المقالات

الشيخ: محمد بن ناصر العبودي.. من المحبرة إلى المقبرة

عرفت الشيخ محمد العبودي للمرة الأولى عندما كنت في معرض الرياض الدولي للكتاب حين مررت بدار الثلوثية للنشر وشد انتباهي الازدحام عندها فوقفت استطلع الأمر فوجدت الشيخ: العبودي يجلس على كرسي يتحدث لمن حوله ويجيب على أسئلتهم بكل أريحية وإخلاص، من خلال ذلك عرفت أن هذا الرجل يملك مخزوناً ثقافياً قيّماً، فلكل حديث تجد عنده حادثة، ولكل موقف ٍتجد عنده شاهد، ولكل رحلة تجد عنده قصة، لقد نذر العبودي حياته في سبيل خدمة العلم والدين الإسلامي والدعوة إلى الله متنقلا بين دول العالم داعية بأسلوب يجذب ولا ينفر.
كما سخر قلمه لتدوين الأحداث التي عاشها والتي مر خلالها على البلدان، كما دوّن حياة مجتمعه بأسلوب جذاب، فكان القدوة المثلى في الأدب والثقافة، ونموذجاً مشرفاً للصبر والجلد في التأليف والنشر.
يعد رحمه الله من أغزر المؤلفين السعوديين إنتاجاً؛ إذ بلغت عدد مؤلفاته المطبوعة ما يقارب من 128 كتاباً، ومئة أخرى لاتزال مخطوطة، بالإضافة إلى برنامجه الشهير في إذاعة القرآن (المسلمون في العالم مشاهد ورحلات ) الذي كان له أثراً كبيراً وبصمة واضحة في نفوس المستمعين.

ولد العبودي في مدينة بريدة في عام 1345هـ، وتلقى تعليمه الأولي فيها على يد عدد من العلماء، ثم عمل مدرسًا، ثم مديرًا للمعهد العلمي في بريدة، ثم أصبح أميناً عاماً للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لثلاثة عشر عامًا، وفي وقت لاحق أصبح وكيلاً للجامعة نفسها ثم مديرًا لها، ثم شغل منصب الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، وقد أتاح له عمله في الرابطة زيارة معظم أصقاع العالم، وأثمر ذلك عن تأليفه لأكثر من مائة وستين كتاباً في أدب الرحلات ويكون بهذا قد حقق رقمًا قياسيًا في كتب الرحلات العربية.
حصل كتابه (معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة) على جائزة كتاب العام التي يمنحها نادي الرياض الأدبي في دورتها الثالثة 1431هـ 2010م، كما منح ميدالية الاستحقاق في الأدب عام 1394 هـ، 1974م.
والعبودي من أسرة تهتم بالتدوين والرواية فوالده يحفظ الكثير من القصص والروايات الشعبية، فكان لذلك الأثر على الابن محمد في رواياته وشغفه بالأدب الشعبي كما كان جده عبدالرحمن كان شاعراً شعبياً استفاد العبودي من بعض قصائده بالاستشهاد بها في بعض المواضع من كتبه.
قال عنه الشيخ: عبدالعزيز المسند: (لديه صبر وتحمل لا يشاركه فيه غيره، فتراه في الغربة يعيش على الكفاف ويتحمل التعب في نفسه وبدنه وصبره على أذى الناس، ويضع نفسه في المخاطر في أدغال أفريقيا أو غابات الأمازون، وأذكر أننا تعرضنا لأخطار مخيفة مثل وصولنا إلى مطار بلد في أمريكا الوسطى أثناء الليل ولا نعرف أين نذهب، فيسير بنا سائق السيارة في أدغال وظلام منذر بالخطر، ثم ينجينا الله وإذا قابلنا المسلمين في النهار حمدوا الله وقالوا لقد أنقذكم الله من موت محقق فهؤلاء مجرمون وأنتم غرباء وإذا علم أنكم من السعودية فالخطر أعظم.
وأذكر اننا وصلنا إلى (سلفادور) في أمريكا الوسطى بعد الساعة الثانية عشرة حيث ظروف الطيران تضطر لذلك وبعد شد للأعصاب أوصلنا السائق إلى فندق، ونحن متعبون فرمينا أنفسنا في غرفة بدون نور، ونمنا وفي الصباح اتصلنا بالمسلمين وهم قلة فعجبوا وقال: إن هذا الفندق مقر المجرمين.) وختم حديثه بقوله: (هو شخصية متميزة في كل أحوالها.. ولا يستطيع مسايرته والاستمرار معه في بلاد الله الواسعة إلا من هو مثلي في التضحية والجلد.. والله المستعان.)
رحل العبودي ولكنه سيبقى خالداً في ذاكرة التاريخ حتى وإن رحل جسده.

كتبه: محمد بن حلوان الشراري
محافظة القريات