“كلُّ فَتَاةٍ بأبِيْهَا مُعْجَبَةٌ”.. حديث خطير بين أربع نساء في ليلة مقمرة
عرف قدماء العرب جلسات السمر في الجاهلية والإسلام، ومنها تلك الليلة المقمرة التي خرجت فيها أربع نساء للجلوس والحديث في روضة زاهرة، فقدمت كل واحدة رأيها في أفضل النساء والرجال، لينتهي الحوار بأخطر عبارة عن الأب في تراثنا العربي.
*”كلُّ فَتَاةٍ بأبِيْهَا مُعْجَبَةٌ”
وعن هذه المقولة يروي أبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني في كتابه “مَجْمَعُ الأَمْثَالِ”:
يضرب (هذا المثل) في عُجْب الرجل برهطه وعشيرته وأول من قال ذلك العَجْفَاء بنت عَلْقَمة السعدى، وذلك أنها وثَلاثَ نسوة من قومها خَرَجْنَ فاتَّعَدْنَ (تواعدن) بروضة يتحدثن فيها، فوافَيْنَ بها ليلاً في قمرٍ زاهر، وليلة طَلْقَة ساكنة، وروضة مُعْشِبة خَصْبة، فلما جلسن قلن: ما رأينا كالليلة ليلة، ولا كهذه الروضة روضة، أطيب ريحاً ولا أنْضَر.
*أي النساء أفضل؟
ثم أفَضْنَ في الحديث فقلن: أي النساء أفضل؟
قَالت إحداهن: الخَرُود (الحيية طويلة السكوت) الوَدُود الوَلُود.
قَالت الأخرى: خَيْرُهن ذات الغناء (النفع) وطيب الثناء (السمعة)، وشدة الحياء.
قَالت الثالثة: خيرهن السَّمُوع (التي تسمع القول)الجَمُوع ( تجمع القلوب بالحب) النَّفُوع غير المنوع (تقدم الخير ولا تمنعه).
قَالت الرابعة: خيرهن الجامعة لأهلها، الوادعة (المحبة) الرافعة لا الواضعة (ترفع شأن أهلها ولا تضعه).
*أي الرجال أفضل؟
قلن: فأي الرجال أفضل؟ قالت إحداهن: خيرهم الحَظِىُّ (العالي الشأن) الرّضِيُّ (القانع) غير الحظال (غير البخيل)، ولا التبال (الأبله).
قَالت الثانية: خيرهم السيدُ الكريم، ذو الحسب (الخصال الحميدة) العميم، والمجد (العز والشرف) القديم.
قَالت الثالثة: خيرهم السخِيُّ (الجواد الكريم) الوفي الذي لا يُغِيرُ الحرة (لا يطلق ذات الأصل)، ولا يتخذ الضرة (زوجة أخرى).
قَالت الرابعة: وأبيكن إن في أبي لنَعْتَكُنَّ كرم الأخلاق، والصدقَ عند التلاق(الصلابة في الحرب)، والفلج (الفوز) عند السباق، ويحمده أهل الرفاق، قَالت العَجْفَاء عند ذلك: كلُّ فتاة بأبيها مُعْجَبة.
*رواية أخرى عن أي الرجال أفضل
وفي بعض الروايات أن إحداهن قَالت: إن أبي يُكْرِمُ الجار، ويعظم النار (يدعو الضيف في الصحراء)، ويَنْحَر العِشَار، بعد الحوار (ولد الناقة) أي (أن والدي كريم)، ويحل الأمور الكبار.
فَقَالت الثانية: إن أبي عظيم الخَطرِ، منيع الوَزَر (حصن لم يلجأ اليه)، عزيز النفر (الأتباع)، يُحْمَدُ منه الوِرْدُ والصَّدَر (القدوم والمغادرة).
فَقَالت الثالثة: إن أبي صدوقَ اللسان، كثير الأعْوَان، يُرْوى السِّنَان عند الطعان (مقاتل شرس في الحرب).
قَالت الرابعة: إن أبي كريم النِّزَال (مقاتل)، منيف المقَال (يحسن القول)، كثير النَّوَال (العطاء)، قليل السؤال، كريم الفَعَال.
*خيرُ النساء والرجال
ثم تنافَرْنَ إلى كاهنة معهن في الحي فقلن لها: اسمعي ما قلنا، واحكمي بيننا، واعدلي، ثم أَعَدْنَ عليها قولَهن، فقالت لهن: كل واحدة منكن ماردة (بلغت الغاية من قولها) ، على الإحسان جاهدة، لصويحباتها حاسدة، ولكن اسْمَعنَ قولي: خيرُ النساء المبقية على بعلها، الصابرة على الضراء، مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلقة، فهي تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة، وخير الرجال الجَواد البَطَل، القليل الفشل، إذا سأله الرجل ألفاه قليل العلل (لا يتهرب)، كثير النَّفَل (العطاء)، ثم قَالت: كل واحدةٍ منكن بأبيها مُعْجَبة.
*عن معنى هذه المقولة
وعن عبارة “كلُّ فَتَاةٍ بأبِيْهَا مُعْجَبَةٌ”، تقول الكاتبة الصحفية إيمان بنت عبدالله العقيل: “كنت وما زلت أشعر بأن البنت غالبًا ما تكون قريبة من أبيها كما هي قريبة من أمها، بل أكثر أحيانًا.. ليس لأنها أفضل من الولد، لكن لأن البنت ودودة بطبيعتها”.