ترقب لنظام الإعانة.. العاطلون يستقطعون 0.5 % من الناتج المحلي
[COLOR=green]صحيفة طبرجل الإخبارية – محمد السلامة [/COLOR]
يترقب المواطنون تبلور المقترح الذي يجري مناقشته في مجلس الشورى ويرمي إلى صرف إعانة مالية للسعوديين العاطلين عن العمل كما هو معمول به في عدد من دول العالم.
ويطرح صاحب المقترح الذي تجاوز أول اختبار بعد موافقة مجلس الشورى أخيرا على ملاءمة دراسته بإضافة مادة جديدة إلى نظام العمل تتعلق بصرفها، نماذج لـ 18 دولة في أوروبا الغربية، كندا، الولايات المتحدة، اليابان، نيوزيلندا، وأستراليا تقدم إعانات للعاطلين عن العمل.
ويتضح من هذه النماذج أنها من الدول التي تتبع اقتصادات السوق الحرة، وتتمتع باقتصادات قوية أو مستقرة على مستوى العالم، وهو ما يساعد على استشراف هذه التجارب في تطبيق هذه الإعانة في السعودية، خاصة أنه في حال الأخذ بها فإنه لن تستقطع سوى مبلغ ضئيل من إجمالي الناتج المحلي في حال صرف ثلث متوسط ما تصرفه الدول المذكورة أعلاه أي 0.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وينص المقترح على صرف إعانة مالية شهرية للسعوديين العاطلين عن العمل المسجلين لدى وزارة العمل لفترة محددة أو حتى يجدوا فرص العمل المناسبة على أن يحدد المقدار والضوابط في نظام أو لائحة تصدرها وزارة العمل.
[COLOR=red]وضع سوق العمل[/COLOR]
شدد صاحب المقترح عضو «الشورى» المهندس سالم المري، على أن الوضع الحالي لسوق العمل في المملكة قد وصل إلى درجة من الجمود والتردي بحيث لا يمكن تغييره إلا بقرارات حازمة وجريئة في مسائل استراتيجية ومحورية مهمة تعيد هيكلته، وتقلب بعض المفاهيم، مثل صرف مساعدات للعاطلين عن العمل، مشيرا إلى أن المملكة لن تكون أول ولا آخر الدول التي تضطر إلى اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة، ولكن المزيد من التأخير قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة ازدياد أعداد السعوديين العاطلين عن العمل إلى درجة تطغى فيها الآثار السلبية للبطالة على السطح وتؤثر في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ولفتت دراسة حول وضع سوق العمل المحلية والمرفقة مع التقرير المقدم من صاحب المقترح، إلى أن من يدقق في الوضع الحالي للسوق سيجد أن نتائج خطط توظيف السعوديين لم تزل للأسف دون الطموحات، رغم ضخامة الأموال التي تضخها الحكومة سنويا في سبيل تنمية الموارد البشرية، ورغم كثرة الأنظمة التي تحث على توظيف السعوديين ومحاولات ضبط استقدام الأيدي العاملة غير السعودية.
وأشارت إلى أن هذا الوضع لا يتوافق أبدا مع الفرص والإمكانات المتوافرة في البلاد، إلى جانب أنه مخالف لاستراتيجيات وسياسات الدولة المعلنة، فهناك تزايد في أعداد السعوديين العاطلين عن العمل يصحبه نمو مستمر في أعداد العمالة الوافدة وإصرار من قبل البعض على التوسع في استقدام العمالة الآسيوية الرخيصة لشغل الأعمال التي يمكن أن يشغلها السعوديون، رغم وجود أعداد كبيرة من العمالة الوافدة السائبة التي تعمل بشكل علني في شوارع المدن الرئيسة.
واستعرضت الدراسة تطور أعداد العمالة – حسب مصلحة الإحصاءات العامة – منذ عام 2000 حتى نهاية عام 2006، مبينة أن العمالة غير السعودية زادت بنسبة 35 في المائة عام 2006 مقارنة بعام 2000، كما تضاعف في الفترة نفسها عدد السعوديين العاطلين عن العمل ليزيد في عام 2006 بـ 96 في المائة تقريبا عما كان عليه في عام 2000 لتصل نسبة البطالة إلى 12 في المائة أو ما يقارب 470 ألف مواطن ومواطنة تقريبا في عام 2006، وهذا رقم كبير وغير مبرر في دولة مثل المملكة من الله عليها بدخل وفير وفرص عمل كثيرة تجذب الباحثين عن العمل من جميع أنحاء العالم.
[COLOR=red]مخاطر البطالة[/COLOR]
وبحسب الدراسة فإن انتشار البطالة في أي مجتمع يؤدي إلى أزمات كثيرة لها أبعادها الخطيرة على الدول، ومع أن تأثيرها في بداية الأمر قد لا يكون واضحا إلا في المجال الاقتصادي، إلا أن آثارها سريعا ما تظهر في المجالات الأخرى المختلفة الاجتماعية منها والسياسية، فهي بلا شك سبب رئيس في انخفاض مستوى المعيشة وتزايد أعداد من يقعون تحت خط الفقر، وبيئة خصبة لنمو الجريمة والتطرف وأعمال العنف في المجتمع، خاصة إذا كانت الغالبية العظمى من العاطلين عن العمل ممن هم في سن الشباب كما هو الحال في المملكة وليس من الحكمة تجاهل مخاطرها على المجتمع في السعودية أو التهوين من شأنها أو القول إنها نتيجة مؤقتة لبعض الظروف وستزول بنفسها فهي في ازدياد ومخاطرها في تعاظم، وتعد من بين أخطر المشكلات التي تواجه بلادنا حاليا.
كما أن أضرار استشراء هذه الظاهرة في المجتمعات كثيرة ومتعددة يأتي في مقدمتها إهدار قيمة العمل البشري، حيث يخسر الوطن قيمة الناتج الذي كان من الممكن إنتاجه في حالة استخدام العاطلين لطاقاتهم الإنتاجية، إضافة إلى إضعاف ولاء المواطن لوطنه وجعله فريسة سهلة للقوى المعادية والأفكار الهدامة المناوئة لأمن واستقرار بلاده.
[COLOR=red]المملكة والدول الصناعية[/COLOR]
أكدت الدراسة المقدمة أنه لا يمكن المقارنة بين البطالة في بلادنا والبطالة السائدة في البلاد الرأسمالية الصناعية والاطمئنان إلى نتيجة المقارنة، نظرا لكون البطالة في الدول الصناعية عادة ما تكون مرتبطة بالتغير الدوري في الأنشطة الاقتصادية والذي يؤدي بين الفينة والأخرى إلى انتقال اليد العاملة من عمل إلى آخر.
كما أن نظم إعانات البطالة والخدمات الاجتماعية التي تقدمها هذه الدول كثيرة ومتطورة وتخفف من وطأة أزمة هذه الظاهرة.
أما البطالة في بلادنا – بحسب الدراسة – فتتسم بطبيعة عبثية غير مبررة ومثيرة لحنق وتندر المواطنين، فالفرص الوظيفية كثيرة وكذلك المشاريع ولكن الأعمال تذهب للعمالة الأجنبية والثراء يذهب لقلة مستفيدة من فوضى سوق العمل على حساب المصلحة الوطنية، مما يعطي المسألة منحى سياسيا خطيرا خاصة إذا اقترن هذا التقصير بغياب نظم فاعلة للإعانات الاجتماعية التي تخفف من وطأة الحاجة على العاطلين عن العمل، مع وجود الأنشطة الدعائية المعادية التي تستهدف استقرار وأمن ورفاهية بلادنا من قبل قوى عديدة إقليمية وعالمية.
[COLOR=red]المعمول به في الدول[/COLOR]
أشار مقدم المقترح إلى أن العديد من الدول تدفع إعانات للعاطلين عن العمل بطرق ومقادير مختلفة، ومن هذه الدول 18 دولة في أوروبا الغربية، كندا، الولايات المتحدة، اليابان، نيوزيلندا، وأستراليا، مبينا أن معدل ما دفعته هذه الدول كإعانات للعاطلين عن العمل عام 1998 بلغ نحو 1.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لمجموع تلك الدول وهو يختلف من دولة لأخرى، فبينما دفعت الدنمارك ذلك العام 3.8 في المائة إجمالي الناتج المحلي كإعانات للعاطلين، دفعت الولايات المتحدة 0.2 في المائة فقط وذلك اعتمادا على إجمالي الناتج المحلي وأعداد العاطلين عن العمل.
أما في المملكة فيقدر عدد العاطلين عن العمل – بناء على تقرير مصلحة الإحصاءات العامة لعام 2006- بـ 12 في المائة أو ما يعادل 470 ألف مواطن ومواطنة.
وتتوقع الدراسة أن يبلغ إجمالي الإعانة 0.5 في المائة من الناتج المحلي وفقا لأرقام 2006 بالنسبة لعدد العاطلين وإجمالي الناتج المحلي للمملكة الذي كان حينها عند 1.35 تريليون ريال، وذلك بصرف ألف ريال للفرد العاطل شهريا، وهو ثلث متوسط ما تصرفه الدول المشمولة في البحث كإعانات للعاطلين عن العمل.
[COLOR=red]تطبيق الاتفاقيات الدولية[/COLOR]
أورد مقدم المقترح مجموعة من المسوغات لدعم مقترحه، ومنها أن اتفاقية المؤتمر العام لمنظمة العمال الدولية المعتمدة في 21 حزيران (يونيو) 1988 بشأن النهوض بالعمالة والحماية من البطالة تضمنت عديدا من النصوص بخصوص إعانات العاطلين عن العمل.
فعلى سبيل المثال نصت في مادتها الثانية بأن تتخذ كل دولة عضو في المنظمة تدابير مناسبة لتنسيق نظام الحماية من البطالة فيها مع سياستها في مجال العمالة وتحرص لهذا الغرض، على أن يسهم نظام الحماية من البطالة فيها – ولاسيما طرائق التعويض عن البطالة – في تعزيز العمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية.
كما نصت المادة العاشرة من الاتفاقية على أن تشمل الاحتمالات المغطاة – بشروط مقررة – البطالة الكاملة المعرفة بأنها فقد الكسب بسبب عجز شخص عن الحصول على عمل مناسب.
وحيث إن المملكة عضو منتخب في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية منذ السابع من حزيران (يونيو) فإن تطبيقها الاتفاقية بشكل طوعي سيكون له بلا شك أثره الإيجابي في سمعتها العالمية كدولة مهتمة بكل ما من شأنه رفاهية مواطنيها وملتزمة بمقاصد الاتفاقية الدولية.
[COLOR=red]المكاسب المتوخاة[/COLOR]
من ضمن المسوغات كذلك – بحسب مقدم المقترح – فإن هذه الإعانة ستسهم في تخفيف حالة العوز والإحباط لدى العاطلين عن العمل، وحماية تماسك المجتمع ولحمته، والتزام أخلاقي من الدولة نحو مواطنيها أسوة بدول العالم المتحضر.
ويضيف: «إنه عندما تندر فرص العمل وتنتشر البطالة يتعرض العاطلون عن العمل لآلام الفقر والحرمان هم وأسرهم ويعيشون في قلق دائم بسبب افتقادهم الأمن الاقتصادي، وقد تتدهور الأمور إلى أن يجوع الإنسان وعندها يتعطل النظام وتعم الفوضى ويصبح العاطل في حالة دفاع عن النفس ضد الجوع، مما يبرر له الأعمال المحظورة كالسرقة أو التمرد على الأعراف والتقاليد من مبدأ دفع الضرر الأكبر بضرر أصغر، وقد أثبتت الأحداث عبر التاريخ أن محاسبة الجائع غير مجدية ولا طائل من ورائها، ولذلك عطّل الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حدّ السرقة في عام الرمادة حين جاع الناس».
كما أنه في حال عدم وجود أي نوع من الحماية الاجتماعية للعاطلين فإن الوضع قد يزداد سوءًا في المجتمعات، فكثيراً ما تدفع البطالة وما يرافقها من شعور بالحرمان والمعاناة إلى تعاطي المخدرات والاكتئاب والاغتراب عن المجتمع، فضلاً عن ممارسة العنف والجريمة والتطرف، بل قد ينقلب أيضاً على بلاده وأهله.
ولذا نجد في العصر الحديث لجوء معظم الدول المتقدمة التي تتبع اقتصادات السوق الحرة إلى الأخذ بنظام إعانات البطالة لاعتبارات أخلاقية، ولتخفف عن العاطلين وتحتضنهم وتعينهم على حياة سوية لتحمي المجتمع من تفجر غضبهم وتمردهم الناتج عن حاجتهم الماسة إلى إبقاء أنفسهم وأسرهم على قيد الحياة.