مدير مركز التميز البحثي في جامعة الإمام : الاستشهاد بآراء المتوفين من العلماء لا يكفي
أكد مدير مركز التميز البحثي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عياض السلمي، أن بعض الباحثين لا يعرفون خصائص البحث في المستجدات، بل هم مشكلة في ذاتها، إضافة إلى أن بعضهم لا يهتمون بالنصوص الشرعية، وإنما يكتفون بالنقل عن علماء لم يشهدوا عصرنا، مبينا أن الاستشهاد بآراء العلماء المتوفين من أكبر الأخطاء، بل عد البعض الأخذ عنهم غير جائز، مشيرا إلى أن التشدد والتمسك بأحد المذاهب أوقع الفقهاء في عدد من الأخطاء، ما جعل بعض الأحكام تجانب الصواب أحيانا، قائلا: «خرجنا من الندوة الأخيرة إلى ضرورة تشكيل لجان لمراجعة محتوى المناهج الدينية»، وأبان أن بعض الحقوق الزوجية، يرجع تحديدها إلى العرف الاجتماعي، مفصحا عن أن النساء أكثر استفسارا عن القضايا المعاصرة من الرجال… فإلى الحوار:
ما فكرة إنشائكم لمركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة؟
ــ نشأت الفكرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، حين رغبت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إنشاء مراكز بحثية متخصصة، فتصادف في تلك الحقبة خروج تصنيفات للجامعات، ظهرت فيها جامعات المملكة في ذيل القائمة، فحركت الصحافة وزارة التعليم العالي، حتى قررت الوزارة إنشاء مراكز بحثية في الجامعات، وبعدما قدمت الجامعات ما لديها، تولى محكمون عالميون النظر في المقترحات، وكان نصيب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مركزا من بين خمس مراكز بحثية تقدمت به، وهو ذات المركز الذي اقترحته، ويعرف بـ«مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة» ووقع عقده مدير الجامعة الدكتور سليمان أبا الخيل مع وزير التعليم العالي.
وإلى ماذا يهدف المركز؟
ــ هو يرسم منهجية سليمة تساعد المهتمين بالبحث في فقه القضايا المعاصرة، وذلك بالرجوع إلى نصوص الشرع ومقاصده، ولوضع قواعد بيانات تخدم الباحثين في القضايا الفقهية المعاصرة، فتوفر الوقت والجهد لهم، كما يهدف إلى توجيه اهتمام الناس بالفقه، وبيان قدرته على معالجة المشكلات العصرية ومتابعتها، وبيان حكم الشارع فيها.
ما الأخطاء التي يرتكبها الباحثون في مثل هذه المراكز؟
ــ عديدة، فالباحثون في الفقه الإسلامي كغيرهم من الباحثين في العلوم الأخرى، منهم المتمكن وغيره، علما أن البحث في القضايا المعاصرة يختلف في خصائصه عن البحث في المسائل الفقهية الخلافية، والتي بحثها فقهاء سابقون، وأما أهم أسباب الأخطاء التي يقع فيها البعض، عدم معرفتهم بخصائص البحث في المستجدات، وبالتالي لا يكون بحثهم منهجيا أو علميا، بل سيكونون مشكلة في ذاتها، إضافة إلى ما نلحظه من باحثين لا يهتمون بالنصوص الشرعية جيدا، ويكتفون بالنقل عن علماء لم يشهدوا عصرنا، علاوة على وجود باحثين لا يلتفتون إلى المقاصد ومآلات الأمور، وما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد. وصنف يهمل النص الصريح، بحجة العمل بالمقصد، وهذا فيه ادعاء بمعرفة الشخص بقصد الله.
الإلحاق تعسف أحيانا
قلت إن من الأخطاء النقل عن علماء لم يشهدوا عصرنا، أليس النقل عن العلماء الراسخين هاما؟ وأنت تصد عن مثل هذه القاعدة؟
ــ البعض كلما واجهته إشكالية حاول البحث في مسألة شبيهة تكلم السابقون عنها، ثم يلحقها بها، وهذا خطأ، فالإلحاق أحيانا فيه تعسف، وهو مثل من يقارن عقد شروط المصاحبة للبيع في هذا الزمن، بما وجد في العهد النبوي في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عصر الأئمة الكبار، فيلحقه به برغم عدم المشابهة، أو يحرم مسألة برغم ورود المنع فيها لا التحريم.
انتقدت الاستشهاد بآراء وأحكام العلماء المتوفين.. فلماذا؟ وهل هناك نصوص ممانعة للاستشهاد برأيهم؟
ــ نجد لعلماء أصول الفقه كلاما هاما في مسألة الأخذ من العالم الميت، فهناك من لا يجيز الأخذ عنهم، وهذا قول قوي، بينما تشير أقوال إلى عدم الاكتفاء بآراء الأموات من العلماء، لوجوب عرض المسائل المستجدة على علماء العصر، كونهم أقرب إلى إدراك حقيقة المسألة الواقعة، وأقدر على معرفة ما يحيط بها، وهنا أحذر من الخلط بين النصوص الشرعية الثابتة، والاجتهادات الفقهية، كون البعض يعاملون الأخيرة كالأولى، ويعتبرون نص الإمام كنص الشارع، ويقيسون ما لم يصدر فيه فتوى من المسائل على ما جاءت الفتاوى به، ولا يخرجون عن مذهب الشيخ أو الإمام، وهذا تقليد مذموم، وموجود منذ زمن بعيد.
تكتل الفقهاء
لماذا يتشدد البعض ويتمسك بمذهب معين، ويعتبر الخروج عنه جريمة كبرى، برغم وجود مذاهب فقهية أخرى؟
ــ منذ أن شاع غلق باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري، تكتل الفقهاء في مدارس فقهية منسوبة للأئمة المشهورين الأربعة، كونهم أشهر علماء بلدهم، وتولى طلابهم التدريس من بعدهم، وازدادت التعصبات لمذاهب الأئمة، حتى اعتبر البعض مخالفة أقوالهم أو الأخذ بمذهب غيرهم جريمة كبرى، وتفرع عن ذلك أمور عدة، فأصبح الأصوليون يتكلمون عن حكم الانتقال من مذهب لآخر، فمنعه بعضهم، وأجازه آخرون، وأصبح من مراتب الفقهاء المجتهدين «المجتهد في المذهب» وشاع هذا الأمر حتى أوقع فقهاء في أخطاء كبيرة.
ما الأخطاء الناجمة عن التمسك بمذهب معين؟
ــ وجد من ينسب للأئمة المتبوعين أقوالا لم يقولوها، كما كثرت المؤلفات التي تنسب للمذاهب، برغم عدم صحة نسبة بعضها للإمام العالم.
وهل عدم الأخذ عن العلماء المتقدمين، أو الاكتفاء بآرائهم، يعمل به الباحثون اليوم؟
ــ للأسف لا تجد له ذكرا في طرحهم، ولا في عمل المستفتين، بل تناقلوا فتاواهم دون دعمها بدليل، وبعضها ربما كانت في زمان ومكان وحال مختلف، والعجيب أن هناك من يذم التقليد تنظيرا، ويمارسه عملا، علما أن تقليد العلماء القادرين على الاجتهاد، أو التعصب للمذهب أمر مذموم، لأن البعض يقدم قول الشيخ على النص الصحيح أحيانا، قال تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساءوا أسأتم).
المحققون لم يغفلوا
هلا ذكرت لنا بعض الأحكام المنسوبة للمذاهب برغم براءتها ــ أي المذاهب ــ من ذلك؟
ــ بعض الكتب المنسوبة لمذهب الإمام أحمد أو الشافعي أو أبي حنيفة أو مالك بطريق القياس، أو بطريق مفهوم المخالفة أو غيره، بقيت في الكتب المخصصة لبعض المذاهب، لكن المحققين لم يغفلوا عن ذلك، بل تتبعوها، وبينوا عدم صحة نسبتها إلى الإمام، وأمثلة ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله، بأن بعض فقهاء الحنابلة قاس اتباع جنازة المسلم التي فيها منكر بحضور الوليمة التي تحوي على منكر، فبين ابن القيم خطأ هذا القياس، حيث فرق بين حق الميت في اتباع جنازته، وحق الداعي لوليمة العرس، فلا يسقط حق الميت، ولو وجدت معصية لعدم قدرته على منعها، وأما صاحب الوليمة، فيسقط حقه في إجابة الدعوة، إذا لم يمنع المنكر في عرسه، أيضا من الأمثلة ما نسب لأبي حنيفة من جواز قراءة القرآن بغير العربية، وإن استطاع قراءته بالعربية، لكن المحققين بينوا أن أبا حنيفة قاله في فترة ما، وذلك بعدما دخل كثير من الفرس في الإسلام، فأخذوا يقرأون القرآن بالعربية، قبل أن تنطلق به ألسنتهم، فيحرفون لفظه ويفسدون معناه، فأفتى بجواز قراءته بلغتهم، فلما تعودت ألسنتهم منع ذلك، علاوة على أن بعض فقهاء العصر وضعوا قواعد شرعية في غير موضعها، فأخذ بقاعدة سد الذرائع، وحملها ما لا تحتمل، فحرموا أشياء سكت الشرع عنها، برغم ضرورة توفير شروط عند إطلاق الحكم، مثل من يمنع زراعة العنب لئلا يصنع منه الخمر، ومن يحرم تلاصق البيوت سدا لذريعة الزنا، وتحريم الاستثمار في تأجير الشقق، لكون المستأجرين قد يستعملون بعض المحرمات فيها، ومن ذلك القول بالتسوية بين الذكر والأنثى في الميراث، لترغيب الناس في الإسلام.
آراء المجامع الفقهية
نظمتم ندوة مؤخرا فبماذا خرجتم؟ وما أهم التوصيات؟
ــ التوصيات نشرت في الصحف المحلية، منها التأكيد على أهمية موضوع القضايا المعاصرة، وضرورة تدريسها، كما ركز البيان الختامي على عدد من الخطوات العملية التي تتكفل بالرقي في تدريس الفقه الإسلامي عموما، وتدريس فقه المستجدات خصوصا، كتدريس المستجدات في المرحلة الجامعية، وعدم الاقتصار في ذلك على مرحلة الدراسات العليا، كما فرقنا بين المرحلتين، فالدراسات العليا يجب أن تكون مقرراتها مستقلة، وخاصة القضايا المعاصرة الكبرى، ولا تكتفي بما هو موجود اليوم، كما أوصى المشاركون في الندوة بضرورة تيسير حصول الطلاب على آراء المجامع الفقهية والهيئات الشرعية، فالقضايا المعاصرة معقدة، ومتشابكة، وتحتاج إلى نظر أكثر من عالم لها، لئلا يغفل عن شيء من جوانبها، كذلك خرجنا بالتوصية على ضرورة تشكيل لجان في الأقسام الدينية، لتراجع محتوى المناهج القائمة، ونصيب القضايا المعاصرة، ومدى ملاءمتها للمرحلة من حيث الكم والكيف، كذلك أكد البيان على ضرورة الاهتمام بالتدريب وطرق التدريس الحديثة.
متغيرات نفقة الزوجة
أثير جدل فقهي بأن الرجل غير ملزم بعلاج زوجته، فهل يمكن إيضاح ذلك؟
ــ الكلام عن تحمل الزوج تكاليف علاج زوجته، جاء في حلقة بحثية عقدها المركز بعنوان «نفقة الزوجة في ضوء متغيرات العصر»، ونقل بعض الباحثين المشاركين في الحلقة، كلام الفقهاء، فرأوا أن الرجل يتحمل تكاليف العلاج، لكن رأيي بأن القرآن الكريم نص على النفقة بإطلاقه، فقال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) وقال الله عز وجل في المطلقة الحامل (فإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)، والعلاج من النفقة، بل أحيانا يكون أهم من اللباس والزينة، بل ومن السكن والطعام كذلك، بيد أن كلام الفقهاء الممانعين، جاء في وقت لم يكن التداويِ ظاهر الأثر في جلب الشفاء بدرجة كبيرة، ولذا نجدهم يقولون بعدم وجوب التداوي، بل حكمه مختلف بين الندب، والإباحة، والكراهية، برغم أنهم في الوقت ذاته يحرمون التسبب في القتل أو الضرر، كما يحرمون امتناع الإنسان عن الطعام حتى يموت، ويوجبون على من لديه فضل طعام التصدق به على من قارب على الهلاك، علما أن الأدوية اليوم نتائجها قريبة من الشفاء، وتركها قد يفضي للموت، فكيف نجيز للزوج الامتناع عن علاج زوجته، برغم أمل الشفاء، كما يجب مراعاة أن الدولة فيها مستشفيات تعالج مجانا، فلا نلزم الزوج بالعلاج في المستشفيات الخاصة، علما أن العلاج الذي يقصد به التجمل، وتخفيف الوزن، لا يدخل في النفقة والالزام على الرجل، إلا إن وصل إلى حالة مرضية.
سمعت أن الإسلام لا يلزم المرأة أيضا بالطهي للزوج أو غسيل ملابسه، فما الفائدة من الحياة الزوجية؟
ــ الحياة الزوجية لا تعني امتناع كل من الزوجين عما ليس بواجب عليه، بل ينبغي التعاون والمشاركة والتفاهم بينهما، والفقهاء حين تكلموا عن خدمة الزوجة لزوجها، كان حديثهم عن القدر الواجب شرعا وقضاء. والزواج ميثاق غليظ، يوجب على المرأة طاعة زوجها بالمعروف، علما أنه لم يرد نص صريح ـ بحسب علمي ـ في إيجاب خدمة الزوجة لزوجها، بل العرف هو من يرجع إليه، فإن كانت المرأة تخدم في بيت أهلها، فينبغي أن تكون كذلك في بيت زوجها فيما لا يشق عليها، وإن كانت مخدومة عند أهلها، فعلى الزوج توفير من تخدمها إن استطاع. وفقهاء العصر رجعوا للعرف في تحديد النفقة.
فقه القضايا المعاصرة
هل القضايا المعاصرة تدرس في الجامعات السعودية والجامعات العربية والإسلامية؟ وهل هناك خطة مستقبلية لاعتمادها ضمن المناهج السعودية؟
ــ تبين لي أن جميع الجامعات الإسلامية احتوت مقرراتها على فقه القضايا المعاصرة، وإن كان بعضها مقتصر على مراحل الدراسات العليا فقط، ومن الأشياء التي تدعو للفخر: أن جامعاتنا كانت سباقة لوضع مقررات تحمل اسم فقه القضايا المعاصرة، بل سبقت جامعة الأزهر.
على ماذا يدل إحجام كثير من المؤسسات الدينية عن الإعلام؟ هل هو الانشغال؟ أم لموقف ديني كتحريم التصوير؟ وبماذا تطالب هؤلاء؟
ــ المؤسسات الدينية جزء من المجتمع، وأنا اختلف معك في وجود الإحجام، بل هم يملأون القنوات الفضائية من الدعاة والمشايخ، ويشكون من عدم إفساح المجال لهم في بعض وسائل الإعلام، لكني أوافقك أن أساتذة الجامعات مبتعدون عن وسائل الإعلام، وقد يكون السبب أن وسائل الإعلام لا تستطيع تحديد جمهورها، لأنها موجهة للناس باختلاف مستواهم العلمي والفكري والمذهبي، فما يناسب متخصصين في الفقه، لا يناسب المبتدئين أو المتخصصين في العلوم الأخرى.
ما مدى وعي الناس عموما والمشايخ والدعاة خصوصا بفقه القضايا المعاصرة؟
ــ الفقه يلامس حياة الناس، لأنه «العلم بأحكام أفعال المكلفين»، والناس يحتاجون له لتحقيق العبودية الصحيحة. ومن لم يشتغل بالعلم الشرعي، يكتفي بسؤال العلماء التقاة، وربما تلقى الفتوى من مواقع إنترنت يثق بالقائمين عليها.
أما المشتغلون بالعلم الشرعي فهم متفاوتون في الإلمام بهذه القضايا، فمنهم المقل ومنهم المكثر، ومنهم المتخصص في مسائل معاصرة، لمساسها مجال عمله، ومنهم المهتم بمعرفة الحكم الذي أفتى به علماء، دون البحث عن دليله، ومنهم من يهتم بالدليل مع التعليل، وله القدرة على النقد وإبداء الرأي والترجيح وهم قلة.
هل النساء أكثر معايشة ووعيا من الرجال بفقه القضايا المعاصرة؟
ــ لا أعتقد أن النساء أكثر اهتماما بفقه القضايا المعاصرة، والسبب أن أغلب المشتغلين والمتخصصين بالعلم الشرعي من الرجال، ولو أحصينا عدد الحاصلين على مؤهلات عليا في الفقه وأصوله وعلوم الشريعة عموما، لوجدنا التفوق للرجال، إلا أن النساء أكثر سؤالا عن القضايا المعاصرة، كقضايا التجميل والزينة.