المقالات

إضاءة على كتاب (خالي كريّم للمؤلف: مريح المريح)

 

 

يقال في الأثر: ( الخال والد) وهذا ما أثبته الأستاذ: مريح المريح عندما قدّم لنا كتابه: (خالي كريّم) الذي انتهج فيه (خير الكلام ما قل ودل) فتحدث بشكل مختصر عن سيرة ومناقب ومواقف وقصص عاشها الرجل الكريم عبدالكريم بن عبدالمحسن بن صليع الدرعان الذي ولد في سكاكا عام 1348هـ وتوفى فيها عام 1432هـ .

نشأ (كريّم) في كنف والده في حي العوينة باللقائط ، وتعلّم في الكتاتيب على يد الشيخ: فيصل المبارك الذي الذي أحدث ثورة معرفية في المنطقة وكان لهزالفضل في تعليم كثير من طلاب العلم فيها.

وكان لصعوبة الحياة في ذلك الوقت الأثر في جعل (كريّم) يتنقل من مكان لآخر للبحث عن سبل العيش؛ فالتحق في العمل بمهنة البناء لدى شركة أرامكو في عرعر ولم يستمر طويلاً حيث هاضت شجونه واشتعل شوقه لأهله عندما غرد بالقرب منه طائرا فقال مخاطباً الطير:

 

يا طير يا مومي الجنحان

سلم اليا جيت شيابي

 

قله على شوفهم شفقان

ومن الشغل خاطري طابي

 

ومن المواقف المؤثرة التي أثرت عليه في شبابه عندما احتاج مبلغا من المال فطلبه من والده فقال له : (اللي بعمرك يعطي أبوه ولا يأخذ منه)، فكان لهذه الكلمة وقعها في نفسه وعزم على الرحيل لطلب الرزق، فعاد إلى عرعر ووجد رجلاً يبحث عن من يوصل أغنامه من عرعر إلى الأحساء مقابل مبلغاً من المال فعمل لديه راعياً متوكلاً على الله غير آبه بما يصادفه من وحوش الصحراء، متأملاً أن يجد عملاً هناك فلما وصل الأحساء لم يجد عملا فاضطر للرحيل إلى قطر وألتقى أمير قطر الشيخ قاسم آل ثاني أثناء رحلته في البحر فأعجب به وعمل لديه معلماً لأبناءه القرآن، ومستقبلا لضيوفه في ديوانه مدة من الزمن، ثم عاد إلى سكاكا واستقر في العمل موظفا في كتابة العدل حتى تقاعد.

كان (كريّم) محباً للمجتمع من حوله يحب خدمتهم ولطالما تحدث باسم أهالي الجوف للمطالبة بما تحتاجه سكاكا من خدمات.

والكتاب حافل بقصص الكرم بالرغم من الحاجة نستذكر خلالها القول المأثور: ( الكريم مْعان) أي أن الله يعينه في أصعب المواقف وما ذاك ببعيد. فقد ذكر قصة أحد الرجال في مطار الرياض عندما أراد أن يسافر واكتشف في المطار أن هناك خلل تسبب تأكيد حجز شقيقته فقط وبين شد وجذب مع موظف المطار لعدم وجود مقاعد شاغرة وقف كريّم وقدّم له بطاقة صعود الطائرة التابعة له وقال اذهب وأنا غداً سوف الحق بك عندها أراد الخروج من المطار ولا يدري أين سيذهب فهو لا يملك من المال شيء لأجرة الفندق ولا أجرة المواصلات وبينما هو في تفكير عميق إذا يرسل الله له الفرج فيجد شخص على بوابة المطار يريد أن يسافر وكان قد استدان منه من قبل فأوقفه وروى له ما حدث وطلب منه أن يسدد ما يستطيع من دينه الذي يطلبه إياه فكان له ذلك.

كما أن (كريّم) كان يتعرض لمواقف صعبة ومحرجة منها أنه تكبّد عناء السفر من سكاكا إلى حائل لمقابلة رجل استدان منه مالاً وعندما طرق بابه خرج منه طفلاً يبكي ويقول أبي في السجن فردت عليه امرأة خلف الباب أن زوجها قد دخل السجن لعدم سداده مبلغ (40)ألف ريالاً لرجل آخر وهي نفس المبلغ الذي استدانة منه من قبل فأخذته النخوة للذهاب إلى السجن وكفالة الرجل كفالة غارمه على أن يسدد المال لاحقا واصبح بذلك طالبا لحق ومطلوب لحق آخر، غير معتبراً من قصة أخرى حدثت له عندما كفل أحد الأجانب على مبلغ ماليا وأخرجه من السجن وهرب الأجنبي لوطنه وترك خلفه كفيله معرضا للسجن جراء الفزعة .

وسبحان من زرع القبول في قلب من يقابلهم (كريّم) فيسهل الله على يديهم ما جاء من أجله فهو دوما يؤثر الآخرين على نفسه، ومن أطلع على الكتاب سيجد قصصاً أخرى أكثر جمالا، ختمها المؤلف بجمع عدد من الشهادات الشفهية لرجال عاصروا (كريّم)، كما الحقه ببعض الوثائق والمستندات .

يعتبر هذا الكتاب صفحة من صفحات تاريخ أحد أعلام الجوف كان للروايات الشفهية الفضل في حفظها وبقائها في الذاكرة وكم نحن بحاجة لمثل هذه القصص وهذا التوثيق ليستفيد الجيل القادم من تلك الصعاب التي عاشها الآباء والأجداد.

 

كتبه:

محمد بن حلوان الشراري

محافظة القريات