كانوا معنا.. المذيع “الحمود” و34 عامًا من الظهور المميز على شاشة السعودية.. تعرَّف على سيرته
كان حريصًا على متابعة شؤون العاملين معه في مكتبه الخاص، ويحرص على تقديم وجبة الإفطار لهم طيلة شهر رمضان كل عام. لديه عادة لم يقطعها طيلة حياته، تتمثل في تقديم الهدايا لأفراد أسرته وأحفاده مع أول يوم رمضان، وعلى وجبة الفطور.
كان محبًّا لتجمُّع العائلة واجتماع الأسرة في وجبات الفطور والسحور. كان قارئًا للقرآن الكريم بشكل دائم، ومحافظًا على التلاوة في كل يوم. كان محبًّا للصدقة طيلة العام، وفي شهر رمضان يُكثر من ذلك، مع حرصه على أن يخفيها..
خلال شهر رمضان تكثر رسائل المهنئين بالشهر الكريم، وكان يقول -رحمه الله-: “لا بد من الرد على كل شخص كتب رسالة تهنئة”، ويرى ذلك واجبًا أخلاقيًّا حتى لو كانت رسالة جماعية.
هكذا كانت سجايا المذيع فهد الحمود الذي رحل عنا قبل ثلاثة أشهر، وغاب عنا في هذا الشهر الفضيل.
“سبق” تبحر عبر الزمن لتقصِّي سيرة الإعلامي المخضرم، والأعمال التي قدمها خلال مسيرته الإعلامية.
حياته ونشأته
وُلد الحمود عام 1378 هـ في مركز ثرمداء التابع لمحافظة مرات شمال غرب مدينة الرياض بـ١٧٠ كلم، وجنوب محافظة شقراء بـ٣٠ كلم، ودرس فيها حتى السنة الرابعة في المرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى محافظة شقراء، ودرس فيها بقية المرحلة الابتدائية. ويذكر شقيق الفقيد الدكتور إبراهيم الحمود أن سبب الانتقال لشقراء هو تخرج بعض إخوته من المرحلة الابتدائية، وعدم وجود مرحلة متوسطة آنذاك في ثرمداء؛ فانتقلت الأسرة لشقراء. بينما يشير شقيق الفقيد الدكتور عبدالله الحمود إلى أن من أسباب انتقال الأسرة لشقراء التجارة وطلب الرزق، إضافة لإكمال الدراسة لعدد من الأبناء.
بعد أن انتقل الفقيد مع أسرته لمحافظة شقراء أكمل دراسته الابتدائية والمرحلتين المتوسطة والثانوية في محافظة شقراء، وتخرج من المعهد العلمي بشقراء.
بعد ذلك انتقل من محافظة شقراء إلى مدينة الرياض في حدود عام ١٤٠٠ هـ؛ وذلك لاستكمال المرحلة الجامعية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود (قسم اللغة العربية). وخلال دراسته الجامعية كان ينظِّم وقته بين الدراسة والعمل؛ إذ كان يدرس صباحًا في الجامعة، ويعمل مساء موظفًا في التأمينات الاجتماعية. واستمر في العمل في التأمينات الاجتماعية ٣ أعوام، وترك العمل فور تخرجه من الجامعة عام ١٤٠٣هـ.
الحمود بعد التخرج
بعد التخرج عام 1404 هـ، وأثناء قيام الحمود برحلة إلى تونس، التقى الحمود زميلاً له أيام الجامعة، هو عبدالله الفردي، على متن الطائرة. وفي هذا اللقاء عرض عليه الفردي الانضمام إلى فريق التلفزيون السعودي في وظيفة رسمية، وطلب منه أن يزور مقر التلفزيون بعد العودة من السفر. وفعلاً استجاب الحمود لدعوة صديقه، وبعد عودته من السفر توجه إلى مقر التلفزيون. وبعد عمل تجربة لقراءة نصوص من الأخبار لاختبار اللغة والأداء تمت الموافقة المبدئية، وأخذت المعاملة أسبوعًا من الانتظار لتنتهي بالموافقة على التعيين.
رحلته مع الإعلام
بدأ الحمود عمله بالتدرب لمدة 20 يومًا، ثم انتقل إلى الهواء مذيعًا فترة ربط برامج وغير ذلك لمدة أربعة أشهر، وبدأ بعدها تقديم مواجيز الأخبار، ثم انتهى بعد عام إلى تقديم نشرات الأخبار. ولم يطل الحمود على شاشة القناة السعودية وحدها، بل عمل لمدة 18 عامًا مراسلاً متعاونًا لقناة “إم بي سي” في الرياض، مع بقاء عمله في التلفزيون السعودي. وبعد فترة من العمل المكثف، وتحت ضغط العمل، وجد الفقيد نفسه غير قادر على الجمع بين العمل في التلفزيون السعودي وقناة “إم بي سي”؛ فتفرغ للتلفزيون السعودي.
وإلى جانب العمل في التلفزيون عمل الحمود في المجال الخاص قبل تقاعده بـ27 عامًا، واستمر فيه حتى وفاته -رحمه الله-؛ إذ كان يدير مكتبة إعلامية، تهتم بالإنتاج والتعاون مع القنوات الفضائية، وربط القنوات مع محللين سياسيين، وإنتاج الأفلام والبرامج وحملات التوعية.
مناصبه الإعلامية
عمل الحمود في التلفزيون السعودي ٣٤ عامًا؛ إذ التحق بالتلفزيون السعـودي عام 1403هـ حتى تقاعده المبكر عام ١٤٣٧، وعمل خلال تلك الفترة مديرًا لمكتب مستشار البرامج، والمدير العام للتنفيذ والإشراف المباشر على مهام الإدارة لمدة 18 سنة، من عام 1404 هـ إلى عام 1422هـ. كما تولى مسؤولية إعداد جداول المذيعين في القناة الأولى، وتقديم نشرات الأخبار في التلفزيون بالقناة الأولى، إضافة لعمله مراسلاً لقناة MBC في الرياض سنوات عدة.
أعماله الإعلامية وبرامجه التلفزيونية
خلال ٣٤ عامًا تنوعت مهام فهد الحمود على الشاشة بين نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية، وهي على النحو الآتي:
البرامج التلفزيونية:
قدم مجموعة كبيرة من البرامج التلفزيونية في القناة الأولى، منها “برنامج مع المزارعين” ٢٥ حلقة، وبرنامج “انطلق إلى الهدف” 30 حلقة، وبرنامج ” أهل الخليج” 20 حلقة، وبرنامج “أمسيات خليجية” 15 حلقة، وبرنامج “السعودية هذا الصباح” 15 حلقة، إضافة إلى النقل المباشر للمناسبات والمؤتمرات الداخلية لأكثر من 30 مناسبة.
النقل المباشر
قام الفقيد -رحمه الله- بالنقل المباشر للعديد من المؤتمرات والمناسبات، أهمها: مؤتمر القمة الخليجي (ثلاثة مؤتمرات)، ومؤتمر القمة العربي (ثلاثة مؤتمرات)، وحملة التبرعات للشعب الفلسطيني (مرتين)، وتغطية الحج (15 سنة)، إضافة للنقل المباشر لأكثر من 30 مؤتمرًا ومناسبة متنوعة.
تقاعده المبكر وأسبابه
تقاعد الحمود في عام 1437 هـ، وكان تقاعده مبكرًا بعام واحد قبل بلوغه الستين (التقاعد الإجباري)؛ ويعود السبب في الأمر إلى “شؤون إدارية كانت تزعجه” وقتها، حسب ما كشفه في لقاءات صحفية؛ إذ أكد أن الإدارة الجديدة في العمل كلفته بأعمال إدارية وتغطيات مسائية تتعارض مع عمله الخاص الذي كان يديره طيلة ٢٧ عامًا، ويتمثل في المكتبة الإعلامية.
الحمود مع رمضان
التقت “سبق” ابن الفقيد وليد فهد الحمود، الذي قال عن والده: “كان حريصًا على متابعة شؤون العاملين معه في مكتبه الخاص، ويحرص على تقديم وجبة الإفطار لهم طيلة شهر رمضان كل عام. لديه عادة لم يقطعها طيلة حياته، تتمثل في تقديم الهدايا لأفراد أسرته وأحفاده مع أول يوم رمضان، وعلى وجبة الإفطار”.
وأضاف: “كان محبًّا لجمعة العائلة، واجتماع الأسرة في وجبتَي الإفطار والسحور. كان قارئًا للقرآن الكريم بشكل دائم، ومحافظًا على التلاوة في كل يوم. كان محبًّا للصدقة طيلة العام، وفي شهر رمضان يكثر من ذلك، مع حرصه على أن يخفيها”.
وتابع: “خلال شهر رمضان تكثر رسائل المهنئين بالشهر الكريم، وكان يقول -رحمه الله-: لا بد من الرد على كل شخص كتب رسالة تهنئة. ويرى ذلك واجبًا أخلاقيًّا حتى لو كانت رسالة جماعية”.
أسرة الحمود: أولاده وأشقاؤه
أسرة الحمود أسرة علم وتميز؛ فشقيقه الأكبر محمد بن ناصر الحمود توفي -رحمه الله- وهو لا يزال يعمل مساعدًا لمدير تعليم البنات في محافظة شقراء، وشقيقه الآخر الشيخ الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود وكيل المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقًا، وعضو هيئة التدريس سابقًا بالجامعة. أما شقيقه الذي لازمه كثيرًا نظرًا إلى أنه الشقيق الأصغر منه مباشرة فهو الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود أستاذ الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم يأتي شقيقه الدكتور عبدالرحمن بن ناصر الحمود أستاذ اللغات والترجمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي توفي -رحمه الله- في أمريكا أثناء سفره لإنهاء مهمة علمية.
أما شقيقات الفقيد فالكبرى نورة بنت ناصر الحمود –رحمها الله-، ومنيرة بنت ناصر الحمود (تعمل معلمة)، ومنال بنت ناصر الحمود (تعمل معلمة) أيضًا.
أما أولاد الفقيد فالابن الأكبر وليد بن فهد الحمود (يعمل مديرًا لإدارة البيئة في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية)، وسامي بن فهد الحمود (يعمل معلمًا في المعهد العلمي بالدرعية)، وفيصل بن فهد الحمود (يعمل موظفًا في أحد البنوك التجارية).
فيما خلف الفقيد بنتين: نجلاء بنت فهد الحمود، وذكرى بنت فهد الحمود.
الحمود والشعر.. وآخر بيتين نظمهما
يقول ابن الفقيد وليد الحمود: “والدي كتب العديد من القصائد الشعرية بالفصحى والشعر الشعبي، وكانت كتابته للشعر في موضوعات متنوعة، ويقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعلق على ذلك بكل تواضع قائلاً: هي محاولات في كتابة الشعر، ولا أعتبر نفسي شاعرًا”.
وأضاف: “تدفع والدي بعض المواقف إلى أن ينظم الشعر. وتعتبر ممارسته الكتابة الشعرية هواية موسمية في لحظات معينة. وكان آخر بيتين كتبهما قبل وفاته بأيام قليلة:
راح الزمان وكل شي نسيناه ** لا تقلب الماضي تراني نسيته
ابن آدم المسكين تنسيه دنياه ** يأخذ من الحاضر بقايا نصيبه”.
ذكريات مع الفقيد يرويها شقيقه إبراهيم
يقول شقيق الفقيد الأكبر فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الحمود عن ذكرياته مع أخيه: “بعد التحاق أخي -رحمه الله- بجامعة الملك سعود سكن معي في (حلة ابن دايل) في الرياض لمدة عام، ثم انتقلنا إلى منزل للوالد -رحمه الله- في حي الشفا سنوات عدة، حتى استقل كل منا في سكن خاص بعد أن كبرت العائلتان. وسكنا في منزلين متجاورين لمدة عشر سنوات تقريبًا، ثم انتقلت أنا إلى سكني الحالي في حي القدس بالرياض، وانتقل أخي فهد بعدي بخمس سنوات إلى سكن في حي النزهة الشمالي بالرياض، وهو السكن الذي وافاه أجله فيه، أسال الله له المغفرة والرحمة”.
ويضيف: “تربطني بالأخ فهد -رحمه الله- روابط تجل عن الحصر، أخوية واجتماعية وعائلية وإنسانية. كنت أنا وهو نشكل ثنائيًّا ذا صبغة فريدة، يقل أن تجدها بين أخوَين في هذا الزمن. ومن أهم السجايا الكريمة بيننا خلق الإيثار والتعاون والتكافل والتسامح.. وقد استفدنا هذه الخصال الكريمة من والدنا -رحمه الله-؛ فهو المربي الفاضل الذي تعلمنا منه الكثير”.
وتابع قائلاً: “أبو وليد -رحمه الله- أكثر من شقيق، بل شقيق وشفيق وصديق -عليه رحمة الله-. وأنا أكثر إخوانه ملازمة له في طفولته وشبابه. وبعد انتقاله إلى الرياض للدراسة في الجامعة، خاصة في وقت توفي فيه الأخ محمد والأخ عبد الرحمن -رحمهما الله تعالى-، وسفر الأخ عبدالله إلى كندا لدراسة الدكتوراه في الإعلام، حتى بعد افتراقنا في السكن، لا تزال -والحمد لله- الروابط بيننا قائمة مدى حياته -رحمه الله-؛ فهو من المحبين للترابط الأسري وإقامة اللقاءات الدورية لجميع أفراد العائلة، وبفقده فقدنا ركنًا ركينًا لا يُنسى تغمده الله برحمته”.
مواقف يرويها شقيقه عبدالله
التقينا شقيق الفقيد الذي يصغره سنا، ولازمه كثيرًا، الدكتور عبدالله الحمود أستاذ اللغات والترجمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي قال: “شقيقي يكبرني بأربع سنوات، وحرسني أربع مرات عظام: الأولى تأخر عامًا في بدء الدراسة وعمره ست سنوات؛ ليبدأ في السابعة من عمره؛ ليس لشيء إلا ليحرسني من سوء ما أفعل بنفسي وأنا ابن الثانية”. ويضيف: “والثانية: اصطحبني وأنا ابن السادسة لأبدأ الدراسة في أول يوم لي في المدرسة؛ ليحرسني في الطريق الذي عبرناه مشيًا على الأقدام من منزلنا في حي (سديرة) في شقراء حتى مدرسة عمر بن الخطاب بالقرب من سوق (حليوة)، وظل يحرسني كل صباح حتى اشتد عودي”. وتابع: “الثالثة: في السنة الأولى في دراسة الجامعة عندما سكنت السكن الجامعي في الرياض قادمًا من شقراء كان يأوي إليّ في سكني بالبطحاء، ويحرسني من صدوف الغربة، ويعرض عليّ دومًا صحبته؛ إذ يسكن مع أهله في حي الشفا”.
وأردف: “والرابعة: عندما عدت من كندا أحمل دكتوراه الفلسفة في الإعلام، بعد سبع سنوات عجاف، أكلن ما قدمت لهن، أوجس في نفسه خيفة، ثم أقسم ليحرسني من صدوف الليالي، وطلب مني أن أطلب من جامعتي التعاون مع مكتبه للدراسات مستشارًا غير متفرغ، وأن يكلفني ببعض مهمات العمل، ففعلت”.
وأضيف: “تسألني عن أبي وليد؟!.. والله ما فقد أخ أخاه مثلما فقدته.. كان يناقشني بحدة في كثير من القضايا والموضوعات، ويقصد حراستي.. بالقدر الذي دفع ابني رائد يومًا إلى أن يقول، وقد نهرته لعراكه مع أخيه: (أنت للحين يبه تتهاوش مع عمي فهد). كان رائد الطفل حينذاك يرى صلابة عمه فهد في مناقشتي؛ فيظنها (هواش)، لم يكن يدرك حينها أن عمه إنما يريد أن يحرسني مما لا يراه الأصوب في أي شيء”.
وتابع: “تسألني عن ثرمداء وشقراء؟.. لم تكن ثرمداء أو شقراء أو الرياض سوى حواضر التقينا على ترابها.. لكن السكنى كانت في قلب كبير لا يعرف الكثيرون كم هو كبير.. وكم هو عظيم.. وكم هو سهل ممتنع.. رحم الله روحه وجسده.. وجمعنا به في عليين”.
وفاته
تُوفي الحمود في يوم السبت 16 يناير 2021 م الموافق 3 جمادى الآخرة 1442 هـ عن عمر ناهز 62 سنة، وصُلي عليه في مدينة الرياض، ودفن في مقبرة الشمال.