الباحث عطيف: لا يمكن اعتبار وجه المرأة عورة لا حقيقة ولا مجازاً.. وتفسير المفسرين ألهى عن النصّ
لم يكتب الباحث أحمد السيد عطيف، كتابه «تغطية العالم» من أجل الإثارة، كما يقول، لكن استجابة للمعرفة التي يجب أن تقودنا إلى تصحيح معلومة خاطئة ذات تأثير ضخم، دون أن تكون مسندة إلى سلطة معرفية، بينما اكتسبت وجاهتها من خارجها، حيث ارتبطت بالتراث.
ووفقا لصحيفة الشرق يقول عطيف إن وجه المرأة لا يمكن أن يكون عورة، متسائلاً «كيف للناس أن يتعارفوا بعوراتهم أو بأجزاء منها»، ويحيل العورة إلى تعريفات فقهية كثيرة، ليس الوجه من بينها حقيقة ولا مجازاً، حسب قوله، ويضيف أن اعتبار وجه المرأة عورة في غير الصلاة، هو تقسيم متأخر لا يقوم على أي أساس سوى الرغبة الذكورية في إخفائه.
لماذا بحثت عن أصول تغطية الوجه في التفسير؟
– الكل متفق أن القرآن الكريم هو أصل التشريع الأول، فيجب البحث فيه أولاً عن مصدر يوجب أو يجيز أو حتى يستحسن للمرأة أن تغطي وجهها، ولأن القائلين بمسألة الغطاء لا يستدلون بالآية وحدها، وإنما يركزون بشكل كامل على ما قاله المفسرون فيها، حتى غدا تفسير المفسر وكأنه جزء من الآية الكريمة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكانت غايتي هي مقارنة أقوال المفسرين بألفاظ الآية من ناحية وإمكانات اللغة العربية ومدى احتمالها لأقوالهم من ناحية أخرى، إضافة إلى أن أحكام لبس المرأة وغطاء وجهها إنما تجد أساسها في أقوال المفسرين.
ما الغرض من تأليف الكتاب؟
– الأسباب منها ما هو معرفي؛ كتصحيح معلومة خاطئة ذات تأثير ضخم وهي لا تستند إلى أي سلطة معرفية واكتسبت وجاهتها من خارجها، ككونها آتية من التراث، ومن زمن السلف، ووجدت دعما من مجتمع ذكوري، ودعماً رسمياً من مؤسسات حكومية كوزارة التربية والتعليم وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن الأسباب ما هو وطني يتعلق بالتنمية والاقتصاد، ومنها ما هو حقوقي ويتعلق بالمرأة كما أن المرحلة التي يمر بها مجتمعنا السعودي وهي مرحلة تقتضي رفع الحرج، فقد شاهدت آباء يمنعون بناتهم من دخول الجامعة لأن الجامعة اشترطت صورة شمسية للطالبة. إضافة إلى سبب منهجي وهو إخراج ما ليس دينا مما هو دين.
لماذا رفضت ابنتك أن تخلع غطاء وجهها في تركيا في الوقت الذي تصر أنت عليها في خلعه؟
– عائشة رفضت نزع غطاء وجهها في إسطنبول لأنها مشحونة بتوجيهات ونصائح تعليمية ومجتمعية تؤكد لها أن غطاء وجهها هو عنوان شرفها ودينها وأصالتها وانتمائها الوطني والقبلي. وأنا لم أكن أمنعها من لبس الغطاء قبل سفرنا لكني كنت أؤكد لها أن الغطاء ليس ديناً، ولها أن تلبسه كعادة لا أكثر وأن تكون مستعدة لنزعه حين تشاء أو حين تجبرها الظروف. لكنها في سفرنا أبدت إصراراً هستيرياً على عدم نزعه، واندفعت في موجة بكاء، لكن واجبي كأب حتم على أن أكون صارما معها، اليوم هي تلبسه غالباً وتنزعه وقت تشاء، المهم أنها مقتنعة أنه ليس وجهها وليس ديناً.
في كتابك تقلل من مقولة إن وجه المرأة عورة وتقول إن ابنتك صدقت ذلك. . هل لديك ما يعزز هذا الرأي المخالف؟
– لا يمكن أن يكون وجه المرأة عورة، كيف للناس أن يتعارفوا بعوراتهم أو بأجزاء منها؟! للعورة تعريفات فقهية كثيرة ليس الوجه من بينها لا حقيقة ولا مجازا، إن القول بأن للمرأة عورة في الصلاة وعورة عند النظر هو تقسيم متأخر لا يقوم على أي أساس سوى الرغبة الذكورية في إخفاء وجه المرأة.
في اعتقادك لماذا يتجه المجتمع إلى تغييب اسم المرأة واستخدام الجماعة وأم العيال والحرمة وربما المدام؟ وما علاقة تغطية الوجه بذلك؟
– حين تغطي وجه المرأة فيمكنك التعبير عنها بأي تعبير آخر، فهي شيء مجهول للآخرين، لا داعي ولا قيمة لذكر اسم صاحبه مخفي أو تحت غطاء، يمكنك أن تقول عنها ما لا يدل عليها أو هو شيء غيرها تماما، العيال أو الجماعة، أو المدام، ليس لتصفها في ذاتها وإنما لتشعر السامع بما يربط هذا الشيء المغطى بك. لا يمكنك أن تسمي شيئا باسمه لا وجود له، وحتى لو فعلتَ فإنك لن تفيد السامع أي فائدة كما هو منطق اللغة، بل يغدو الأمر مضحكاً لو أني سميت لك كائنا مغطى يقف جانبي وقلت لك هذي فاطمة.. ما قيمة أن أقول لك إنها فاطمة؟! لا بد أنك ستسألني أو ستكتم سؤالك «من فاطمة؟» لكنك ستقتنع لو حددت لك علاقة هذا الكائن بي ومن خلالي، كشيء من أشيائي وقلت لك هذي العيال أو الجماعة.. مع أنها في الحقيقة ليست عيالا ولا هي جماعة وهي مخلوق آخر منفصل مثلي ومثلك!
تغطيتها في الواقع لا بد أن تتبعه تغطية في اللغة، هذه متلازمة وسلوك عادي، وأدها في الواقع يقتضي وأدها أيضا في اللغة.
أنت في كتابك «تغطية العالم» تنفي النقاب وغطاء الوجه وترى لهما دلالات تجاه الهوية. . كيف يمكنك أن تقنع القارئ بهذه الرؤية؟
– القارئ الذي يتعصب لغطاء الوجه لا يعرف مدلولات الهوية ولا ما معنى أن يكون الغطاء إخفاءً للهوية وإلغاء للوجود وسيردّ ببساطة أنها موجودة وموظفة وملحقة مع زوجها في سجل العائلة! لكنه سيخضع مرغماً للواقع وضغوط الحياة وسلوك الحكومة.
مثل هذا القارئ لا يهمه إلا أن غطاء الوجه واجب ديني وعنوان وشرفه هو ولو أجمع فقهاء البلد أن الغطاء بدعة وفتنة فلن يستمع لهم لأنه لا يشعر إلا بنفسه وما يتوهم أنه عنوان رجولته وشرفه. هناك قراء يؤمنون أن الغطاء ليس واجباً وهذا النوع سيلتقط أول فرصة اجتماعية مناسبة كالسفر للخارج مثلاً ويضع قناعته موضع التنفيذ.
لقد بذلت جهدي في استفزاز عقل القارئ وإشراكه في التفكير، ونجاحي أو عدمه يعتمد على مدى احترام القارئ لعقله وحقائق الأمور. لقد تلقيت رسائل وقرأت مقالات وتغريدات من قراء من الوطن العربي يؤكدون أن الكتاب غير قناعاتهم ولو على المستوى النظري.
في كتابك توظيف لتراجعات بعض المشائخ عن آراء صريحة في جواز كشف المرأة وجهها، لكن سرعان ما تتراجع هذه الآراء.. برأيك لماذا؟
– ما ذكره الشيخ المطلق هو أن غالبية المسلمين ترى جواز كشف الوجه وأن أقلية قليلة هي التي تعتمد غطاء الوجه، والشيخ لم يقل إلا حقيقة كما ترى لكنه تراجع تحت ضغط زملائه وصرح بذلك، والشيخ المطلق إذا تعرض لضغوط فلا بد أنها من زملائه في هيئة كبار العلماء أو من في حكمهم.
وعائض القرني قال إنه يجوز كشف الوجه ثم تراجع تحت ضغوط مشائخ كما قال ولا بد أنهم أعلى منه.
لكن لماذا تقع الضغوط أصلاً؟ هنا يمكن القول إن الغطاء يرمز لسلطة كونت جمهورها ولا تريد أن تخسر جمهورها ولا سيطرتها عليهم.
مثل هذه التراجعات حصلت من مشائخ على مشائخ على سبيل المجاملة وفي سياق مساع «لتغطية» الحقائق، بعلة وحدة وتماسك الأمة!!.ليست بضغط اجتماعي لأن المجتمع في عمومه يدرك هذه الحقائق.
أما تراجعات الدوائر الحكومية التي ذكرتها في الكتاب كديوان المظالم والمحاكم فهي تحت توقير أو الخوف من ردة فعل المؤسسة الفقهية الممثلة في هيئة كبار العلماء، لكنها وبشكل أكبر تحت ضغط اجتماعي لأن المجتمع لا يحفل بالآراء بما هي آراء وهو يعرف كل الآراء الفقهية ذات الصلة لكن حين تصل الأمور لتطبيق عملي في المؤسسات فإن الأمر يختلف.
هناك من يرى أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام لم يقدم عليها أحد بغرض إيذائها والتعدي عليها، لماذا لا ترى وجاهة أن الحجاب يمنع عن المرأة الأذى؟
– حديثي عن الغطاء لأن كلمة «حجاب» لا علاقة لها بلبس النساء. كلمة «أذية» فضفاضة وتحتمل الأذية من الإحراج بالنظر واللفظ حتى الأذى باليد. الغطاء لا يمنع الأذية ولا يمنع الفتنة. ثم إن الستر والانضمام وإدناء الجلابيب (الملابس الخارجية) هو ما يجب على النساء فعله من جانبهن ليعطي عنهن انطباعا طيبا يحدّ من أذيتهن.
وإذا كان هناك من يرى أن الغطاء يمنع الأذية أو المعاكسة أو الخطيئة فهو مخطئ، والواقع يكذب هذا الرأي يوميّاً. شخصيا أرى أن الغطاء سبب مباشر في تعرضها للأذى. فمن ناحية الشاب فهو بخياله ومخزونه من الصور يتخيل أن الوجه المغطى هو وجه جميل، ولأنه لا يرى تعبير ملامح وجهها فهو يفترض، بناء على رغبته، أنها قابلة لتعرضه وستستجيب لما يريده منها، وهو يضمن أيضا أنها لن تغامر بالعراك معه أو الصراخ فيه مما يجعلها عرضة لتجمهر الفضوليين الذين إنما اختفت منهم، ومن ناحية الفتاة فهي حين تغطي وجهها وتتعرض للشاب فهي تضمن أنه لو رفض سلوكها أو قبله فلن يعرفها أحد، غطاء الوجه كما يعطيه ويعطيها الدافع للتعرض لبعضهما فهو يعطيهما معا مظلة حماية لسلوكهما الخاطئ. فالفتنة ليست في وجه المرأة مهما كانت جميلة وإنما لأنها امرأة وفي الرجل لأنه رجل. هذه هي الفطرة.
هناك روايات وأحاديث كثيرة أوردتها في الحجاب في حين تقول إنه لا يهمك صحة هذه الروايات أو ضعفها فما الذي يقنعك أو يهمك؟
– تلك الروايات أوردتها في سياق الحديث عن أسباب نزول «فاسألوهن من وراء حجاب» وهي روايات متضاربة ومتناقضة غايتها جرّ الآية إلى المعنى الذي أراده المفسرون لها، فالآية من ناحية موجهة للرجال من أولها لآخرها، وفيها توجيهات لهم، بينما المفسرون والقائلون بالغطاء يريدون أن يقلبوا التوجيهات إلى النساء. فالروايات تُساقط بعضها بعضا نظرا لتناقضها، كما أنها بعيدة كل البعد عن معنى الآية الكريمة وغايتها،. . ولذلك لا تهمني في تفسير هذه الآية. ما يهمني هو الآية نفسها وسياقها كما هو في سورة الأحزاب، وهو سياق واضح كل الوضوح في الوقائع والأحكام وأسبابها، ولا علاقة له بما قاله المفسرون الذين شتتتهم الروايات وأسسوا عليها اختلافات وآراء بلا أي منطق علمي، يجب أن نهتم بتنقية الدين مما ليس دينا.
لماذا اعتمدت على القرآن واللغة العربية في تفسير الحجاب وتغطية الوجه؟
– هناك كتب تم تأليفها لحكم غطاء الوجه بمرجعية كتب الحديث، وبقيت المسألة سجالا بين رأيين، يجيز الكشف أو يوجب التغطية، وسيبقى السجال مستمرا لأن كتب الحديث بما فيها كتب الرجال تمنح كل صاحب رأي في الموضوع ما يشاء. على أنه يمكن القول إن كتب الحديث كلها لا تشتمل على حديث صادر عن الرسول عليه السلام يأمر بغطاء الوجه.
لقد تعمدت أن لا أناقش مسألة الغطاء تحت مرجعية الحديث، لأن طبيعة كتب الحديث لا تعطي إمكانية إلا لاستمرار السجال، وقد استنفد الفقهاء كل ما يمكن قوله من خلالها.
القرآن الكريم يصرح دائما بحقيقتين: أنه بلسان عربي مبين وأنه ميسر للذكر. وهذا يعني مباشرة أن القرآن مرجعية قطعية ثابتة واللغة مرجعية قطعية ثابتة لفهمه.
أنت في كتابك تنفي أن يكون المقصود بالحجاب تغطية الوجه. . ما تفسيرك للحجاب وعلى أي شيء بنيت رأيك؟
أنا أؤكد أن لفظ «حجاب» الذي تردد مرارا في القرآن الكريم ليس له علاقة بلبس النساء بما في ذلك غطاء الوجه. أما إدخال ملابس النساء وغطاء الوجه في معاني لفظ «حجاب» فهو إدخال متأخر على الأرجح على يد ابن تيمية، ولفظ «حجاب» الآن يدل، في الوطن العربي والغرب، على غطاء الرأس، أما لدينا فيشمل العباءة وغطاء الوجه. لكن للحديث عن حكم شرعي فبداهة يجب العودة، بواسطة اللغة، لمعنى اللفظ حين نزول القرآن الكريم ولا قيمة لأي إضافة اعتسافية بعد ذلك.
ماذا تقول في تفسير الجلابيب والإدناء؟
أوائل المفسرين اختلفوا في تفسير الجلباب، وكذلك أوائل جامعي اللغة، فكلا الفريقين مارس تفسير لفظ «جلابيب» الوارد في الآية الكريمة. وهذا يعني؛ إما أن الجلباب كان لبسا معروفا أيام نزول القرآن ثم بعد قرن على الأقل لم يعد موجوداً بهذا الاسم، وإما أنه لا يوجد أصلاً لبس مخصوص بهذا الاسم وإنما هو وصف لكل لبس لا يصف ولا يشف ويغطي الملابس الداخلية ويصلح للخروج به بين الناس، أي الملابس الخارجية أيا كان اسمها، وواضح من مادة اللفظ «جلبب» أنه لبس ضافٍ معدّ للخروج.
أما الإدناء فبعضهم يفسره بأنه سحب الخمار من على الرأس ليغطي الوجه وهذا اعتساف واضح، فالإدناء غير السحب وغير التدلّي، الإدناء في اللغة التقريب، وهو لفظ غير حاسم. وإدناء الجلباب هو انضمامه قدر الإمكان على الجسم بالشكل الذي يظهر الحشمة ولا يعيق حركة المرأة.
لابن تيمية رأي في الحجاب، كيف جمع بين رأيي ابن مسعود وابن عباس المتعارضين؟
– ابن عباس له رأيان متناقضان يوردهما المفسرون أحدهما في «يدنين عبيهن من جلابيبهن» حيث يرى أنها تعني غطاء الوجه والثاني في تفسير «ما ظهر منها» حيث يرى أنه الوجه والكفان. ويورد المفسرون رأي ابن مسعود بأكثر من ست أو سبع صيغ كلها في تفسير «ما ظهر منها» بأنها الثياب الظاهرة، أو بعض الزينة المكتسبة كبعض الحليّ. ابن تيمية اعتبر أن كل الروايات الواردة عن ابن مسعود وابن عباس صحيحة، أي أنها فعلا صدرت عنهما، وانطلاقا من منهجه المفضل في قبول كل ما ورد عن السلف ثم الجمع بين الأقوال حتى ولو تناقضت فقد جمع بين الرأيين بطريقة أكثر تناقضاً، فهو أصلا ضد القول بكشف الوجه، فتبني قول ابن مسعود «الثياب الظاهرة» على أن الوجه تجب تغطيته وقال إن ابن عباس روى التشريع الأول من جواز كشف الوجه وأن ابن مسعود روى التشريع في صورته النهائية التي أوجبت غطاء الوجه، مع أن كل الروايات الواردة عن ابن مسعود لم تذكر لفظ «الوجه» كما أنه فسر قوله تعالى « ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ» بأن الغرض من إدناء الجلابيب هو أن «لا» يعرفن. لقد أدخل في رأي ابن مسعود ما ليس منه وأدخل في الآية ما ليس منها إضافة إلى تناقضات كثيرة فصلتها في الكتاب.
أنت تصف بحث المفسرين في أسباب نزول الآيات بأنه ولع، ألا ترى أن بحث أسباب النزول ضرورة؟
– البحث في سبب النزول بحث فيما هو تاريخي قد يساعد في فهم ظروف نزول الآية وربما في فهمها، لكن ليس دائماً، ولا يجب أبدا تجاوز ألفاظ الآية المبينة قطعية الثبوت والدلالة وفي سياق محدد وواضح والانجرار لما نفهمه من أسباب النزول وهي مادة غير قطعية قد تصح وقد لا تصح. نعم أولع القدماء بالبحث في مرويات أسباب النزول لدعم مواقفهم المختلفة لكنهم في بعض الأحيان قدموها على صريح الآيات ودفعهم لدرجة تدخلوا في تقسيم المؤمنات المأمورات بإدناء الجلابيب إلى حرائر وإماء وطاهرات وغير طاهرات بينما الآية لا تضع مثل هذا التقسيم، ودفعتهم لتفسير غريب ومرتبك لقوله «يُعْرَفن»، وقد قدمت في الكتاب تفسيرا جديدا لهذه اللفظة أحسبه أدق وأكثر صوابا واستقرارا.
تتداخل في كتابك بين منطق العقل ومنطق الآية في مفهوم الإدناء، لمن تلجأ وبمن تثق في الحكم؟
– ألجأ بالعقل إلى القرآن العربي المبين الميسر للذكر وإلى اللغة العربية أما الحكم على صحة قول أو بطلانه فهو مدى اقترابه من ألفاظ الآيات وإمكانات اللغة، والوسيلة إلى كل ذلك هي العقل، عقولنا نحن.
كيف يمكن الفصل في هذا الموضوع بين العادة والدين؟
– يمكن الفصل مع الوقت إذا كرست مناهج التعليم احترام النص الشرعي واحترمت العقل في هذا الموضوع، وفي تراث فقهائنا القدماء والمعاصرين تأكيدات كثيرة أن الغطاء عادة لا عبادة. المشكلة فيمن يريد أن يبرر عاداته بالدين، ويسحب النصوص إلى سلوكه القائم. والمشكلة فيمن يرى أنه يجب عليه نزع غطاء وجه زوجته فورا لو اقتنع أن الغطاء ليس من الدين. يمكن أن نؤمن بفكرة ونخالفها في سلوكنا، مثل أن أؤمن بأن الموسيقى مباحة لكني لا أحب سماعها، أو أن التليفزيون مباح لكني لن أشاهده.
وفي الواقع فالمسألة ليست تحريك قطعة قماش صغيرة، المسألة تحريك عقلية وثقافة.
أنت تقول في كتابك إن مصطلح النظرة الشرعية لم يكن معروفاً في الفقه.. فمن استحدثه؟ ولماذا؟
– كان الرأي بتغطية الوجه حتى عهد قريب مجرد رأي، دون أن يتم إلزام أحد به، فالرأي مشهور والناس تعيش حياتها حسب ظروفها، وكان متاحا للرجال أن يروا النساء في الحقول والبيوت وموارد الماء والطرقات وفق ظروفهم الاجتماعية السائدة، وهو وضع يسمح أن يتقدم الرجل لخطبة المرأة وهو يعرفها وقد رآها أكثر من مرة.
لكن في العقود الأخيرة حين انتشر الغطاء برأي صارم وبدعم رسمي وإلزام مدرسي وارتفعت جدران البيوت ووجد الناس من يخدمهم في الحقول والماء وتوفرت وسائل نقل لم يعد متاحا ما كان متاحا من قبل، فصار صعبا أو محالا أن يرى الرجل وجه امرأة، فالنظر إليه حرام وغير شرعي، اصطدمت هذه الصرامة بأحاديث تدل على أن النظرة حق لمن يريد الخطبة، فتم اختراع مصطلح «النظرة الشرعية» خروجا من مأزق وجوب التغطية. وهي النظرة التي يطلب فيها الرجل من أولياء المرأة أن ينظر إليها بحضورهم.. والنظرة بهذا المصطلح وبهذا المفهوم هي ابتكار مجتمع ألزم نساءه بالتغطية، إنها ابتكار مجتمعنا نحن.
ومع أن شيوخنا كلهم يشجعون ولي أمر الفتاة على منح الخاطب «نظرة شرعية» لكن في الواقع لا يكاد يستمع لهم أحد. فالمسألة تعتمد على نظرة الأم أو الأخت للخطيبة أو شختك بختك.. لكني أعتقد أن الشباب أنفسهم وبوسائل الاتصال الحديثة تمكنوا من رؤية بعضهم للخطبة ولأغراض أخرى.
هل من كلمة أخيرة تود قولها؟
– أود القول إن ابن عباس وابن مسعود عاشا معا في نفس المدينة وتلقيا شرح الآيات عن النبي عليه السلام، ولم يرد أبدا أن الصحابيات انقسمن بين الرأيين أو استفسرن من النبي كيف يلبسن أو كيف يفهمن إدناء الجلابيب أو ما الذي يظهر من الزينة. وإذا صحت الروايات عنهما، وأنا استبعد ذلك، فلا خلاف بينهما في أن كشف الوجه أمر طبيعي والفرق بينهما، كما أفهمه، هو أن ابن عباس يرى أن لها أن تظهر بزينة وجهها وابن مسعود يرى أنها إذا وضعت زينة فلا يجوز لها الظهور بها أما غطاء الوجه فلم يكن في تفكيرهما.
يمكنني القول باطمئنان، وتقديرا للعادة إن للمرأة أن تغطي وجهها في حال رغبت في ذلك وسمحت لها القوانين.