وسائل التواصل الاجتماعي.. فاكهة بوجهين!

في عصرنا الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أشبه بفاكهة براقة، مغرية الشكل، تبدو مليئة بالفوائد، لكنها تحمل في طياتها سمومًا خفية قد تؤثر على الأفراد والمجتمعات. فمن جهة، قرّبت المسافات، وسهّلت الوصول إلى المعرفة، وخلقت فرصًا غير مسبوقة للتجارة والتواصل. ومن جهة أخرى، كانت سببًا في ضياع الخصوصية، وتعزيز المقارنات الوهمية، وانتشار ثقافة الاستعراض والتفاخر، حتى باتت تهدد تماسك الأسر واستقرار المجتمعات.
*الوجه الحلو للفاكهة.. الفوائد الظاهرة*
لا يمكن إنكار ما قدمته وسائل التواصل الاجتماعي من إيجابيات، ومن أبرزها:
• *سهولة الوصول إلى المعرفة*: فتحت أبواب التعلم والتثقيف للجميع، وأصبح الاطلاع على أحدث المعلومات والأخبار متاحًا بنقرة واحدة.
• *توفير الجهد والمال*: قلّلت الحاجة إلى السفر والتنقل، وسهّلت عمليات البيع والشراء، كما ساهمت في تحسين الخدمات الإلكترونية والتعليم عن بُعد.
• *تعزيز العلاقات الاجتماعية*: قرّبت المسافات بين العائلات والأصدقاء، وساهمت في إحياء العلاقات التي كادت تندثر.
• *حرية التعبير*: أصبحت منصة للتعبير عن الآراء والأفكار، مما أتاح الفرصة للأفراد للمشاركة في القضايا المجتمعية وإحداث التغيير ، دون إفراط أو تفريط .
*الوجه القاتم للفاكهة.. السموم الخفية*
لكن كما أن لكل دواء آثارًا جانبية، فإن لوسائل التواصل الاجتماعي أضرارًا لا يمكن تجاهلها، أبرزها:
• *ضياع الخصوصية*: أصبحت الحياة الشخصية مكشوفة، حيث يُشارك البعض تفاصيل يومياتهم دون إدراك العواقب المحتملة.
• *المقارنات الوهمية*: الصور المثالية التي ينشرها المشاهير والمؤثرون تخلق لدى المتابعين إحساسًا بالنقص، مما يولد مطالب مادية تثقل كاهل الأسر، أو عقدًا نفسية بسبب ملاحقة وهم الكمال.
• *تفكك الأسر*: مع انشغال كل فرد بعالمه الافتراضي، تراجع التواصل الحقيقي داخل العائلة، وحلت الشاشات محل الأحاديث الدافئة، مما أضعف الروابط الأسرية.
• *ثقافة الاستعراض والتفاخر*: تحول الكثيرون إلى أسرى للمظاهر، يسعون للفت الأنظار عبر إظهار حياة مترفة، ولو كان ذلك على حساب التزييف والاستدانة.
*كيف نوازن بين الفائدة والضرر؟*
الحل ليس في الهجر التام، ولا في الغرق في هذا العالم دون وعي، بل في تحقيق التوازن من خلال:
• *تنظيم الوقت*: تحديد أوقات معينة لاستخدام وسائل التواصل حتى لا تسرق الحياة الحقيقية.
• *التحقق من المحتوى*: إدراك أن ما يُعرض ليس بالضرورة الحقيقة، بل هو في الغالب صورة مُنتقاة بعناية.
• *تعزيز التواصل الواقعي*: إعادة الاهتمام بالعلاقات الأسرية والاجتماعية بعيدًا عن الشاشات.
• *حماية الخصوصية*: تجنب مشاركة التفاصيل الشخصية للحفاظ على الأمان الشخصي والأسري.
وسائل التواصل الاجتماعي فاكهة ذات وجهين، إن أحسنّا استخدامها، كانت وسيلة نافعة، وإن تركناها تسيطر علينا، تحولت إلى سم يسلب أوقاتنا، ويهدم قيمنا، ويفسد علاقاتنا. الحكمة ليست في هجرها، بل في إدارتها بوعي، حتى لا نجد أنفسنا نعيش في عالم افتراضي يسرق منا واقعنا الحقيقي.