مختصون: واقعة دبابات جدة انتقام موجه للبدلة العسكرية
أثارت واقعة قيام مجموعة من الشباب بالاعتداء على رجل أمن في محافظة جدة وهم يقودون الدبابات؛ حالة عارمة من الاستياء في الأوساط السعودية، وهو ما دفع مختصين إلى المطالبة بتغليظ عقوبة الاعتداء على رجال الأمن، واتخاذ وقفة صارمة مع مثل هؤلاء، خاصةً أنه اعتداء جاء ممن فتح الوطن له أبواب الرزق واحتضنه وساعده على كسب لقمة عيشه.
واعتبر المحامي خالد الطويان، في حديثه إلى “عاجل”، أن ما حدث من استهداف رجل الأمن بأسلوب عبثي واستفزازي، هو أمر يصعب السكوت عنه أو مجرد معالجته بشكل اعتيادي، مطالبًا باتخاذ إجراءات استثنائية؛ كي لا يتكرر مثل هذا الموقف ثانيةً، حفاظًا على هيبة الدولة التي يمثلها في الشارع رجل الأمن الذي يبسط القوة على كل من يريد العبث بالدولة أو الاستهانة بمقدراتها.
أما بشأن العقوبة التي يستحقها هؤلاء الشباب، فقال “الطويان”: “إن ما قاموا به لا يصح أن نرد عليه بالأساليب العادية؛ لأنه (خطأ غير عادي)”، مضيفًا أنهم استهدفوا رجل الأمن مباشرةً وبشكل مقصود ومنظم وعلى الملأ، وهو ما يستدعي الرد عليهم بحزم وقوة وشدة، واتخاذ أقصى درجات العقوبة المترتبة على جرائم التعزير، خاصةً أنه من صلاحيات ولي الأمر.
وتابع: “لا بد من الحكم عليهم بعقوبة تعزيرية قوية جدًّا؛ لكي تهدأ نفوس المواطنين بعد ما تعرضوا له من تأثير كبير، وحتى يتم ردع أمثال هؤلاء المعتدين وكل من أراد أن يحذوا حذوهم أو ممارسة مثل تلك المواقف السلبية”.
ولفت “الطويان” إلى أن قيام المعتدين بممارسة اعتدائهم بهذا الشكل، هو بمنزلة رسالة إلى الدولة والمواطنين أنهم لا يبالون بالنظام، مضيفًا: “ومما زاد الطين بِلة، أنهم مقيمون، وكان الواجب عليهم أن يراعوا الوطن الذي يأكلون ويشربون فيه، إلا أنهم -ويا للأسف- تنكروا للجميل وللأرض المباركة التي كانت سببًا في رزقهم”.
ومن جانبه، أفاد المحامي والمستشار القانوني والباحث في العدالة الجنائية نايف بن صالح الخربوش؛ بأن رجل الأمن حظي في الأنظمة السعودية بحماية ملائمة بصفته رجلًا من رجال السلطة العامة؛ حيث كفل له النظام الدرجة الكافية من الحماية التي تمكنه من ممارسة عمله بدون تهديد، مباشرًا أو غير مباشر.
وأضاف أن القرار الوزاري رقم 2000 الصادر عن وزير الداخلية بتاريخ 10/6/1435هـ بشأن تحديد الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف؛ نص على “تجريم الاعتداء على رجل السلطة العامة أثناء مباشرته مهمات وظيفته، أو الإضرار بمركبته الرسمية، أو بما يستخدمه من تجهيزات، باعتبار ذلك جريمة من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف”؛ ما يعني أن النظام جرَّم بشكل عام مقاومة رجل الأمن أو إعاقته بالقوة عن القيام بواجب من واجباته، أو ممارسة أعمال وظيفته.
وأشار “الخربوش” إلى أن النظام الجزائي للشريعة الإسلامية القائم عليه القضاء في المملكة، يتيح للقاضي حق تقدير حجم ضرر الجريمة ليصدر العقوبة الرادعة المناسبة على من ثبت في حقه ارتكاب مثل هذه الجرائم، واضعًا في عين الاعتبار كون رجل الأمن نائبًا عن ولي الأمر فيما يقوم به من عمل أو خدمة يقدمها لمجتمعه؛ ما أوجب حماية جنائية له في النظام السعودي. أما المعتدي على رجل الأمن فتطاله عقوبات صارمة وحازمة، ومنها التوقيف والتعزير.
وحول الدوافع وراء مثل هذا الاعتداء السافر، قال الخبير بعلوم النفس الدكتور عبدالرحمن بن عبيد العازمي، إن الاختصاصيين النفسيين يفسّرون السلوك الإجرامي بناءً على دوافع ارتكابه النفسية والاجتماعية، ويعتمدون في تفسير الجريمة على دوافع ارتكابها، ومكان ارتكابها، وآثارها.
ولفت إلى أنه من خلال الفيديو الذي وثق الواقعة، فإن الدوافع النفسية والاجتماعية يبدو أنها ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة لتخطيط مسبق وترسبات فكرية، متابعًا: “فالانتقام الذي ظهر على سلوك الجناة، يعتبر سلوكًا عدوانيًّا موجّهًا إلى البدلة العسكرية” حسب قوله.
وأضاف أن مثل هذا النوع من العدوان يعتبر أسلوبًا جديدًا يحقق أهداف الجاني تحت مظلة اللعب والترفيه، لكن مقطع الفيديو كشف أبعاد هذه الجريمة المنظمة، التي شاركت فيها 4 جنسيات، معتبرًا الاعتداء على رجل الأمن بهذا الأسلوب، مؤشرًا على توجه فكري جديد لتشكيل سلوك المراهقين نحو كيفية الانتقام أثناء الترفيه.
واختتم “العازمي” حديثه بقوله: “يجب على المواطن أن يستشعر أهمية الدور الذي يقوم به رجل الأمن، وألاّ يتأخر عن مساندته، ولو بالتوثيق، كما فعلت المواطنة فايزة الأحمدي، التي كشفت للجهات العليا هذا السلوك الإجرامي؛ فهي تستحق التكريم”.
وكان مقطع فيديو انتشر خلال الأيام الماضية يظهر مجموعة من الشباب -اتضح لاحقًا أن جميعهم مقيمون منهم مواطن واحد- يقودون دبابات على كورنيش جدة ويتعمدون دهس رجل أمن حاول ثنيهم عن إيذاء المارة، وهو الفيديو الذي أثار استياءً عارمًا على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع أمير منطقة مكة المكرمة إلى التوجيه بسرعة ضبط المعتدين.
وخلال ساعات، أعلنت شرطة جدة القبض على المتهمين الرئيسيين في القضية؛ حيث اعترفوا بتفاصيل الواقعة، قبل إحالتهم إلى جهة الاختصاص.