محمد عصيد لم يكن مجرد مهندس…بل كان إنسانًا يهندس الاحترام قبل العمران

في حياة المدن، أسماء تكتبها المشاريع… وأسماء تكتبها القلوب.
وفي الجوف، كان هناك اسم لم يُكتب على لوحة، بل حُفر في الوجدان:
محمد بن عصيد الشراري – أبو سلمان، رجل لم يكن مجرد مهندس… بل كان إنسانًا يُهندس الاحترام قبل العمران.
كان من أوائل من وضعوا خريطة الجوف على الطاولة، لكن الخريطة التي رسخها في عقولنا لم تكن فقط إسفلتًا ومبانٍ… بل كانت اتزانًا في الفكر، وصدقًا في التنفيذ، وضميرًا في العمل.
لم يكن ينجز المشروع ليُقال: هذا من توقيعي… بل كان ينجز ليقول ضميره: هذا يرضي الله، ويُحترم في الأرض.
أبو سلمان، لم يكن مسؤولًا يُشار إليه، بل كان قيمة تمشي بهدوء.
لا تحتاج أن ترى توقيعه، لأن حضوره كان كافيًا.
كان إذا تكلم، فهمنا… وإذا سكت، احترمنا صمته.
لم يكن من أصحاب الوجاهات المعلنة، ولا من متصدري المجالس،
لكنه كان إذا دخل، استقامت له الهيبة دون أن يطلبها.
وإذا حضر، حضر معه الاحترام، وإن غاب، شعر الناس أن الكرسي الذي اعتاد الجلوس عليه فقد توازنه.
في بيته، كان المهندس الحقيقي…
يرسم لأبنائه خريطة الرجولة: الصدق أولًا، ثم التواضع، ثم أن تمضي في طريقك دون أن تؤذي أحدًا،
كان يعلمهم دون محاضرات، ويُربّي دون رفع صوت،
وكان يكفي أن يُقال: “أبوكم فلان”، لتُفتح لك الأبواب لا بالمجاملات… بل بالإجلال.
لم يكن الموت هو ما أوقف سيرته…
بل كان رحيله استراحة رجلٍ أتم مهمته، وترك الدنيا مرتبة كما ترك أعماله.
مشروعه الأخير لم يكن مخططًا، بل كان جنازةً حضرها الجميع، ليشهدوا أنه لم يُبنى فقط بالحجر، بل بالبشر.
ولم تكن الجموع التي ضاقت بها جنبات جامع الوالدين في سكاكا مجرد مُصلّين،
بل كانت سطرًا من سطور شهادة المجتمع على رجلٍ كان يسير بينهم كنخلة، لا تُؤذي، لكنها تُثمر.
ما خلّفه أبو سلمان ليس فقط عملًا… بل معنى.
ما تركه ليس سيرة تُذكر، بل قيمة تُتوارث.
وما كتبه في حياته لم يكن بقلم، بل بسلوك… والسلوك لا يُمحى.
فلأبنائه نقول:
ارفعوا رؤوسكم، فأنتم أبناء رجلٍ إن ذُكر… هزّ المجلس صمته،
وإن دُعي له، ارتفعت الأكف من القلوب، لا من الأعراف.
وما كتبنا إلا من عِظم ما رأينا، وما قيل إلا قطرة من بحر ما أنجز،
فرحم الله من جعل الرجولة خلقًا، والسكينة موقفًا، والبصمة صمتًا لا استعراضًا
اللهم ارحم أبا سلمان، وبلّغه الفردوس الأعلى،
اللهم اجعل كل من دعا له، وكل من كتب عنه، شاهداً له لا عليه،
اللهم اجعل كل أثر تركه، طريقًا له إلى جناتك،
واجعل أبناءه امتدادًا للنُبل لا للذِكر فقط
عميد م / لافي بن عايد المزودي
بارك الله فيك صدقت