مخطئ من ظن يوما ان للثعلب دينا
حياة البشر منذ فجر التاريخ مليئة بالحكايات والأساطير والحكم والأمثال التي ترددها الأجيال جيلا بعد جيل، ولدينا نحن أهل الجوف أرث تاريخي ضارب في أعماق التاريخ من القصص والحكم والأمثال التي تختزل سنوات خبرة وتجارب قد تكون في حكمة أو مثل شعبي أو حتى قصة قصيرة من وحي الخيال ، ومن هذه القصص الأسطورية قصة تتحدث عن مكر وخداع الثعلب وأنه لا يؤتمن أبدا .
تقول القصة الأسطورية أن ثعلبا في صحراء قاحلة يلهث يأكل الثرى من العطش هائم على وجه في الصحراء بينما هو يمشي وجد ضبعه ( أنثى الضبع ) مستظلة تحت شجرة فأستنجد بها وهو يلفظ أنفاسه في الرمق الأخير من حياته وتوسل إليها أن يدخل إلى بطنها ليشرب قليلا من الماء ثم يخرج فورا فوافقت الضبعة بعد أن أخذت منه مواثيق وعهود أن يخرج فور شربه وبالفعل دخل بطنها فشرب وبعد أن أبتلت عروقه وذهب ضماه وهو في جوف الضبعة نظر حوله فوجد بجانبه كبد وكلى وقلب الضبعة فما كان منه إلا أن بدأ بالتهام أحشاء الضبعة فعلا “مخطئ من ظن أن للثعلب دينا” لم يعلم هذا الثعلب الماكر الظالم أن عليه تدور الدوائر فماتت الضبعة بعد إن أطبقت عليه بمؤخرتها ومات هو أيضا.
الثعلب يرمز إلى الشيطان في بعض الأديان مثل المسيحية، ويشير إلى الخبث وسوء الطوية والنصب واللصوصية وكثير من الحكايات والقصص التي كتبت على منوال قصتنا أعلاه، فيعتبر الثعلب كائنا مشاغبا ومراوغا، ويتحول بسهولة بين الشكل البشري والشكل الكلبي. فهو يعتمد على الذكاء اكثر من الحركة.
وحتى يومنا هذا فإن التفوق على شخص ما هو مرادف لخداعة سواء النفسي والذهني او حتى الحركي.
فقد لعبت الأمثال الشعبية التراثية تأصيل العديدِ من القيم والمعتقدات الفضيلة، كثيرا منها لا يزال حيا بيننا ذا تأثيرٍ كبير.
إليكم هذا المثل المحلي من تراثنا وأرثنا التاريخي وله قصة ظريفة يقول المثل (أكال عوير الناس يزوزي بالقرب)
وهذا المثل يعني أن كل من أرتكب خطأ أو جرما فعليه تحمل تبعات هذا الخطأ والجرم ، قصة هذا المثل الخيالية الأسطورية تقول أن هناك قريه صغيرة أو جماعة لديهم حمار أجلكم الله ليس لديهم غيره يضعون عليه القرب (جمع قربه) لإحضار الماء من البئر، وفي يوم من الأيام أتى أسد فأكل حمار القرية ، فعمد أهل القرية إلى الإمساك بهذا الأسد وتربيطه ، وليس من السهولة امساك الأسد الا بالحيلة ، وتم وضع القرب على ظهره لإحضار الماء من البئر وضربه وهم يرددون (آكال عوير الناس يزوزي بالقرب).
ومن الأمثال الشعبية لأهلنا يقولون (الزول ولا شمات العدا) كلمة الزول مفردة هنا لكن في هذا المثل تعني مجموعة أشخاص ، هذا المثل في مجملة يعني أن التفاف أبناء العمومة حول أبناء عمومتهم في الافراح والأتراح يعطي مؤشر لكل مترقب ومتربص لقوتهم والتفافهم حول بعضهم البعض وهذا المثل مرادف بالمعنى للمثل الشعبي المصري الذي يقول (أفراحنا لأحبابنا) بمعنى أنه لا يشاركك أفراحك ويفرح لك إلا شخص محب ، لكن في العزاء والمصائب قد يشارك العزاء الصديق والعدو.
(الزول ولا شمات العدا) هذا المثل رغم بساطته إلا أنه عميق جدا في ما يرمي إليه وخاصة في النوائب والمصائب عندما تختلط الأمور ويؤتى بالحق ويراد به باطل عندما تقف مذهولا من أحداث ووقائع تضرب بكل الأعراف والشرائع عرض الحائط ، ويظهر لك رجال تقف موقف لا يقفه إلا الأبطال الشرفاء الكرماء النبلاء الذين عرفوا الله حق المعرفة فوضعوا مخافة الله نصب أعينهم فلا ينسى أصحاب الأيادي البيضاء ولا ينسى أصحاب المواقف المشرفة رجال رسو كالجبال الشاهقة رجال تشهد لهم المواقف والتاريخ ويبصم لهم بالعشرة .
التاريخ كفيل بتدوين وحفظ كل هذه المواقف المشرفة ولن يرحم أصحاب المواقف المخزية والمخجلة والمذلة التي تبقى محفوظة تحضر بحضور أصحاب هذه المواقف ، فالرجال معادن والمواقف تظهر لك معادن الرجال أعجبني كلام أكثر من رائع للدكتور عامر الهوشان عن معادن الرجال يقول فيه (لا يمكن قياس معادن الرجال بكثرة المال أو علو المنزلة والجاه أو المنصب فحسب)، فكم من أناس لم تزدهم كثرة أموالهم إلا بخلا ووضاعة ، وكم من آخرين لم ترفعهم مناصبهم ووظائفهم من درك البغي والظلم والدناءة ، وكم أظهرت الحياة النفيس من معادن بعض الرجال رغم فقرهم وتواضع منزلتهم .
أكثر ما يكشف حقيقة معادن الرجال ويظهر جوهر ما تكنه أنفسهم من أصالة أو خساسة وما تحمله شخصيتهم من قيم ومبادئ راقية أو مصالح ومطامع ومنافع مادية بحتة هي الشدائد والمحن والملمات، ومن هنا يمكن فهم قول الإمام الشافعي رحمه الله وهو يثني على الشدائد خيرا بقوله:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ … وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْدًا، وَلَكِنْ … عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي
لم تأت أصالة معدن بعض الرجال ونفاسته من فراغ، بل هي ثمرة فطرة إلهية سليمة تمت سقايتها بماء التربية على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور والتمسك بالقيم والمبادئ الفاضلة، وتغذيتها بالغذاء اللازم من العلم والفقه والآداب، ورعايتها الرعاية الدقيقة لحماية تلك النفس من علل الأخلاق وأمراض القلوب وما يخل بالمرء عامة ، فالصبر على مخالفة النفس والهوى والمثابرة على الالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه والتأسي بهدي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من اركان سلامة العقل والقلب والحياة .
يصعب معرفة ما تخفي الأنفس لكن معادن الناس تكشفها المواقف لا يكشف معدن الأصيل إلا المواقف فالرجال يعرفون أيام الشدائد لا أيام الموائد!!
فشكرا للمواقف التي تكشف لنا حقيقة البشر!
كما أن «المنح» تولد من رحم «المحن» فالرجال تولد من رحم المواقف.
المحنة تصنع الرجال ورغد العيش يصنع الوحوش كما قال فيكتور هوجو.
عودا على ذي بدء.
مخطئ.. من ظن يوما.. ان للثعلب دينا..
آسف على الإطالة وأهديك صديقي القارئ نهاية هذا المقال في هذه الأيام الشتوية الباردة كوب حليب دافئ بالزنجبيل.
محبكم / نايف بن ختام غنمان الشراري
الاساطير وامثلتها جرعةً وقائية
هكذا الانسان الانسان بمعني الكلمة ينصدم بمن يدعي انه انسان وهو ليس كذلك هو من انواع من تضمنتهم الاساطير والقصص المؤلفة والهادفة لمعالجة بعض الاسليب الخبيثة لمن يدعي انه انسان وهنا ذكرتني
بقصة المثل المشهور (مجير أم عامر ) ومن يصنع المعروف في غير أهله (يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر) وهناك مثلا اخر و يعطيك من طرف الساني حلاوة ويروغ كما يروغ الثعلبي. ولدينا مثلاً شعبي خاص بنا ( لا يغرك من بال الرجال بالك) مما تقدم وما تضمنه مقالك هيى عبارة عن جرعة وقائة لمن ينصدم من موقفاً بهذه الحياة القصيرة فلعلها تخفف على كل انسان نقي نبيل يخشى ربه بالسر والعلن ومن يدعي انه انسان وهو متنكر لصلة الرحم وللصداقة وللجيرة وللمعرفة والمعروف وللنبل والصفاء والنقاء فهو فاشل في حياته ومماته . تقبل تحيات اخوك محمد الحراث