كاتب سعودي يعيد قراءة أخطر وثيقة أمريكية بشأن الشرق الأوسط
يعيد الكاتب والمحلل السياسي يوسف بن طراد السعدون قراءة أخطر وثيقة سرية أمريكية بشأن الشرق الأوسط، التي أعدّتها إدارة الأمن القومي الأمريكي عام 2011، والتي أوصت فيها بالتضحية بعدد من الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، وترك المنطقة لإيران وبث الفتنة والفرقة عبر نظرية “الفوضى الخلاقة”، مطلقًا جرس تحذير من أن من أعدوا الوثيقة يحكمون الآن، وأن هناك أربع إشارات على أن الإدارة الحالية بصدد المضيّ في المشروع القديم الجديد، ومطالبًا دول المنطقة بستة إجراءات للتصدي لهذا المشروع.
أخطر وثيقة أمريكية
وفي مقاله “لا تأمن العقرب… ولا تأمن الداب” بصحيفة “عكاظ”، يبدأ السعدون بأخطر وثيقة بشأن الشرق الأوسط، ويقول: “نشرت جريدة نيويورك تايمز في 16 فبراير 2011 تسريبات لبعض محتوى الوثيقة السرية المعنونة باسم الدراسة الرئاسية التنفيذية 11 ( President StudyDirective – PSD11 ) التي أعدتها إدارة الأمن القومي الأمريكي.
وبينت أنها أوصت بالتضحية بعدد من الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط التي أصبحت تمثل خطراً يهدد المصالح الأمريكية.
وأكدت المحققة السابقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السيدة كلير لوبيز، خلال جلسة استماع بالكونجرس؛ أن تلك الدراسة دعت إلى استخدام قدرات وإمكانات أمريكا لدعم الإطاحة بحكومات حليفة وتسليم السلطة لتنظيم الإخوان المسلمين بمصر وشمال أفريقيا وتمكين إيران من السيطرة على الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية”.
استمالة إيران
ويرصد “السعدون” موقف إدارة الرئيس جو بايدن من إيران ويقول: “خلال الشهرين الماضيين، سارعت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى: استمالة إيران بتجاهل تمددها الصفوي بالشرق الأوسط ودعمها للجماعات الإرهابية، وإلغاء تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، ووقف دعم عمليات التحالف في اليمن، وتجميد صفقات السلاح للدول العربية. وهذا ما شجع إيران على التمادي في تهديد أمن المنطقة، فأصبحنا نشهد تزايد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الموجهة نحو الأراضي السعودية من ميليشياتها الإرهابية.
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك، بل كالت الاتهامات المغرضة للقيادات العربية ولوحت بالعقوبات الاقتصادية. ولا يستبعد تحريكها لموجات جديدة من إرهاب ما يسمى (الفوضى الخلاقة) تجاه عالمنا العربي، الذي لن يخدره تصريح وزير الخارجية الأمريكي قبل عدة أيام بأنهم (لن يغيروا الأنظمة بالقوة)”.
4 مؤشرات على عودة بايدن للوثيقة القديمة
كما يرصد “السعدون” أربعة مؤشرات على عودة بايدن للوثيقة القديمة، ويتساءل: “هل تلك المؤشرات دلالة على عودة الإدارة الأمريكية إلى مسار خطة الدراسة الرئاسية التنفيذية 11، الهادفة إلى تقسيم الشرق الأوسط وجعلها ساحة صراع بين السنّة والشيعة، على الرغم من أن تجربة ذلك المسار كانت مدمرة لحياة الإنسان العربي، وشواهده واضحة في العراق واليمن وسوريا ولبنان وليبيا والصومال وغيرها من الدول؟ وأخشى أن تكون الإجابة عن هذا التساؤل: نعم، ولمعطيات عديدة من أهمها:
*إن من شارك في بلورة وإعداد الدراسة الرئاسية التنفيذية 11 ضمن كوادر إدارة الأمن القومي الأمريكي عام 2010، يتربعون حالياً على مفاصل القرار السياسي في الإدارة الأمريكية. ومن أمثلتهم جاك سوليفان (مستشار الأمن القومي)، ومساعده جوناثان فينر، وأنتوني بلينكن (وزير الخارجية)، وافريل هاينز (مديرة الاستخبارات الوطنية).
*الرؤى السلبية تجاه الشرق الأوسط لدى بعض المفكرين والدبلوماسيين الأمريكيين. ومنها النظرة بأن الشرق الأوسط لم يعد مهماً للمصلحة الأمريكية، التي أكد عليها السفير مارتن انديك (السفير السابق لدى إسرائيل) في مقاله المنشور بجريدة (وول ستريت) بتاريخ 17 يناير 2020. وأن القيم الأمريكية لا تنسجم مع القيم السعودية بتاتاً؛ لأن المملكة العربية السعودية متدينة محافظة ملكية، بينما هم متحررون وبجمهورية علمانية، كما صرح الدبلوماسي الأمريكي ديفيد رونديل (David Rundell )بتاريخ 5 مارس 2021 في مجلة السياسة الخارجية ( Foreign Policy ) الأمريكية.
*الإيمان الراسخ للقوى الاستعمارية بمدى فعالية سياسة فرق تسد. وبعض الساسة الأمريكان يرون أن السنّة والشيعة يمثلان خطين متوازيين بالعالم العربي لا يمكن أن يلتقيا في الأهداف والمصالح. وبالتالي قد يسعون لإثارة الفتنة بينهما وتأجيج الصراعات وعدم الاستقرار بالمنطقة، بهدف تعظيم مكاسب بيع السلاح واستنزاف الموارد والثروات وفرض السيطرة والسيادة على دولها.
*وأخيراً: أن الولايات المتحدة الأمريكية تعي جيداً أن الصين تزاحمها وبقوة على تقلد عرش الريادة العالمية. ولم يتردد مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان للقول في تاريخ 29 يناير 2021، بأن الصين تعتبر التحدي الأمني الأول لأمريكا. وقد يندفع بعض الساسة الأمريكان في سبيل ذلك للنظر بالتضحية بحلفائهم العرب ووضع يدهم بيد إيران كحليف جديد. ولمعرفة علاقة حسابات الصين بسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، علينا أن نأخذ في الاعتبار: أن الصين بحاجة ماسة دوماً لإمدادات الطاقة التي تأتيها من إيران ودول الخليج العربية (تستحوذ آسيا ممثلة بالصين والهند وكوريا واليابان على ما يقارب 75% من صادرات الشرق الأوسط النفطية)، والشرق الأوسط يعد محوراً رئيسياً في مسار خط الحرير الجديد الذي يخدم الطموحات الصينية، والعلاقات الصينية الباكستانية والصينية الإيرانية تتنامى وبواسطتهما قد تتمكن الصين من أن تضع لها موقع قدم ثابتاً على شواطئ الخليج العربي الغنية بالنفط.
6 إجراءات لمواجهة المؤامرة ضدنا
ويحدد “السعدون” ستة إجراءات يجب أن تقوم بها دول المنطقة للتصدي للمشروع الأمريكي المدمر، ويقول: “ما يحاك ضد أمتَيْنا العربية والإسلامية من المتربصين في الدول الغربية وأعوانهم من العملاء ليس جديداً عليها، ويستهدف بالمقام الأول تغيير المفاهيم والقيم والثقافة في سبيل بث الفرقة والفتنة فيما بين مكونات أمتَيْنا العربية والإسلامية. وقد استطاعت دولنا سابقاً مواجهتها وتدميرها، ولله الحمد، بحنكة قياداتها السياسية والدينية والفكرية ووعي مواطنيها بكافة طوائفهم الدينية والعرقية. ولن تتوقف مساعينا الحثيثة خلال المرحلة القادمة عن:
1-تعزيز جبهاتنا الداخلية، بمواصلة حكوماتنا جهودها الهادفة للبناء والتنمية وتحسين مستوى معيشة المواطنين واجتثاث الفساد ونشر العدالة، استناداً لقيمنا الراسخة وانطلاقاً من رغبات واحتياجات شعوبنا وليس ما يرغبه الآخرون، والتنبه للدسائس والمكائد المبطنة في البرامج الثقافية والاجتماعية والإعلامية للبعثات الأجنبية.
2-استمرار تلاحم الشعب مع القيادة ورفض الانسياق خلف الأهداف الشريرة التي تغلف بشعارات الحرية والتطور والعدالة والديمقراطية الغربية البراقة الخادعة التي تنشد في المقام الأول تدمير مقومات أوطاننا.
3-تعزيز وحدة صفنا العربي والإسلامي وعدم إتاحة الفرصة للمغرضين والجهلاء بنشر المهاترات وكيل الاتهامات المغرضة تجاه دولنا العربية والإسلامية وقياداتها، أو منظماتها الإقليمية وقياداتها، فهدفنا البناء والتطوير وليس الهدم.
4-نشر التوعية الإعلامية بالأخطار والمكائد المحدقة التي تتربص بشعوبنا، والاهتمام بالأنشطة الثقافية والفكرية وترسيخ الانتماء والاعتزاز بتراثنا وهويتنا، واختيار الكفاءات الوطنية الواعية المدركة الخبيرة لقيادة هذا الحراك.
5-عدم إتاحة الفرصة لأي كان لزرع الفتنة والبغضاء والعداء بين المسلمين السنة والشيعة أو الطوائف العرقية المختلفة في دولنا ومحيط عالمنا العربي والإسلامي. والسعي الجادّ لبناء الجسور بين أبناء الأمتين العربية والإسلامية انطلاقاً من القواسم المشتركة التي تضم الجميع.
6-تكثيف جهود التواصل والحوار مع الإدارة الجديدة والنخب السياسية والفكرية والإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية. فهناك الكثير منهم يقدرون أهمية الشراكة الاستراتيجية مع عالمنا العربي ويدركون أن دولها، خصوصاً جناحي الأمة العربية السعودية ومصر، وليس الحكم الصفوي بإيران، الأقدر والأوثق لضمان مصالحهم وأمنهم القومي”.
لا تـامـن العـقـرب
وينهي”السعدون” بجرس تحذير مذكرًا بقول “الشاعر زابن بن محمد آل عمار الدوسري:
لا تامن العقرب ولا تامن الداب السمّ واحد لا رقا فـي مـتونـك
يا جاهـل الـدنيـا ودورات الأسباب أعرف ترى من خان غـيرك يخونـك”.