الإخوان المسلمون في الإمارات.. القصة الكاملة
إنها قصة قديمة.. لكنها اليوم تحتل مساحة جدل واسعة في المشهد الخليجي والعربي، لا تتوقف أخبارها وأنباؤها عن التدفق كل لحظة.. قصة متسارعة مشتعلة ساخنة، انتقلت من دوائر النخب والساسة والمثقفين لتصبح حديث الشارع، ومثار أسئلة العامة، قصة تخالفت وتخاصمت فيها الآراء والاتجاهات، والدول أيضا.
«الإمارات العربية المتحدة، وجماعة الإخوان المسلمين».. صراحة غير مسبوقة، وقصة مشبعة بالتفاصيل.. تلك التفاصيل التي قد ينسي آخرها أولها، وتنفرد بعض أجزائها بالصورة.. في خضم تطورات صاخبة، وأحداث متلاحقة.. يتوقف القارئ أحيانا ويتساءل.. ما الذي يحدث؟.. ما الحكاية؟ وما هي القصة؟.. كيف بدأت، ولماذا بدأت؟
وهذا ما نحاول أن نتلمس الإجابة عليه هنا.. ماذا تخطط جماعة الإخوان المسلمين ولماذا استهداف الامارات؟
في شهر مايو (أيار) 2012 كتب الناشط والمدون الإماراتي الشاب خليفة النعيمي مقالا في مدونته الشخصية بعنوان «خمسة أسئلة متكررة حول دعوة الإصلاح»، تساءل فيه قائلا: هل لدعوة الإصلاح تنظيم؟ وأجاب عن سؤاله: «دعوة الإصلاح لا بد لها أن تكون منظمة». ويضيف النعيمي في ذات المقال موضحا منهج وفكر «دعوة الإصلاح» – التي تُوصف بأنها الإطار الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في الإمارات-: «أبناء دعوة الإصلاح هم من حملة الشهادات الجامعية العليا.. درس بعضهم في مصر فتأثر بفكر الإمام حسن البنا، والبعض الآخر تأثر بكتب الشيخ أبو الأعلى المودودي».
في جانب آخر.. كتب المدون الإماراتي الشاب محمد المرزوقي في مدونته الشخصية، وكأنه يرد على أفكار النعيمي مقالا في أغسطس (آب) 2012 قائلا: «لنتكلم بصراحة، الكل يعلم أن التنظيمات مهما كانت بريئة وذات أسماء ودلالات خيرة فهي ممنوعة وبحكم القانون إن لم تكن تحت إشراف رسمي، فما الغرابة إذن إن تم اعتقال بعض منسوبيها؟ أنا أعرف أن الدولة وكبار مسؤوليها قد نبهوا قادة هذه الجمعية (جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي) بأن ما يقومون به هو مخالف لأنظمة الدولة، ولكنهم أصروا على الاستمرار، ونسوا أن عصا القانون ثقيلة». توجز هاتان المدونتان، الكثير مما يمكن أن يقال حول قصة الإخوان المسلمين في الإمارات، الرأي من طرفيه، خصوصا إذا علمنا أن مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمنتديات كانت أحد أهم حقول هذه القصة وأبطالها. لكن واحدة من المنعطفات الرئيسية في هذه الحكاية، هي حين أصدر ناشطون وأكاديميون إماراتيون – ينتمي غالبيتهم لفكر الإخوان المسلمين – بالتزامن مع أحداث «الربيع العربي» عريضة (تعرف بعريضة الثالث من مارس/ آذار – 2011) يطالبون فيها بإجراء انتخابات لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وبتعديل دستوري يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.
نتيجة لهذه التحركات.. جاء موقف السلطات الإماراتية حازما ومباشرا، فتم سحب الجنسية من عدد من «الإماراتيين المجنسين» المنتمين لجماعة الإخوان في ديسمبر (كانون الأول) 2011، واتهمتهم السلطات بالتورط في «أعمال تهدد الأمن الوطني، والارتباط بمنظمات وشخصيات مدرجة في قوائم الإرهاب». ظهر بعد ذلك الخطاب الصريح من الفريق ضاحي خلفان – القائد العام لشرطة دبي – في مؤتمر «الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.. رؤية من الداخل»، والذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في 17- 18 يناير (كانون الثاني) 2012، وقال فيه خلفان: «اسمحوا لي أن أنأى بعيدا عن الدبلوماسية، أنا رجل أمن.. الإخوان المسلمون هم أحد مهددات الأمن في الخليج، ولا يقلون خطرا عن إيران».
بعدها أعلنت الإمارات عن توقيف 60 عضوا من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في الإمارات، ووجّهت لهم النيابة العامة في سبتمبر (أيلول) 2012 تهما تتعلق بـ«إنشاء وإدارة تنظيم سرّي، وجناح عسكري يمسّ الأمن ومبادئ قيام الدولة، والارتباط بجهات خارجية وتلقّي تعليمات وأموال، من أجل الاستيلاء على السلطة، وإقامة حكومة دينية في الإمارات».
لكن (دعوة الإصلاح) أصدرت بيانا في 25 أكتوبر 2012 ترد فيه على تهم النيابة العامة، قائلة إن أعمال العنف بكل أشكالها، ومنها العَمل المسلح، يتعارض كليا مع مبادئها وأهدافها. مؤكدة أن «ما يمارسه جهاز الأمن من مسرحية لن تنطلي على شعب الإمارات» وفقا لما ورد في البيان.
البدايات الأولى.. رحلة السبعينات إذا أردنا العودة للبدايات الأولى لوجود الإخوان المسلمين في الإمارات، فإن الآراء والتحليلات تختلف في تحديد البداية الفعلية لنشاط الإخوان، ومصادر تغذيتهم الأساسية، فيشير الباحث السعودي عبد لله بن بجاد العتيبي في دراسة له بعنوان «الإخوان المسلمون والإمارات» – صادرة عن مركز المسبار للدراسات والبحوث – إلى أن بدايات تأسيس تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، ترجع إلى نهاية الستينات أو منتصف السبعينات، مدللا على ذلك بقول «الإخواني السابق» علي عشماوي وهو يخاطب سيد قطب – ومن المرجح أن هذا الحديث جرى في عام 1965 -: «والإخوان في إمارات الخليج اختاروا الأخ (عزّ الدين إبراهيم) مسؤولا».
ويتحدث الدكتور عبد الله النفيسي في دراسته «الإخوان المسلمون التجربة والخطأ»، عن حجّ الهضيبي عام 1973 فيقول: «وفيه عقد أوّل اجتماعٍ موسّعٍ للإخوان.. ونظرا لأن معظم الإخوان في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج، فقد تشكّلت لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات». ويشير النفيسي إلى وظيفة إخوان الخليج، قائلا: «مندوبو الدول الخليجية يتمّ دائما توظيفهم في عملية جباية الأموال للتنظيم الدولي للإخوان».
وفي السنة نفسها التي عُقد فيها أول اجتماع دولي موسع للإخوان، شهدت الإمارات هجرة عدد من المدرسين والأساتذة المصريين (الإخوان) الباحثين عن العمل، كما يؤكد الأستاذ سالم النعيمي – كاتب وباحث إماراتي – في حديث خاص أن البدايات الأولى لوجود الإخوان المسلمين في الإمارات تعود إلى عام 1973 حين قدم إليها كوادر الإخوان العرب بحثا عن عمل، وهربا من الاضطهاد السياسي في بلادهم.
أما الباحث السعودي منصور النقيدان فيتتبع البداية الأولى لوجود الإخوان المسلمين في الإمارات في دراسة له بعنوان «الإخوان المسلمون في الإمارات.. التمدد والانحسار» نشرها مركز المسبار، مستشهدا بحديث للدكتور محمد الركن أستاذ القانون الدولي السابق، – وهو من القيادات البارزة بين الإخوان الإماراتيين – الذي قال إن عودة بعض الطلبة الإماراتيين في أواخر الستينات من دراستهم في مصر والكويت، كانت بداية لتشكل تيار للإخوان في الإمارات، «يحدوهم أمل إنشاء جماعة تمارس أنشطتها وتنشئ مؤسساتها ومحاضنها التربوية في البلاد، لتستقطب الشباب إلى أفكار الجماعة، وتهيئتهم ليكونوا كوادر مؤثرة في المجتمع الإماراتي الوليد»، ويضيف النقيدان: «نجحت الجماعة أن تنشئ إحدى أقدم الجمعيات الأهلية في الإمارات، وهي (جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي) – الامتداد التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين – وتلقت الجمعية الوليدة رعاية أبوية ومساهمة رمزية من إخوان الكويت، حيث ساهمت جمعية الإصلاح الكويتية بتأثيث مقرها، واستمر هذا الترابط العضوي بين فرعي الإمارات والكويت، عبر اللقاءات والزيارات وإقامة المخيمات الصيفية في الكويت، وتنظيم الرحلات».
وبتفصيل أكثر يوضح النقيدان أنه في عام 1974 تقدمت مجموعة من رجال الأعمال والوجهاء والمشايخ والدعاة – ومنهم الإخوان القدامى مثل سلطان بن كايد القاسمي، ومحمد بن عبد الله العجلان، وعبد الرحمن البكر وحمد حسن رقيط آل علي، وحسن الدقي، وسعيد عبد الله حارب المهيري – تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى السلطات بإشهار الجمعية.
وإن كان النقيدان في دراسته يشير إلى دور إخوان الكويت في تأسيس نشاط جماعة الإخوان في الإمارات، إلا أن الكاتب الإماراتي عبد الغفار حسين – رئيس جمعية حقوق الإنسان الإماراتية – يختلف معه ويرجع الدور إلى إخوان قطر، حيث أوضح في مقال له نُشر في صحيفة «الخليج» الإماراتية أن نشاط الإخوان في الإمارات قد انطلق من مقر البعثة التعليمية القطرية في دبي التي جاءت كمساعدات من قطر للإمارات في عام 1962. وكان للشيخ عبد البديع صقر – أحد رموز الإخوان المسلمين المصريين – ضلع في تأسيس هذا المقر واختيار المدرسين والقائمين على شؤونه، كما أسس مدرسة تابعة له اسمها مدرسة الإيمان في منطقة الراشدية بدبي. ويضيف حسين: «كان الشيخ عبد البديع والشيخ يوسف القرضاوي يقيمان في قطر، ويترددان باستمرار على الإمارات، وكانا من أبرز المحاضرين في قاعة المكتبة العامة التي أسستها البلدية عام 1963».
إخوان الإمارات في سير الرعيل الأول في كتابه «من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة» الذي يترجم لأغلب رموز الرعيل الأول للحركة الإسلامية، في مقدمتهم مرشدو جماعة الإخوان المسلمين ورجالاتهم في العالم الإسلامي، يورد المستشار عبد الله العقيل سيرة لأحد أقدم وجوه الدعوة الإسلامية ورموزهم في الخليج العربي، وهو الشيخ والعالم الإماراتي عبد الله بن علي المحمود، الذي كان له حضور بارز وفاعل في النشاط الإسلامي، وتنظيم الأوقاف والمساجد في إمارة الشارقة منذ وقت مبكر جدا.
الشيخ المحمود (1902- 1982) كان أول مدير للشؤون الإسلامية والأوقاف بالشارقة، وكان نائبه في الإدارة حينها الشيخ الأزهري عبد الودود شلبي أحد رموز الإخوان في مصر، تعرض للسجن مع عدد من أعضاء الجماعة بعد حلها عام 1948.
يقول عنه العقيل: «الشيخ المحمود من النماذج الفريدة، له كثير من الجهود المباركة في ترسيخ أقدام الدعاة والوقوف إلى جانبهم أمام ممارسات الطغاة المستبدين، وكان يشيد بالإخوان المسلمين ويكبر صمودهم أمام البلاء».. كانت تربطه علاقة وثيقة بإخوان الكويت، حيث التقى به المؤلف في مقر الجماعة هناك، يقول: «لقد سعدت به في زيارته للكويت أوائل السبعينات، حيث شرفنا بجمعية الإصلاح الاجتماعي، والتقى الإخوة يوسف جاسم الحجي، وعبد الله علي المطوع، وعمر عبد الرزاق الدايل وغيرهم من رجال الجمعية وشبابها».
ويتحدث العقيل عن علاقة الشيخ المحمود بالداعية الكويتي عبد العزيز العلي المطوع – مؤسس أول بناء تنظيمي لإخوان الكويت – حيث «كانا يتباريان ويتنافسان على تقديم الدعم للدعاة، بل أسهم وإياه في شراء الكثير من الكنائس ببريطانيا وتحويلها إلى مساجد يؤمها المسلمون في صلواتهم، ويمارسون من خلالها أنشطتهم الإسلامية».
شرارة المواجهة.. الحوار أولا بعد تأسيس جمعيات الإصلاح في الإمارات، نشط كوادر الإخوان المسلمين عبر قطاع التعليم، من خلال المساهمة في صياغة المناهج التعليمية، والسيطرة على النشاط الطلابي، كما يؤكد ذلك الأستاذ سالم النعيمي قائلا: «إنهم كانوا يهدفون إلى استقطاب الطلاب منذ الصغر من خلال زرع أدبياتهم عبر المناشط الدراسية والتعليمية». ويؤكد الباحث منصور النقيدان أنه في عام 1988 أصبح الإخوان المسلمون، هم الصوت الأوحد والأقوى في مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة الإمارات. وبحسب مصدر مطلع فإن الشرارة التي نبهت السلطات الإماراتية إلى تغلغل الإخوان الإماراتيين في قطاع التعليم، هي حين أراد أحد موظفي الحكومة الاتحادية إكمال دراساته العليا في الخارج – كان ذلك في بداية التسعينات – فلما قدم طلبه للجنة الابتعاث، قوبل بالرفض على الرغم من أن تقديره الجامعي كان (جيد جدا)، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة، هل يعني هذا أن جميع الطلبة المبتعثين يحملون تقدير (ممتاز) فلا مكان لمن تقديره أقل من ذلك!! أم أن هناك أمرا آخر؟! أثارت هذه الحالة تحريات السلطات التي كشفت بعد ذلك سيطرة كوادر الجماعة على التعليم، ومن ضمنه الابتعاث، فلا يستحق الموافقة للابتعاث إلا من كان يدين بأفكار الإخوان، أو منتميا للجماعة، الأمر الذي أثار غضب السلطات، ودفعها لاتخاذ إجراءات لمواجهة جمعية الإصلاح وتقليص نفوذها، وفقا لما يقوله المصدر. وفي ذات السياق يشير الباحث النقيدان إلى أن تحقيقات لأجهزة الأمن المصري كشفت عن أن أفرادا متورطين في عمليات إرهابية من جماعة الجهاد المصرية، قد تلقوا تبرعات مالية عبر لجنة الإغاثة والأنشطة الخارجية لجمعية الإصلاح الإماراتية. ونتيجة ذلك جمدت السلطات جميع الأنشطة الخارجية لجمعية الإصلاح في عام 1994، أتبعتها بقرار حل مجلس إدارتها، وإسناد الإشراف على فروع المؤسسة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. و«أنهى القرار فصول قصة استمرت لما يقارب واحدا وعشرين عاما من إنشاء الإخوان المسلمين الإماراتيين لـ(جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي)».
لكن موضوع «البيعة» والارتباط بتنظيم خارجي اصطدما بالقوانين والتشريعات الاتحادية باعتبارهما اعتداء على السيادة، وحاولت الحكومة في البداية معالجة موضوع أعضاء الإخوان عبر التحاور معهم أولا وإقناعهم بالعدول عن هذا المنهج، تم ذلك عبر سلسلة من اللقاءات التي جرت بين كوادر الإخوان، والشيخ محمد بن زايد – ولي العهد – عام 2003، كما يؤكد الدكتور علي بن راشد النعيمي – مدير جامعة الإمارات – في حديثه لبرنامج «حديث الخليج» مع سليمان الهتلان، حيث قال إن الدولة قد دخلت في حوار طويل منذ سنين مع الإخوان الإماراتيين من أجل إقناعهم بأمرين: إيقاف نشاطهم التنظيمي في الداخل، وقطع العلاقات مع تنظيم الإخوان المسلمين في الخارج. ووعدتهم مقابل ذلك بالدعم اللازم، وتوفير سبل العيش الكريم، وفتح مجالات ومنافذ العمل أمامهم، «لكن تعنت الإخوان، واستمرارهم في عملهم، ترافق معه تحرك مركز من أطراف خارجية لاستهداف الإمارات، ومع الظروف التي تمر بها المنطقة لم يعد أمام الدولة خيار، إلا أن تتخذ موقفا حاسما تجاه الإخوان من أجل حماية السلم الاجتماعي والأمن الوطني»، كما يقول النعيمي.
يتفق معه الأستاذ راشد العريمي، رئيس تحرير صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، الذي وضع شرطين لازمين لقبول دعوات الإصلاح والترحيب بها قائلا: «الإصلاح يجب أن يكون تحت مظلة الوطن محققا لمصلحته ووحدته، ودون أي أجندة أو ولاءات خارجية، حينها كلنا نرحب بالإصلاح».
ويؤكد العريمي أن التجربة الإماراتية منذ وحدتها «شهدت ربيعا حقيقيا تمثل في التنمية المستدامة، والنهضة المدنية العمرانية، وتحقيق الرفاه للمواطن، مما جعلها أرضا للأحلام، وموطنا للطاقات المبدعة والأفكار الخلاقة».
وفي الجانب السياسي يشير العريمي إلى برنامج «التمكين والمشاركة» الذي أُعلن عنه عام 2005، برعاية من الشيخ خليفة آل نهيان – رئيس الدولة – ويهدف إلى توسيع مشاركة المواطن الإماراتي في العملية السياسية، وتم ذلك عبر انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني. فـ«القيادة الإماراتية تعي جيدا أن الديمقراطية هي إجراءات متدرجة، والإمارات حققت مكاسب تاريخية كبرى لا بد من الحفاظ عليها عبر الانتقال المتدرج الناضج في المشاركة الديمقراطية». ومن جانبه، يؤكد الكاتب الإماراتي محمد الحمادي رئيس تحرير مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية أن «المواطن الإماراتي مرتبط بشكل قوي بأرضه وقيادته، ومتمسك بثوابته الوطنية والقومية والدينية، ولا يقبل أن تأتي مجموعات لتستغله وتستغل الأوضاع في المنطقة، لتحاول أخذ بلده إلى المجهول».
القرضاوي: حكام الإمارات ليسوا آلهة.. خلفان: سنعتقلك
* أثار موقف الإمارات المتصاعد ضد جماعة الإخوان المسلمين، ردود فعل واسعة، أشهرها كان تصريح الشيخ يوسف القرضاوي – يوصف بأنه المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين – حين تحدث على قناة «الجزيرة» في برنامج «الشريعة والحياة» في مارس 2012، وقال «إن حكام الإمارات ليسوا آلهة، بل هم من البشر وكل ما عندهم فلوس، أنا أنصحهم أن يتقوا الله في أهل بلدهم وما يفعلونه بهم، فالحاكم أجير عند الأمة، ولا يجوز أن يعاملوا الناس كالعبيد».
رد عليه فورا الفريق ضاحي خلفان قائلا: «لقد ارتكبت حماقات شنيعة»، معلنا أنه سيطالب الإنتربول بإصدار مذكرة اعتقال بحق القرضاوي الممنوع من دخول الإمارات منذ سنوات. لكن جماعة الإخوان المسلمين في مصر استنكرت تصريح قائد شرطة دبي، وجاء ردها عبر محمود غزلان – المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين – الذي هدد بـ«تحريك العالم الإسلامي بأسره وليس جماعة الإخوان فحسب ضد الإمارات في حال اعتقلت القرضاوي»، مؤكدا اعتزازه بأن يكون الشيخ القرضاوي «أحد أبناء الجماعة».
عبد الله بن زايد: «إنهم لا يحترمون السيادة الوطنية» أما رد القيادة الإماراتية، فجاء صريحا ومباشرا، حيث انتقد الشيخ عبد الله بن زايد – وزير الخارجية الإماراتي – في مؤتمر صحافي بأكتوبر 2012، جماعة الإخوان المسلمين، واصفا إياهم بأنهم لا يحترمون السيادة الوطنية، ويعملون على اختراق هيبة الدول وقوانينها.
أثارت تصريحات وزير الخارجية الإماراتي أزمة مشتعلة داخل مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بمصر، فاجتمع خيرت الشاطر – نائب المرشد العام للجماعة – بأعضاء مكتب الإرشاد في ساعة متأخرة من ذات اليوم، لمناقشة الموقف الرسمي للجماعة من تصريحات المسؤولين الإماراتيين (وفقا لمصدر إخواني مطلع صرح لصحيفة «المصري اليوم»).
وقال المصدر للصحيفة إن «الشاطر قرر التوجه للإمارات بعد يومين من تصريحات الشيخ عبد الله بن زايد حاملا ملفًا خاصًا بأسماء قيادات إخوان مصر، وأماكن إقامتهم في دول العالم والخليج، خاصة الإمارات، لإثبات براءة الجماعة من التهم الأخيرة في قضية قلب نظام الحكم بالإمارات».
لكن صحيفة «المصريون» ذكرت عن مصادر إخوانية مطلعة أن الحكومة الإماراتية رفضت مقابلة الشاطر رغم جهود الوساطة التي بذلها مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع لإنجاح اللقاء.
وذكرت الصحيفة أن الشاطر حاول التوسط لدى السلطات الإماراتية، من أجل الإفراج عن المعتقلين من الشبكة التنظيمية من الإخوان الإماراتيين (60 عضوا) لكن «الإمارات رفضت وساطة الشاطر، لأن القضية برمتها أصبحت في عهدة القضاء الإماراتي ولا يمكن لأي أحد أن يتدخل في سير العدالة».
وتذكر صحيفة «المصري اليوم» أن الشاطر أرسل رسالة إلى الحكومة الإماراتية عبر مسؤول إماراتي كبير، تضمنت التأكيد على أن جماعة الإخوان في مصر ملتزمة بقوانين ودستور دولة الإمارات، ولم ولن يتدخلوا في أي شؤون سياسية، لأي دولة، خاصة الإمارات. ورغم تأكيدات الشاطر بعدم التدخل في شؤون الآخرين، فإن السلطات الأمنية الإماراتية مطلع 2013 ألقت القبض على خلية تضم أكثر من عشرة أشخاص من كوادر الإخوان المسلمين المصريين ينشطون على أرض الإمارات، من أجل جمع أموال طائلة وتحويلها إلى التنظيم الأم في مصر.
الإمارات: تحالف خليجي ضد الإخوان لم تكتف الإمارات العربية بموقفها المباشر الحاد والصريح ضد جماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج، لكنها دعت الدول الخليجية إلى تكوين اتحاد خليجي ضد جماعة الإخوان المسلمين «لمنعهم من التآمر ضد تقويض حكومات الخليج». ويمكن تلمس بوادر هذا التعاون الخليجي ضد الإخوان المسلمين، من خلال إعلان الإمارات القبض على خلية «إرهابية» بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2012، حيث ذكر مصدر مطلع أن السلطات السعودية، تمكنت من إلقاء القبض على أحد أفراد الخلية الإماراتيين على أراضيها وسُلم لاحقا إلى السلطات الإماراتية، مؤكدة أن هذا العضو «ينتمي لتنظيم (دعوة الإصلاح)». وفي ذات اليوم الذي أعلنت فيه الإمارات القبض على الخلية الإرهابية بالتنسيق مع السعودية، كتب ضاحي خلفان عبر حسابه الشخصي في «تويتر»: «عدت بحمد الله إلى دبي بعد زيارتي لمدينة عزيزة على قلبي (الرياض) رياض الجود والكرم وحسن الضيافة».
الشرق الأوسط