مقابلة ولي العهد.. حضور مبهر عززته ثقافة الأمير وسعة اطلاعه
لم تكشف مقابلة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي بثها التلفزيون الرسمي وأهم شبكات التلفزة العربية عما تحقق من رؤية 2030، وحجم التطور والتنمية التي تعيشها المملكة فقط، بل كشفت كذلك عن جوانب من شخصية وثقافة الأمير، وسعة اطلاعه، وحضوره القوي البارز في الملفات المحلية والدولية.
ولا شك فمن تابع اللقاء التلفزيوني، سيلحظ الحضور الذهني القوي للأمير، وكاريزميته الطاغية، فمع كل سؤال لمحاوره عبدالله المديفر، كان ولي العهد يجيب إجاباته الشاملة الوافية بابتسامة عريضة، ومدعومة بالأرقام، وليست فقط مجرد أرقام تقريبية، بل الأرقام الدقيقة لكل ملف من ملفات الدولة بشكل لافت للأنظار، ولعل ولي العهد يستمد حرصه على تعزيز معلوماته ورده بالأرقام من الحكمة القديمة: “أن الأرقام هي لغة الكون وهبها الخالق للبشر من أجل تأكيد الحقيقة”.
ولم يكن ولي العهد بحاجة إلى الأوراق ليستقي منها أرقامه الدقيقة، فقد كانت حاضرة في عقله وذهنه، فهي مستقاة من ملفات يعمل عليها ليل نهار بلا كلل أو ملل طوال السنوات الخمس الماضية؛ لتحقيق مستهدفات رؤية 2030 الطموحة.
سعة اطلاع ومعرفة
كما كانت لسعة اطلاع الأمير وثقافته الواسعة الأثر الواضح على آرائه وإجاباته، فالأمير الذي أنهى دراسته الثانوية ضمن العشرة الأوائل على المملكة، كما درس القانون بتعمق في جامعة الملك سعود، حاصلاً على الترتيب الثاني على دفعته، لم تكن إجاباته وردوده مجرد استرسال أو “إكليشيهات” محفوظة مكررة، بل إجابات معمقة وتحليلات تتسق مع الواقع، وتستحضر الماضي بأرقامه وظروفه وملابساته، وتضع المواطن والمتابع سواء كان داخليًا أو خارجيًا على دراية بما يدور في مطبخ صناعة القرار السعودي بلا مواربة أو مجاملة.
فعندما سُئل الأمير عن التزام الدولة بمدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في تفسير القرآن والسنة، كان رده مباشرًا بعدم تأليه البشر، والالتزام بنصوص مدرسة معينة، وملمًا لقضية الاجتهاد في تفسير الآيات والأحاديث، وضرورة ذلك الاجتهاد، وضرورة عدم إغلاق العقول، ومنعها من الاجتهاد بما يتوافق مع الزمان والمكان.
وعندما تحدث ولي العهد عن قضية النفط، اتضح إلمامه الواسع بظروف نشأة المملكة، وظهور النفط في ذلك الوقت، لافتًا إلى أن تعداد سكان المملكة في تلك الفترة كان أقل من ثلاثة ملايين نسمة، فيما كانت الرياض في ذلك الوقت كان عدد سكانها 150 ألف نسمة فقط، في إشارة إلى حجم التطور الذي حدث في المجتمع السعودي عبر السنوات، وأصبحت هناك حاجة إلى البحث عن مصادر مساندة للدخل القومي.. وتلك الأرقام يستحضرها ولي العهد دون الحاجة إلى أوراق أمامه، بل هي نتاج اطلاع واسع.
كما ظهر ذلك الاطلاع بظروف الماضي وملابساته، عندما تحدث ولي العهد عن الإسكان، وحجم التطور الحاصل في ملفه، مشيرًا إلى أن مستوى نسبة الإسكان قبل الرؤية كانت 47 %، ورصد لها في عهد الملك عبدالله ـ رحمه الله ـ 250 مليار ريال في 2011، وفي 2015 لم يصرف منها إلا ملياران فقط ولم تستغل، وارتفعت في عهد الرؤية في السنوات القليلة الماضية إلى 60 %.
وحتى عندما تحدث ولي العهد عن العلاقات السعودية – الأمريكية كانت الأرقام أيضًا حاضرة، فقد وصفها في نسب مئوية، لافتًا إلى نسبة الاتفاق أكثر من 90 % مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، فيما تشكل الأمور المختلف عليها 10 %، وتعمل القيادتان على إيجاد الحلول لها والتفاهمات لها، وتحييد خطرها على البلدين.
وقس على ذلك كل تفاصيل الحوار الذي استغرق نحو ساعة ونصف الساعة، وما حمله من معلومات مدعومة بالأرقام والنسب المئوية، وما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية في ضوء الرؤية؛ فدراسة الأمير الشاب لدقائق الملفات المحلية والدولية، مكنته من وضع يده على نقاط الضعف ومكامن القوة، وإحداث الفارق على نطاق الكثير من الملفات، وهو ما يبلوره بقوله: “فكل الأرقام التي كان يعتقد أنها أرقام كبيرة وغير قابلة للتحقيق كسرناها، وصار أجزاء منها في 2020، وسنكسر كثيرًا من هذه الأرقام في 2025 مما يعني أننا سنحقق أرقامًا أكبر في 2030”.