مقولة “مؤسس” وحروب 3 و”جانحة”.. “الشاذلي” يبلور “رباط السعودية ومصر”
قال الكاتب المصري ياسر الشاذلي: إنه قبل نحو أكثر من مائة عام وتحديداً في 1902م ومع بداية بناء الدولة السعودية الثالثة، قال الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- مقولته الشهيرة: “لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب”، وهي المقولة التي مثلت لدى كل من الرياض والقاهرة ركنًا أصيلًا في العلاقة بين البلدين، انعكس في مواقف عديدة أثبتت عمق رؤية المؤسس واستراتيجيته بعيدة المدى والتي وضعت نقاط ارتكاز لأمن واستقرار الأمة العربية شرقها وغربها، وباتت وكأنها خارطة طريق للخروج من أي أزمات، فكانت آثارها واضحة رأى العين في مواقف مفصلية في تاريخ البلدين والمنطقة حتى اليوم.
وأوضح “الشاذلي” أن المملكة ومصر ليستا مجرد دولتين تحكمهما علاقات دبلوماسية أو معاهدات سياسية جافة أو جامدة، بل تجاوزتهما نحو صياغة شكل جديد من العلاقات التي انخرط فيها الشعبين بشكل لا يمكن فيه فصلهما عن بعضهما، حتى في ظل تغير الإدارات المصرية وتغير معسكرات انتماءاتها وعقيداتها السياسية ما بين الشرق والغرب، وتغير أيديولوجياتها وتوجهاتها القومية أو السياسية، كانت الدبلوماسية الشعبية تفرض على صاحب القرار في القاهرة الانصياع والتسليم لهذه العلاقات، فظلت مصر هي المحطة الأولى وهي الجغرافية الرئيسة التي تتجه لها بوصلة الدولة السعودية دائمًا، الحد الذي تطوع في جيشها دفاعًا عنها في 1956م عدد من أبناء الملك المؤسس -رحمه الله- ومن بينهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في سابقة تاريخية قل أن تشهدها علاقات بين بلدين.
وتابع: “بل قد لا يعرف الكثيرون خاصة من أبناء الجيل الحالي أن المملكة أعلنت في 30 أكتوبر 1956م حالة التعبئة العامة لقواتها المسلحة دفاعًا عن مصر ومساندتها لمواجهة العدوان الثلاثي الذي ضربها آنذاك، ووقفت بكل قوتها وعتادها وجيشها معها في أحلك لحظات احتياجها خلال مقاومتها لجيوش كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وتعرضها للاعتداء وقصف مدنها على قناة السويس، وفي باقي الحروب التي خاضتها مصر 1967م، و1973م، كانت السعودية هي السباقة دائمًا في مساندتها والوقوف معها، ودماء كثير من شهداء المملكة الذين دافعوا عن تراب مصر ما زالت تنير ثرى أرضها حتى يومنا هذا”.
وأردف: “إن التاريخ السعودي مع مصر بقيمته ومواقفه المشرفة ربما يحتاج إلى كثير من إلقاء الضوء عليه أمام أجيالنا الحالية، خاصة وأنه مليء بالأحداث الناصعة والمشرفة، التي تعكس أصالة ونبلًا قل أن تجدهما في أي علاقة مع أي دولة أخرى مهما بلغت قوتها، ما يؤكد أن السياسة ليست هي الحاكم الوحيد في تشكيل هذا التقارب والتماسك القوي بين البلدين، بل هناك ما هو أعمق وأبعد من السياسة في صياغتها وتثبيت أركانها”.
وبيّن: “وقد لفت مؤخرًا حماس السعوديين في دفاعهم عن مصر بل وفاق كل تصور، وهو ما لمسته بنفسي في قلق كثير من الأصدقاء في المملكة على مصر وهي تتعامل مع أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس، ومع حادثة تصادم القطارين في مدينة سوهاج جنوب مصر، وحرصهم الذي انقلب إلى خوف عليها في ظل ما تعرضت له القاهرة من سهام إعلامية على مدى أيام الأزمة، ومن تفسيرات شامتة لجماعات مثل الإخوان في تركيا وغيرهم وهم يمنون أنفسهم بفشل مصر بل ويراهنون على سقوطها ودخولها في دائرة من الفوضى”.
واختتم: “فكان السعودي أكبر داعم لها، بداية من قيادتها ودبلوماسيتها التي صاغت بيانًا من أقوى البيانات الدبلوماسية في تاريخ العلاقة بين البلدين، وهي تؤكد ثقتها قيادةً وشعباً في قدرة مصر على تجاوز هذا الامتحان العسير، بل وثقتها في حنكة إدارتها وحلها للأزمة، وهو بيان يتجاوز في قراءته الجانب الدبلوماسي نحو جوانب أخرى اقتصادية وأمنية وغيرهما، وكأنه رسائل عدة واضحة وحاسمة من الدولة السعودية عضو مجموعة العشرين وصاحبة الاقتصاد الأقوى في المنطقة والرقم الصعب في الاقتصاد العالمي، إلى كل العالم، أن مصر قوية وثابتة وقادرة على تجاوز الأزمات بحكمة وقوة وصلابة، ليكون الصوت السعودي في هذه الأزمة كعادته في باقي الأزمات هو الأقوى بل والأفضل في ظل أصوات أخرى بدت باهتة خافتة مترصدة أكثر منها داعمة أو مساندة… حفظ الله المملكة وحفظ الله مصر فهما الركن الرئيس لهذه المنطقة من وقت الملك المؤسس، وحتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير القائد المجدد محمد بن سلمان حفظهما الله، وإلى آخر ما يكتب الزمان بإذن الله وفضله”.