كتّاب إخبارية سمح الالكترونية

وباء ينتشر … ونفوس تعتبر (١)

تملك العالم الذعر، مع استعار نار وباء يحصد الأنفس، ويتهدد حياة الناس، فأُطفئت معالم الحياة، وعُطلت أعمالها، وغُير من شكلها، فأُلزم الناس البيوت، وعُطلت شعائر، وأغلقت بيوت الله احترازًا، وباتت شوارع مدن العالم بلا خطوات إنسان؛ لجائحة فيروس «كوفيد19» المعروف بفيروس «كورونا المستجد».
فاستوقفتني تلك الجائحة التي أصابت العالم؛ فتأملتها، وتأملت تعاملنا معها، أفرادًا وحكومات؛ فأول ما لمع لي هو تعامل مملكتنا المباركة، مملكة الخير مع تلك الجائحة، وهذه القرارات التي اتخذتها حكومة مملكتنا الرشيدة بتوجيهات من مليكنا -حفظه الله- وولي عهده الأمين، وكيف أظهرت تلك القرارات حرصهم على رعايا المملكة، حرصًا لم يفرق بين مقيم أو مواطن؛ بل حرص على حياة كل من يحيا على أرضها، جاعلة حفظ الأنفس مقصدًا أصيلًا لقراراتها التي تمثل سياساتها وإجراءاتها، مستلهمة إياه من مقاصد شريعتنا الغراء، كعادة سياسة مملكتنا منذ عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-
وكوني باحثًا في التاريخ؛ رأيت أن أكتب في هذا الأمر، مستهلًّا حديثي بنبذة عن الأوبئة التي ضربت الأرض، وحصدت فئامًا من الناس، ثم أعرِّج على تلك الجائحة التي نحياها، مستلهما منها دروسًا وعبرًا، أدونها في مقالي هذا المتسلسل بإذن الله.
ويكأن التاريخ يعيد نفسه، مقولة جالت بخاطري وأنا أتدبر حالنا، وما يصنعه فيروس «كوفيد19» المعروف بـ «كورونا المستجد» بالبشرية.
حثت تلك الجائحة ذاكرتي على أن تستحضر بعضًا مما اجتاح العالم من جوائح حصدت الملايين من البشر على مر التاريخ؛ فتذكر كتب التاريخ أن العالم شهد جوائح كثيرة من الأوبئة الفتاكة؛ قتلت الملايين على مر التاريخ.
ففيما بين عامي 165- 180م انطلق من الصين «الطاعون الانطوني»، فكان لا ينهي يومه إلا وقد أنهى حياة ألفي شخص، وأوشك أن يقضي على كافة سكان الإمبراطورية الرومانية في نهاية عهد الإمبراطور «ماركوس أوريليوس» وبداية عهد الإمبراطور «كومودوس»، حيث قضى على ما يقارب خمسة ملايين إنسان من ساكني الكرة الأرضية في ذلك الحين، بما فيهم قوات الإمبراطورية الرومانية التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من الأرض.
وتذكر المراجع التاريخية «طاعون جاستينيان» الذي ضرب قلب الإمبراطورية الرومانية الشرقية بين عامي 541 و542م، وانتشر في أنحاء العالم فأودى بحياة أكثر من 30 مليون شخص.
وكذا وباء «الجدري الياباني» الذي انطلق من طوكيو عام 735م، وانتقل إلى البلدان المجاورة؛ فأودى بحياة نحو مليون شخص خلال سنتين.
وبانتقال المغول وزحفهم نحو الغرب نُقلت بعض من القوارض والبراغيث التي حملت الطاعون وأفشته؛ ففقدت أوروبا وحدها عام 1348م 20 مليون شخص بذلك الطاعون.
وفي القرن الرابع عشر الميلادي انطلق من الصين «الطاعون الدملي» فقتل أكثر من (200) مليون إنسان، حيث انتقل إلى قلب الدولة الإيطالية ففتك بالشعب الإيطالي، وتحول إلى أوربا وفتك بشعبها.
وعاود وباء «الجدري»، عام 1520م؛ فأودى بحياة 56 مليون شخص على مستوى العالم.
وفي عام 1855م ظهر «الطاعون الثالث»، وهو نوع متطور من الطاعون تفشى بين سكان مقاطعة يونان الصينية، وانتشر في العالم، ليودي بحياة 12 مليون شخص حول العالم.
ثم ظهرت «الأنفلونزا الآسيوية الروسية» التي ظهرت بين عامي 1889–1890م فأودت بحياة مليون شخص.
ثم ظهر الوباء الفتاك «الأنفلونزا الإسبانية» التي ظهرت بإسبانيا عام 1918م، وانتشرت بالعالم كالنار في الهشيم؛ فأودت بحياة ما يقرب من مئتي مليون شخص في عام واحد فقط، وأصابت ربع سكان العالم.
و«الأنفلونزا الآسيوية الثانية» التي ظهرت في الصين في القرن العشرين، في عام 1956م؛ فأودت بحياة مليون شخص.
وكذا «إنفلونزا هونغ كونغ» التي ظهرت في بين عامي 1968–1969م؛ فقتلت قرابة المليون شخص.
وظهر وباء «الملاريا» في بدايات القرن العشرين، وانتشر في العالم؛ فقتل أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وظهر وباء «الكوليرا» مرتين في نهاية القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشريين، وانتشر في العالم؛ فقتل أكثر من مليون شخص.
وفي نهاية القرن الماضي ظهرت متلازمة نقص المناعة المكتسبة المعروفة بمرض «الإيدز»، وهو مرض فتاك يصيب الجهاز المناعي البشري؛ ويتسبب في التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان بشكل تدريجي ليترك المصاب به عرضة للإصابة بأنواع من العدوى الانتهازية والأورام، وكانت بدايات ظهوره في «الكونغو»، وما لبث حتى انتشر كوباء ليبلغ عدد مصابيه ما يقارب 36 مليون شخص على مستوى العالم، قضى بسببه ما يقارب عشرة ملايين.
و«أنفلونزا الخنازير» ووباء «إيبولا» اللذين انتشرا في عدد من البلدان الإفريقية مرورًا بفيروس «سارس» وصولًا لفيروس «كورونا المستجد» «كوفيد19»، الذي نشأ في الصين ومنها إلى مختلف بلدان العالم.
ولم تكن منطقتنا العربية بعيدة عن هذه الأوبئة والأمراض؛ فقد شهدت هي الأخرى طواعين كثيرة أشهرها على الإطلاق «طاعون عمواس» الذي قتل نحو ثلاثين ألفًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمراء الإسلام، و«طاعون الفتيات» الذي ضرب بلاد العراق وكان ينتقي العذارى من بناتها ليصيبهن، وطواعين أخرى كثيرة اجتاحت عالمنا العربي على مر التاريخ، حصدت من أرواح الناس كثيرًا، وأبقت من بقي يستلهم من محنة عاشها دروسًا تعينه على مجابهة الحياة ومنغصاتها؛ وكذلك سنفعل في القادم من تلك السلسلة بإذن الله، ليكون حديثنا عما يمكن أن نستلهمه من تلك الجائحة، نبدأ بالحديث عن الفيروسات وطبيعتها، ثم طرق مواجهتها، لنصل لدروس نستلهمها من تلك المحن.
وقانا الله وإياكم من الشرور وسلمنا وسلم البلاد والعباد، وحفظ مملكتنا ومليكنا وولي عهده الأمين.
وحتى نلتقي في المقال القادم لكم مني التحية والدعاء….. يتبع
بقلم خالد هزيل الدبوس

كاتب وباحث بالتراث والتاريخ
محافظة طبرجل