مفتي المملكة: المتربصون يستغلون الفرص لإحداث الفوضى وإثارة البلبلة
شدد مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ على أهمية محاربة التشدد والفكر الضال بشتى صوره، قائلا «تتوزع الأدوار في ذلك على مختلف الجهات، والتي منها: هيئة كبار العلماء، الأسرة، المسجد، الإعلام، رعاية الشباب، ومدارس تحفيظ القرآن».
وبين أن انتقاد جهاز هيئة الأمر بالمعروف إن قصد منه الإصلاح فلا بأس، بل ذلك مطلوب، أما إن كان للنيل منه فهذا مذموم ومردود.
وأوضح أن بلادنا مستهدفة، ومواجهة ذلك يكون بوحدة الصف والالتفاف حول القيادة وكذلك العلماء.
وأكد على أهمية دور المسجد والإعلام في توجيه الشباب والحفاظ على أوقاتهم، مطالبا عموم المواطنين بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد منعا للتلاعب بالمال العام.
في البدء، ما رؤية سماحتكم حول دور أجهزة الرقابة في المملكة لمكافحة الفساد والمحافظة على المال العام؟
حكومتنا الرشيدة حريصة على محاربة الفساد الإداري والمالي في الدوائر الحكومية، وقد صدر الأمر السامي الكريم من لدن خادم الحرمين الشريفين بإنشاء: الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وترتبط بخادم الحرمين الشريفين مباشرة، مما يعطيه قوة واعتبارا لدى المواطنين والمسؤولين الحكوميين.
ولا شك أن إنشاء هذه الهيئة في غاية الأهمية، وستكون لعملها آثار إيجابية كبيرة في سبيل إصلاح الأمور، ومحاربة الفساد، وتضييق دائرته قدر الإمكان، وتوجيه الأمور نحو الأفضل وتصحيح مسار المشاريع الحكومية وتنفيذها على الوجه المرضي، وحيث إن عامة المواطنين ينتظرون خطوات ملموسة في تحقيق الآمال التي أنيطت بالهيئة، فإنه بالمقابل تقع مسؤولية كبيرة على القائمين عليها، وتوخي الشفافية الكاملة في أعمالها ومواقفها، وعدم مجاملة أحد، وعدم التغاضي عن المتورطين في الفساد الإداري والمالي، والمتلاعبين بالمال العام، والمتقاعسين عن تنفيذ المشاريع الحكومية العامة على الوجه المطلوب وبالمواصفات المتفق عليها.
ويتوجب على عامة المواطنين، وسائر المسؤولين في الدولة التعاون مع الهيئة، والوقوف بجانبها، وشد أزرها، وبذل كل أنواع الدعم المطلوب لإنجاز مهمتها بالشكل المطلوب، لأجل تحقيق النتائج الإيجابية، وتسهيل مهمة الهيئة في أدائها وأعمالها، والإسلام حرص على المحافظة على المال العام، لتعلقه بعامة الشعب، ولكونه من مقومات الدولة المسلمة، ومن أسباب قوتها، إذ أن أي دولة تطرق فيها الفساد والاستخدام السيئ للمال العام، وطمع فيه الطامعون، وأصبح ضعاف النفوس يسيئون التصرف فيه، ويستغلونه لتحقيق مصالحهم الشخصية، فذلك من أكبر أسباب انتشار الفساد في المجتمع، وسراية الضعف إلى جهاز الدولة، واختلال شؤون الدوائر الحكومية، ولذلك كان من الأهمية بمكان اتخاذ التدابير الواقية لمنع التلاعب بالمال العام، وسوء استخدامه، وكذلك معاقبة من ثبت تورطه في هذا المجال.
ما دور المساجد وخطب الجمعة في توجيه الشباب؟
المسجد منبر لتوعية الناس بأمور دينهم من خلال خطبة الجمعة التي يلقيها الخطيب كل أسبوع على مسامع الناس، يوجههم من خلالها نحو الخير، ويحثهم على أعمال البر.
ومن المعلوم أن طبقة الشباب هم في طليعة المستفيدين من خطبة الجمعة، فهم الأغلبية في المجتمع المسلم، وهم يرتادون المساجد خمس مرات يوميا، كما أنهم يرتادونها لتعلم وحفظ كتاب الله تعالى من خلال حلقات التحفيظ، وكذلك الاستفادة من الدروس والمحاضرات العلمية التي تلقى فيها، والدورات الشرعية التي تقام فيها بين حين وآخر وفي المناسبات والإجازات.
فكل تلك الأمور تساهم في توعية الشباب، وتوجيههم، وإرشادهم، وحثهم على الطاعات، والتخلق بالفضائل، وتحذيرهم عن المنكرات والوقوع في الرذائل والشهوات المحرمة وتوجيههم نحو الخير والفضائل، وإصلاح أحوالهم، وتربيتهم على العقيدة الصحيحة، والسلوك المستقيم، والمنهج الوسطي القويم، وإبعادهم عن التطرف والتنطع والغلو، والتفريط والتقصير، فهو مركز للتوجيه والإرشاد، والتعليم، والتربية، وإصلاح شؤون الناس الدينية والدنيوية، إلى جانب كونه مكانا لأداء العبادة من الصلوات المفروضة.
وماذا عن الإعلام في توجيه الشباب؟
الإعلام يلعب دورا إيجابيا في توجيه الشباب، إذا كان هادفا ومنتهجا للنهج السليم، والمطلوب من الإعلام في المجتمع المسلم الإسهام في حث الشباب على الفضائل، وإبعادهم عن المنكرات، وحماية فكرهم من الانحراف، والتلوث بالعقائد الباطلة، والمناهج المخالفة لعقيدة الإسلام وأصوله ومبادئه، وشغل أوقاتهم بالنافع المفيد، وأن لا يلهيهم بما يضيع أوقاتهم، أو يصرف هممهم إلى سفاسف الأمور، وأن يوجه طاقاتهم في الأمور التي تنفعهم في دينهم ودنياهم، والارتقاء بمستوى فهمهم وإدراكهم للأمور، ونشر الوعي الصحيح بما يدور حولهم، وما يحدق بهم من أخطار، وما يواجهونه من غزو فكري وثقافي من قبل أعداء الإسلام.
ولأجل أن يقوم الإعلام بهذا الدور لا بد أن ينطلق من مبادئ الإسلام وقيمه وفضائله، وأن يكون في خدمة الناس.
سماحة الشيخ.. أليس هناك دور كبير لهيئة كبار العلماء في بلادنا للحد من ظاهرة الإرهاب؟
بلى، هيئة كبار العلماء لها دور في محاربة ظاهرة الإرهاب والحد منها، وقد أصدرت بيانات عدة وفي مناسبات مختلفة عن تجريم الإرهاب بجميع أنواعه، وتحذير الناس من الغلو، والتطرف، والتكفير، والتفجير، والأعمال التخريبية في المجتمع المسلم، والإفساد في الأرض، والاعتداء على الأعراض، والأموال، وقتل الأبرياء والأنفس المعصومة. وتلك البيانات معروفة ومشهورة ومنشورة في وسائل الإعلام، وعلى شكل منشورات في المساجد وغيرها.
كما أن هيئة كبار العلماء لها دور فعال في حل المشاكل التي يعاني منها الشباب، والقضاء على السلوكيات التي تشكل أرضية لنمو فكر الإرهاب والغلو بينهم، فهي تدعو دائما إلى الفكر الوسطي المعتدل، والمنهج الصحيح في العقيدة والسلوك والعمل.
وماذا عن دور الأسرة في مكافحة الإرهاب؟
الأسرة تلعب دورا أوليا في تربية الناشئة على العقيدة الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، وحب الدين والخير، والالتزام بتعاليم الإسلام وأحكامه وفرائضه وواجباته، وحب الخير لإخوانه، واحترام حقوق الآخرين، والبر بالوالدين، وصلة الأرحام وغيرها من أعمال البر وخصال الخير.
وماذا عن دور رعاية الشباب في مكافحة الإرهاب؟
الشاب بحاجة إلى قضاء أوقاتهم في الأنشطة النافعة، والترويح المباح، وتسلية النفس بما فيه تغيير الجو والخروج من روتين الحياة.
وهنا يأتي دور رعاية الشباب في أن تهيئ الفرص المناسبة لقضاء أوقات الفراغ لدى الشباب في الأنشطة النافعة، وفيما يعود عليهم بالفائدة في صحة أجسامهم، وتنشيط عقولهم، وتقوية قواهم، مع مراعاة الضوابط الشرعية، والقيم الإسلامية في كل ما تقدمه من أنشطة ورياضيات للشباب بعيدا عن إثارة المشاكل والحزازات والتوترات بينهم.
ومن هنا يتجلى لنا بوضوح توزيع الأدوار في توجيه الشباب والعناية بشؤونهم بين الأسرة، والمسجد، والإعلام، ورعاية الشباب، وهذا يتطلب بكل تأكيد التعاون والتكاتف وتنسيق الجهود بين تلك الجهات لتربية الشباب على القيم والفضائل، وإبعادهم عن المنكرات والرذائل، والارتقاء بهممهم، وترغيبهم في معالي الأمور، ومنعهم من سفاسفها، وحماية أوقاتهم من أن تضيع في أمور لا تعود عليهم بالنفع والفائدة.
هناك جهات تسعى لأحداث الفوضى.. كيف المواجهة برأيكم لتلكم الأعمال؟
لا شك أن بلادنا مستهدفة، ويستغلون كل فرصة لأحداث الفوضى، وإثارة البلبلة، ونشر الخلافات ومثل هذه المكائد والمخططات واضحة للجميع، ولا تخفى على العاقل البصير، ولذلك يجب التنبه لها، ومواجهتها بكل ما لدينا من طاقات وإمكانيات.
ومن أهم الأمور التي يجب أن نوليها اهتمامنا في هذا المجال هو المحافظة على وحدة صفنا، واجتماع كلمتنا، والالتفاف حول قيادتنا الرشيدة، وطاعتهم فيما يصدرون من أوامر وتوجيهات وقرارات، والتي هي تصب في صالح الوطن والمواطن، والتي فيها حمايتنا من الأخطار المحدقة بنا من الداخل والخارج، وكذلك يجب الالتفاف حول علمائنا الراسخين في العلم، والرجوع إليهم في معرفة حكم الشرع في الأمور الهامة، وفي القضايا الكبار، وفي كل ما يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين.
هيئة الأمر بالمعروف تقوم بدور متميز، لكن البعض يتهم أحيانا هذا الجهاز بالقصور.. فما رأي سماحتكم؟
وجود شيء من القصور، وبعض الخلل من طبيعة أي جهاز في أي دولة كانت؛ وذلك لأن الجهاز عبارة عن مجموعة من البشر، فهذا ليس عيبا، ولا يشكل مشكلة كبيرة، لكن المشكلة إذا كان القصور هو السمة الغالبة على الجهاز، ويتكرر منه بشكل مستمر، ثم لا يسعى في إصلاحه.. ونحن بحاجة إلى تفقد بناء، وإلى علاج وحل على الأسس السليمة، وأما توجيه الاتهام أو النقد إلى جهاز حكومي كجهاز هيئة الأمر بالمعروف إن كان القصد منه الإصلاح فلا بأس بل هو مطلوب، ولكن لا بد من بذل التعاون معه في تسهيل مهمته، ومساعدته على الأداء الأفضل.
وأما إن كان القصد هو النيل منه بتشويه سمعته، والتشهير بأخطاء بعض أفراده، وتضخيمها، وتوظيفها لأجل القضاء عليه، أو الحد من نشاطه وصلاحياته.. فهذا مرفوض ومذموم ومردود على صاحبه، فرجال (الهيئة) أناس محتسبون متطوعون، يحبون الخير لإخوانهم، ويسعون في إصلاح الأحوال، ومحاربة المنكرات، والحد من الجرائم في المجتمع، وتطهيره، من عبث العابثين، فالواجب على الجميع أن يكونوا سواعد يمنى لهم؛ لدعمهم وتقويتهم على أداء رسالتهم على أفضل وجه وأحسنه، ويجب الكف عن تعييرهم أو التشهير بأخطائهم، أو مواجهتهم، أو التحامل عليهم والنيل منهم، أو تأليب العوام عليهم، فذلك لا يجوز تجاه أي مسلم.
مدارس تحفيظ القرآن.. أليس عليهم دور حول تصحيح مفاهيم الشباب؟
مدارس تحفيظ القرآن في بلادنا محاضن للتعليم السليم والتوجيه الرصين لطلابها، فقد أثبت طلاب مدارس التحفيظ تفوقهم علميا، واستقامتهم سلوكيا وفكريا، وتتبوأ تلك المدارس سنويا مراكز متقدمة ولا شك أن هذا الأثر الإيجابي، والنتائج الطيبة، والثمرات اليانعة إنما هي ببركة حفظ القرآن الكريم.
المعاهد العلمية في المملكة رافد لجامعة الإمام.. وهي تؤهل الشباب فكريا وتعليميا.. ما نصيحة سماحتكم للقائمين عليها؟
من واجب القائمين على المعاهد العلمية العناية بتربية طلابها وتعليمهم العلم الشرعي المبني على الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، وترغيبهم في التخلق بالقيم الإسلامية والأخلاق الحسنة، وتصحيح المفاهيم العقدية لديهم، وحثهم على البر والتقوى، وترسيخ المنهج الوسطي في نفوسهم، وترغيبهم في حب الخير لإخوانهم، وطاعة ولاة أمورهم، والتفاني في خدمة وطنهم والحفظ على مكتسباته ومصالحه، وبذلك سيخرج من تلك المعاهد جيل من الشباب الصالح المستقيم المتمسك بعقيدته، وسيكونون في المستقبل منارات للعلم النافع، والتوجيه السليم، والخير العميم لبلادهم……