الأخبار المحلية

كانوا معنا.. “مستور العصيمي” أسد المحاورة لـ 7 عقود في الساحة الشعرية

29 من جمادى الآخرة من عام 1442 هـ كان يومًا حزينًا على ساحة الشعر الشعبي والشعراء بفقد “مستور بن تركي العصيمي” -رحمه الله- بعد 70 عامًا قضاها في خدمة وطنه وساحة المحاورة مخلدًا إرثًا في الموروث الشعبي لن تنساه الأجيال، ولقبه الشعراء بـ”أسد المحاورة” و” شاعر عتيبة”.

“كانوا معنا” يسلط الضوء على الراحل الشاعر مستور العصيمي -رحمه الله- الذي وافته المنية يوم الأربعاء الموافق 29 جمادى الأولى قبل ثلاثة أشهر، بعد صراع مع المرض، تاركًا وراءه الكثير من معاني الطيبة والكرم والمواقف الإنسانية التي تشهد له بحسن سيرته والتي حافظ على نقائها حتى مماته.

فمن مساعدته لعامله السوداني، وسداد مستحقات المستشفى التي تتعالج فيه زوجته، إلى إنقاذ مواطن من غياهب سجون صنعاء؛ مشاهد إنسانية كثيرة تدل على ملامح شخصية الراحل.

السيرة الذاتية
قال منصور العصيمي ابن شقيق الراحل لـ “سبق”، إن الشاعر مستور العصيمي ولد عام 1351 هـ في وادي بسل في الطائف في سن السادسة، والتحق بمدارس الكتاتيب في وادي بسل وتعلم القراءة والكتابة، ثم التحق بالمجاهدين التابع لوزارة الداخلية وهو بعمر 25 عامًا.

وعن بدايات رحلته مع الشعر يقول منصور العصيمي: “في عام 1370 هـ دخل الراحل في المحاورات الشعرية وهو في العشرينات من عمره من خلال المحاورات الشعرية التي تُقام في المناسبات والأعياد مع شعراء القبيلة، وكذلك مع شعراء القبائل المجاورة لنا، حتى بزغ نجم الراحل بين أوساط الشعراء، وأصبح معروفًا بين شعراء منطقة الحجار، ومن بين عمالقة المحاورة في المملكة العربية السعودية؛ لذا يعد من أقدم شعراء المحاورة في السعودية والخليج، وله مشاركات عديدة في “مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة” ومحاورات “المغترة”.

وواجه “العصيمي” في ميادين المحاورة عددًا كبيرًا من فطاحلة الشعراء، أمثال: مطلق الثبيتي وأحمد الناصر الشايع وصياف الحربي وجار الله السواط وشليويح المطيري وعبدالله المسعودي ومحمد الجبرتي ومعيض العجي ورشيد الزلامي ومحمد بن جرشان وخلف بن هذال وفيصل الرياحي وغيرهم.

ذكريات الراحل في رمضان
ويوضح منصور العصيمي أن للراحل طقوسًا ورغبات لا يتنازل عنها، ويحرص على وجودها في مائدة إفطاره بشهر رمضان، كالسمن البري والدخن مع التمر وكذلك السوبيا، وكان يحب الاجتماع العائلي، ويحرص على التواصل في الشهر الكريم بدعوة الجيران والأصدقاء للإفطار معه.

سيرته الاجتماعية
وأكد ابن شقيق الراحل أنه تزوج في حياته مرتين الأولى في عام 1388، وأنجب ابنته البكر، ثم توفيت زوجته مع ابنتها بعد مرور عام، بعد أن أصابهما مرض، وتزوج زوجته الثانية عام 1391 هـ في مكة المكرمة، وأنجب ثلاثة أبناء، هم: تركي وسلطان وعبدالله، وخمس بنات.

إنسانيته ومواقفه النبيلة
وذكر منصور العصيمي، ابن شقيقه، أحد المواقف النبيلة والتي يرويها لأول مرة، قائلاً: “طلب مني الشاعر مستور العصيمي ذات يوم أن أذهب معه إلى موقع تربية الأغنام الخاصة به، وعندما وصلنا إلى الموقع وجد راعي الأغنام وهو من الجنسية السودانية، واستقبلنا وكأنه على غير عادته، وقال له الراحل: ماذا بك مهموم اليوم؟ ورد عليه العامل بأن زوجته ولدت بنتًا في مستشفى خاص، والحمد لله صحتهما جيدة ولا يستطيعان الخروج من المستشفى بسبب عدم سداد مستحقات المستشفى، وما إن سمع ذلك حتى أخرج من محفظته 3 آلاف ريال وناوله المبلغ وقال: “بس هذا الذي متعبك! أخرج زوجتك من المستشفى”، الأمر الذي أدخل السرور على العامل في موقف إنساني ولفتة كريمة للشاعر مستور العصيمي”.

وقال محمد بن شاعي العصيمي والذي أشرف على تكريم الشاعر مستور العصيمي -رحمه الله- قبل ست سنوات في مدينة الطائف: إن فقيد الساحة الشعرية كان يتمتع بشخصية اجتماعية، وتجتمع فيه جميع الصفات الحميدة التي يتمنى كل رجل أن يتحلى بها، وكان كريمًا وصادقًا وحريصًا على الحضور في مواعيده لا يخلفها، وكان يقدر الكبير والصغير، ولَم يكن تكريمه مجرد تكريم عادي، ولكن حطم أرقامًا فلكية في الحضور، وفِي مبالغ الدعم، وتحدثت عنها جميع القنوات الفضائية، وهذا دليل على حب المجتمع له، ويطول الحديث عنه، ويحتاج إلى صفحات ومساحة كبيرة حتى نتحدث عن هذا الرجل -رحمه الله-، الذي اتفق على محبته وأدبه جميع أهل الشعر والشعراء من دون استثناء، له منزلة تقديرية لديهم حتى إن الشاعر الكبير حبيب العازمي دائمًا يقول: أنا تلميذ لهذا العملاق، وأيضًا يقول حبيب في بيت شهير:
اليا منه وقف مستور يكفي دون برقا وروق
لو ان القوم سد القوم رجليه وخياله.

قصة إطلاق سجين سعودي باليمن
وقال الشاعر المعروف حبيب العازمي: إن الشِّعر فقد علمًا من أعلامه فقد كان -رحمه الله- مدرسة في الأخلاق والشعر والرجولة والكرم، وكذلك في ميدان المحاورة كان فارسها المتمكن وشاعرها المجيد الذي يجيد الفتل والنقض بطريقة عجيبة يدهش بها الحاضرين ويشد انتباههم، وكان ندًا قويًا في ميدان المحاورة، فهو شاعر نادر، وكان صديقًا حميمًا للجميع، والكل يحترمه؛ نظرًا لما يحمله في داخله من صفاء ونقاء وطيب الخلق وحسن التعامل مع الجميع، رحم الله مستور الذي له مكانة كبيرة في قلبي، وقد جمعتني به أكثر من محاورة، فهو شاعر يجيد الشِّعر ويعطيه حقه بكل ما تعنيه الكلمة، وأشعاره تتسم بالرجولة والحكمة والجزالة حتى لقبه الشعواء بـ”أسد المحاورة وشاعر عتيبة”.

وأضاف: “حول المواقف الإنسانية فهي كثيرة أذكر منها وحدثت تحديدًا في التسعينات الهجرية، وكان الشاعر مستور العصيمي يعمل على التاكسي وموجود في مدينة صنعاء باليمن، وذكر له أن أحد السعوديين من قبيلة “يام” مسجون في أحد سجون صنعاء والسبب كيدي، وكان السفير السعودي بصنعاء الأمير مساعد بن أحمد السديري -رحمه الله- وقبل أن يكون سفيرًا كان أميرًا لمنطقة تبوك، ولم يكن الشاعر يعرف السفير إلا بالذكر، وذهب لموقف مخصص لسعوديين في صنعاء، ووجد أبناء عمومة السجين، وسألهم عن القصة، ثم أخذ المعلومات وذهب لمقابلة السفير السعودي، وعندما سمح له بالدخول وأقبل على السفير، قال في بيتين من الشعر:

سلام يا المأمون مأمون الملوك
هدية تهدى عليك بلا ثمن

بغيت أزورك عام الأول في تبوك
واليوم زرتك وأنت في صنعاء اليمن

وأردف: “ثم استقبله السفير “السديري” وشرح الراحل قصة السجين اليامي، وقال: ساقني إليك وطنيتي، ولأن السبب في سجنه أمر كيدي، وبعد ذلك اتصل السفير الأمير مساعد بن أحمد السديري على رئيس الجمهورية اليمنية آنذاك إبراهيم بن محمد الحَمْدي، وبعد توضيح الحقيقة وملابسات القضية؛ الأمر الذي أثمر بإطلاق سراح المواطن، وفي أقل من ساعتين تم إحضاره إلى مقر السفارة، وخرج مع الراحل، وأتى به إلى أبناء عمومته في الموقف، وثمن ذوو اليامي موقف الشاعر مستور العصيمي النبيل، وسألوه: متى ستذهب إلى السعودية، وقال الشاعر: اليوم، وبعد وصول الشاعر مستور إلى منفذ الحدود السعودية، فاجؤوا ذوي المطلق سراحه، وألزموا الشاعر بأن يذهب معهم إلى منازلهم، وأكرموه وأهدوه وشكروه على موقفه الوطني والإنساني النبيل”.

من جانب آخر، قال الشاعر شاكر بن فطيس الحارثي: “قابلت الشاعر الكبير مستور بن تركي العصيمي -رحمه الله- في إحدى الحفلات التي أقيمت في محافظة الطائف، وكان ذلك في عام ١٤٣٣هجري، كان نعم الرجل ونعم الموجه ونعم الشاعر، كان الأب الناصح والأخ الأكبر، كان الداعم القوي للشعراء المبتدئين، ويمتلك الروح الرياضية في إدارة الحوار، ووضع النقاط على الحروف، استفدت من وجوده في تلك الليلة، وكانت لي بمثابة الإنجاز العظيم الذي طالما تحقيقه، وبرحيله فقدت الساحة الشعرية مدرسة من مدارسها العظيمة، وركنًا من أركانها الذي لا يقوم أحد بسد فراغه حتى قيام الساعة. رحم الله الشاعر الكبير مستور العصيمي”.

رحل الشاعر مستور العصيمي وخلد في ذاكرتنا الكثير والكثير من جماليات الأخلاق والكنوز والمعاني الشعرية التي لن يمحاها الزمن، رحمه الله رحمة واسعة، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.