لا نحتاجكم.. ابقوا في منازلكم وسنعطيكم رواتب!
يبدو أن مقولة «الشركات السعودية تفضل العامل الوافد على ابن الوطن» مقولة حقيقية أثبتتها هذه الحالة التي بين أيدينا، إذ رغم الجهود التي تبذلها وزارة العمل من خلال إجبار هذه الشركات على توظيف السعوديين، وإيجاد البرامج التي تسهم في هذه العملية والتي منها برنامج «نطاقات»، إلا أن عمليات الفصل و«التطفيش» وعدم التوظيف ما زالت مستمرة تحت ذرائع واهية منها أن «الشاب السعودي ليس جادا في العمل، وأنه يرغب في العمل المكتبي فقط».
وفي ذات الوقت الذي نجد فيه هذه الشركات تمنح المميزات التي يسيل لها اللعاب للعامل الأجنبي أو الوافد، من رواتب مجزية وبدلات وتوفير مواصلات، وحتى تعليم أبنائهم في المدارس الخاصة وغيرها من المزايا، فإن الشاب السعودي يمنع حتى من أبسط حقوقه ويعطى رواتب أقل ما يقال عنها إنها لا تسد الرمق.
وكما يبدو، فإن برنامج نطاقات رغم نجاحه الساحق، إلا أن بعض الشركات وجدت مداخل للتلاعب والاحتيال عليه، من خلال دعوة المواطنين للتقديم على الوظائف التي تعلن عنها، وعندما يحضرون يخبرونهم برغبتهم بتسجيل أسمائهم في الشركة حتى يتمكنوا من استخراج تأشيرات لعمالة أجنبية لتوظيفهم فيها مقابل أن يمنح المواطن مبلغا من المال وهو جالس في منزله.
في هذا الخصوص حضر لمكتب مصادر مجموعة من الشباب السعوديين، عرضوا علينا تجربتهم مع إحدى هذه الشركات، قالوا لنا إنهم ذاقوا معها الويلات والكثير من المصاعب.
استقالة بالإكراه
فهذا جمعان عسيري، مواطن أصبح يطرق أبواب الجمعيات الخيرية للحصول على ما يسد رمقه ورمق أسرته، تقاذفته الظروف وأجبرته لسؤال الناس بعدما استفزه مديروه الأجانب في إحدى الشركات ، ليجد نفسه «مستقيلا» آخذاً معه ما تبقى من كرامته، ليجد نفسه غارقا في الديون والمشاكل العائلية، باع سيارته وأصبح يعيش ضائقة مالية كبيرة، ولا يزال عاطلا حتى اللحظة، وأسرته مهددة بالشتات حتى أنه اضطر إلى بيع سيارته لأجل النفقة على أطفاله، ويعيش في وضع مأساوي للغاية حيث لا زال يعيش وأسرته على نفقة المحسنين.
وتعود تفاصيل قصته كما رواها لنا، إلى أنه عندما عين ــ وهو أب لخمسة أطفال ــ على وظيفة رجل أمن يرأسه فيها مديرون من جنسيات عربية، أخذوا ينتقصون من وظيفته والتقليل من شأنه، ويضعون أمامه العراقيل الواحدة تلو الأخرى، حيث كان يعمل حارس أمن على قسم الموظفات، والذي يدخله مديرهم بلا «إحم» ولا دستور ، يقول جمعان «كان يردد على مسامعي أن وجودي في هذا المكان مثل عدمه، مخترقا كل خصوصيات بنات بلدي، واستمرت الاستفزازات تجاهنا لدرجة السخرية بنا كشعب متعلم ومكافح، وعند رفع شكوى لوزارة العمل لا يصلنا منهم شيء، وبين ما تبقى لي من كرامة والحاجة للراتب الذي توفره لي الوظيفة كنت أعاني الويلات، قررت التقدم باستقالة ليقيني بأن الله وحده هو الرزاق».
ويضيف جمعان «إن عملية الانتقاص والتطفيش لم تقتصر علي فقط، فهؤلاء زملاء لي في نفس الشركة قدموا استقالة جماعية وبلغ عددهم 9 موظفين (4 إناث و5 ذكور) في شهر رمضان وشوال هروبا بكرامتهم من الاحتقار الذي نواجهه ممن ولتهم الشركة مسؤولية الإشراف علينا وترؤسنا».
وفي المقابل يكشف جمعان، عن أن في الشركة 14 موظفا سعوديا استسلموا لطلب مديريهم بالجلوس بمنازلهم واستلام رواتبهم كل شهر حتى يوهموا وزارة العمل بالسعودة، ويستفيدوا من تأشيرات الأجانب، مشيرا إلى أن الشركة وضعت مديرين أجانب على السعوديين بمناصب قيادية، رغم وجود كفاءات وطنية مميزة ينتقصون من كفاءتهم وتميزهم.
ابقوا في بيوتكم
فهد وافي أيضا، وهو منسق بالموارد البشرية بالشركة، لم يختلف وضعه عن وضع جمعان كثيرا، إذ تسببت له الاستقالة في كثير من المشاكل الأسرية، فهد متزوج ولديه ابنتان، وقال : أملك من الخبرة 9 سنوات ما يؤهلني لأكون مديرا بالشركة في الموارد البشرية، حيث أنني أخذت دورة تدريبية باستراليا لتعلم اللغة الانجليزية ودورة بالموارد البشرية، وطموحي أن أطور نفسي وأخدم بلدي، ويضيف قائلا «عندما تولى أجنبي من جنسية عربية إدارة قسم الموارد البشرية، بدأ ينظر للسعوديين باشمئزاز، ووجدنا أنفسنا نذهب للدوام يوميا دون أي عمل، وعند سؤال مدير إدارتنا عن العمل يقول: خذوا رواتبكم وخليكم ببيتكم، وعندما رفضنا، بدأ يمارس أنواعا من المضايقات علينا مدعيا أننا كسعوديين لا نملك من الخبرة شيئا».
وتم الرفع إلى المدير التنفيذي للشركة ــ والحديث مايزال لفهد ـــ والذي تواطأ مع مديرنا لأنهم كلهم غير سعوديين، ومارسوا علينا أنواع الضغوط، مشيرا إلى أنه كان آخر المستقيلين من زملائه التسعة وذلك خوفا على ضياع أسرته.
وأضاف «بالفعل تحقق لهم ما تمنوا حيث لم أستطع تحمل الاستفزازات، وكانت إقالتي سببا في المشاكل التي حدثت في حياتي الأسرية، لعدم استطاعتي دفع الإيجار ومن ثم سكنت في بيت أخي مدة، ثم ذهبت زوجتي لبيت أهلها لعدم استطاعتي توفير مسكن ومأكل لها ولبناتي، كنت أنام ودمعتي على خدي لعدم استطاعتي توفير احتياجاتهم». وأعرب فهد عن تخوفه من عدم قبول الشركات الأخرى له «بسبب الدعوى التي رفعتها ضد تلك الشركة»، ويضيف «ما بنيته خلال 9 سنوات ضاع أخيرا بسبب الوظائف الوهمية للسعوديين والتي يتولاها فعليا أجانب»، وذكر وافي أنه تم التقدم لوزارة العمل برفع شكوى، وتعذرت بداية بالمهلة التصحيحية في تعديل أوضاع الشركة، مشيرا إلى أن المهلة «أفادت العاملين الوافدين في الشركة ولم تأخذ لنا حقنا».
وبعد 3 شهور من رفع الشكوى ـ يضيف فهد ــ أرسلت وزارة العمل مفتشا للشركة وذكروا لنا أنهم ضبطوا مخالفات وتمت معاقبتهم، أما بالنسبة لحقوقنا وإهانتنا، فإنهم لم يفعلوا إزاءها شيئا، واتضح لنا أن العقوبات لم تتجاوز غرامة مالية بسيطة، وما زال الموظف السعودي يعيش بالشركة أنواع المضايقات والاستفزازات.
ويوضح: هذا الأمر سبب لي مشاكل نفسية واجتماعية، فلم أعد أستطيع تحمل المصاريف اليومية، وقد طالبني صاحب الشقة بالتسديد أو الخروج من المنزل، إضافة إلى إيجار السيارة التي أمتلكها بالأقساط والتي هددني صاحبها بسحبها في حال عدم الوفاء بالأقساط. إن سمعتي تشوهت أمام الناس بسبب هذه المطالب.
واستطرد فهد: حاولنا قدر المستطاع حل الأمور بشكل ودي وعملي دون فائدة، ومازلت أحتفظ بجميع الإيميلات والرسائل التي تم إرسالها لحل الأمور بيننا، وللمعلومية تقدمنا لوزارة العمل برقم 8006 بتاريخ 27/10/1434 وأرسلنا برقيه الى معالي وزير العمل رقمها 1307032121983
ولم يتم الرد عليها حتى الآن.
«كويس إني وظفتك!»
من جانبه، ذكر حمد العتيبي مشرف موارد بشرية وهو متزوج ولديه طفل واحد، أنه أكثر زملائه تضررا لما لديه من علم وثقافة، وكان مرشحا لأن يصبح مديرا ولذلك تضرر نفسيا مما حدث لهم في الشركة. وقال حمد : لم أقدم استقالتي إلا بعد أن وصلت الأمور إلى حد لا يمكن معه الصبر، حيث أن الشركة تسحب كل شيء من ابن البلد وتعطيه للموظف الوافد، وتم الرفع للرئيس المفوض للشركة ومجلس الإدارة ولم يتم إنصافنا، بل إن الاستفزازات والتقليل من القيمة استمرت بشكل متزايد إلى أن تركنا العمل، ومنا من خضع لضغوطهم بالجلوس بلا عمل وأخذ مرتبا شهريا.
وهذا محمد القحطاني رجل أمن (عازب) تعرض لحادث بعد شهرين من الاستقالة، ودخل مستشفى حكوميا للعلاج، وما زال منوما فيه ولا يعلم أين يتجه بعد خروجه من المستشفى، ويروي محمد قصته «عندما طلبت من المسؤولين بالشركة احترام خصوصيات الموظفات السعوديات، كان يرد علي قائلا (أنت مين عشان تكلمني، كويس أني وظفتك)، مع العلم أنه ليس هو الذي وظفني بالشركة ووصلت إلى مرحلة عدم التمكن من تحمل الذل، فتركت العمل فورا.
والموظفات أيضا
كذلك تعرضت أربع نساء لنفس الضغوط ــ فضلن عدم ذكر أسمائهن حتى لا يقعن في إحراج أمام أسرهن ـــ ، أكدن أنهن اتهمن بالفشل عمليا وإداريا، وقال لهن مديرهن بالموارد البشرية: المرأة لم تدخل المجال العملي إلا قبل 30 عاما، ولذلك المطلوب منكن الجلوس على الكراسي فقط أو العودة إلى المنزل، وكان يكرر لهن (كن ربات بيت أفضل لكن)، ويطلب الاجتماع بهن في مكتبه ويغلق الباب عليهن وسط نظرات الموظفين السعوديين الذين لا يستطيعون عمل شيء إزاء ما يفعله المدير، كما ينتهك خصوصياتهن في الدخول عليهن في مكاتبهن دون أدنى سبب أو ضرورة ملحة، فتقدمت الفتيات الأربع بالاستقالة حفظا لكرامتهن دون علم حتى أهليهن بما ذقنه من ذل ومهانة، حتى لا يفقدن فرصة العمل في مكان آخر…