المقالات

لا تظلموا شباب الأحساء حكّموا العقول وليدرك كل شخصٍ ما يقول

تعالت أصوات الساخطين والمبالغين من أهل الأحساء مع الأسف بسبب ارتفاع نسب الإصابة بفايروس كورونا مؤخراً في مجتمع الأحساء وإرجاعها لاستهتار الشباب وعدم التزامهم بالاجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي فرضتها الجهات المختصة.
وهذا من قبيل جلد الذات وهو اتهام باطل والمؤسف أن يتزعّمه ثلة من أهل الأحساء وكأنهم ملكوا علم الغيب وتيقّنوا أن سبب تفشي هذا الوباء يعود لما يعتقدونه وكأن بأيديهم احصائيةً رسميةً تؤكد أن أعلى نسب المخالفات الاحترازية في عموم مناطق المملكة سُجلت على شباب الأحساء دون أن يدركوا أنهم بهذا الكلام يسيئون لمجتمعهم مجتمع الأحساء المسالم المنضبط الملتزم المثقف المتحضر الذي يُبادر باتباع أوامر الدولة واحترام أنظمتها وتعليماتها انطلاقاً من ارتفاع مستوى احساسه بالمسئولية المجتمعية والوطنية وارتفاع مستوى وعيه الفكري وثقافته العامة وإذا قرأ الآخرون أو سمعوا تلك الانتقادات ضد شباب الأحساء صدقوا ذلك واعتبروهم متخلفين وهمجيين وحمقى ومعاندين ومشاكسين لا ينصاعون لأوامر ولاة الأمر وأننا لا نُحسن تربية أبنائنا وتوجيههم لما فيه مصلحتهم وأدانونا بتهمٍ أدنّا نحن أنفسنا بها وقالوا شهد شاهد من أهلها وخير شهادة ما تشهد به على نفسك.
وأنا في هذا المقام أود أسأل أولئك المتسخّطين والمبالغين الذين يوزّعون الاتهامات جزافاً مستدلين بحالاتٍ فرديةٍ توجد في أي مجتمعٍ في العالم وهي جلوس مجموعة قليلة من الشباب حول مقهى أو تسوقهم في سوقٍ عام أو مشيهم في مضمارٍ للمشي بكماماتهم وسؤالي لهم ألا يُصاب الممارسون الصحيُّون وهم متدثرون بالملابس الطبية الكاملة والأقنعة والكمامات والنظارات والجوارب والأحذية والقفازات؟ هل هم مستهترون أو غير ملتزمين بالتعليمات والارشادات الصحية؟ ألا يُصاب الانسان وهو خارج من بيته للشارع أو للسوق أو سواه وهو بكمامته وقفازه؟ ألا يُصاب الانسان وهو في مقر عمله ملتزماً بالتباعد الجسدي وعدم المصافحة والمعانقة ولبس الكمامة وغسل اليدين وعدم لمس الأنف أو الفم؟ ألا يُصاب المثقف والمسئول وأستاذ الجامعة والكاتب والاعلامي والمفكر والرجل والمرأة والطفل بالرغم من اتخاذ الاحتياطات وبذل الأسباب سواءً في مجتمعنا أو مجتمعات أخرى؟ ألم تُسجَّل حالات إصابة كثيرة في عموم بلادنا حتى في أيام الحظر الكلي؟ أنحبس أنفسنا في زنزاناتٍ حبساً انفرادياً دون الخروج حتى للضرورة القصوى لكي لا نُصاب؟ أنمنع أنفسنا من مراجعة المستشفيات في حال المرض؟ ومن الذهاب للسوق لتأمين المستلزمات الضرورية التي نعتاش بها؟ أنمنع أنفسنا من مباشرة العمل لنسهل على الآخرين مهامهم اليومية ونبذل لهم الخدمة؟ أنمنع أنفسنا من رؤية أم أو أب كبيرين في السن يحتاجان لرعايتنا؟ أنمنع أنفسنا من إسعاف مريض من أبنائنا أو أقاربنا؟ أنمتنع من الاستعانة بعاملٍ لمهمةٍ مهمة إنها حالات ضرورية استثنتها الدولة لعموم المواطنين والمقيمين على أراضيها ومع ذلك قد لا يسلم الفرد من الإصابة بالمرض الذي لا يعلم مصدره أو سببه وهو من الارادة الالهية التي لا يد له فيها فإذا سلمك الله من المرض فاحمد الله واذا أصيب به غيرك فهذا بإرادة الله وليس بالضرورة أن يكون مستهتراً أو غير ملتزمٍ بالاحترازات.
نعم علينا الأخذ بالأسباب وهذا شيء لا نعترض عليه أبداً وهو مبدأ من مبادئ ديننا الحنيف في جميع أمور الحياة ولكن لو أصبنا رغم ذلك فلا حول لنا ولا قوة سوى التسليم بقضاء الله وقدره نحن مجتمع مؤمن بالقضاء والقدر وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا أما الرجم بالغيب واتهام أبناء مجتمعنا بعدم الالتزام والانضباط والاستهتار بالتعليمات الصحية فهذا من الأحكام الجزافية التي تسيء لنا جميعاً وتصوّرنا في عيون الناس بالهمجيين والحمقى والمعاندين والمكابرين حتى لنغدو مضرب مثل في السوء وهذا لا يقبله عاقل منا لديه غيرة على مجتمعه وأعتقد جازماً أن الشباب حريصون على سلامتهم الصحية ويحبون الحياة ويخافون من الموت كغيرهم من الناس ولا يمكن أن يضحوا بحياتهم دون مبررٍ منطقي.
وأعتقد أن هناك أسباباً علميةً أو بيئيةً من وراء تفشي الوباء وسرعة انتشاره بين الناس في عموم دول العالم وليس في مجتمعنا فحسب ولا أنفي وجود ثلةٍ من أبناء الأحساء غير ملتزمين بالتعليمات الصحية شأنهم شأن غيرهم من الناس في عموم المناطق والدول فلا يوجد مجتمع مثالي في العالم كله حتى دول أوروبا التي يُضرَب المثل في تحضر مجتمعاتها ورقيّهم الفكري والثقافي والمدني تفشى الوباء بينهم تفشياً واسعاً فهل قال اعلاميّوهم أنه من استهتارهم أو عدم التزامهم بالتعليمات والاحترازات والتدابير الوقائية؟.
والله إنه ليوجد أشخاص يعيشون حياتهم في مجتمعاتٍ بدائية بصورةٍ عفويةٍ وبسيطة ومع ذلك يسلمون من الإصابة بهذا الداء في حين يوجد أشخاص متدثرين ومتكممين ومتقنعين ويدورون مثل الكتل البلاستيكية ويبالغون في النظافة والتعقيم ومع ذلك يصابون وما زال الأمر مُحيّر وفي علم الغيب وسوف يظهره الله لنا لنعرف كم ظلمنا أنفسنا وظلمنا شباب مجتمعنا الذين أشاهد غالبيتهم العظمى ملتزمين بالتعليمات الصحية ويبادرون بالفحص الطبي لدى عيادات تطمَّن وغيرها للاطمئنان على أنفسهم أو في حالة الاشتباه بالإصابة وربما حرصهم في الآونة الأخيرة على الفحص بأعدادٍ كبيرةٍ هو الذي رفع نسب الاحصائية عن السابق التي يتم فيها رصد كل من يتم فحصه ولو كانوا غير ملتزمين بالتعليمات الوقائية لسجَّل رجال الأمن عليهم مخالفات قياسية من خلال جولاتهم الميدانية على مختلف المواقع وتم الاعلان عنها في وسائل الاعلام واتخذت حيالها الدولة الاجراءات النظامية ولا ننسى أن الأحساء ذات كثافةٍ سكانيةٍ عاليةٍ جداً تصل ألى المليون ونصف المليون نسمةٍ وهذا العدد يعادل شعب دولة ومن بينهم عدد كبير من الوافدين.
وأتساءل هل الشعب الأمريكي مستهتر وغير ملتزم بالتعليمات الوقائية حين ارتفعت فيه نسبة الإصابة إلى أعلى معدل في العالم بلغ مليونين و٦٣٦ ألف إصابة حتى يوم أمس؟ هل سببها سلوكيات مجتمعية ومخالطة مكثفة كما أدين بها مجتمع الأحساء؟.

سفير السلام
عضو هيئة الصحفيين السعوديين وهيئة الاعلام المرئي والمسموع
شاعر وكاتب ومؤلف