تهريب البنزين السعودي عبر «كراجات» في الأردن.
أدّى الارتفاع الحاد في أسعار الوقود في الأردن إلى خلق تجارة نفط رائجة بين مجموعة من السعوديين والأردنيين ممن يقطنون المحافظات والمدن التي تقع على الحدود بين البلدين، وتمثلت هذه التجارة في شراء الوقود السعودي ـ الأرخص سعرا مقارنة بأسعاره في الأردن ـ حيث تقوم هذه المجموعات بتهريبه مستخدمين خزانات وقود إضافية لسياراتهم العادية، ومن ثم بيعه بمبالغ تصل إلى أضعاف سعره الأساسي، وقد أسهمت هذه التجارة التي تشهد رواجا ونشاطا ملحوظاً في الشمال السعودي على الرغم من عدم خلوها من شبهة التهريب، وقد أسهمت في انتعاش الحركة الاقتصادية والمادية في تلك المحافظات والمدن وفي الوقت نفسه استطاع الأردنيون الحصول على مصدر جديد للوقود الرخيص (البنزين) الذي بدأ ينهال عليهم بشكل مستمر وبكميات تعتبر إلى حد ما، مريحة.
المترزقون البحارة
ولاحظت جولة الصحيفة أنّه عندما يحاول أي شخص الاقتراب من تلك المجموعات التي تقع على الطرف الثاني من الحدود السعودية الأردنيّة، فإنه يجد الأنظار تترصّده وتتمعنه، وكأنهم يسألونه: هل أنت من الفضوليين أم من «المترزقين» كما يسمون أنفسهم، أو «البحارة» وهو الاسم الأشهر بينهم ويطلق على من يحمل وقودا بغرض بيعه أو تهريبه كما تصفه الجهات الأمنية أو إدارة الجمارك التي تتابع وجودهم.
(الدرة) و (حالة عمار)
تأكد خلال الجولة أنّ نشاطا متزايداً في الفترة الماضية كذلك حركة السيارات التي تعبر المنفذ السعودي الأردني، سواء من منفذ (الدرة) أو (حالة عمار) التابعين لمنطلقة تبوك، من مركز حالة عمار أو محافظة حقل إلى العقبة الأردنية أو منفذ المدورة الأردني. وتشير المعلومات إلى أن أصحاب تلك السيارات يضخمون خزانات الوقود فيها أو يضيفون خزانات جديدة لتعبئتها بالبنزين ويعيدون بيعه في العقبة بأسعار مضاعفة.
زيادة 400 %
وقد نمت هذه الحركة عقب رفع الأردن الدعم عن الوقود مما تسبب في ارتفاع الوقود في الجانب الأردني إلى مايقارب 400 % لنفس السعر الموجود في المملكة مما جعلها تجارة مغرية لمن يخوضون هذا الغمار «الخطأ» ويشير عاملون في هذا النشاط إلى أنهم يعبئون سياراتهم بالبنزين في الخزانات الإضافية وعند وصولهم إلى مكان البيع الذي لايتجاوز عشرة كيلومترات من الطرف الآخر للحدود، يتم تفريغه في جوالين لبيعه بمتوسط سعر يبلغ 19 دينارا (95 ريالا تقريبا) للجالون الواحد.
خروج بشكل نظامي
وقد أكد مصدر يعمل في أحد المنافذ في حديثه للصحيفة أن أعدادا تخرج يوميا وتعود في اليوم نفسه بشكل متكرر، ولكن لا يمكننا أن نجزم بأن كل من يخرجون من المنفذ يبيعون وقود سياراتهم خارج الحدود، وكل ما يهمنا في الأمر أن خروجهم يتم بشكل نظامي، ولكن هناك ملاحظات تقع على الأشخاص الذين يتكرر سفرهم، حيث أصبحت لدينا قوائم صورية بالأشخاص الذين يمتهنون هذه التجارة.
معايشة يومية
الصحيفة قصدت بدورها الكشف عن هذه التجارة الجديدة القديمة كما يسميها البعض من قاطني المنطقة من خلال الوقوف الميداني على الوضع ومخالطة الممتهنين لهذا العمل عبر المعايشة اليومية حيث أفرزت في السنوات الأخيرة تجارة فريدة وغريبة من نوعها، وهي «تجارة تهريب الوقود»، التي تدور بشكل علني على الطرق والمنافذ الحدودية التي تفصل بين حدود البلدين ويمارسها الكثير من الشباب والكبار في الاتجاهين، رغم ما تحمله هذه التجارة من مخاطر، ومخالفة للأنظمة والقوانين، بأساليب مختلفة، ولكن الممتهنين من البلدين اعتادوا على تبادل وقود البنزين، أو المتجارة فيه، ومن يشاهد عملية البيع يتبادر إلى ذهنه أن الأمر طبيعي، ومن يعرف الطرق التي تتم بها عملية البيع، يكتشف أنها (سوق سوداء) من أوسع أبوابها، عززها فرق السعر بين البلدين.
يترصدون «الغريب»
قبل خروجك من الحدود السعودية تشاهد السيارات أمام المحطات وكأنهم يقومون بعمل محرم، لأنهم يتوقفون عن التعبئة بمجرد وجود شخص «غريب»، ولكن عندما يثقون بك، فإنّك تشاهد التعبئة الكبيرة لجالونات مخبأة أو خزانات السيارات المعدلة بأحجام كبيرة، وبعد تجاوزك للحد السعودي تشاهد أعدادا كبيرة من السعوديين اعتادوا على الخروج والعودة في وقت وجيز.
تفريغ بدائي في «كراجات»
يتجه الباعة السعوديون مباشرة في جماعات مسرعين إلى عملائهم المنتشرين على أطراف الطريق، وعند وصولهم يقومون بإدخال سياراتهم في (كراجات) صغيرة أو (مظلات) خصصها الأردنيون لتفريغ حمولة الوقود من السيارات السعودية بطريقة بدائية، في هذه الأثناء يتم الاتفاق على الكمية المطلوبة والسعر المتفق، والمبالغ المتفق على تحصيلها، حيث تعتمد طريقة الحساب على حجم اللترات المعبأة في جوالين سعة عشرين لترا، وهكذا، وهنا ينتهي دور صاحب السيارة السعودي، ليتولى صاحب (الكراج) بيع الوقود لعملائه من الطرف الآخر، بغض النظر عن الجنسية، حتى أن جزءاً منه يباع على السعوديين الذين تنقطع بهم سياراتهم أو ينفذ وقودهم! كل هذه العملية تتم في الخفاء وبعيدا عن أنظار الناس، إلا من العملاء الذين يدخلون في المهنة نفسها، وهي بذلك أقرب ما تكون إلى سوق سوداء لبيع البنزين.
مخالفات غير واضحة
وأشار أحد المصادر الرسميّة فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أنه في حال ملاحظة أشخاص يقومون بتهريب البنزين بشكل واضح بمعنى أن يضع الوقود ويعبئه في جوالين إضافية مثلا والعبور بها من خلال المنفذ فإننا سنطبق عليهم النظام ونمنعهم من ذلك.
أنواع وأعداد السيارات
مصدر رسمي آخر من داخل المنفذ كشف عن عبور السيارات بأعداد كبيرة، بمتوسط أكثر من ثلاثين سيارة في اليوم، لافتاً إلى أنّ 90% منها سيارات نقل، إما من نوع (جيب) وإما صالونات (جيمس)، ولفت إلى أنه تم اتخاذ إجراءات حيال تكرار خروج سيارات النقل بشكل يومي، وذلك بتقليص عدد المغادرين من أصحاب سيارات الجيب إلى مرة واحدة يوميا، أما سيارات الجيمس فهي مستثناة من هذا الإجراء، على اعتبار أنها مخصصة لنقل الركاب بين البلدين، مشيرا إلى أن هذا الإجراء يأتي بهدف الحد نسبيا من الزحام عند مداخل ومخارج منفذ الدرة.
بيع واضح
يقول أحد العاملين في المنافذ: عندما يغادر أصحاب السيارات من نوع (ونيت) أو (جيب) المنفذ تكون خزانات وقودهم ممتلئة، وعندما يعودون من الحدود الأردنية بعد ساعات قليلة من مغادرتهم المنفذ السعودي نجد خزانات وقود سياراتهم عند إتمام عملية التفتيش شبه فارغة من الوقود ـ في إشارة واضحة إلى بيع مخزونهم في طريق العودة من الأراضي الأردنية.
يتحدثون بشرط
حاولت الصحيفة وبعد جهد كبير، الالتقاء بالعاملين في هذه التجارة، لكن اشترطوا عدم ظهور أسمائهم أو صورهم، ويقول أحد هؤلاء المتعاملين في سوق بيع الوقود عبر الحدود، إنه يزاول مهنة تحميل البنزين وبيعه منذ سنوات، مشيرا إلى أن بيع الوقود ممنوع في الأردن، ولكننا لا نظهر ذلك أمامهم، بحكم أن البنزين موجود داخل خزانات الوقود في سياراتنا الخاصة لنقل الركاب، وأشار إلى أنه أحيانا حجتهم أو (الغطاء) الذي يستخدمونه في التنقل هو نقل الركاب أو إيصالهم إلى الأردن وهو غطاء لا أحد يناقشك فيه.
900 ريال فائدة معاملة واحدة
وأشار «سمسار الوقود» إلى أن الكثير من الشباب وكبار السن من المناطق الحدودية يمارسون هذا العمل ليحصلوا على دخل إضافي، والبعض يعتمدون عليه لأنه مصدر دخلهم الوحيد، مبينا أن ارتفاع سعر البنزين في الأردن وفي هذا الوقت تحديدا شجع الكثير للقيام ببيع البنزين عنه في الأعوام الماضية والأرباح المضمونة التي تصل إلى الضعف أو أكثر، وهذا من الأمور التي شجعت الكثيرين لدخول هذه التجارة، مشيرا إلى أن دخله اليومي من مكسب واحد لـ(بيعة) واحدة تتراوح ما بين 800 و900 ريال وهو راض تماما بذلك. وقال إن السيارة التي يستخدمها في نقل البنزين من نوع (جي إم سي) نقل، وخزان الوقود فيها يسع 180 لترا، وهذا بعد توسعته ليتمكن من نقل أكبر قدر من لترات البنزين وبيعها .
مربحة وتقتل الفراغ
من جانبه قال (ع.ع) أحد المواطنين الذين ينقلون البنزين: إنه يمارس عمله في نقل الوقود وبيعه في الأردن بعدما تقاعد عن العمل منذ ثلاث سنوات بشكل متقطع وليس يوميا كما يفعل البعض، مشيرا إلى أن هذه الوسيلة مناسبة له للتخلص من وقت الفراغ الذي يعاني منه بعد نهاية خدمته، وأبان أنه يفضل الخروج برفقة عدد من كبار السن مثله كل في سيارته الخاصة.
من (جيب) إلى (جمس)
واعتبر (ن.ع) الذي يعمل في هذا الطريق منذ عدة سنوات، أن السنتين الأخيرتين من أفضل السنوات التي شهدها بيع الوقود، وقال إنه اضطر إلى تغيير سيارته حيث باع (الجيب) واشترى (جمس) لأن (الجهات المعنية) في المنفذ منعته قبل فترة من الخروج إلى الأردن إلا مرة واحدة فقط في اليوم، لأن سيارته من نوع جيب، مما دفعه إلى شراء سيارة جمس لنقل الركاب والخروج في أي وقت إذا ما توافر لديه الركاب.
موضحا أنه وعند وصوله إلى مكان البيع يتم تفريغ البنزين من سيارته ووضعها في جوالين سعة عشرين لترا لتحسب عدد الجوالين المعبئة بالوقود، ويدفع له عن كل جالون قيمة تقدر بنحو 15 إلى 19 دينارا مشيرا إلى أن هذه طريقة الأردنيين في الحساب، والتي اعتدنا عليها حينما نتعامل معهم.
18 ألف ريال شهرياً
من جانبه، أوضح (س.ع) أنه يقوم ببيع البنزين في الأردن برفقة أبنائه الذين يقومون برحلات متكررة إليها، مبينا أنه يحثهم على ذلك من أجل لقمة العيش، حيث إننا نحقق دخلا شهريا يفوق 18 ألفا، قائلا إنّ البعض يتحجج بعذر بأنه من البادية ولديه أقارب في البادية لزيارتهم .
آخر محطة من الأردن
من جهته، قال عامل في المحطة التي تتم فيها تعبئة البنزين، إن محطته تقع على بعد كيلومتر ونصف من المنفذ الدرة، وإن عملاءه يفضلونها لكونها آخر محطة وقود قبل المنفذ للمحافظة على أكبر قدر من الوقود في سياراتهم وبيع أكبر كمية منه، لافتا إلى أن خزان المحطة يفرغ يوميا من البنزين لكثرة مرتاديها من السعوديين.
تاجر أردني
من ناحية أكد تاجر بيع البنزين في الأردن أبو عبدالله، أنهم يشترون الوقود من السعوديين لبيعه من جديد، لافتا إلى أن ما بين 20 و30 سيارة سعودية تأتي يوميا لتفرغ حمولتها لديه شخصيا، موضحا أن البنزين السعودي مرغوب عند المواطنين الأردنيين، الذين يشترونه بسعر السوق، وأضاف أن عملاءه من السعوديين ملتزمون معه بالمواعيد التي يأتون فيها من أجل توفير البنزين لديه يوميا، مشيرا إلى أنه يطلب منهم أن يدلوا أصحابهم أو أقرباءهم أصحاب السيارات المعروفة في نقل البنزين ليجلبوا له كميات أكبر من الوقود، لافتا إلى أن تجارة البنزين ممنوعة في الأردن، والإخوة السعوديون يعلمون ذلك، و»يقدرون الموقف» فهم يتعاملون معنا بشكل جيد وجميعنا نستفيد ونبحث عن الرزق.
الجمارك الأردنية
هذا وقد كشفت مصادر في الجمارك الأردنية أن السلطات الأردنية تفرض رسوما على السيارات السعودية التي تحمل عدد» 2 خزان وقود» حيث تفرض السلطات الأردنية رسوما على السيارات السعودية التي تحمل عدد» 2 خزان وقود» ولو كانت من بلد المنشأ، وقالت إن هذا القرار يأتي بغرض الحد من عمليات تهريب البنزين السعودي للأردن مؤكدة أنه في حالة قدوم المسافر السعودي المتردد وخزانات الوقود معبأة سيتم استيفاء رسوم عشرة دنانير وكتابة إقرار خطي عليه بعدم تعبئة الخزان الإضافي، وفي حال تكرار المخالفة سيتم استيفاء رسوم بمقدار 25 دينارا وإعادة السيارة إلى السعودية.