مختصة: وقف التنمر داخل الأسرة أول طرق مواجهة الظاهرة مجتمعياً
تُلاقي مشكلة التنمر خلال الأعوام الأخيرة اهتماماً من الجهات الحكومية والمجتمعية والتعليمية والإعلامية المختلفة، وخاصة في البيئة المدرسية بين الأقران من الطلاب والطالبات.
يبدأ التنكر من الأسرة، وفي بعض الأسر يكون الأب أول من يمارسه ضد زوجته وأبنائه، بل إن بعض الآباء يعتمدون التنمر وسيلة في التربية بزعم تحفيز الأبناء على تعديل سلوكهم.
وبشكل عام فإن من أهم مسببات التنمُر المظهر الخارجي والحالة الاجتماعية، أو لكون الشخص المعتدَى عليه خجولاً أو انطوائياً.
وتشمل مظاهر التنمُر: اعتداءات مباشرة كالضرب، والتهديد والتخويف، والإغاظة بشكل ضار أو التعنيف والشتم، وسرقة أو إتلاف ممتلكات الغير، والتلميحات والتعليقات الجنسية غير اللائقة، والاعتداء الجنسي.
أما في الحالات الأقل حدة أو عنفاً، فإن التنمُر قد يشمل الترويج لشائعات، أو نشر معلومات مخجلة عن شخص ما، أو توبيخه، أو تشجيع الآخرين على معاملته بازدراء.
الأسباب
وحول أسباب الظاهرة أوضحت مدير إدارة الوقاية والبحوث العلمية ببرنامج الأمان الأسري الوطني المشرف على المشروع الوطني للوقاية من التنمر الدكتورة فاطمة الشهري، في ورقة عمل قدّمتها خلال ملتقى الوقاية من العنف والتنمر بمدارس التعليم العام، أنّ معظم الدراسات الاجتماعية حيال موضوع العنف والتنمّر اتفقت على أنّه سلوك ناتج من التفكك الأسري، والمعاملة السلبية التي تتسم بالقسوة، والإهمال، واللامبالاة، والتسلط، والتساهل، والرفض، والحرمان العاطفي، إضافة إلى مشاهدة العنف في المنزل.
أخطار مركَّبة
يؤثر التنمر بصورة سلبية للغاية على الضحية خاصة إذا استمر لفترة طويلة، ويصل به الأمر إلى أمراض نفسية مثل الإحباط، أو جسدية مثل الصداع، وقد تكون النتائج خطرة لدرجة أنها قد تؤدي بالضحية إلى الانتحار للتخلص من الإحساس بالإهانة والذل، فقد أثبتت الدراسات أن ضحايا التنمر يكونون عرضة للتفكير بالانتحار أكثر بمقدار 10 مرات عن غيرهم.
كما أن التنمر يمكن أن يؤدي إلى الانتقام، فيحاول الضحية الانتقام من المعتدي بإيذائه بأي شكل من الأشكال.
أما المتنمر ففي حال عدم منعه وإيقافه عن أفعاله في وقت مبكر ومعالجته فقد يؤدي به ذلك إلى التمادي وارتكاب جرائم أكبر في المستقبل مثل السرقة وتعاطي المخدرات.
مركز الأمان الأسري الوطني عن دراسة أجريت في المملكة، بيَّنت نتائجها أن التعرض للتنمر في مرحلة الطفولة يزيد من فرص ممارسة السلوكيات الخطرة لدى البالغين، وأن له علاقة بزيادة نسبة الإدمان والسلوكيات المعادية للمجتمع فيما بعد.
وأوضحت الدراسة أن ضحايا التنمر يكونون عرضة للتدخين أكثر بـ (1.8) مرة، ولشرب الكحول (2.3) مرة، وتعاطي المخدرات بـ (2.9) مرة، وعرضة أكثر للأفكار الانتحارية بـ (2.5) مرة مقارنة بالمشاركين في الدراسة الذين لم يتعرضوا للتنمر.
الوقاية
وكشف العلماء أن التنمر ظاهرة غير طبيعية وليست جزءاً من تطور نمو الأطفال، ولذلك الوقاية منه ممكنة في حال قامت كل جهة لها تأثير على الطفل بالإجراءات المفروضة للوقاية، وهذه الجهات هي: “الأهل، والمدرسة، والمجتمع”.
فمن ناحية التربية، يجب على الأهل توثيق الصلة مع أبنائهم والحفاظ على الحديث اليومي لمعرفة ما يحدث في المدرسة مع الأصدقاء لمعرفة ما إذا كان الطفل يعاني من أي مشاكل، ووقف كل صور التنمر في المنزل، وتربية الأبناء على الاحترام واتباع القوانين وعدم إيذاء الآخرين وتقدير مشاعرهم.
أما دور المدرسة فيكمن في تبني برامج الوقاية وتنفيذها في المدارس ووضع قوانين لمعاقبة المتنمر، كما يجب على المعلمين شرح آداب التعامل في الفصل والمدرسة وكيفية احترام كل منهم للآخر، وتشجيعهم على طلب المساعدة في حال وجود مشاكل بين الطلاب.
ويتحتم على المجتمع تغيير نظرته إلى التنمر باعتباره جريمة وعدم المشاركة فيه واحترام الفئات الضعيفة الأكثر عرضة له، وتبليغ مركز بلاغات العنف الأسري (1919) التابع لوزارة الموارد البشرية عن أي حالات إيذاء أو تنمر يتم ملاحظتها، لاستكمال دور الدولة المتمثل في وضع الحدود والقوانين الرادعة ومتابعة تنفيذها.
أخيراً حددت الدكتورة الشهري مراحل علاج من يتعرض للتنمر في الخطوات التالية: “الحوار والإنصات، والتشجيع وتعزيز الثقة بالنفس، وممارسة الأنشطة البدنية”، وللمعتدي: “توضيح العواقب لاستخدام العنف وإدماجه في الأنشطة التشاركية والقيادية”، وللمشاهد: “بالإبلاغ عن الحالات التي يشهدها، والتعايش مع المتعرضين للتنمّر والتعاون”.