القروض الشخصية.. «باب الفرج» مفتوح من دون وعي!
كشف تزايد إقبال المواطنين على القروض الشخصية – تجاوزت أكثر من 242 مليار ريال بحسب أحدث الإحصائيات – تفاوتاً في تقدير الاحتياجات، وترتيب الأوليات، وطرائق معالجة الأزمات المالية، حيث تشكّل تلك المبالغ عبئاًً وقلقاً يؤرق المقترض، فضلاً عن أنها قد تؤدي به إلى نهايات لا يتمناها نفسياً واجتماعياً ومادياً.
وبما أن أسلوب الاقتراض من جهات التمويل – الرسمية وغير الرسمية – أصبح ثقافة مسيطرة على المشهد الاجتماعي لتوفير بعض الحاجات الضرورية والكمالية أو ما دون الكمالية، فإن الأمر يستدعي ضرورة إعادة النظر في النهج الذي تستخدمه تلك الجهات المقرضة؛ لتحفيز الناس على الاقتراض، إلى جانبتقنين دواعي الاقتراض، حتى لا يكون منح القروض جزءاً من الكسب على حساب المواطن البسيط، مع أهمية تعميم ثقافة “الإدخار” وتنمية الموارد الذاتية تلافياً لأوقات الاحتياج المالي الذي يضطر كثيرون معه إلى الدخول في متاهات الديون والاستمرار فيها لأمد طويل.
“ندوة الثلاثاء” هذا الأسبوع تناقش ثقافة التعامل مع القروض الشخصية ومدى الحاجة إليها في وقت تسهّلت فيه معظم شروط الاقتراض.
في البداية، أوضح «د. الغصن» أن اللجوء إلى القروض الشخصية للصرف على المتطلبات الكمالية من المشكلات الاجتماعية ذات الأثر الكبير في حياة المجتمع، سواء أسرياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو أخلاقياً، مشيراً إلى أنها قروض لا يقصد فيها التجارة، وتُسمّى شرعاً ب «الديون»؛ لأن القروض هي التي تؤخذ من دون فوائد وهي ما يُعرف ب «القرض الحسن».
وقال إن الجهات التي تقدم الديون الشخصية أو الديون الاستهلاكية تعد هذه القروض فرصة للكسب ولو كان على حساب المستهلك، لافتاً إلى أن جهات الإقراض ليست مقتصرة على البنوك، بل هناك جهات أكثر من البنوك بكثير تفعّل هذا العمل، كما تأخذ أرباحاً وفوائد أكثر مما تأخذه البنوك، إلاّ أن المشكلة الكبيرة في القروض الاستهلاكية أنها لا تنتبه للمحاذير الشرعية فيما يتعلق بخلاف الفقه الإسلامي.
وأضاف: «ربما أن القرض يؤدي إلى الربا كأن يكون هناك مضاعفة الدين أو تراكم الدين عند تأخر القسط عن سداده إلى قسط آخر أو طريقة دفع هذا المال للمستهلك، ما جعل هذه القروض الشخصية تؤدي بكثير من المستهلكين إلى استعمالها في غير ما وضعت، واللوم هنا ليس على الجهة المُقرضة، بل إن المستهلك أحياناً ربما يوهم أن القصد منها إقراض للاستهلاك الشخصي ويكون القصد فيها غير هذا، ثم لا يفلح الأمر الذي أراده، فتنعكس على حياته الزوجية والاجتماعية، ثم يؤدي الأمر إلى مشاكل خطيرة في المجتمع».
ويرى «الشيخ الصقعبي» أن تغييب الجانب الشرعي عن هذه القضية كان من الأسباب التي أدت إلى تساهل الناس في قضية الدين، وعدم إدراك التبعات المترتبة على الدين، والأدلة الشرعية التي تحذر من هذا من حيث الأصل، وبالتالي يبقي الجهل بالحكم الشرعي له دور كبير في إقبال الناس على القروض، منوهاً أن ما دفع الممولين إلى أن تنحى هذا الاتجاه – تجعل جزءاً كبيراً من أرصدتها للديون – بسبب إقبال الأفراد الكبير على القروض.
وتداخل «د. الغصن» قائلاً: «بعض جهات التمويل التي فيها هيئات شرعية لا تطبق مقررات الهيئة الشرعية وإنما تطبقها صورياً وتلتف عليها».
وعدّد «الصقعبي» الأسباب التي تحمي من الديون، وأبرزها حسن التدبير في الإنفاق، وتفعيل ثقافة ضبط الإنفاق من خلال تعويد الأبناء على الاقتصاد في الإنفاق، إلى جانب تطبيق برنامج الادخار وتربية الأبناء على شراء بعض الحوائج، إضافة إلى إيجاد القدوة التي تستطيع أن تربي الأبناء على هذا الجانب، وكذلك تعويد الأبناء من خلال الأب على بناء سلم لأوليات الشراء بشكل يتوافق مع الإمكانات المالية، فضلاً عن التوعية بخطر الديَن، مرجعاً سبب تفشي ظاهرة الديون إلى غياب القرض الحسن في المجتمع، من خلال المبادرات الشخصية أو الجمعيات الخيرية.
ودعا «الخشيبان» إلى إيجاد توعية للمجتمع بالآثار السلبية للقروض من قبل الجهات المسؤولة ذات العلاقة، سواء الشرعية أو المصرفية، مبيناً أنهم يلاحظون كل عام تزايد الإقبال على طلب القروض الشخصية، حيث تجاوزت خلال عام 2011م حسب تقرير «ساما» الأخير أكثر من (242) مليار ريال.
وبيّن أن جهات التمويل أغرت المواطنين بالحصول على القروض من دون الحاجة إليها، من خلال الإعلانات ورسائل الجوال والعروض المنخفضة التي تصل أحياناً لدى بعض هذه الجهات إلى واحد بالمائة، إضافة إلى إعطاء قروض إضافية ومنح تسهيلات أسهمت في زيادة إقبال الجمهور على الإقتراض.
ونادى «د. الرميح» بتكثيف التوعية عن ضرر الاستدانة عبر وسائل الإعلام والمحاضرات العامة وخطب الجمعة، مطالباً جهات التمويل ألا تتوسع في هذه القروض المتضامنة مع منافذ البيع، معللاً أنها تُحرّض بشكل علني على تفشي ظاهرة الاقتراض لتصبح ثقافة حياة يومية لمجتمعنا.
وعلّق «العثيم» على ما ذكره «د. الرميح» محمّلاً بعض وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تكوين ثقافة مجتمعية تخلط بين الاحتياجات الضرورية والكماليات الممكن الاستغناء عنها، مبيناً أن «التسويق» يعلمنا كيف نبيع البضاعة، لكنه لا يعلمنا كيف نكون مستهلكين راشدين، وهذه الإشكالية تحتاج إلى جهد كبير من إعلام قِيمي يمثل دوراً جيداً وإيجابياً وليس تجارياً يكون في صف التاجر، ويحاول أن يساعد على بيع أي شيء من خلال تحفيز وبرمجة المشاهد أو المطلع على أنه لابد أن يشتري أو يجدد الأثاث أو السيارة بشكل فوق طاقته.
وذكر «الصقعبي» أن سهولة وصول الخدمات إلى البيوت عبر اتصال هاتفي أو الكتروني أصبح من الأشياء التي جعلت المجتمع يتعود على الاستهلاك غير المنضبط، ويلغي أي تطلع أو تفكير في ثقافة الادخار، كما ساعد على هذا النهم الاستهلاكي هو وجود تلك الوسائل الإعلانية المبوبة التي أصبحت تغزو البيوت من دون استئذان، وتقدم عروضاً وتخفيضات مزوده بأرقام هواتف توُصل المستهلك مع البائع، مطالباً بحماية المجتمع من هذه الإعلانات المبوبة و»البروشورات» التي تضخها مراكز التسوق الكبرى تحت أبواب المنازل، واصفاً تلك الإعلانات ورسائل الجوال الدعائية نوعاً من «التطفل» على الآخرين، وقد تأتيهم في وقت أزمة مالية تمر بهم، وقد تجعل رب المنزل يتعرض لمثل تلك الضغوط من أفراد أسرته ثم تدفعه في كثير من الأحيان إلى الاقتراض استجابة لمطالب أفراد أسرته التي انساقت خلف تلك العروض التسويقية.
وحول مسلسل استنزاف الجيوب عبر وسائل الترويج المتطفلة على المنازل، قال «د. الغصن» أن أصحاب الإعلانات المبوبة والأسواق عندما يضعون إعلاناتهم من تحت أبواب المنازل فإنهم يرتكبون مخالفة قانونية، ومن حق صاحب المنزل أن يطالب تلك الجهة التي وضعت هذه الوسائل الإعلانية بحقوقه المعنوية والمادية، لأن ذلك يعتبر اعتداء على المنزل من دون إذن، حيث إن كل ما أحاط بالمنزل من سور لا يجوز لأحد أن يعتدي عليه، خاصة أن هذا اعتداء ضار بصاحب المنزل حتى ولو لم يكن فيه أشياء أخلاقية لأنه يمثل استنزافاً للأموال واستنزافاً للقدرات.
وقال «العثيم»: «نجد في بعض الدول عدد لا حصر له من جمعيات حماية المستهلك، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية هناك أكثر من 300 جمعية لحماية المستهلك، وبعض الدول الصغيرة تضم ما يقارب 70 جمعية لحماية المستهلك، بينما لا يوجد لدينا في المملكة سوى جمعية واحدة لحماية المستهلك، فضلاً عن قلّة فاعليتها على الرغم من أهميتها بوصفها إحدى مؤسسات المجتمع.
وتسائل «د. الرميح» عن دور «حماية المستهلك» التوعوي للمديونين من جهات التمويل التي تحقق أرباحاً طائلة، مطالباً إياها بالإسهام في تقليل تلك الظاهرة السلبية بانتشار الديون على أبناء المجتمع.
وتداخل «د. الغصن» داعياً «مؤسسة النقد» إلى تحجيم سقف القرض العقاري مع الشخصي الذي تصل نسبته إلى حوالي (60%) من الراتب، مقترحاً أن تشترط عدم تجاوز النسبة المقررة من سقف راتبه حتى لا يقترض من جهات خارج المؤسسات المصرفية ومعاقبته إذا تبين أنه قد حصل على قرض آخر، إلى جانب أن يكون لمؤسسة النقد دور مع تلك الجهات غير المصرفية المُقرضة خارج نطاق البنوك التجارية التي لا تخضع لنظام المؤسسة في تحديد حجم القرض وسقفه، إذ إن هؤلاء تصل قروضهم إلى أكثر من (110%) من مرتب المقترض، وهؤلاء لا يعملون بالخفاء بل إعلاناتهم موجودة ومشاهدة.
وطالب «د. الرميح» بضرورة كشف واقع إعلانات تلك القروض المنشورة، خاصة جهات الإقراض المجهولة التي تترك أرقام هواتف الاتصال فقط بملصقاتها على أجهزة الصرافات الآلية وأعمدة الإنارة واللوحات والإعلانات المبوبة، والتأكد من هوية هؤلاء ومن يُمولّهم وأهدافهم؛ حتى لا نقع في أتون الجرائم المنظمة وغسيل الأموال والمتاجرة بالممنوعات.
واقترح «العثيم» أن تُضمّن موضوعات الترشيد والذكاء المالي بالمناهج الدراسية في المرحلتين الثانوية والجامعية؛ لتعزيز تلك الأمور التي تعد من أساسيات الحياة المعاصرة، مبيناً أن «وزارة التربية والتعليم» معنية بذلك، مقترحاً وضع منهج يسمى مثلاً «مهارات الحياة»، ويتاح لمؤسسات المجتمع المدني المشاركة في ذلك المجال.
وذكر «الغصن» أن جعل موازنة شهرية خاصة للموظفين؛ يُعد من أهم الأسباب للقضاء على تفشي ظاهرة القروض الاستهلاكية، من خلال جعل جزء من هذه الميزانية للأشياء الطارئة.
وتداخل «الصقعبي» قائلاً: «إن مما يُعين على تحقيق الموازنة ونجاحها أنه لابد من فقه ترك بعض المرغوبات، مشيراً إلى قصة «جابر بن عبدالله الأنصاري» حينما اشترى لحماً ورآه «عمر بن الخطاب» فقال له ما هذا؟، فقال لحم اشتهيته فاشتريته فقال له أوكُلَ ما اشتهيت اشتريتْ؟، حيث كان عمر – رضي الله عنه – يشير بذلك إلى ناحية اقتصادية مضمونها أن ليس كل ما يشتهي الإنسان لا بد أن يشتريه.
وأشار إلى أن ما يُعين على تحقيق الموازنة في الاقتصاد هو التحكم في الرغبات وتقنينها لترشيد المصروفات، كما أن القناعة لها دور كبير في الإدخار، منوهاً أن المُقبل على الدَين بلا حاجة ملحة يتجاذبه أمران إما أن تكون النوازع الداخلية والنزوات التي تدفعه دفعاً نحو الاستدانة، وإما أن عقله ينهاه عن التذلل للآخرين بلا دافع.
وأضاف: «إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدى الله عز وجل عنه، فدلَّ ذلك على أنه من حيث الأصل إذا دعت الحاجة أو الضرورة، وهنا يجب أن نُفرّق بين الحاجة والضرورة، حيث أهل العلم رخصّوا بالاقتراض لشراء الهدي وأداء فريضة الحج والعمرة غير الواجبة، إلاّ أن ذلك مشروط بالقدرة على السداد مثل من له عمل أو صنعة تُدر عليه مالاً يوفي به دينه، وذلك من حيث الأصل.
وتداخل «الخشيبان» معلقاً على ما ذكره «الصقعبي»، وقال:»إذا كانت الاستدانة لتزويج الأبناء أو ترميم السكن أو تأثيث المنزل بغير قصد التغيير أو التبذير أو الإسراف فإن ذلك يعد نوعاً من أنواع الحاجة، لكن المشكلة أن هناك من يلجأ للاستدانة من أجل أشياء غير ملموسة أو ضرورية مثل السفر أو الأشياء الترفيهية، أو استبدال سيارة مقبولة تؤدي الغرض بسيارة أخرى من أجل الموديل الجديد فقط».
وحول تقدير الحاجة أو الضرورة للاستدانة، أكد «العثيم» أن ثقافة المجتمع الحاكمة مازالت هي الإشكالية الكبرى في القروض الشخصية، بمعنى أنها تسيطر دائماً على الممارسة، مشيراً إلى أننا نعيش غالباً في ظل مجتمع استهلاكي وليس مجتمعاً إنتاجياً، ما يدل على أن الإنسان يفتقد إلى غياب ثقافة «الترشيد المالي» التي تعد من الأفكار الغائبة عن ثقافتنا الاجتماعية، وهذه تجعلنا غير قادرين مع طغيان الاستهلاك.
وبيّن أنه كانت هناك قروض للسفر، إلاّ أنها أوقفت وتم منع البنوك التجارية من تقديمها؛ لأنها تمثل خطراً لإغراء ذوي الدخل المحدود بإغرائهم بالسفر إلى أوروبا أو غيرها من وجهات السفر؛ للاستمتاع لمدة عشرين يوم أو شهر ثم العودة لمكابدة سداد هذا القرض طوال العام، وهذا نوع من أنواع إقحام الشخص بقروض شخصية تساهم فيها المصارف في ظل غياب ثقافة حماية المستهلك.
وأضاف: «إن بعض المصارف تلجأ أيضاً إلى الاتصال بالمقترض قبل سداد قرضه لمنحه فرصة قرض آخر، أو زيادة قيمة القرض أو منحه أنواعا من التسهيلات لتصب أيضاً في إقحام الشخص وإدخاله في دائرة القروض الشخصية المستمرة»، مبيناً أن الدراسات والأبحاث كشفت أن كثير من الأشخاص يقترضون من أجل أمور تافهة أو سطحية كالسفر أو شراء سيارة فارهة، أو حتى من أجل سوق الأسهم.
وذكر «د. الرميح» أن معززات تفشي هذه الثقافة يرجع إلى وجود مكاتب متخصصة داخل جهات التمويل، حيث تضع إعلاناتها في الشوارع، كما أضحت الكماليات من الضروريات والترف من الحاجة، مشدداً على أنه يشكل خطراً اقتصادياً ومالياً كبيراً يدفع ثمنه عدد كبير من مجتمعنا ويستفيد منه جهات التمويل، محذراً من تحول تفكير المجتمع في قوت يومه إلى فكر الديون حتى لأتفه الأسباب.
وأرجع سبب تزايد القروض الشخصية إلى الثقافة التي تبثها لنا إعلانات الممولين وجعل الدَين سهلاً للغاية وميسراً للجميع، إلى جانب تركيز نظر معظم المجتمع إلى الأمور الترفيهية والكمالية، وتصويرها أن من ضرورات الحياة، فضلاً عن حُمّى التباهي بين شرائح المجتمع، حيث استغلت بعض جهات التمويل شيوع هذه الثقافة لأكبر درجة.
ونوّه إلى أن بعض المقترضين ليسوا بحاجة إلى هذه القروض، حيث يقترضون لأمور ترفيهية أو كمالية ليست من ضروريات الحياة، وذلك لأن «الإعلام الجديد» غيّر الأوليات لدى كثيرين، فعلى سبيل المثال إذا لم تشتر سيارة جديدة ولو بالدَين فأنت متأخر عن المجتمع، وكذلك الحال في أجهزة الاتصالات واقتناء آخر صيحاتها، والأمر يجري على السفر فإن لم تقض فترة الصيف في أحد البلدان الأوروبية أو الآسيوية فالنظرة تكون للشخص على أنه غير عصري في أدنى التعبيرات.
وحول تبعات تعثر سداد هذه القروض الشخصية على بعض المقترضين، أشار «د. الرميح» إلى أنه من المؤكد أن يتعثر سداد بعضها، وبالتالي قد يصاب الشخص المتعثر بسبب الضغوط الاجتماعية للتسديد، وبسبب الهروب من جهة الاقراض، ذاكراً أن بعضهم يضطر إلى ارتكاب عدد من المخالفات، كما قد يلجأ إلى التقصير في معيشته ومعيشة أسرته؛ بسبب القروض غير الضرورية.
وأضاف «د. الرميح» أن وجود هذا الكم الكبير من إعلانات سداد القروض المتعثرة بواسطة الأفراد أو المؤسسات؛ يثبت وجود نسبةً كبيرة من الديون المتعثرة التي يهرب أصحابها إلى هؤلاء الأشخاص ليصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار، داعياً إلى التدخل الحكومي من قبل «وزارة المالية» و»مؤسسة النقد»، إلى جانب وزارت «التجارة» و»الداخلية» و»الإعلام»؛ لتكوين تنظيمات وحملات توعوية، تمنع فوضى الاقتراض، والتأكد من هويّة الجهات المقرضة خارج نطاق المؤسسات المصرفية، إلى جانب تفعيل دور «حماية المستهلك» وضرورة الحضور في الساحة بشكل ينسجم مع حجم هذا التعاطي المتنامي في القروض الشخصية.
ولفت إلى أهمية تقنين القروض من خلال دراسات علمية لعدد المقترضين وأسباب الاقتراض، وهل نحن بحاجة إلى هذا الكم الهائل من أنواع القروض وأشكالها؟، إلى جانب معرفة نسبة المتعثرين في قروضهم والمبالغ المتعثرة، إضافة إلى معرفة الجهات المقرضة المجهولة، مطالباً بنشر ثقافة الادخار من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومراكز الأبحاث والجامعات، داعياً كل رب أسرة إلى تعويد أبنائه على الادخار وتوعيتهم بتبعات الاقتراض.
وشدد «الصقعبي» على أن الأهم من إيجاد مكاتب استشارات مالية لدراسة جدوى تلك القروض للمقترضين يكمن في تأهيل المستشارين؛ حتى لا تصبح مهنة من لا مهنة له، كما هو حال بعض المستشارين الأسريين والرقاة وغيرهم.
كشف “سلطان العثيم” أن غالبية المواطنين لديهم قروض شخصية، وفق إحصائية رسمية منشورة قبل أربعة أشهر، ما يؤكد تنامي الإقبال على القروض الشخصية من كل شرائح المجتمع، مطالباً بالبحث عن سُبل الخروج من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج، مبيناً أن المغزى من مقاصد الشريعة الإسلامية يؤصل لتأسيس ما يسمى بالمؤمن القوي، واليد العليا خير من اليد السفلى، بيد أن هذه التطبيقات على أرض الواقع غير موجودة، بل إن معظم الناس يأخذ أكثر مما يعطي، ويستهلك أكثر مما ينتج، وهذا خلاف ما يريده الشارع من المسلم.
وقال: “إن تراجع ثقافة العمل الحر وتقديم ثقافة الوظيفة ساهم في إضعاف قوى المجتمع والعنصر البشرى، كما أن من أبرز الإشكالات التي نواجهها في بنائنا التوعوي هو غياب ثقافة الادخار الذي يعد بوابة الاستثمار الناجحة لكثير من الأشخاص ممن حققوا إنجازات كبيرة على مستوى العمل الشخصي”.
تعد البطاقات الائتمانية أحد أكثر الوسائل المغرية والمحفزة على الاستهلاك، ويحتاج التعامل معها – برغم أهميتها وفائدتها خارجياً – إلى وعي بمسوغاتها، والتزام سدادها، والتحوط من استغلالها.
وأوضح “سلطان العثيم” أن الدراسات الاقتصادية أثبتت أن بطاقات الائتمان شجعت على الاستهلاك بشكل كبير، كما شجعت على ثقافة الدَين، بحيث يتمكن الشخص من خلال هذه البطاقة أن يشتري أي شيء في أي وقت، ومن ثم بعد أربعين يوماً تأتيه المطالبة بالحساب.
وقال إن بعض جهات التمويل تستغل جهل العامة من الناس والبسطاء، إضافة إلى أن الموظف يحاول أن يحقق الهدف في تسويق أكبر قدر ممكن من بطاقات الائتمان، مرجعاً سبب ذلك إلى ضعف ثقافة حماية المستهلك، وقلّة اهتمام “جمعية حماية المستهلك”.
أوضح “د. يوسف الرميح” أن الثقافة المجتمعية في الماضي كانت تنظر للاقتراض على أنه “عيب”؛ لما يسببه من عبء كبير على المقترض نظراً لصعوبة الوفاء به، فضلاً عن ما يلحق ذلك من كشف حال الشخص المقترض، أما في الوقت الحالي أصبحت القروض اعتيادية، وتحديداً بعد أن ساهمت بعض جهات التمويل بنشر ثقافة القروض الشخصية بأقساط مريحة جداً وبفوائد رمزية، ومن دون كفيل، وبلا أوراق من جهة العمل؛ وكل هذا لصيد ذاك العميل المغلوب على أمره.
وقال: “ما إن يقع المقترض في شبكة الصيد حتى تنهال عليه الضربات من كل جهة، ثم يهرب من هذا الدين بدين آخر وثالث ورابع، وللأسف الشديد فقد أوهمنا عدد من جهات التمويل بسهولة تغيير المنزل أو السيارة أو الأثاث مع عدم حاجتنا الضرورية إلى هذا التغيير، فقط لدفعنا لأخذ سلفة من هذه الجهة أو تلك”، لافتاً إلى أن ثقافة الديون انتشرت بشكل كبير، ما قد يفرز طبقة اجتماعية غارقة في تسديد الديون بلا نهاية!.