الأخبار المحلية

“زامر الحي لا يطرب”.. غادر قريته ولم يهتم به أحد وعاد إليهم دون جدوى

حين قال العجوز لصاحب المثل: “أخطأت إذ أتيت وإذ تدنيت وإذ تمنيت”

“زامر الحي لا يطرب” هو أحد الأمثال العربية القديمة، وهي تعني أن زمار الحي لا يطرب ساكنيه؛ وذلك لكثرة عزفه، الذي تتعود عليه الآذان، فيصبح حينها بلا قيمة لديهم؛ لأنه لا يقدم جديداً، ويضرب هذا المثل حينما يلقى المرء من جماعته تجهماً ونكراناً، ويشعر معهم بتدني القيمة وانعدام في التقدير.

تعود قصة المثل إلى أن زماراً نبغ في العزف على مزماره، فكان كل ليلة قبل مغيب الشمس، يُخرج آلته ويؤنس وحدته وهو يرعى قطيعه من الغنم، فكان الشاب يشدو بأجمل الألحان التي تنقلها الرياح لأهل قريته، فيستمعون لمطلعها، ثم ينشغلون بأعمالهم رغم عذوبة ألحانه، وكان إن مر بينهم لا يعيرونه اهتماماً ولا يشعرونه بحلاوة ما يصنع.

ظل الشاب على حاله يعزف كل يومٍ دون أن يسمع كلمة تحفيز واحدة، حتى مرّ عليه أحد الرحالة في يومٍ من الأيام، فاستوقفته ألحانه، وطلب منه أن يرافقه في مقابل أن يمنحه كل شهر ألف درهم، فوافق الشاب على عرض الرجل الرحالة وسافر معه إلى قرية ليست ببعيدة، وهناك أعلنوا عن حفلة كبيرة عزف بها الشاب أعذب الألحان، ونال رضا وتصفيق الجمهور.

وهكذا حفلة تلو الأخرى ذاع صيت الفتى واشتهر في كل القرى المجاورة، ولما اغتنى الزمار واشتهر تمنى أن يعود إلى قريته، وطلب من الرحالة أن يذهب معه هناك ويقومان معاً بعمل حفلة كتلك الحفلات التي أقاموها في القرى المجاورة، ولكن نصحه الرحالة بعدم الذهاب؛ لأن قريته لا فنّ فيها ولا مال.

ولكن شوق الفتى لأهله وأبناء قريته جعله يلحّ على الرحالة في الذهاب، وبالفعل ذهب الاثنان معاً في موكب مهيب، وحينما وصل الشاب أخذ يتأمل ربوته التي كان يجلس عليها ويعزف أول ألحانه، وحينما دخل الشاب اجتمع حوله الناس، ولكن لرؤية من صاحب الموكب المهيب، ولما خرج عليهم لم يعرفوه من حسن مظهره وثرائه، حينها ابتسم الشاب وأخرج نايه وأخذ يشدو به أجمل الألحان التي طالما سمعها الناس في قريته.

ولما انتهى الشاب من لحنه انتظر سماع صوت المصفقين، ولكنه لم يجد حوله سوى اثنين واحد منهما هو الرحالة والثاني شيخ عجوز، فقال له الرحالة: إن زامر الحي لا يطرب، وأما الشيخ العجوز فقال له: “أخطأت إذ أتيت، وأخطأت إذ تدنيت، وأخطأت إذ تمنيت”.

فسأله الشاب عن مقصده، فقال الشيخ الحكيم: أما الأولى؛ فأخطأت إذ أتيت من أرضٍ رحّبت بك لأرضٍ طردتك، فليس بعد الزيادة إلا نقصان، وأما الثانية فأخطأت إذ تدنيت، وكان يقصد بقوله ذلك الرحالة الذي كان يعطيه ألف درهم، ويكسب من ورائه ألف دينار، وأما الثالثة فأخطأت إذ تمنيت أن تجد الخير في أهلك بعد أن وجدته في غيرهم.