها، ونحلق من ميناء غزة إلى أسوار القدس هبوب الريح، ونواجه الحواجز والمسافات نكتب محاربة لعيون تحارب من أجل القدس دون رؤيتها أيخيل لك ذلك؟

إذن الرواية هي حروف تتسلل إلى دواخلنا رويداً رويداً لننام في النهاية على ورق خُلق منا!

القصة القصيرة حكايات فلسطين اللامنتهية

يبدو حاضراً في الذهن إذا ما ذكرت القصة في فلسطين اسم غسان كنفاني، حيث تتعلق بالذاكرة حكايات المقاومة كونه رسخ لثقافة المقاومة في أدبه، ثم توج ذلك كله عندما اغتيل، ليتوج أقصر وأثرى تجربة أدبية لرمز فلسطيني لا ينسى القاص والكاتب «أحمد عيسى» أكد أن القصة القصيرة مرت في فلسطين بثلاث مراحل متباينة أولها مرحلة المخاض والولادة من 1924 1948م، نشأت على أيدي جماعة من البرجوازية الناشئة التي عرفتها فلسطين، ويعد من أبرز أعلامها خليل بيدس، محمود الإيراني، نجاتي صدقي، جبرا إبراهيم جبرا، وقد غلبت على كتاباتهم سمة الكتابة الرومانسية التي تعنى بالموضوعات الأخلاقية.

تلاها مرحلة التأسيس والتكوين الفني من 1948 1967م، فبعد النكبة دخلت القصة القصيرة في مجالات عدة تلتقي فيها الرومانسية بالواقعية الجديدة وبالرمزية، وتعززت القصة في هذه المرحلة على يد سميرة عزام، وغسان كنفاني، الذي أحدث نقلة جديدة عبر مضامين قصصه، وقد كان كتاب القصة داخل الخط الأخضر يكتبون القصة القصيرة التي تعبر عن التمسك بالأرض, وأخيرًا وصلنا لمرحلة القصة الراهنة «المرحلة الواقعية» وفي هذه المرحلة وبعد النكبة تألق أكثر غسان كنفاني، حيث نشر مجموعته «سرير رقم 12» التي تعد من أقوى القصص القصيرة في الأدب العربي الحديث.

وأضاف «عيسى» : مع ندرة أو عدم وجود أي دور نشر، ومع ضيق ذات اليد للكتاب الفلسطينيين، كانت القصة القصيرة الوسيلة الأنجح للنشر، حيث إن فكرة المجموعات القصصية المشتركة كانت ظاهرة بدأت منذ السبعينات، تبنتها دور النشر، ورغب فيها الكتاب، لأنها الوسيلة الأرخص لعدم تمكن كل منهم من طبع عمل مستقل لكل منهم. وفي عام 1977م صدرت المجموعة القصصية «27 قصة من الوطن المحتل» كأول تجربة لعمل قصصي مشترك، قدم لها محمد البطراوي، وضمت أربع عشرة قصة لأربعة عشر كاتباً من الضفة والقطاع، كان من أبرزهم عبد الله تايه، غريب عسقلاني، زكي العيلة، فضل الريماوي، وغيرهم ..

مشيرًا إلى أن القصص ركزت على الموضوعات الاجتماعية والتمسك بالأرض والتراث، والسجن والاعتقال، ومقاومة المحتل. ثم صدرت مجموعة مشتركة ثانية، صدرت عن جمعية الملتقى الفكري في القدس، وتضمنت قصتين لكل كاتب، كان ملاحظاً فيها تطور الأسلوب والحبكة والقدرة الفنية عند الكتاب في مجموعتهم المشتركة الثانية، رغم أن المواضيع التي تناولتها كانت لم تخرج أيضاً عن مواضيع المجموعة الأولى. وبعد بدء الانتفاضة الأولى، برزت أسماء جديدة بالواجهة، فتناولت القصص هذه الثورة التي استمرت من 1987- 1994م, وكان من أبرز الكتاب الذين برزوا في هذه الفترة عمر حمش، محمود شقير، جمال القواسمي، سمير شحادة، يعقوب الأطرش، ربحي الشوبكي..

دور الأدب في تشكيل الحالة الفلسطينية

بعد ثورة اللغة وظهور نظرية دخول التاريخ من خلال الأدب، تم الانتباه إلى دور الأدب وتأثيره على تشكيل رؤى ووعي وقناعات الناس بما يحمل من مواقف وترجمات للواقع وهذا ما تشكل فعلًا مع الأدب الفلسطيني الذي يرى الدكتور محمود عبد المجيد عساف: أن الأدب فيها ليس مجرد قصة أو قصيدة أو نص، كتبه الكاتب للشهرة، أو قرأه القارئ للمتعة، بل هو تصوير للحدث الاجتماعي والسياسي والوطني بما يعزز مفهوم القضية الفلسطينية وعدالتها. فجل الأدب الفلسطيني جاء كعلاقة توجيهية قيادية وإن تلبس بمشاعر مختلفة ما بين الحب والحرب، والرومانسية والقلب، لذا نجد أن خلال السنوات العشر الأخيرة ظهر العديد من الكتاب والأدباء الجدد الذين يحملون هماً وطنياً ظهر في كتاباتهم التي لاقت قبولاً عن شيوخ الأدب لما استطاعوا أن يوظفوا الحرف في تصوير الواقع.

بالمقابل كان للأدب الفلسطيني تبعيات حادة نوعاً ما على المجتمع كما يشير «عساف»: فالتصور الأدبي وتذوقه الذي يختلف من شخص إلى آخر قد أضفى سواداً على القليل من الناس رغم قناعاتهم بجمال اللغة والصورة، ودفع بالعديد من الكتاب الجدد إلى كتابة المزيد مما راق للقراء، دون حساب للأثر السلبي للانقسام وانعكاسه على الحياة العامة.

المؤسسات الثقافية والأدبية

وحول عناية المؤسسات الثقافية والأدبية في حفظ الموروث والهوية العربية الثقافية قال رئيس الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين 48 الشاعر سامي مهنا: إن هنالك مؤسسات ثقافية وأدبية عديدة في الداخل الفلسطيني تعنى بالحركة الأدبية والثقافية في البلاد وتهتم بترفيده منها مؤسسات قائمة منذ عقود كمؤسسة أسوار عكا التي تأسست منذ 40 عامًا ولا تزال قائمةً وناشطةً، إسوةً بمؤسسات أخرى، كمؤسسة توفيق زياد، والأفق للثقافة والفنون، والسباط للتراث الفلسطيني، وإبداع وعنات للفنون التشكيلية والنحت، ومؤسسات موسيقية ومسارح، لكن مشكلة الكثير من هذه المؤسسات أنها تعاني من شح الإمكانيات كونها ترفض التعاطي مع المؤسسة الإسرائيلية، لذلك فإنها لا تجد عامةً مصادر تمويل تستطيع من خلالها النهوض بالعمل الثقافي الموازي لحجم التحديات.

الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين 48

وأضاف «مهنا» أما اتحاد الكتاب الذي يهدف بواحدة من أهم إنجازاته مشروع (الوحدة الثقافية) الفلسطينية فقد أعاد التفاعل والتكامل الكامل مع المشهد الثقافي الفلسطيني العام، عبر مؤسساته الرسمية، وأهمها، الاتحاد العام لأدباء والكتاب الفلسطينيين، واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، ووزارة الثقافة الفلسطينية، ومؤسسة القدس عاصمة الثقافة العربية الدائمة وغيرهم، بالإضافة إلى النشاطات الدائمة على الصعيد المحلي الموزع بين المدن والقرى الفلسطينية في الداخل، إلا أن اتحاد الكتاب يعاني أيضًا بشكل كبير من عدم توفر الإمكانات المادية، كونه لا يتعامل بشكل مطلق مع المؤسسة الإسرائيلية.

مبدعون رغم القيد

وعن معالم الحياة والجلسات الثقافية في المعتقل وما أفرزته من دواوين شعرية وإصدارات قصصية وروائية أكد مدير عام شؤون الأسرى والمحررين الدكتور رأفت حمدونة استغلال الأسرى لأوقاتهم بالجلسات الثقافية والتعمق في العلوم والمعارف، والتعلم في الجامعات الفلسطينية والعربية والعبرية والدولية فحصلوا من خلالها على الشهادات، واهتموا بالثقافة التي كانت من أهم معالم الحياة الاعتقالية، بعد أن برزت حاجة الأسرى لبلورة جوٍ ثقافي منذ بدايات تشكل نواة الحركة الأسيرة، من خلال ملء الفراغ الناجم عن اعتقالهم والاستفادة من الوقت. فدرس الأسرى الكثير من التخصصات في شتى المجالات «في علم الاجتماع وعلم النفس، والعلوم الإنسانية، والعلوم الإدارية، والسياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والدينية»، وتعلموا اللغات وانتسبوا للجامعات وحصلوا على الشهادات ومنها العليا، وبصبرهم وصمودهم وإمكانياتهم البسيطة، استطاعوا أن يحولوا زنازينهم لصفوف دراسية، وحلقات تعليمية، ودورات ثقافية، ومحاضرات جامعية، وفي الوحشة والظلمة كتبت القصائد الشعرية، والروايات الأدبية، والكتب الفكرية.

أدب السجون

وأكد حمدونة: أن أدب السجون ينطوي ضمن أدب المقاومة وهو جزءٌ من الأدب العربي المعاصر في فلسطين، والأدب الوطني والقومي، والأدب العربي والعالمي الحديث، وذلك لما يحمل من مميزات وخصائص، وحسٍ إنساني وعاطفي، ورقة مشاعر وأحاسيس ومصداقية، وقدرة على التعبير والتأثير، فهو كل ما كتبه الأسرى داخل الاعتقال وليس خارجه، بشرط أن يكون من أجناس الأدب كالرواية والقصة والشعر والنثر والخاطرة والمسرحية والرسالة.

وأكد أيضًا أن لهذا الأدب انعكاسه الكبير والإيجابي على نفسية الأسير والواقع الاعتقالي كونه يعبر عن ذواتهم وآمالهم وطموحاتهم الشخصية والوطنية، ويخرجهم من ضغوط الاعتقال وأجواء الكبت والقيد إلى عالم الخيال الرحب، كما كان لأدب السجون الكثير من التأثير على المجتمع الفلسطيني الذي وجد فيه الصدق في المشاعر، والبعد عن الذات والمصلحة الشخصية إلى الشيء العام والمصلحة الوطنية.

المرأة الفلسطينية ومنحنيات النضال

المرأة الفلسطينية قدمت ومازالت تقدم العديد من نماذج الصمود والنضال والمثابرة من أجل واقع أفضل يحفظها كامرأة فلسطينية في صيغة مجتمع أكثر وعيا وإدراكا لحقوقه الكاتبة «نيروز قرموط» تحدثت عن المرأة الفلسطينية ووصفتها بأنها أكثر امرأة في العالم ناضلت في العديد من المجالات في الجانب السياسي والوطني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ما بين مفارقات ليست بالهيّنة. ولأن المرأة شريك وهدف في هذا التطوير فهذه الزيادة تساهم بنهضة المجتمع الفلسطيني ككل ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الحالة الفكرية والثقافية من خلال مشاركة المرأة في العمل وما ينعكس في شخصيتها من جوانب مختلفة مما يجعلها تنظر إلى المجتمع بطريقة أكثر عمقا وتطورا وحداثة.

وأضافت «قرموط» علينا أن لا ننسى المرأة في مخيمات الشتات والمنافي في غمرة هذه النضالات فلها من الحضور عبر التاريخ وإلى الآن ما هو لافت للأنظار في كل ميادين العلم والتعلم والعمل والكفاح النضالي والثقافي. فقد استطاعت أن تكون رافعة وحاضنة للكفاح الوطني الفلسطيني منذ أن فلحت الأرض وزرعتها، حتى تقدمت لتكون جزءا أصيلا من كل المهن المجتمعية، وركيزة ضرورية في كل عمليات الإدارة ومنهجيات القانون والمساءلة، وكانت لونا واضحا في اللوحات الفنية والمطرزات الشعرية والفلكلورية والأدبية، ووجها يزين الشاشات بقدر يُحترم من الحديث والثقافة.

واستدركت: لكن دورها انحسر بعد أن تقلصت مساحات الأراضي ولكنها حتما ستهدم كل الجدران العازلة وأنفاق التدمير الذاتي حتى تصل إلى ذاتها وكينونتها المستقلة التي تبدأ بعروبتها ووطنيتها وتحمل من التاريخ تراكم كل الهويات الثقافية في معنى واحد لا غير هو حرية إنسان على أرضه.

الإستراتيجية الثقافية الفلسطينية

أما الباحث محمد المشايخ فقد تناول مساعي الإستراتيجية الثقافية في فلسطين مؤكدًا أنه يتضح من مجمل الوثائق والبرامج والكتب والخطط التنموية الصادرة عن المؤسسات الفلسطينية في الآونة الأخيرة، أن الإستراتيجية تسعى للمحافظة على هوية القدس العربية من خلال تشجيع النشاطات الثقافية الفلسطينية في المدينة، وتطوير البنية التحتية الثقافية، وعلى إعادة تأهيل القدس ثقافيا لتستعيد مكانتها بصفتها قلب الثقافة الفلسطينية والمكان الذي يحتضن العديد من مواقع التراث الثقافي الوطني المهمة في فلسطين.

وأضاف: كما تسعى للمضي في الإصلاح الثقافي، من خلال ترسيخ أسس التفكير العقلاني، وتشجيع جهود تجديد الخطاب الديني، وإطلاق الحريات الفكرية، وتهيئة المناخات لتجذير أُسس الثقافة الديمقراطية، وإصلاح المؤسسات الثقافية، وتشجيع التبادل الثقافي، وإصدار القوانين لتفعيل الثقافة في كل مجالاتها بالتنسيق مع المؤسسات والهيئات المعنية، وتعزيز النهج الديمقراطي في العمل الثقافي بصفته شرطا للإبداع ولحرية العمل الثقافي.

واختتم «المشايخ» ولأن الإعلام هو الضمانة الأولى لنجاح السياسات الثقافية، تضمنت الإستراتيجية حث الجمهور على الإقبال على الثقافة، من خلال الصحافة والتلفزيون، وخلق صورة عن الثقافة لدى الرأي العام، وتأمين الخدمات التقنية، وإضفاء طابع الاحترافية على النشاطات الفنية، وتعزيز الترابط بين الإبداع والتطور التكنولوجي. كما تسعى الإستراتيجية لتعزيز الدور المحوري الذي تضطلع به الثقافة الوطنية في المحافظة على تماسك المجتمع الفلسطيني ولحمته.