المحتال المستريح

متى وكيف ظهر مصطلح { المستريح } وماهي ابرز قضاياه ومسببات انتشاره وهل موجود بالمملكة العربية السعودية ؟
يُشار في مصر بمصطلح «المستريح» إلى المحتال الذي يجمع أموال المواطنين بزعم استثمارها في مشاريع متنوعة، مع وعدهم بعوائد مالية ضخمة قبل أن يختفي بها بعيدًا عن الأنظار . ويُعزى إطلاق هذا اللقب إلى قضية أحمد مصطفى إبراهيم المعروف بـ«المستريح»، الذي أُلقي عليه القبض منتصف عام 2015 بعدما استولى على مبالغ طائلة تجاوزت الملياري جنيه من مواطنين زعمًا بتوظيف أموالهم في مشروعات ضخمة، مقابل فوائد شهرية مغرية، ثم اختفى عنهم بعيدًا بعدما نفدت قدرته على الوفاء بالتزاماته .
جذور الظاهرة وتطورها
ليست ظاهرة «المستريح» جديدة في مجتمعنا، بل جذورها أقدم من ذلك بكثير، إذ شهدت مصر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بروز شركات توظيف أموال مثل «الريان» و«السعد» و«الهدى»، التي جمعت مليارات الجنيهات من المودعين بهدف استثمارها مقابل عوائد مرتفعة، قبل أن تنكشف وتغلق بقرار حكومي بعد فشل إدارة الأموال وتبديدها في مضاربات لا تخضع لأي رقيب . وقد تركت تلك الشركات أثرًا عميقًا في الذاكرة الجماعية ، باعتبارها أول تجربة معروفة للاحتيال الجماعي على أموال المواطنين بحجة الربح السريع.
الأساليب والانتشار المعاصر
على مدار السنوات الماضية، تحول «المستريح» من رجل يجوب القرى والمدن إلى شبكة افتراضية تنشط عبر المحافظ الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يسوّق المحتالون وعودهم عبر إعلانات مدفوعة وترويج من خلال مجموعات مغلقة على فيسبوك وتليغرام . ويعتمد كثير منهم نموذج بونزي، فيدفع تعويضات أولية لضحايا سابقين بأموال من مساهمات جدد، ما يزيد من مصداقية المخطط حتى تتعطل الدائرة ويختفي بعد استنزاف أكبر قدر ممكن من الأموال .
تجليات على أرض الواقع
برزت خلال السنوات الأخيرة عدة قضايا صارخة، كان أبرزها «مستريح أسوان» الذي نجح سائقه المعروف باسم «مصطفى البنك» في الإيقاع بما يقرب من 15 ألف مواطن تحت وطأة الوعود بعوائد خيالية على استثمار الماشية والعقارات، قبل أن يفاجئهم بتوقف الدفع واختفاءه، ما دفع الأهالي إلى الاعتصام أمام أقسام الشرطة مطالبين باسترداد مدخراتهم . كما كشفت أجهزة الأمن في فبراير 2025 عن تفكيك شبكة دولية وراء منصة إلكترونية حملت اسم «FBC»، اتضح أنها استولت على مئات الملايين من الجنيهات عبر بيع «باقات استثمارية» مغرية تتراوح قيمتها بين ثلاثة آلاف ومئة ألف جنيه، مقابل مهام تسويقية وهمية يُفترض تنفيذها عبر التطبيق، قبل أن يُسدل المحتالون ستارهم في «العشاء الأخير» للضحايا  .
الدوافع والعوامل المساعدة
مسببات انتشار هذه الظاهرة بظل عدة عوامل، يأتي في مقدمتها انشغال المواطنين بحاجاتهم المعيشية والرغبة في تحقيق أرباح تفوق بكثير معدلات الفائدة المصرفية المتدنية، مما يجعلهم عرضة لأي فرصة توظيف تبدو في ظاهرها مربحة . وإلى جانب ذلك، يسهل استغلال الجهل المالي العام فيما يخص آليات الاستثمار، إضافة إلى الانطباع السلبي الذي تروّج له بعض الدعايات الدينية حول «ربا البنوك»، مما يدفع البعض إلى البحث عن بدائل يفترض أنها حلال وأكثر ينابيعًا للأمان المالي . كما ساهمت قلة التنظيم الرقابي على المحافظ الإلكترونية وشبكات المدفوعات الرقمية في تسهيل عمل المحتالين دون رادع قانوني فوري .
العواقب ومسارات المواجهة
إن تفاقم ظاهرة «المستريح» يعكس هشاشة الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية والرسمية، فضلاً عن التبعات الاقتصادية والاجتماعية للخسارة الجماعية في أموال المدخرين . وللحد منها، لا يكفي التشريعات التي تحظر جمع الأموال من الجمهور دون ترخيص ،بل يتطلب الأمر تعزيز آليات الفحص المسبق للشركات والمنصات التسجيلية لدى الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي  . ويأتي رفع مستوى الوعي المالي عبر حملات توعوية وإلزام المحتوى الدعائي بنشر تحذيرات قانونية ضمن الإجراءات الضرورية لحماية المواطنين من الوقوع في شراك المحتالين.
وقد ظهر المحتال المستريح في السعودية .
من أبرز الأمثلة في السعودية:
1. “مستريح العملة الرقمية”:
شهدت المملكة عدة قضايا احتيال مرتبطة بالعملات الرقمية مثل “بيتكوين” و”فوريفر” و”كيو إس تي”، حيث أنشأ بعض الأشخاص حسابات على منصات تواصل وجمعوا أموالًا من آلاف الضحايا بزعم استثمارها في تعدين أو تداول العملات الرقمية، ثم أُغلقت الحسابات فجأة واختفى أصحابها. وقد أصدرت النيابة العامة السعودية تحذيرات عدة من التعامل مع جهات غير مرخصة في هذا المجال.
2. “قضية المساهمات العقارية الوهمية”:
في بعض المناطق كجدة والطائف، ظهرت حالات لأشخاص ادعوا أنهم يملكون أراضي استثمارية، وجمعوا أموالاً من المواطنين بهدف تطويرها وبيعها بعوائد مرتفعة، لكن اتضح لاحقًا أن الأراضي ليست مملوكة لهم أو أنها مملوكة لأطراف متعددة، ما أدى إلى توقف المشروع وخسارة المستثمرين.
3. قضية “مستريح السيارات”:
أحد أبرز الأمثلة وقعت في المنطقة الشرقية، حيث قام شخص بجمع ملايين الريالات من المواطنين والمقيمين بزعم شراء سيارات فارهة من مزادات دولية وإعادة بيعها بعائد يتجاوز 30% خلال أسابيع. ولفترة من الزمن كان يدفع أرباحاً بالفعل، مما شجع مزيدًا من الناس على الإيداع، لكنه اختفى فجأة وتمت ملاحقته قضائيًا.
4. توظيف الأموال عبر “التسويق الشبكي”:
ظهر بعض المحتالين عبر ما يُعرف بـ”البيع الهرمي” أو “التسويق الشبكي”، وهو أسلوب يعتمد على إقناع الأفراد بدفع مبالغ معينة للانضمام إلى شبكة تسويقية مقابل الحصول على عمولات عند جلب أعضاء جدد، وهو أسلوب محظور رسميًا في السعودية دون الحصول على ترخيص .
الخاتمة
تظل ظاهرة «المستريح» جرس إنذار يذكّر بأهمية التثقيف المالي والرقابة الصارمة وسط التحول الرقمي الذي يتيح فرصًا كثيرة، لا يقابلها دائمًا تدخل رقابي فوري. ومن دون وعي جماعي وتطوير قانوني يضبط فعاليات الاستثمار الإلكتروني، سيبقى أفراد كثيرون عرضة لوهم الربح السريع، وخاسرين لأموال لا تعوّض.
💢 كتبه / مازن بن عبدالمصلح المليح