“نورة”.. “رسامة الظلام” عاشت المأساة فحولتها إلى قوة أوصلتها للنجاح
كم هو جميل أن تصنع من الألم أملاً، ومن المعاناة قوةً، ومن المأساة تفتح الباب على مصراعيه للنجاح لرسم خريطة المستقبل بوصلتها الطموح وتحقيق النجاحات، فهناك من يعيشون بالتفاؤل والإيجابية وعشق التحديات وقهر كل الصعوبات لتحقيق أهدافهم والوصول إلى مبتغاهم، حتى وإن كنت فقدت واحدة من أهم الحواس التي تعتبر الركيزة الأساسية في حياة الإنسان مثل حاسة النظر هي النور لحياتنا، فكيف عندما تعيش مع الإبداع وتحقق الإنجازات وأنت كفيف البصر؟ ذلك الذي جعل من المحنة منحة للعطاء والتغلب على المصاعب.
“سبق” في تقرير موهبتها اليوم تطوف بكم مع قصة من نوع متفرد في التحدي والإصرار لقهر كل الصعوبات.. نعيش مع الفنانة “نورة حمود” أو “رسامة الظلام” كما تحب أن تطلق على نفسها هذه التسمية من الواقع الذي تعيشه بعد حادثة حصلت لها وهي بعمر 4 سنوات، فأصبحت كفيفة البصر، ولكنها نسجت من تلك الحادثة بريشتها أجمل قصة نجاح وأروع خلط للألوان في موهبتها الفن التشكيلي، وشاركت في معارض داخلية ودولية حققت جوائز عديدة منها؛ الجائزة الأولى على مستوي المملكة لذوي الاحتياجات الخاصة من الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وقالت الفنانة نورة حمود: أنا فنانة تشكيلية أعشق كل ما يختص بالرسم والألوان كفن يقدم رسالة هادفة وجميلة، قدر لي منذ أن كان عمري 4 سنوات بأن أفقد بصري في عيني اليسرى، لأقرر حينها وبكل عزيمة وإصرار أن أجعل من هذه الحادثة مصدر القوة بعد الله لشق طريقي في سبيل تطوير موهبتي، وأجعل منها نافذة الأمل ومصدر النور لطريق النجاح، ليكون الفن التشكيلي هو موهبتي وقصة الإبداع في حياتي.
وتروي “نورة” قصة الحادثة التي حصلت لها، حيث قالت: منذ طفولتي وأنا أحب أن أعتمد على نفسي بكل شيء حتى بتحضير وجباتي، وبالأخص الآيس كريم المثلج سواء بالأكياس أو الكاسات، ونكهتي المفضلة هي البرتقال، ومرة قررت تحضير آيس كريم فريش حسب اعتقادي، فثلجت البرتقالة كما هي دون تقطيع، وبمجرد أن وصلت بدرجة التجمد تناولت السكين، وحاولت غرزها بداخل البرتقالة المجمدة، ورجعت فوراً بشكل عكسي لداخل عيني لتكون الفاجعة، وتبدأ المأساة.. حينها أظلمت الدنيا في عيني نعم، ولكن أدركت من حينها أن حياة “نورة” ستتغير.. أسعفوني فوراً للمستشفى، وبمجرد الكشف على عيني ألقوا باللوم على أمي؛ لأنها انتشلت السكين من عيني، ولكن كأم أو أي أم أجزم بأنه سيكون هذا هو تصرفها لتنقذ ابنتها؛ أجروا لي 12 عملية خارجية وبعدها حولوني لمستشفى متخصص للعيون، وقاموا بتشخيص الحالة، واكتشفوا أنهم في المستشفى الذي أسعفوني فيه منذ البداية ارتكبوا خطاً طبياً فادحاً، وهو عدم اكتشافهم وجود جرح داخلي، ليقرروا إجراء عملية لي بعد أن أكدوا لأهلي خبر أن نسبة نجاح العملية ضئيل، وذلك يعني أنني من الممكن ألا أستطيع الإبصار مرة ثانية بعيني اليسرى، لتجري بالفعل أقدار الله، ويحدث نزيف سبب عتمة وفقدت الإبصار في عيني اليسرى للأبد.
وأضافت: بمجرد خروجي من المستشفى أدرك أهلي أن ابنتهم ستتغير حياتها بكل شيء، ولا بد من تهيئتها وأيضاً يتكيفون هم مع هذا الوضع، وفي الحقيقة أنا نورة الطفلة استوعبت هذا الشيء قبلهم كلهم، فهمت أنني مختلفة عن باقي الأطفال من خلال كلامهم، ونظراتهم لي، وكانت هناك دائماً أسئلة توجه لوالدتي، وفي إحدى تلك المرات سمعت سيدة وكأنها تقدم مواساة لأمي بقولها: الله يعينك على ما ابتلاك، والله يكتب لها الممات اللي يريحك منها.. للأمانة لم أحرص على ذكر هذا الموقف السلبي معي في أي لقاء أو حوار معي، ولكن وجدت بالضرورة أن أتقدم لهذه السيدة برسالة شكر؛ لأنها حركت داخلي ربما الطاقة المكبوتة، وجعلتني أتخذ قرار التحدي وخلق المنافسة في مكنونات نفسي.
وأردفت “نورة”: فعلاً بدأت رحلة اكتشاف نفسي، وكان أكثر ما يجذبني وأستشعر معه المتعة من خلال إنجازاتي هو فن الرسم، وكنت دائماً ما أجد الثناء والإشادة على حسن خطي، ولكن كان ما ينجذب ميولي للأوراق الكبيرة البيضاء والألوان والرسومات وأيضاً بفضل الله حصلت على كل الدعم لتعزيز موهبة الرسم؛ من ناحية أخرى واجهت كثيراً من الانتقادات، وعبارات ساخرة، ولكن ما كنت ألقي لها بالاً.
وتابعت: في ظل هذه الظروف لا أخفيكم أن عيني اليمنى بدت الرؤية فيها تضعف بسبب الماء الأزرق، حتى وصلت لمرحلة العمى، ولكن هذا أيضاً لم يثنِنِي عن السير قدماً لتحقيق طموحاتي، فقمت بالاطلاع بشكل أكبر ومتابعة المعاهد والمراكز التي تخدمني وأستطيع من خلالها تطوير موهبتي في الفن التشكيلي لتخدمني، وبالفعل اندمجت في زيارة المعارض الفنية والالتحاق بالدورات التطويرية.
وقالت الفنانة “نورة”: استطعت لفت أنظار الجميع، ووجدت اهتماماً بي، وجذبت العديد من وسائل الإعلام، وعملت مقابلات تلفزيونية وصحفية… كل هذه المغريات دفعتني للتفكير لتنظيم معرض يخصني وأعبر فيه عن رسالتي وموهبتي عن طريق ريشتي وخلط الألوان في لوحاتي، ولتحقيق حلمي بتنظيم معرضي الخاص، وهذا كان أجمل ما حققته “رسامة الظلام” نورة التي فقدت البصر من 20 سنة.
وتحدثت عن مشاركاتها في عدد من المعارض الفنية الداخلية والدولية؛ منها معرض في دبي “يوم العلم”، ومهرجان الفن التشكيلي العربي الثاني في صلالة، وشاركت في معرض بدولة قطر، وشاركت في معارض الرياض منها معرض زري ومعرض منتجون، ومعرض “قيم” ومعرض المسؤوليات الاجتماعية الثالث ساهمت في مشروع ”أناملي ”الذي يعنى بالرسم البارز للمكفوفين تحت شعار ”أرى بأناملي ”كذلك قدمت دورات تدريبة في جمعية المكفوفين الخيرية، حيث قالت: لقد أضافت لي هذه التجربة الكثير من النضج الفني.
وشاركت في عدد من المسابقات وحصدت جوائز فنية منها حصولي الجائزة الأولى على مستوى المملكة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي نظمتها جامعة الملك سعود وبرعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز، ونلت هذه السنة جائزة في مسابقة عمار بوقس وأيضاً جائزة أفضل مشارك من أعمال طلاب وطالبات مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة بالمعرض “36” لطلاب وطالبات أعضاء هيئة التدريس.