الممرضات السعوديات.. عنوسة وتحرش ومضايقات وخوف من المناوبات والاختلاط
تعيش الممرضات السعوديات بين النظرة الإقصائية القاصرة من المجتمع والمناوبات الليلية؛ مما جعلهن يعشن تحت وطأة الألم والضيم والهم والمخاوف من المشكلات الاجتماعية؛ بسبب عدم وعي المجتمع الذي لم تتغير نظرته تجاه الممرضة وتقبله رغم تطوره الفكري وذلك لنوعية العمل وآليته، ووفقا للشرق التي تقصت القضية من أطرافها، وسبرت أغوارها، والتقت عدداً منهن، حيث أكدن أن العاملات في القطاع الصحي والممرضات -خاصة- لازلن يعانين من النظرة السلبية للمجتمع، وعدم تقبله لهن بسبب الاختلاط في هذا المجال.
تهميش وتقليل
تقول تغريد الغامدي «لجأت لدراسة التمريض عندما ضيق علينا التدريس رغم علمنا بأن هذا المجال لا يخلو من المشكلات والمضايقات والاختلاط، ولكن أُجبرت على ذلك لتحقيق مصدر رزق لي وتأمين مستقبلي، وبالفعل تم توظيفي في فترة وجيزة، لكني صُدمت بنظرة المجتمع التي لا تخلو من التهميش والتقليل من أخلاقنا؛ فالجميع يحكم على تربيتنا من عملنا وليس من خلال حجابي والتزامي به في عملي . وتضيف «لم تقتصر هذه النظرة على المجتمع الخارجي فحسب، بل إنها تصدر من الموظفين العاملين معنا أيضاً».
قطار الزواج
وتشاركها الرأي عبير العسيري، قائلة «لم يقتصر الأمر على النظرة السلبية فقط، بل إننا حُرمنا بسبب هذا العمل الشريف من الزواج، والكثير من الممرضات فاتهن قطار الزواج والبعض الآخر مهددات بالطلاق وعدم الاستقرار الأسري؛ لأن الرجل في مجتمعنا لا يحتمل فكرة عمل المرأة في القطاع الصحي، حتى وإن كانت محافظة على حجابها».
وتضيف «أقرب مثال لذلك عندما قررت أن أزوج شقيقي زميلاتي في العمل، ولكنه رفض -وبشدة- وقال «لا أرضى أن تعمل زوجتي مع الرجال، وفي أوقات متأخرة من المساء، وحاولت إقناعه بأنني أعرف أخلاقها جيداً ومدى التزامها بحجابها، وبأن نظام المناوبات يتم بموافقة الممرضة، ويوضع لها جداول وإدارة تعود لها الموظفات غير الراغبات في المناوبة الليلة وليس إجبارياً، ورغم كل ذلك فقد فشلت محاولاتي في إقناعه دون أن أجد منه سبباً وجيهاً، وللأسف؛ ما حدث من أخي حدث لي -أيضاً- من إحدى قريباتي عندما اعترضت على زواجي من ابنها بسبب عملي».
خدمة إنسانية
وقالت مشاعل الدوسري «رغم الصعوبات والانتقادات التي نواجهها، إلا أننا نعشق تلك المهنة ونجتهد في تأديتها على أكمل وجه؛ فهي خدمة إنسانية قبل أن تكون عمل نتقاضى عليه أجراً مالياً، ولكن لأن الممرضة أقرب احتكاكاً بالمريض وأكثر خدمة له فالبعض يعتقد بأننا «خادمات» فنتعرض كثيراً للإساءات اللفظية الحادة والجارحة». وأضافت «في إحدى المرات ذهبت لأصلي الظهر؛ وأثناء الصلاة إذ بمريضة ترفع صوتها وتطلبني للحضور فوراً، فخشيت أن يكون الأمر لا يحتمل التأخير، فاضطررت لقطع صلاتي لأتفاجأ بسؤالها: ماذا عن التحليل؟!». وتقول أريج عسيري « لم يقف الأمر عند النظرة السلبية وعدم الرضا بوضعنا الوظيفي، بل إننا نفتقد الاحترام الذي هو من أهم الأخلاق الإنسانية في مجتمع إسلامي، فبعضنا يعمل في الصيدلية، ويحدث أن تختلف الشركات المصنعة للدواء، وحينما نصرف الدواء لمريض يبدأ بالسب والشتم، وأنه على صواب وأنا المخطئة، بل إنه قد وصل الأمر في يوم من الأيام أن يرمي المريض الدواء في وجهي، ولكن ماذا بيدي فعله؟! فأنا في الأول والأخير ((فتاة لا حول لي ولا قوة)) فلا نجد احتراماً يحمسنا للعمل، ولا وعياً صحياً يجنبنا الوقوع في مثل هذه الإشكاليات».
اتهام وتحرش
وأفادت فاطمة أحمد أن بعض الناس يتهمونهن «بقلة الحياء» و»بالجرأة» وقالت «من هذا المنطق والاتهام الباطل يجد بعض المراجعين والمرضى باباً لمضايقتنا، فقد كنت أمرِّض مسناً وكان ابنه يحاول التحرش بي والتقرب لي بحركات وتصرفات تُنمي عن أخلاقه غير السوية، ولكنني أسمعته كلاماً جعله يندم على تصرفه ذلك».
وتضيف «نحن بحاجة لأقسام نسائية معزولة لكي نكون في مأمن من كلام المجتمع، ونحفظ بذلك كرامتنا». أما أم سليمان المطيري فتقول «لا أرضى أن تكون إحدى بناتي ممرضة أو تعمل في القطاع الصحي، حتى وإن وصل مرتبها لـ «آلاف الريالات» كما أنني لا أرضى أن أزوج أبنائي من «ممرضة»، فلو تقبلنا وضع الاختلاط بحفاظها والتزامها بحجابها؛ فلن نسلم من أمر الغيرة والشك الدائم بينهما، كما أنهم سيفتقدون الأمان الأسري في ظل العمل لساعات متأخرة من الليل». وتتساءل «من سيرعى الأبناء ويهتم بالزوج ومن سيدير شؤون المنزل؟»
وتضيف» لن أختار لابني حياة مهددة بالنهاية في أي لحظة ويبقى الأطفال هم الضحية» ..
التزام المرأة
ويؤكد عضو لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى، الدكتور عازب آل مسبل أن النظرة المجتمعية للمرأة السعودية العاملة تختلف حسب موقعها من «الالتزام» بضوابط الشريعة الإسلامية، وبحسب ديننا الإسلامي الذي هو الأساس لوجودنا في هذا الكون؛ لأن الله -تعالى- يقول «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». وأضاف «المرأة إذا كانت لا تقع في مكان تختلي فيه بالرجل الأجنبي والرجال غير المحارم وتعمل في إطار عملها وفق الضوابط الشرعية التي حددها دين الإسلام فلا بأس بالأمر، وأما إذا رأت أن هذا العمل يخالف دينها فيجب أن تبتعد عنه».
نظرة دونية
وترى اختصاصية العلاج النفسي والإرشادي والزوجي هناء الحكمي أن هذا الدين هو المنهج الأول والدليل الثابت في التعامل مع الآراء المختلفة مع العديد من القضايا لقوله -تعالى- « مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»، فقد عظم الإسلام من شأن العمل لأن فيه منفعة للإنسان، وقد يكون فيه أيضاً منفعة للآخرين، وجعل الله شأن ذلك العمل الذي فيه منفعة الآخرين من أحب الأعمال إليه -عزّ وجّل- لقوله -صلى الله عليه وسلم-»خير الناس أنفعهم للناس». وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه الألباني: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً».. فالمتطلع والمتدبر لهذا النص الشريف يجد التالي: أولاً؛ في عمل الأطباء العظيم يدخل السرور والبهجة للمريض ولأسرته ويكشف الكربة عنه. فالله يقول -جل جلاله-»ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». فعملهم فيه حياة للناس ومداواة لجروحهم وعللهم وأسقامهم، ولكن بالمقابل واجه الكثير من الذين يعملون في هذا المجال نظرة خاطئة تعود بالسلبية في الحكم على ذواتهم، واختصت تلك النظرة الأنثى دوناً عن الرجل. فبدأ المجتمع يتعامل معها بالقسوة والظلم لكونها اختارت تلك المهنة الشريفة عن غيرها. وتعود تلك النظرة على النساء كونهن يخضن مجال الطب والتطبيب (التمريض) بمنظور حديث وواسع، رغم أنه عمل قد امتهنته الصحابيات في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
عادات وتقاليد
وتوضح الحكمي أن الكثير من الممرضات يواجهن عوائق منعت بعضهن من أداء المهنة بالشكل المطلوب لكون المجتمع يحتكم للعادات والتقاليد، فقد يتطلب العمل مناوبات لفترات متأخرة من الليل، ما يجعل الأسر تكون في وضع قلق وتوجس نظير هذا التأخير الذي لم تعتد عليه. ما ينتج عنه من مشاعر الخوف على تلك الابنة أو الزوجة نتيجة وجودها في مكان مختلط.
وتضيف «نتيجةً لذلك؛ قد لا يحظى كثير منهن بفرص الزواج المتكافئ الذي يضمن لهن حياة كريمة. وذلك بسبب توجس الكثير من الأسر والشباب من الإقبال على الفتاة التي تعمل في مجال التمريض، خاصة كونه عملاً مختلطاً قد يعرضها للكثير من التساؤلات التي تندرج ضمن السمعة التي ينظر بها إلى هذه الفئة بالذات، ناهيك عما تولده من سلبيات أخرى.
وأضافت: «قصور النظر إلى هذه المهنة العظيمة قد يفرق ما بين تلك الطبيبة والممرضة في التعامل رغم وجودهن في مجال عمل واحد، فلو كانت تحتكم تلك النظرة إلى الدين القويم الذي أقام العدل والانسانية والمنطق لكان الرأي مختلفاً ومتساوياً. ولكان الكل يحظى بالإجلال والتقدير، لعظم ما يقدم في حق الله ثم في حق نفسه ثم في حق الإنسانية ككل، دوناً عن المسمى المهني الذي يحمله الشخص».
مهنة منبوذة
وبينت الحكمي نبذ المجتمع السعودي لطبيعة مهنة التمريض، حيث نشأت نظرته من زاوية العادات المحصورة في «التقليدية» بعيداً عن الأفق البعيد الذي تحققه هذه المهنة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: بعض اللاتي يتعرضن لفرض علاقات شخصية من ناحية المهنة أو خارجها، أو اختلاطها بالجنس الآخر لوقت طويل أثناء العمل، وكيفية التعامل مع هذا الجنس الآخر على جميع الأصعدة، مما زرع القلق والشك في نفوس تلك الفئة. التي احتكمت لغرائزها ونزواتها في الحكم على هذه المهنة العظيمة ونبذها.
وتضيف: «من خلال هذا نلخص الكثير من المشاكل التي نتجت عن قصر تلك النظرة للمرأة العاملة في هذا المجال الشريف والعظيم من اضطرابات في حياتها الزوجية، من خلال النسب المتواردة على العيادات النفسية لحل تلك المشكلات النفسية وما سببته من قلق واكتئاب، أو حل لمشكلتها الزوجية المهددة بالطلاق التي قد يكون ضحيتها الأبناء، ناهيك عن الأثر النفسي السلبي الذي نتج عنها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تأخر سن الزواج الذي قد يصل إلى حد العنوسة عند أخريات لم يكن لهن ذنب إلا أنهن امتهنَّ مهنة عظيمة باطنها الرحمة وظاهرها نظرة فئة من المجتمع قاصرة أجحفت بحقوقهن».
تحقيق الذات
وزادت الحكمي «إن تأثير هذا العمل يقوم على محورين أحدهما إيجابي يكمن في تحقيق ذاتها واعتمادها على نفسها في تلبية متطلباتها الحياتية وتحقيق المنفعة، فقد قال رسولنا الكريم -صلي الله عليه وسلم-: «ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده». أما المحور الثاني، فكان يحمل في طياته الكثير من المشاعر السلبية ابتداءً بالخوف مما قد يقع عليها من تعرضات سلبية في مكان عملها ووجود مشاعر القلق على مستقبلها».
إصرار وعزيمة
و قال الناطق الإعلامي في «صحة عسير» سعيد بن عبدالله النقير»إن الممرضة السعودية -ولله الحمد- تعمل بثقة كبيرة وبإصرار وعزيمة للرقي بمهنة التمريض إلى أعلى المستويات، وتبذل جهوداً كبيرة لأداء رسالتها السامية»، وأشار إلى أن بعض التصرفات الفردية التي تظهر من بعض الممرضات لا تشوه الدور الكبير الذي يقمن به لخدمة المرضى، فدورها حيوي و»70%» من الخدمة الطبية التي تقدم للمريض تأتي عن طريق التمريض بشقيه النسائي والرجالي»، وحول وجود مشكلات بسبب عملهن أوضح «النقير» أنه لا توجد أية مشكلات؛ فهن يعملن كغيرهن ضمن ضوابط ونظام ممارسة الطب البشري. أما ما ذكر حول مشكلات العمل بنظام المناوبات مع الممرضات السعوديات؛ فقال «النقير»: إننا -وعلى سبيل المثال- في مستشفى عسير لم تعد هذه المشكلة تمثل عائقاً للممرضة السعودية، وأصبحن يعملن كغيرهن من الأجنبيات في المناوبات الليلية المختلفة، ولم تعد هذه المشكلة تساهم في عزوف الممرضات عن الالتحاق بهذه المهنة؛ مع العلم بوجود حلول مناسبة لهذه المشكلة إن حدثت، حيث يتم تكليف الممرضات غير السعوديات في المناوبات المتأخرة وكذلك الممرضين الرجال في أقسام الرجال كحل لهذه المشكلة. وحول تأييده لعمل الفتاة السعودية في قطاع التمريض، قال: «أتمنى أن يعمل في هذا المجال أكبر قدر ممكن من الممرضات من بلدنا الغالي، فمهنة التمريض مهنة إنسانية وشريفة لابد للمجتمع من احترامها وتقديرها.»