المقالات

السعودية وطني وموطني

الوطن هي تلك الأرض التي إتخذها مجموعة من الناس موضعًا للسكن والعيش المشترك في ظل الإنتماء والولاء لهذه الأرض ، والبعض يعرف المواطنة بأنها ذلك الشعور النفسي والإجتماعي بالإنتماء والولاء لدى الأفراد ومعرفتهم بالحقوق والواجبات تجاه أوطانهم والشعور بالمساواة والحرية والمسؤولية الاجتماعية.

وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “عمَّر الله البلدان بحب الأوطان”. وقيل أيضا أن علامة الرشد أن تكون النفس لبلدها تواقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة. ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي: “وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخُلد نفسي”.، كناية عن أنه مهما بلغ الإنسان من منزلة خارج بلده اشتاق لها وأخذه الحنين إلى الموطن، فهو محفور في القلب المرتبط بالذكريات والأحداث.

وحب الوطن هو ذلك الشعور والإحساس الذي لا يُنكر لدى كل البشر، فهو غريزه متأصلة في النفوس؛ تحرك وتدفع المواطن للتعلق به، وهو أمر فطري يزداد يوما بعد يوم؛ حيث حنين الفرد لموطنه ومسقط رأسه، ولكل تفاصيل لحظات حياته على الأرض التي نشأ وتربّى عليها، وترعرع على ترابها، ونهل من خبراتها وخيراتها، وكيف لا والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة المنورة فقد أعطى نموذجا غاية في الروعة في حب الوطن؛ حينما وقف على مشارف مكة ينظر إليها متأسفا وحزينا وقال: “والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، وأحب أرض الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”. وفي الهجرة النبوية دروس كثيرة مستفادة من أهمها هنا هو حب الوطن والتعلق به.

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز “ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم”. والشاهد هنا في الآية الكريمة أنه ما فعل ذلك إلا عدد قليل منهم طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما لمسألة الوطن. وفي موضع آخر من القرآن الكريم في الآية الكريمة على لسان سيدنا إبراهيم والتي تدل على حبه لمكة المكرمة، قال تعالى: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذ بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر”. ويرتبط مفهوم الوطن بالمواطنة، وهو مفهوم نابع من حب الذات للوطن حتى يصبح هذا الحب قيمة ثابتة وراسخة، وهذه القيمة الثابتة الراسخة هي ما تمنح المواطن العديد من الخصائص الوجدانية التي تجعله متفاعلا مع وطنه روحا وقلبا فتوجه سلوكه ومعرفته وهويته واعتزازه بوطنه.

وتستند المواطنة إلى مجموعة من القيم التي تدل على حب الوطن ومن أهمها القيم النفسية والاجتماعية وهي قيم إعداد المواطن وجدانيًا وسلوكيًا واجتماعيا؛ ليندمج بفعالية وإيجابية في مجتمعه، وتفعيل التزامه بالروابط والعلاقات بينه وبين الآخرين. فبالنسبة للقيم النفسية: فهي تتضح في مظاهر متعدده كالانتماء والشعور بالهوية والقيام بالأدوار في أداء مسؤولياته، والتخلص مما قد يعكر صفو سلامه النفسي، وانعكاس ذلك على سلوكه الشخصي والاجتماعي، ويتضح ذلك أكثر في أن حب الأوطان من الإيمان؛ وذلك يعزز من الشعور بالأمان والاستقرار والراحة النفسية.

وهنا تتحقق الوطنية التي هي أعلى وأكثر عمقا من المواطنة؛ حيث تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، والتي تنبع من المشاعر الصادقة والعاطفة الجياشة تجاه الوطن والانتماء والارتباط به وبالأرض والعادات والتقاليد، والتفاني في خدمة الوطن؛ وهذه هي النتائج الملموسة من الوطنية التي تعود على الدولة بالتقدم والرفاهية والإنتاج.

وتقوم الأوطان بمراعاة وتمكين العديد من الجوانب لمواطنيها وتنمية العديد من الأبعاد المختلفة وتفعيل دور الحقوق والواجبات، فهي عملية تأثير وتأثر متبادل حبا في الوطن، ومن هذه الأبعاد:

1- البعد العقلي والنفسي للمواطن: كمشاعر الولاء والانتماء للبلد والشعور بالهوية والمسؤولية الاجتماعية.

2- البعد الاجتماعي: ويقصد به التفاعلات الاجتماعية والوصول لمرحلة الكفاءة فيها.

3- البعد الديني والأخلاقي: كالتسامح والحرية والالتزام والعدالة والمساواة بين الأفراد.

4- الحقوق والواجبات: كحفظ الملكيات العامة، والتعليم، وتوفير سبل الرعاية المتكاملة، واحترام النظام ومحاربة الانحراف والتطرف الفكري.

5- المشاركة المجتمعية: كتأدية الدور المجتمعي بإخلاص، والمشاركة الإيجابية في المجتمع، والمسؤولية المجتمعية.

حفظ الله بلادنا قيادة وشعبا، وأدامها شامخة عالية، وجعلها تحتفي بيومها الوطني مرارا وتكرارا في نُصرة ورفعة ومجد وتقدم وعزة على الدوام.

 

كتبه : الدكتور سعود بن ساطي السويهري

أخصائي أول نفسي