المقالات

المطبلون وصناعة الفساد

 

 

عندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه خلافة المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان مما قال رضي الله عنه في بداية خلافته : “أما بعد أيها الناس، فإني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني …” ،هذه الأخلاق وهذا النهج هو ما تعلمه أبو بكر الصديق وبقية الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال التعامل المباشر معه، وهو الذي يقول “أن الدّين المعاملة”، وعلى هذا النَّهج سار الخلفاء الراشدون من بعده .

مع تواتر الخلافة في العصور الإسلامية كانت سياسة النصح والنقد للمسؤولين هي تلك العين التي يرى فيها هذا المسؤول مواطن القصور في العمل ، والأذن التي يسمع فيها عن مكامن الخلل؛ محاولاً حلّها وتصحيحها بما يهم المواطن ويعود إليه بالخير .

وضمن سياسة دولتنا العظيمة التي أسسها ورسم نهجها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -غفر الله له- وسار عليها من بعده أبناؤه البررة ؛ قادة هذه البلاد يرحمهم الله ، وصولاً إلى العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وهو الذي كان يعرف “بمستشار الملوك”، أثناء ملازمته لوالده الملك المؤسس -طيّب الله ثراه-؛ من خلال استقبال المواطنين وتلمّس احتياجاتهم والاستماع لمطالبهم ومشاكلهم ومعالجة شكاواهم ورفع الظلم عنهم .

فقد عرف عن الملك سلمان منذ أن كان أميرًا على منطقة الرياض بأنه يحكم “بسياسة الباب المفتوح” والذي يمكّن للجميع زيارته ومقابلته ومن ثمّ متابعة مشاكل المواطنين بنفسه ، بل أنه وحتى بعد توليه لمقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية سعى لتعزيز هذا الأمر وبدأ به بنفسه من خلال مقولته (أن كل مواطن في بلادنا يستطيع أن يرفع قضية ضد الملك أو ولي العهد)، وشجع المواطنين على إيصال أصواتهم له بقوله (إذا شفتوا شيء يضر المواطن أبوابنا وتلفوناتنا وأذاننا مفتوحة لكل أبناء الشعب السعودي ).

كما وجّه حفظه الله بإنشاء “بوابة تواصل” ، والتي يتم من خلالها الرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين عن أي تقصير من أي جهة كانت، والنظر بما يعود بالنفع على المواطنين كافًة.

وأعطى ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- انطباعًا مبشرًا ومحفزًا للجميع ، من خلال كونه رجلٌ عملي، يتابع بنفسه العديد من المشكلات ويغوص في أعماقها سعيًا لحلها، ويميل للمكاشفة والمحاسبة وقدرته الفائقة على القيادة وقوة التأثير ، وهو الذي أعلن من باب الثقة والقدرة على محاسبة ومساءلة الجميع بقوله “لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًّا كان؛ سواء وزيرًا أو أميرًا، أيًّا كان”.

مع كل هذا الحديث وهذه النماذج المشرقة والتي يظهر من خلالها أعلى الهرم كتابًا مفتوحًا سهلاً في القراءة، سلسًا في التعامل ، سيفًا على الفاسدين والمفسدين ، يخرج إلينا مسؤول يخشى النقد ويحارب الناصحين .

بعض من المسؤولين يرحبون بالثناء والمبالغة بالمدح “وهما أمران تألفهما النفس البشرية” ويمتعضون من النقد والمكاشفة، ويسعون قدر استطاعتهم بعدم الرّد والسرعة في تقديم الشكوى على الناقد ، رغم أن النقد يكون على العمل لا العامل .

النقد المتزن والواعي ضرورة وطنية يسعى من خلالها الناقد إلى تبيان مواضع الخلل والخطأ لعلاجهما بهدف تجويد العمل والذي يصب مباشرةً في صالح تطوير الوطن وتعزيز رؤيته ، وفي المقابل ليس الهدف من النقد تتبع العثرات والأخطاء، ولا الجرح والتحطيم .

يقال بأنه عندما يكون المستهدف وطن يصبح الحياد خيانةً ، والصمت تواطئ !

يقول الدكتور حمود أبوطالب: «هناك مسؤولون لا يحسنون الفصل بين ذواتهم وإداراتهم، ويعتبرون أي نقد للإدارة موجهًا لأشخاصهم، وهذه إشكالية لابد أن يتخلّص منها كثير من المسؤولين».

 

همسة مسموعة :المطبلون أشدُّ خطرًا على الدولة من المسؤول الفاسد .