الحياة وتجارب الفقد
الحياة مليئة بالدروس والحكم التي نتعلمها من خلال تجارب الفقد التي نمر بها، وهي تذكير دائم بأننا جميعًا ماضون في هذا الطريق لا محالة. قبل شهرين، فقدت زوجتي وشريكة حياتي الغالية، عائشة الأفنس المزودي (أم فيصل) عائشة الأفنس المزودي أم فيصل، وكان فقدها مؤلمًا وموجعًا، لكنه لم يكن الأول في هذه السلسلة من الأحزان. قبلها، فقدت والدي الثاني، خالي دلي فرحان المزودي (أبا غازي) دلي فرحان المزودي أبا غازي، الذي كان لنا قدوة في الحكمة والعطاء والأخلاق العظيمة.
ويوم أمس، ودعنا المهندس الخلوق، صالح خليقان (أبا محمد) صالح خليقان أبا محمد، الرجل الذي لا يُنسى بتواضعه وابتسامته وخلقه الرفيع. لقد كان مثالًا يحتذى به في التعامل مع الآخرين، تاركًا أثرًا طيبًا في قلوب من عرفوه.
ومن أصعب الفواجع التي مررت بها ايضا كانت حادثة وفاة صديقي المبتسم الخلوق، بسام علي غايض الحمدان (أبو بتال) بسام علي غايض لحمدان مع أربعة من أفراد أسرته في حادث مأساوي قبل أسابيع. كان هذا الحادث حديث الناس في المنطقة، وكان وقع ألمه شديدًا على كل من سمع به. نسأل الله الشفاء العاجل لأبنائه الذين ما زالوا يتلقون العلاج في المستشفى.
تتابع هذه الأحداث الأليمة يجعلنا ندرك حقيقة الحياة، أنها ليست إلا أرقامًا مرتبة نعيشها حتى نصل إلى ترتيبنا النهائي ونلتحق بمن سبقنا. قال الله تعالى: **”كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”** (آل عمران: 185). ليس هناك من فرار من الموت، فهو حقيقة مؤكدة، والكل سيذوقه في حينه. فلنتذكر دائمًا مناقب من فارقونا، ولنستفيد من دروس حياتهم التي تركوها لنا. إنهم قدموا الكثير، وما قدموه يبقى عالقًا في ذاكرتنا ومؤثرًا في حياتنا.
هذه الحياة، كما نراها، ليست إلا رحلة قصيرة مليئة بالاختبارات والتجارب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: **”كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”** (رواه البخاري). وفي النهاية، نصبح جميعًا أرقامًا في دفتر الزمن. فلنحرص على أن تكون حياتنا مستعدة لهذا اللقاء الحتمي مع الله، نُحسن فيها إلى الله وإلى خلقه، ونسعى لترك أثر طيب وذكرى حسنة في قلوب من سيأتون بعدنا.
نسأل الله أن يتغمد موتانا وموتاكم بواسع رحمته، ويجعل مثواهم الجنة. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، ووسع مدخلهم، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.
نصيحتي لكل من يقرأ هذه الكلمات، أن يصبر ويحتسب، وأن يتذكر أن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار، وما علينا إلا أن نعمل لما يرضي الله عز وجل، ونتقرب إليه بالطاعات والأعمال الصالحة. قال الله تعالى: **”وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”** (البقرة: 155-156).
إن الموت حق، ولكن الحياة بعده هي ما ينبغي أن نركز عليه. إن صبرنا واحتسابنا لما أصابنا عند الله هو ما سيجعلنا نتجاوز هذه الابتلاءات، وفي ذلك خير عظيم لنا في الدنيا والآخرة. فلنجعل من حياة كل من فارقونا درساً لنا في الصبر والرضا بقضاء الله، ولنستلهم من مناقبهم ما يعيننا على السير على درب الخير.
في هذه اللحظات، ندعو الله أن ينزل السكينة والطمأنينة على قلوبنا وقلوبكم، وأن يلهمنا الصبر الجميل، ويرزقنا حسن الخاتمة. إننا في هذه الدنيا عابرون، فلنحرص على أن نترك وراءنا أثرًا طيبًا وذكرى عطرة، ولنكن من الذين إذا ذُكروا، ذكرهم الناس بالخير والدعاء.
الله يرحمهم جميعاً